أحمُدُ ربّي كلّ يوم لأنه خلق أناس أغبياء، فوجودهم ساهم بشكل كبير في خلاصي من مأزق أوقعتُ نفسي به.
عليّ الإشارة أنّ قصّتي حقيقيّة رغم غرابتها وأنني لستُ فخورة بما فعلته ولكن كيف لي أن أرفض هذا المَخرج الذي قُدِّمَ إليّ على طبق من فضّة؟
كلّ شيء بدأ عندما إنتقل إلى مبنانا شاب مع زوجته وطفلهما الصغير، وحين رأيته لأوّل مرّة أحسستُ تجاهه بإعجاب كبير وهو أيضاً قاسمني هذا الشعور. في البدء قاومتُ بشدّة رغبتي بأن أكون بقربه بعدم التواجد معه في نفس المكان ولكن شاء القدر أن أغرم به رغم حبّي وإحترامي لزوجي وأب أولادي.
بدأنا نتواعد سرّاً مرّة في الأسبوع في فندق بعيد عن المنطقة، ثم مرّتين، ومن بعدها كلّ يوم تقريباً. كنتُ مدمنة عليه فإذا مرّ يوم من دون أن أرى خالد كنتُ أبقى كالمجنونة، أمشي في البيت كالأسد في قفصه. غياباتي لم تثر شكوك أحد لأنني كنتُ أقول لزوجي أنني في النادي أمارس الرياضة، وكونه موجوداً في عمله في هذا الوقت لم يكن ليتحقق إنْ كنتُ فعلاً هناك. أما زوجة حبيبي فكانت مشغولة بطفلها وتظنّ انه في مكتبه.
ومع الوقت كبِرَ حبّنا ليبلغ حدّ الجنون وعرض عليّ خالد أن نهرب سوياً ونترك كلّ شيء وراءنا.
أعجبتني الفكرة كثيراً وللحقيقة لم أفكّر ثانية واحدة قبل أن أوافق وبعد أيّام قليلة كنتُ قد وضّبت حقيبة تحتوي على مجوهراتي وأغراضي الشخصيّة. وفي ليلة لا ضوء قمر فيها أخذتُ سيّارة أجرة وذهبتُ إلى المطار لألاقي حبيب قلبي. أخذنا طائرة إلى قبرص حيث مكثنا في فندق صغير نتذوّق حبّنا دون أن يزعجنا أحد. كم كنتُ سعيدة! كنّا نمضي أيّامنا على شاطئ البحر ونأكل في المطاعم ونعود إلى غرفتنا في المساء كالعرسان الجدد.
وفي هذه الأثناء وجد زوجي الرسالة التي تركتها له والتي أقول له فيها أنني راحلة وكم كنتُ آسفة لهجره هكذا هو والأولاد. وزوجة خالد نالت الرسالة نفسها والمسكينة بدأت بالصراخ والبكاء. ولكن كل هذا لم يكن يهمّنا أبداً ونحن على غيمتنا ننعم بحبّ بلا حدود أو مسؤوليات.
ولكن بعد مرور شهرين على رحيلنا بدأتُ أصحو من غيبوبتي، فلقد مللتُ من هذه العيشة الأشبه بفرصة طويلة، كما أنني لم أعد أشعر بإحساس المغامرة الذي كان ينتابني كلّما أذهب لألاقي عشيقي سرّاً. كل شيء تغيّر عندما أصبحنا قادرين على التواجد سوياً قدرما نشاء ولأنني إشتقتُ كثيراً لأولادي. فقد بدَت لي عيشتي السابقة أجمل مما كنتُ أتصوّرها. إشتقتُ إلى تحضير الطعام وإنتظار صغاري عندما يعودون من المدرسة، وحتى إلى زوجي عندما يأتي في المساء ويُخبرني عن نهاره.
وهنا أدركتُ حقيقةً ما فعلته بعائلتي. كنتُ قد تركتهم دون أن أنظر ورائي حتى. كم كنتُ شريرة لأفعل هذا بمن أحبّني وإتّكل عليّ بكلّ شيء! كم بكوا أطفالي عندما لم يجدوني في المنزل وكم أسف زوجي على حبّه وفناءه لي!
ونظرتُ إلى خالد النائم إلى جانبي في السرير وعلِمتُ أنني لم أعد أشعر تجاهه بشيء. أصبح فجأة رجل غريب أريد الإبتعاد عنه بأسرع وقت. أيقظته وأخبرته بقراري بالعودة إلى عائلتي. لم يُفاجأ بكلامي فإعترف لي أنّه يريد أيضاً وضع حدّاً لما كنّا نفعله. وقال لي:
وكأنني صحوتُ من حلم طويل وخرجتُ من سحر ألقاه أحداً عليّ. ولكن كيف لنا أن نرجع بعد كل من فعلناه؟
أنتَ قلتها... أحد ألقى سحراً علينا!
لا تقولي لي أنكِ تعتقدين بهذه التفاهات!
لا تكن سخيفاً، فأنا لا أؤمن أبداً بالشعوذة، ولكن زوجي ترعرع بعائلة تذهب إلى البصّارين لإستشارتهم، وحماتي تخاف من صيبة العين أكثر من الموت نفسه. ولكن هل زوجتك أيضاً هكذا؟
لا تذهب إلى البصّارين، ولكنني سمعتها مراراً تروي قصصاً عن أناس كُتِبَ لهم السحر وكيف أثّرَ هذا على مجرى حياتهم.
حسناً... إليكَ ما سنفعله...
وفي اليوم التالي ركبنا طائرة أقلّتنا إلى بيروت، ولكننا لم نعد مباشرة إلى منازلنا بل إلى الفندق. ثم ذهبتُ إلى صديقتي الحميمة التي كانت على علم بما فعلتُه وطلبتُ منها أن تهيّئ الأجواء مع أهل زوجي بإخبارهم أنني موجودة في العاصمة وأنني إستفقتُ من سحر أُلقيَ عليّ من قبل أناس يغارون من نجاح زواجي وأرادوا أن يهدموا عائلتي وبأنني لا أفهم كيف حصل هذا ولماذا. كنتُ مُتّكلةً على صغر عقل حماتي ولحسن الحظ كان ظنّي في محلّه فعند سماع هذا تحمّست للموضوع وأخذَت على عاتقها إعادتي إلى عائلتي رغم إصرار زوجي بعدم رغبته برؤيتي مجدداً. ولكن عرفَت كيف تقنعه أنّ لا ذنب لي بالموضوع وأنني لستُ سوى ضحيّة الغيرة والحسد وعليه إحتضاني ومسامحتي بعد أن أجبِرتُ على فعل أشياء مُعيبة مع رجل غريب.
إتّصلَت بي حماتي بعدما هيّأت الظروف المناسبة لعودتي، فطلبتُ منها التكلّم مع زوجة خالد وأهلها وشرح الموضوع لهم فهو أيضاً لم يرد يوماً ترك المنزل ولكن قوّة غريبة أجبرته على ذلك فمن هو ليسطتيع مقاومة السحر الأسود؟
ثم أخذتني عند برّاج تعرفه جيّداً وأخبرَته القصّة بحذافيرها وطلبَت منه فك التعويذة بشكل نهائي. نظرَ إليّ الرجل وإبتسم قائلاً:
- لا بدّ أنّ هذا السحر قويّ جدّاً لجعلكما تهربان سويّاً أنتِ وجاركِ وفكّه سيطلب منّي أستجماع قوّتي بكاملها وطبعاً ستكون الجلسة مكلفة جدّاً ولكنني أتصوّر أنّكِ مستعدّة لدفع أي مبلغ للعودة إلى بيتِكِ.
- المال ليس مشكلة. قم بعملكَ.
وبدأ يتمتم كلمات سحريّة لا بد أنّه إخترعها من وحي المناسبة وجعلني أشرب سائل طعمه مرّ وطلب منّي أن أدور على نفسي عشر مرّات وأنا أقول: "أيّتها الروح الشرّيرة أخرجي منّي ولا تعودي".
حماتي كانت في ذروة الحماس وكأنّها هي التي كُتبَ لها حتى أنّها هي التي سدّدَت ثمن الجلسة. وعند خروجنا من منزله أخذ الرجل بذراعي وقال لي:
- إحترسي فلن أستطيع مساعدتكِ في المرّة القادمة.
تفاجأتُ كثيراً عندما دخلتُ بيتي فكان الجميع بإنتظاري وكانوا قد حضّروا مائدة مليئة بالطعام والحلوى بقصد الإحتفال. جاء زوجي وأولادي وعانقوني قائلين: "الحمد لله على سلامتكِ".
بالطبع شعرتُ بالخجل تجاههم لِما فعلتُ بهم ولكن ما ذنبي إنْ كانوا يُصدّقون كل شيء؟ وبهذه الطريقة الملتوية إستطعتُ فتح صفحة جديدة في حياتي ونسيان تلك النزوة التي كادت أن تُفقدني كل شيء. أماّ بالنسبة لخالد فلم يستطع إقناع زوجته بنظريّة السحر وخيّرته بين الطلاق أو الإنتقال إلى منزل بعيد مّني فرحلوا ولم أعلم شيئاً عنهم منذ ذلك
حاورتها بولا جهشان