لما سُجنتُ عندما كنتُ مراهقة؟

ترعرتُ على اليد الأفضل. ولا أعني بهذا والديّ فكانا أناس طيّبين يخافان الله ولديهما قيَم وأخلاق. بل أقصد توفيق الشاب الذي تعرّفتُ إليه عندما كنتُ في السادسة عشر من عمري. إلتقيتُ به وأنا عائدة من المدرسة إلى البيت. كان يراقبني منذ فترة ووجد فيّ الفتاة التي يبحث عنها. جاء نحوي وأوقفني قائلاً:

- عذراً آنستي... إسمي توفيق ومنذ فترة أودُّ التكلّم معكِ... أنتِ جميلة جداً فأعذريني على وقاحتي...

وبفضل وسامته وخبرته في النساء إستطاع جذبي وحملي على إستلطافه بسرعة. فقبلتُ أن أراه مرّة ثم إثنتين ومن بعدها كل يوم. وسرعان ما أصبحنا على علاقة حميمة رغم سنّي اليافع فأدخلني إلى عالم الملذّات الجسديّة، الشيء الذي لم أكن ﻷعرفه في محيطي الهادئ والمثالي. لم أخبر أحد عن تلك العلاقة والأماكن "الخاصة" التي كان يأخذني إليها والناس المشبوهة التي تعرّفتُ إليها وأنا بصحبته. كان كل شيء جديداً ومسليّاً وكنتُ سعيدة معه حتى جاء يوم وأراني كيساً كان بحوزته وبداخله بودرة بيضاء وقال لي:

- بفضل هذه المادة ستشعرين أنّكِ تملكين الدنيا وأنّكِ لا تُقهَرين.

- أهذه كوكايين؟ رأيتُ مثلها في الأفلام ولا أريد أن أتعاطاها فهي خطيرة جداً.

- لا بل هي مهمّة جداً وغالية الثمن. لا تكترثي لما يقوله الناس عنها فمعظمهم يتمنّون الحصول عليها ولكنهم لا يقدرون. أمّا أنا فلديّ الكثير منها. ألا تثقين بي؟ هل أذيتكِ يوماً؟

- لا...ولكن...

وسمعتُ منه وجرّبتُها وعشقتُ الشعور الذي ولّدته عندي. وهكذا أصبحتُ مدمنة على إحساس قوي ولكن قصير المدى وبتُّ أطلب الكوكايين كما لو حياتي لا معنى لها من دونها. ولكن توفيق بدأ يتباخل عليّ ويتحجّج أنّ ثمنها غالي ولا يستطيع تأمينها لي بإستمرار حتى أن أخبرني أنّ عليّ دفع جرعتي. وبما أني لم أكن أعمل فكان الأمر مستحيلاً. وعرض عليّ أن أعمل لديه:

- الأمر سهل جداً... أنتِ تلميذة في مدرسة مليئة بالمراهقين ولديكِ أصدقاء كثر... خذي هذه الكميّة وبيعيها لهم وسأعطيكِ نصيبكِ. هكذا ستؤمّنين جرعتكِ اليوميّة.

وبما أنّه لم يكن عندي خيار آخر قبلتُ بعرضه. وبدأتُ أتاجر بهذه المادة المحظورة بعد أن علّمني توفيق كيف أجد الأشخاص المناسبين لكيّ لا أعرض البضاعة على أيّ كان وأتعرّض للسجن. وصار عندي زبائني الخاصة يأتون إلى مكان هادئ حيث أنتظرهم ويأخذون كيسهم الصغير. ولم أفكّر يوماً أنّ ما أفعله كان سيئاً ﻷنّ هدفي الوحيد كان الحصول على المال وشراء ما يشبع إدماني. فعندما يطلب الجسد جرعته يصبح الإنسان كالمجنون ولا شيء يردعه عن الحصول على البودرة وتصبح الغاية تبرّر الوسيلة.

في هذه الأثناء لاحظ والديّ التغيير الذي لحق بي جسديّاً ونفسيّاً ناهيك عن خروجي الدائم من البيت والرجوع في أوقات متأخرة وحاولا التكلّم معي بالموضوع. وكان توفيق قد نبّهني من حصول هذا وعلّمني كيف أتحجج بسن المراهقة ﻷبرر تصرّفاتي:

- إيّاكِ أنّ تدعيهما يشكّان بالمخدّرات فحينها ستخسرين كل شيء بما فيه أنا. قولي لهم أنّكِ مشغولة بالإمتحانات وأنّكِ تبحثين عن نفسكِ ﻷنّكِ في سن ما بين الطفولة والرشد.

وهكذا فعلتُ وأسكتُّ شكوكهما فلم يكونا ليظنّا للحظة واحدة أنّ صغيرتهما هي تاجرة مخدّرات يقصدها المدمنون من كل أنحاء المدينة.

ولكنني لم أكن أعلم أنّ الشرطة تراقبني وأنّها قد دسّت بين زبائني مُخبر يسجّل ويصوّر كل صفقاتي. ورغم كل إحتراسي تمّ القبض عليّ في الجرم المشهود. وإنهار عالمي في لحظة. أخذوني إلى مركز الشرطة للتحقيق وبما أنني كنتُ ما زلتُ قاصراً تم إستدعاء والديّ اللذين وصلا المركز غير مصدّقين ما قيل لهما:

- هناك حتماً إلتباس في الإسم أو الشخص فإبنتنا ملاك!

ولكن بعدما أروهما الصور وأسمعوهما التسجيلات علِموا حقيقتي السوداء. وبدأت أمّي بالبكاء ونظر إليّ أبي بتعجّب وكأنّه يراني ﻷوّل مرّة. ثم قال لي المحقق:

- حظّكِ جيّد أنّكِ قاصرة... يمكنني مساعدتكِ إن أعطيتنا الشخص الذي يمدّكِ بالبضاعة.

- لا يوجد أحد سواي في هذه العمليّة... أنا المصدر!  

ضَحِكَ المحقق لسخافة حديثي فكان يعلم أنّ فتاة في عمري لا يمكنها جلب الكوكايين من المصدر.

- حسناً... ستدخلين السجن إذاً... وسيبقى الآخرون خارجاً ينعمون بحريّتهم... سيجدون سريعاً أحداً ليأخذ مكانكِ... كبش محرقة آخر... أنتِ ساذجة ﻷنّكِ مستعدّة لدفع الثمن لتغطية من سيتخلّى عنكِ في لحظة واحدة.

- هذا ليس صحيحاً! لن يتخلّى عنّي أحد! سأخرج من هنا بسرعة. سترون!

ولكنني بقيتُ بحوزة الشرطة وتمّ ترحيلي إلى سجن الأحداث ريثما يحين وقت جلسة المحاكمة. وهناك رأيتُ البشاعة والذلّ. وأسفتُ على حالتي وإشتقتُ إلى أهلي. وبما أني لم أعد أحصل على جرعتي من المخدرات مررتُ بأوقات صعبة جداً خلتُ نفسي سأموت خلالها من كثرة الألم. وبفضل طبيبة السجن إستطعتُ إجتياز النوبات التي كانت تنتابني. وبعدما نظِفَ جسمي من الكوكايين إستطعتُ رؤية الوضع كما هو وطلبتُ مقابلة المحقق لأعقد صفقة معه ولكن بعدما أتأكّد من نوايا توفيق الحقيقيّة لأنّه لم يزرني خلال مكوثي في السجن. فبعثتُ رسالة له تقول أنني أريد رؤيته وبسرعة. وعندما أتى وجلس أمامي قال لي:

- أنتِ فتاة قويّة وأعلم أنّكِ لن تليني.

- ولكنني أواجه عقوبة كبيرة... ألن تساعدني؟ فأنتَ تقول أنّكَ تحبّني...

- أحبّكِ كثيراً وسأكون بإنتظاركِ عندما تخرجين لِنستكمل عملنا سويّاً... في هذه الأثناء وجدتُ ريما وستواصل ما بدأتيه... إنّها كفوءة جداً!

كان المحقّق على حق. وبعد ذهاب توفيق إعترفتُ بكل شيء وأفشيتُ به ولأنّه كان معروفاً من الأجهزة وما كان ينقصهم سوى الأدلّة تمّ توقيفه وإدانته. أمّا أنا فكانت عقوبتي طفيفة لأنني قاصر ولأنّها كانت هذه جنحتي الأولى. وبعد فترة قصيرة تخرّجتُ من المدرسة وذهبتُ عند أقرباء لنا في إيطاليا لأبعد عن الأجواء التي مررتُ فيها ولكي لا يجدني توفيق وينتقم منّي.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button