لا، لن أدع حماتي تأخذ إبنتي مني!

كم بكيتُ عندما توفِيَ زوجي من جرّاء نوبة قلبيّة... مَن كان ليتصوّر أنني سأصبح أرملة في الثالثة والعشرين من عمري وأنني سأتحمّل مسؤوليّة تربية إبنتي عبير البالغة من عمرها سنتين لوحدي. وفور إنتهاء مراسيم التشييع، جاءت حماتي وعرضت عليّ العيش معها ومع بنتها ولكنني رفضتُ بتهذيب، مفضّلة البقاء في بيتي الزوجي. ولكنني وعدتها أنني سأضع إبنتي عندها خلال النهار، عندما أجد عملاً. وبقيتُ على وعدي وحين بدأتُ عملي في صالون للتزيين، بدأتُ أوصل عبير في الصباح إلى بيت حماتي وآخذها في المساء. ولكن رغم سنّها الصغير، بدأتُ أشعر بتغيير بتصرفات إبنتي. فعندما كنتُ أمرّ بعد عملي لآخذها، كانت تبدأ بالبكاء وتعانق جدّتها أو عمّتها بقوّة، رافضة المجيء معي وصارَ يلزمني دقائق طويلة لإقناعها بالمجيء معي. ولكنني ظننتُ أنّ غيابي عنها لساعات، جعل منّي وجهاً غريباً بالنسبة لها. ولكن الحقيقة كانت مختلفة تماماً ولزمني أكثر من سنة لأعرف ما الذي كان يجري، أي حين أصبحَت عبير قادرة على التكلّم والتعبير بطلاقة.

ففي يوم من الأيّام وعندما كنتُ أحمّمها، سألَتني طفلتي:

- أين البابا؟

- البابا في مكان جميل هناك في السماء.

- هل هو سعيد هناك؟

- أجل... فهو مع كل الذين سبقوه يعيش بهناء ويحبّنا كثيراً.

- وأنتِ تحبّينه أيضاً؟

- جداً جداً...

- ولِمَ قتلتيه إذاً؟

- ماذا؟؟؟ أنا لم أقتله، بل مات بنوبة قلبيّة! لِمَ تقولين هذا؟

- أنا لم أقل شيئاً... جدّتي قالت لي أنّكِ قتلتيه...

عانقتُ إبنتي بقوّة وطمأنتها ووعدتُ نفسي أن أسأل حماتي عن الموضوع في اليوم التالي. وعندما فعلتُ، ضحِكَت وقالت أنّ الأولاد يختلقون القصص وأنّ خيالهم واسع جداً وأن عليّ تجاهل هكذا أفكار، لأنّها ستزول لوحدها. وبما أنني أعرف ميل الأولاد إلى إختلاق الأكاذيب، لم أعر أهمية للموضوع. وأصبحَت إبنتي صعبة المزاج معي، لا تنفّذ ما أطلبه منها، بل فقط ما تقوله لها حماتي وكأنّها هي أمّها. وقعتُ في حيرة، لأنني كنتُ مجبرة على العمل ولم أكن أجني كفاية لوضعها في مركز رعاية، فصبرتُ سنة إضافيّة إلى حين تذهب إبنتي إلى المدرسة. ولكن المفاجأة الكبرى، كانت عندما سمعتُ عبير تنادي جدّتها "ماما". لم أقل لها شيئاً رغم حزني الشديد ولكن عندما وصلنا إلى البيت قلتُ لها:

- حبيبتي... أنا الماما وليس جدّتكِ.

-هي طلبَت منّي أن أناديها هكذا... قالت أنّ الأم هي التي تهتمّ بالولد كما هي تهتم بي.

عندها وعدتُ نفسي أن أتكلّم مع حماتي، لأنّه من الواضح أنّها تتمادى كثيراً وتنسى مكانتها الحقيقيّة ولكنني تفاجأتُ بردّة فعلها:

- عرضتُ عليكِ العيش معنا ولم تقبلي... وضعتِ البنت عندنا معتقدة أنني جالسة أطفال... أنّها لنا وتحمل إسمنا... ماذا فعلتِ أنتِ؟ أنجبتيها؟ الحيوانات تنجب ولكن الناس تربّي.

- ماذا تريدينني أن أفعل؟ عليّ الذهاب إلى العمل، لتحصيل لقمة العيش. تريدينني أن أربّيها؟ حسناً من اليوم وصاعداً لن أجلبها إلى هنا. وداعاً!

ونفّذتُ وعدي. دخَلت إبنتي المدرسة وباقي النهار جعلتُها تذهب عند جارتي التي عرضَت عليّ مجالستها. ولكن حماتي لم تكن مستعدّة أن تنسى الموضوع، فبعد فترة قصيرة وصلَني في البريد مكتوباً من المحكمة يطلعني أن دعوى أُقيمت للحصول على حضانة إبنتي. إرتعبتُ كثيراً وسألتُ أصدقائي عن محام يمكنه مساعدتي ووجدتُ أحدهم. وعندما شرحتُ له الوضع ورأى في أي حال كنتُ، قبِل أن أوكّله. فبعد أن فقدتُ زوجي الحبيب، لم أكن مستعدّة للعيش من دون إبنتي. وبدأَت معركة شرسة ووسخة جداً. في المبدأ، إن حضانة البنت في هذا العمر، تعود للأم ولكن حماتي ألقَت تهم عديدة عليّ لتشوّه سمعتي وتجعل منّي أم غير كفوءة. فلم تتردد على القول أنني لم أكن في البدء زوجة صالحة وأن وفاة المرحوم سببه المشاكل العديدة التي كانت تحصل بيننا والتي سبّبت حالة ستريس قويّة أثّرت على قلبه. وذلك لم يكن صحيحاً بالطبع، لأننا كنّا سعيدين سويّاً ويسود بيننا جواً من التفاهم والتناغم. ثم إدّعت أنني أهمل إبنتي وقالت أنني لم أكن أنتبه إلى تغذيتها أو نظافتها إضافة إلى تركها طوال النهار. القسم الصحيح كان أنني كنتُ بالفعل مجبرة على تركها بينما أذهب إلى عملي ولكن ما عساي أن أفعل؟ وقبل أن تصدر المحكمة حكمها، جاء صاحب صالون التزيين الذي أعمل فيه وقال لي:

- لطالما كنتِ موظفة مثالية ولم أشتكِ منكِ يوماً... الزبائن تحبّكِ وتطلبكِ شخصيّاً حتى أن بعضها لا تقبل إلا بكِ... وبعد أن علِمتُ ما يحصل لكِ وكم أنتِ تتعبين لتأمين حياة كريمة لطفلتكِ، قررتُ أن أوظّفكِ بنصف دوام...

- ولكن في هذه الحالة لن يكفيني المعاش.

- دعيني أكمل... ستعملين فيما إبنتكِ في المدرسة وتعودين معها إلى البيت لتكوني معها وستقبضين نفس المبلغ.

ركضتُ إليه ووضعتُ قبلة قويّة على خدّه وشكرتُه على قلبه الكبير. وهكذا بقيَت عبير معي وفزتُ على حماتي الشريرة. ولكنني لم أحرم إبنتي من عائلة أبيها. كل أسبوع بدأتُ آخذها إليهنّ وأبقى معها حتى نعود إلى البيت. لم أجرؤ على تركها لوحدها هناك، خوفاً من أن يخطفوها أو أن يجعلوها تكرهني. وفي يوم من الأيّام قلتُ لحماتي:

- لا أفهم لماذا فعلتِ هذا... أنتِ تعلمين كم كان إبنكِ سعيداً معي وكم كنّا نحبّ بعضنا...

- أنا آسفة... لا أدري ما الذي دهاني... ربّما أردتُ أن أتكمّش بآخر شيء تركه وراءه أي إبنته... أنا أم وكان عليّ أن أشعر معكِ... أنتِ لا تعرفين كم هو مؤلم أن تفقد أم ولدها... أرجو ألا يحصل هذا لكِ أبداً... وأرجو ألا تحرمينني يوماً من حفيدتي.

- لن يحصل هذا أبداً... أعدكِ بذلك ولكن حسب شروطي!

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button