أحياناً تحصل لنا أشياء لا نتخيّل وقوعها، إلا بالأفلام أو بالروايات ونجد أنفسنا وسطها ونفقد قدراتنا على إتخاذ القرارات المناسبة. وهذا ما حصلَ لي مع جنان أعزّ صديقاتي. كنّا نعرف بعضنا من صفوف الإبتدائي، أي من سنين طويلة وبقينا مقربتَين طوال فترة الطفولة ثم المراهقة. إفترقنا قليلاً عندما ذهبَت كلّ منّا إلى كليتّها ولكننا أبقَينا نوعاً من الإرتباط بيننا، عبرَ أخيها هيثم الذي كان أستاذاً في كليّتي. لم أكن أعرفه، لأنّه كان يعيش في فرنسا ولم يعد إلى البلد إلا من فترة قصيرة. كان يكبرها بخمسة عشرة سنة، فكان للحقيقة أخوها الغير الشقيق ولكن هذا لم يؤثّر على العلاقة التي كانت بينهما، فكان ينتبه لها ويرعاها كأيّ أخ كبير آخر. وبدأ هيثم يهتمّ بي أنا أيضاً، عبر التأكدّ أنّ كل شيء على ما يرام في الجامعة ويوصي أساتذتي بي. ومع مرور الأيام شعرتُ بتعلّق به ولكنّه لم ينتبه لهذا الإهتمام من جانبي لإنني كنتُ ما زلتُ صغيرة وإلا كان هدّأ من حماسي. وعلمتُ لاحقاً، أنّ له حبيبة من عمره وأنّه ينوي الزواج منها، فخاب أملي بالطبع ولكنني بقيتُ أكنّ له مشاعر عميقة. وكلّما أراه، كان قلبي يدقّ بسرعة وأفقدُ قدرتي على التكلمّ والتفكير. والشخص الوحيد الذي لاحظ إرتباكي، كان جنان، عندما جاءت لتزورني في الجامعة. ضحِكت عليّ ثم قالت:
- إنه رائع ... أليس كذلك؟ كل الفتيات أيضاً معجبات به ولكنّه لا يفكّر إلا بحبيبته.
- أنا لا...
- أعرفكِ كما أعرف نفسي فلا تنكري... إذا كنتِ متأكّدة من شعوركِ تجاهه أظنُّ أنني أستطيع مساعدتكِ...
- ماذا تقصدين؟
- لن أخبركِ الآن... سترين بنفسكِ...
ولم أسمع منها حتى بعد شهرين من لقائنا الأخير. بعثَت لي رسالة على هاتفي تقول: "الطريق مفتوح... أخي لم يعد مرتبطاً وعليكِ التصرّف الآن فهو حاليّاً بموقف ضعيف... حظّاً سعيداً!"
لا أنكر أنّ رغم إستغرابي والأسئلة العديدة التي دارَت برأسي، فرِحتُ كثيراً لهذا الخبر وبدأتُ أتقرّب من هيثم بشكل ملحوظ، حتى أنّه بدأ ينظر إليّ كإمرأة ولا كفتاة صغيرة كما كان يفعل في السابق. ووقَع في غرامي لا لأنّه يريد ذلك ولكن لأنّه كان يشعر بالخيبة بعد أن تركته حبيبته قبل فترة وجيزة من زواجهما. وبالرغم أنني شككتُ بأن لصديقتي دوراً بما حدث، لم أعبأ بالتفكير مليّاً بالموضوع، فكنتُ منشغلة بقصّة حبّي مع الذي سرقَ قلبي من أوّل لحظة. وأصبحنا ثنائيّاً يحسدنا كل من إلتقى بنا وبدأنا نفكّر بالإرتباط جديّاً. كانت فرحتي عارمة وحين إلتقيتُ بجنان قبلّتها بقوّة لأشكرها. كانت ستصبح يوماً قريبتي وكنتُ سأحصل على أفضل إبنة حمى في العالم! هي أيضاً كانت سعيدة لما يحصل وبدأَت ترافقنا أنا وهيثم أينما ذهبنا وتسمّينا "الثلاثي السعيد". في البدء لم أمانع أن تتواجد معنا ولكنّها لم تتركنا ولا لحظة. كنتُ بحاجة لأن أمضي بعض الوقت مع هيثم على إنفراد ولكن بات هذا مستحيلاً. حتى أنّها طلبَت منه أن تقيم معه في بيته "لِفترة قصيرة فقط" تحت ذريعة أنّها تمضي وقتاً طويلاً على الطريق من بيت أهلها إلى جامعتها. قبِلَ هيثم أن يستضيفها، أمّا أنا فرأيتُ بذلك تطفّلاً بحياتنا الخاصة ولكنني لم أقل شيئاً لحبيبي، فكنتُ أعلم مدى تعلقّه بها. وهكذا أصبحَت صديقتي ثقلاً عليّ، لدرجة أنني لم أعد أتمتّع بهيثم وأصبحتُ أفضّل ألا أراه. وبالرغم أنني كنتُ أعلم أنّها تستفيد من الوضع، لأنني مدينة لها بعلاقتي مع أخيها ولكنني كنتُ أجهل إلى أي مدى قد تذهب لتنال ما تريده. وعندما سألَتني جنان لماذا لم أعد أراهما كما في السابق، قررتُ الإفساح لها عن إستيائي لوجودها الدائم معنا. وعندما سمِعَت ما قلتُه لها إنقلبَت إلى إنسانة شريرة وبدأت بالصراخ:
- أهكذا تكافئينني على ما فعلته من أجلكِ؟ أنتِ تعلمين أنّ هيثم لم يكن ليفكّر حتى بالخروج معكِ لو بقيَت خطيبته معه. ولو لم أتدخّل لكنتِ وحيدة الآن! أنتِ ناكرة للجميل ولا تستحقّين صداقتي! وكما أبعدتُ تلك الفتاة أستطيع إرجاعها حين أشاء!
- لم تقولِ لي يوماً ما الذي فعلتيه لكي ترحل.
- قلتُ لها أن خطيبها مثلي وأريتها صوراً له مع رجال ركّبتُها بنفسي على الفوتوشوب.
- فعلتِ هذا بأخيكِ؟؟؟ وكيف تشوّهين سمعته هكذا؟ ماذا لو أشيع الخبر؟ وكيف خطَرَت على بالكِ فكرة كهذه؟ وكل هذا الجهد الذي بذلتيه... أنتِ شريرة!
- فعلتُ ذلك لكيّ نبقى سويّاً أنا وأنتِ ولا نفترق أبداً. أنا لا يهمّني أخي فهو كبير ولا أراه كثيراً... أنتِ صديقتي وبمثابة أختي.
لم أصدّق أنّ شخصاً يفعل ذلك وبهذه البساطة. وبعد حديثي مع جنان، شعرتُ بمرارة لدرجة أنني لم أعد أريد التعاطي معها أومع أخيها الذي لم يكن يحبّني. كيف قبلتُ أن أستفيد من ضعفه هكذا؟ وقررتُ أن أفسخ علاقتي معه. تألمّ لقراري هذا، ربّما لأنّه شعَرَ أنّه تمّ رفضه من قِبل إمرأتين في فترة قصيرة. لم أخبره عن سبب قراري لكي لا أسبّب له حزناً إضافيّاً. ومن بعد ذلك فتّشتُ على خطيبته السابقة وقابلتها وأخبرتها بالحقيقة. غضِبَت منّي كثيراً وأسمَتني "المراهقة الغبيّة" ووافقتها الرأي. فكان بإمكاني عدم التورّط مع هيثم ومنع جنان من التلاعب بحياة الناس، بدل أن أغضّ النظر عمّا كانت تخطّط له. وعندما عَلِمَ هيثم ما فعلناه قرّر الزواج من خطيبته والرحيل معها إلى بلدة أخرى بعيداً عن شرّ أخته. أنا أيضاً قررتُ الإبتعاد عنها، لأنني بدأتُ أخاف منها وممّا هي قادرة على فعله. فمَن يوقع بأخيه يمكنه التسبّب بالضرر لكثير من الناس. وبقيَت جنان لوحدها، حتى أن وجدَت أصدقاء جدد تدير حياتهم كما تشاء وتقرّر من يحبّ من ومن يترك من. أمّا أنا، فقرّرتُ البحث عن شاب يحبّني أنا وليس لأنّه يائس أو يريد الإنتقام ممن تركه.
حاورتها بولا جهشان