لم أعد أعلَم بِمَن أثق بعد ما حصلَ لي

قصّتي غريبة جدّاً وحتى نفسي أجد صعوبة في تصديق أنّ كلّ تلك الأحداث حَصَلَت في عائلة واحدة ولي بالذات. فإلى حين ما بدأت الأمور تتدهوَر، كنتُ أظنّ أنّني زوج مثالي وأب عَرفََ كيف يعطي حنانه لأولاده. وإنتظرتُ طبعاً أن يعامِلَني أفراد عائلتي بالمثل.

كنتُ رجلاً عصامياً بدأتُ مِن لاشيء حتى أصبحتُ تاجر مجوهرات مشهور ولم أبخل على أحد ممّا رزقَني الله وخلتُ أنّ الإمتنان سيكون مكافأتي. ولكن الواقع كان مخالفاً لتوقّعاتي. أين أخطأت؟ وهل أخطأتُ فعلاً؟ تلك الأسئلة تجول في بالي بصورة يوميّة. والذي أطلقَ جنون كل مَن كان يعيش ويسكن معي، كان مجيء غسّان إلى حياتنا.

كان شابّاً وسيماً يعمل كأستاذ فنون مسرحيّة في الجامعة التي كانت ترتاد إليها إبنتي نور. وحصَلَ أنّهما شعرا بإنجذاب متبادَل وبدأا بالخروج سويّاً دون أن يدري أحد بالأمر. ولم يخطر على بالي أبداً أنّ فتاتي الصغيرة بلغََت سنّ الحادية والعشرين وأنّها أصبحَت كبيرة كفاية لِتحب وتُحَبّ، فعندما أخبرَتنا بوجود رجل في حياتها تفاجأتُ كثيراً وكذلك زوجتي. وعندما جاء غسّان إلى منزلنا حاوطناه بالأسئلة حرصاً على صغيرتنا ولكنّه كان ماهراً بإيجاد الأجوبة التي بإمكانها إقناع الأهل الأكثر قلَقاً. ورغم كلّ ذلك لم أرتَح له وطلبتُ مِن نور أن تتروّى بإتخاذ قرار قد تندم عليه. ولكنّ زوجتي لم تشاطرني الرأي ورأت فيه الصهر المثالي. لِذا إمتنَعتُ مِن التكلّم في الموضوع مجدّداً وإكتفيتُ بمراقبة ما سيحدث. وقرَّرتُ البدء في تحضير مجوهرات نور التي كنتُ سأصنعُها بيدي في مشغلي فوق المحل وأرَدتُها أن تكون أفضل وأجمل مُبتكراتي لِتلبسها أميرتي بفخر وإعتزاز. وبعد أيّام جاءَت نور وطلَبت منّي أن أوظّفَ حبيبها معي فأجبتُها:

 

ـ ولكنّني أعمل لوحدي وهذا ما فعلتُه مِن الأول...

 

ـ وستتغيرّ عاداتكَ عندما يصبح لكَ صهراً... سيكون بمثابة إبن لكَ... لو كان لديكَ ولداً لمّا علّمته مهنتكَ؟

 

ـ بلى... ولكنّ غسّان ليس إبني...

 

ـ ما بكَ يا بابا؟ عادة لا ترفض لي طلباً... هل تحبّني أقلّ مِن قبل؟

 

ـ أبداً... أبداً... حسناً يا صغيرتي... سأجدُ له شيئاً يفعله في المحل ولكنّني لن أعلّمه أسرار المهنة.

 

ـ أنتَ أفضل بابا في العالم!

 


وهكذا بدأ غسّان بمساعدتي في إستقبال الزبائن والإهتمام بهم وكان إيداءه جيّداً لأنّه كان يعلم كيف يكلّم الناس وخاصة النساء منهم ما عزّزَ عندي خوفي مِن أن يكون يلعب دوراً على فتاتي الصغيرة. فعندما وصلتُ المحل في ذاك صباح، وجدتُ القفل مكسوراً والمجوهرات مسروقة إتجّهَت شكوكي بالطبع نحو ذلك الرجل وذهبتُ فوراً إلى الشرطة لأبلّغ عنه. وأخذوه إلى التحقيق ولكنّه خرجَ بعد ساعتَين لأنّ إبنتي قالَت أنّه كان معها طوال الليل. فوجئتُ كثيراً لأنّني لم أكن أدرك أنّ نور تقضي الليل مع غسّان خاصة أنّني لم ألاحظ أنّها خرجَت مِن المنزل ولكنّها إعترفَت لي أنّها تنتظر حتى ننام لتوافيه في شقتّه الصغيرة. وهذا الخبر أحزنَني أكثر مِن السرقة ذاتها ولكنّني سكتُّ لأنّهما كانا سيتزوّجا قريباً وسيُصلحا ما دارَ بينهما. وفتّشَت الشرطة عن السارق دون جدوة ووقعتُ في إفلاس بشع لم أعرفه بحياتي لأنّني كنتُ قد إستثمَرتُ كل ما لديّ في المحل دون أن يخطر على بالي أن آخذ بوليصة تأمين على بضاعتي. وأصِبتُ بإكتئاب شديد ووقفَت إبنتي وزوجتي إلى جانبي وحاولتا التخفيف عنّي بشتّى الطرق. وتأجّلَ الزفاف إلى حين تتحسّن معنويّاتي وأجد سبيلاً لإقامة ولو حفل بسيط لإبنتي الوحيدة. وفي تلك الفترة حصَلَ شيئاً قلَبَ الموازين. ففي ذات يوم، دخلَت إبنتي المنزل وهي تبكي بمرارة وركضَت تُعانقني بقوة وتقول:

 

ـ سامحني يا بابا... سامحني... 

 

وبعد أن أفرغَت دموعها كلّها قالَت :

 

ـ الندل... أحببتُه... قال لي أنّني أغلى ما عنده... يا بابا!

 

ـ إهدئي ياحبيبتي وإروي لي القصّة مِن الأوّل.

 

ـ غسّان... غشّني وحمَلَني على...

 

ـ على ماذا؟

 

ـ على مساعدته على سرقتكَ!

 

ـ ماذا؟؟؟

 

ـ أجل... قال لي أنّ لديكَ المال الوفير وأنّ مالكَ هو مالي ولا داعي للإنتظار حتى... حتى تموت لنحصل عليه.

 

ـ أموت؟ وهل كنتِ في عجلة لأن تورثيني؟

 

ـ أجل ولكن دون أن تموت! فأقنعَني أن أوظّفه عندك ومِن ثمّ أن أؤمِّن له حجّة تبرّر مكان تواجده في وقت السرقة..

 

ـ لم تكوني معه؟

 

ـ لا! كنتُ هنا في المنزل!

 

ـ لا تخافي... سنبلّغ الشرطة فوراً

 


ـ ولكنّه رحلَ! تركَ لي رسالة علّقَها على بابه تقول بأنّه ذاهب إلى مكان بعيد مع... مع إمرأة أخرى! هل تصدّق ذلك؟

 

ـ لم أعد أعلم ما أصدّق أو لا أصدّق! ماذا يجري لنا؟

 

ـ سرقَنا وهربَ!

 

ـ سرقنا لأنّكِ ساعدتيه على ذلك... هذا الدلال الذي تربّيتِ عليه قادكِ على الإستهتار بِتعَبي... أين أمّكِ؟ هل علِمَت بالذي جرى؟

 

ـ لا... جئتُ فوراً إليكَ... سأخبرها بالأمر حين تعود مِن مصفّف الشعر.

 

ولكنّ دلال لم ترجع إلى البيت وحين أصبحت الساعة متأخرّة إتصلتُ بالصالون وقالوا لي أنّها لم تأتِ إليهم وبعدما فتّشتُ عنها في كل مكان إنتابني شعور غريب فركَضتُ إلى غرفتنا وفتحتُ خزانة ملابسها ووجدتُها فارغاً. جلستُ على السرير وبكيتُ لأوّل مرّة في حياتي. كنتُ قد خسرتُ مالي وإبنتي التي ساعدَت عشيقها على نهبي وزوجتي التي فرَّت معه.

وعندما علِمَت إبنتي بالذي جرى إنهارت كليّاً وأخذتُها إلى المستشفى حيث عولِجَت لمدّة طويلة فلم تستوعب أنّ ما فعَلَته بي مِن أجل حبيبها كان مخطّط حاكَته والدتها لتؤمِّن لنفسها ولغسّان حياة مريحة في مكان بعيد. وفي البدء لم نعثر عليهما لأنّهما بقيا يتنقّلان مِن مدينة إلى أخرى ومِن ثمّ غادرا البلاد. ولكنّ العالم صغير ورآهم أحد يعرفنا وقال لنا عن مكانهما. وكنتُ على وشك أن أبلّغ عنهما ولكنّني تراجعتُ فكان مِن الواضح أنّ زوجتي لم تكن تريدني وإلاّ ما فعلَت كل ذلك بي وبإبنتها فقرَّرتُ أن أنسي أمرها وأمر مالي الذي كان على الأرجح قد صُرِفَ. وركزّتُ على صحّة نور الجسديّة والعقليّة فلم أكن غاضباً منها لأنّها كانت صغيرة في السنّ ووقعَت ضحيّة محتالاً لَعِب بمشاعرها ومثّل عليها دور العاشق المتيّم بمساعدة أقرب الناس إليها.

وبعد حوالي السنَتين بدأت إبنتي بالتحسّن بفضل العلاج وإهتمامي بها. ولأنّني لستُ مِن النوع الذي لا يستسلم بسهولة عاودتُ العمل وأصبحَ لي زبائن كثُر وإستعدتُ سمعتي وشهرتي وبدأتُ أعيش مِن جديد.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button