لم تسامحني جارتي على كوني فقيرة ولكنّها دفعَت الثمن!

لم أعرف يوماً الراحة الماديّة. ولدتُ فقيرة وكبرتُ فقيرة. وبما أنّ الفقر يجلبُ الفقر، تزوّجتُ من رجل فقير مثلي. ولكن بسبب عملي الدؤوب في معمل السجائر، صعدتُ السلّم لأصبح مراقبة وبفعل هذا إستطعتُ تجميع بعض المال والإنتقال من مسكننا المتواضع جداً إلى آخر أكثر رفاهيّة. لم اكن أرى مانعاً لحرمان نفسي من كل شيء، لدفع الإيجار الباهظ فقط لأشعر أنني خرجتُ من وضعي الإجتماعي التعيس. وكان سكان المبنى كلّهم من ذوي الدخل المرتفع، يعيشون حياة سهلة مليئة بالرفاهيّة بينما كنتُ أنا أعمل من الصبح حتى المساء وأعود إلى المنزل لأرى زوجي البائس وأنام لأحلم بأنني سيّدة مجتمع، ألتقي مع جيراني حول فنجان شاي وقالب من الحلوى الفرنسيّة.

وفي يوم من الأيّام، بينما كنتُ في المصعد، دخَلَت إحدى جاراتي ورائي وبعد أن تبادلنا السلامات بحركة من الرأس، خرجت لتذهب إلى شقتها وبقيتُ أنا لوحدي. وفجأة رأيتُ شيئاً يلمع في زاوية المصعد. إقتربتُ لأرى ما هو، فوجدتُ خاتماً من الماس والأحجار الكريمة. وعلمتُ أنّه قد سقطَ من تلك السيّدة دون أن تدري. قرّرتُ طبعاً أن أعيده لها في الحال، فكبستُ على زر طابقها. ولكن حين فُتِحَت أبواب المصعد تردّدتُ. قلتُ لنفسي أنني أستطيع إرجاعه في المساء بعد أن ألبسه قليلاً، فأنا لم أرى مثله بحياتي وكنتُ على يقين أنني لن أمتلكَ حلى كهذه أبداً. فصعدتُ إلى الشقّة ودخلتُ غرفتي وأقفلتُ الباب ورائي ووضعتُ الخاتم بإصبعي ووقفتُ أمام المرآة أقلّدُ السيّدات الثريّات بحركاتهنّ وأصواتهنّ.

وبعد أن إنتهيتُ، خبّأتُ الخاتم خوفاُ من أن يحصل له شيئ. وقررتُ الإنتظار حتى المساء لأخبر زوجي بالأمر ولأعطي الخاتم لصاحبته. ثم ذهبتُ إلى المصنع.

وعاد جميل بعد عمله وأطلعتُه على ما حصل. تفاجأتُ بردّة فعله:

- هذا ممتاز! سنبيع الخاتم ونقبض ثمنه ونشتري سيّارة!

- ماذا؟ هذا يعتبر سرقة! سأعيد الخاتم حالاً!

- تمهّلي! أريني إيّاه قبل أن تفعلي...

وجلسنا على الأريكة سويّاً نتأمل لمعان الخاتم وما كنّا سنفعل به لو كان لنا. وبعد أن تنهّدتُ مطوّلاً، أخذتُ قطعة المجوهرات هذه ونزلتُ عند جارتي لإعادته لها. فتحَت لي الباب ونظرت إليّ بتعجّب وقالت لي:

- ماذا تريدين؟ ليس لديّ مال أعطيكِ إيّاه!

- أنا جارتكِ... ألا تعرفينني؟

- جارتي؟ هاهاها! تقصدين أنّكِ إستأجرتِ الشقّة وتسكنين فيها وهناك فرق شاسع ... ألا ترَين أنّكِ لستِ في مكانكِ هنا؟ لما لا تعودين إلى حيث تنتمين؟

- كنتُ أريد فقط أن...

- أنا مشغولة جداً... لديّ حفلة عشاء أحضرها أنا وزوجي... حفلة خيريّة نعطي من خلالها المال لأناس مثلكِ... فقراء.

وأقفلَت الباب بقوّة. وبقيتُ واقفة مكاني أنظر إلى الباب وأفكّر بالذي حصلَ. للحقيقة لم أتخيّل للحظة أنّ وجودنا في المبنى قد يزعج أحد وأنّهم ينظرون إلينا هذه النظرة الفوقيّة. عدتُ إلى المنزل حزينة جداً. عندما رآني زوجي هكذا، خالَ أنّ السيّدة ظنَّت أنني سرقتُ الخاتم منها وبدأ يهدّد ويصرخ. هدّأته وأخبرتُه بالذي جرى. سكتَ مطولاً ثم قال:

- لا تعطيها الخاتم فهي لا تستحقّ أناس مثلنا. أراهن أنّها لم تلاحظ حتى فقدانه لكثرة مجوهراتها. إسمعي منّي وتعالي نبيعه فنحن بحاجة إليه أكثر منها.

- لا! لن أتصرف بشيء ليس ملكي. سأعيده في وقت لاحق.

وتركتُ الوقت يمضي على أمل أن تكون جارتي قد هدأت وإنتظرتُ أن أتلاقى بها في المصعد أو المدخل، لأنني قررتُ عدم الذهاب إلى بيتها مرّة أخرى. ولكن لم تشأ الظروف أن أقع عليها مجدّداً.

وبعد مرور عدّة أشهر على الحادثة، سمعتُ من الناطور أن زوج جارتي وقع ضحيّة شريك نصّاب وأنّه أعلنَ إفلاسه بعد أن فقد كل شيء. لم أسرّ أبداً لسماع هذا رغم سوء معاملتها لي وقررتُ أن أقصدها وأن أعطيها الخاتم لكي تبيعه وتُيسّر أمورها. ولكنّها لاقتني بنفس الطريقة:

- أنتِ مجدداً؟ ألا تفهمين أنّه غير مرغوب فيكِ هنا؟

- إسمعيني فقط... لدي شيء...

- نحن أناس مشغلون جداً... لسنا مثلكم أنتم الفقراء!

- سمعتُ أنّكِ أيضاً أصبحتِ فقيرة يا... سيّدتي... ألم تتعلمي شيئاً من الذي يحصل لكِ؟

- إخرسي! أنا لستُ فقيرة! نمرّ فقط بفترة عصيبة وسنقف على رجلينا قريباً! إذهبي من أمام بيتي وإلا ...!

- كما تريدين... سأذهب ولن أعود مجدداً... أعدُكِ بذلك... لو تركتيني أتكلّم... الوداع...

- أجل الوداع لأنني سأكلّم باقي المستأجرين وأقنعهم بالتصويت لطردكم من المبنى!

- ولكن لماذا؟

- فقط لأنّكما مختلفين عنّا... وهذا بنظري سبب كافٍ.

عندها إعتبرتُ أنّ القدر يهديني هذا الخاتم لأنني فعلتُ المستطاع لكي أعيده وفي كل مرّة صدّتني صاحبته. فذهبتُ فوراً إلى بائع المجوهرات وبعتُ الخاتم وقبضتُ مبلغاً كبيراً جداً، إستعملناه لشراء سيّارة وأثاثاً للبيت. وبعد أقلّ من شهر علِمتُ أنّ جارتي تركَت منزلها وذهبَت لتعيش مع زوجها في بيت أهلها لأنّه لم يعد عندهما ما يكفي لدفع الإيجار.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button