مَن منّا لا يعرف القول الشهير"لا تكره شيئاً لعلّه خير"؟ وفي حالتي كان الخير شخصاً وليس شيئاً وشكرتُ ربّي على وجوده بعدما فعلتُ كل ما بوسعي للتخلّص منه. أتكلّم عن ماهر صديق طفولة زوجي والذي لازَمه خلال كل مراحل حياته.
عندما تعرّفتُ إلى جهاد، تعرّفتُ في اليوم التالي على ماهر. في البدء وجدتُ الموضوع ظريفاً أعني أن تكون هكذا صداقة موجودة خاصة في أيّام إعتدنا فيها أن نرى المكر والخيانة في كل مكان. ولكن بعد فترة بدأتُ أشعر بالحاجة لأكون مع حبيبي لوحدنا وأن نتكلّم بحريّة وأن أنال شيئاً مِن الخصوصيّة. لِذا وبكل لطف طلبتُ مِن جهاد أن يترك صديقه في بيته عندما يأتي ليراني وشرحتُ له أسبابي لكي لا يظنّ أنّني أرفض ماهر لِشخصه.
وبعد جهد جهيد إستطعتُ أن أحظى بلقاءات منفردة وكنتُ سعيدة لذلك. وتبّينَ أن علاقتنا كانت ناجحة لِذا قرّرنا أن نقضي حياتنا سويّاً. لِذا أعلنّا خطوبتنا وبدأنا نرتّب تفاصيل الزفاف. هنا أيضاً علِمتُ أنّ خطيبي يستشير صديقه بكل شاردة وغِضبتُ لأنّني شعرتُ أن ذلك الشاب أهمّ منّي في نظره. ولكنّني لم أقل شيئاً خوفاً مِن أن ينقلب الوضع عليّ وأخسر جهاد وقلتُ لنفسي أنّني سأتخلّص مِن وجود ذلك المتطفّل بعد الزواج.
ولكن مع مرور الأيّام تحوّلَ شعوري مِن غضب وإستنكار إلى كره عميق حتى أن باتَ الموضوع يشغل بالي طوال الوقت. وجاء اليوم المنتظر ولم أفرح كما كان يجب لأنّني خلال حفلة زفافي كنتُ أراقب ماهر لأبعِد عريسي عنه كلّما إقتربَ لأفهمه أن أيّام هيمنته على حياتنا إنتهَت. ولكنّني كنتُ الوحيدة المستاءة مِن الوضع لأنّ الصديقَين كانا يستمتعان بوقتهما أكثر منّي.
وحالما عُدنا مِن شهر عسلنا قرّرتُ التكلّم مع زوجي وإنهاء ما كنتُ أسميّه بالمهزلة:
ـ حبيبي... هل تحبّني فعلاً؟
ـ بالتأكيد! ما هذا السؤال؟
ـ أحياناً أشعر أنّكَ تفضّل رفقة ماهر أكثر...
ـ أبداً... ماهر هو صديقي منذ ما كنّا صغاراً ولدَينا قواسم مشتركة كثيرة وأحسبُه أخي... أنتِ حبيبتي وزوجتي.
ـ ولكنّه دائماً معنا وأنا لم أتزوّج منه بل منكَ... والأمر يزعجني كثيراً... ويؤثّر على نفسيّتي...
ـ ماذا تريدينني أن أفعل؟
ـ قُل له أن يبتعد عنّا وأن يدعنا وشأننا... عليه أن يستوعب أنّ أيام عزوبيّتكَ إنتهَت وأنّكَ أصبحتَ رجلاً متزوّجاً... هل ستفعل ذلك أم أنّكَ ستفضّله عليّ؟
ـ سأتكلّم معه.
لم أعلم ما الذي قالَه زوجي له ولكنّ ماهر بدأ يبتعد عنّا شيئاً فشيئاً حتى أنّنا لم نعد نراه عندنا في البيت ولم يعد جهاد يخرج بصحبته. وسُررتُ جدّاً لذلك وشعرتُ بإرتياح كبير وبأنّني أصبحتُ فعلاً زوجة جهاد. صحيح أنّ زوجي كان حزيناً لِغياب صديقه ولكنّ الأمر لم يزعجني كثيراً لأنّني كنتُ سأعوّض عليه هذه الخسارة.
ومرَّت الأيّام وأنجبنا بنتاً جميلة أسميناها نور وعملنا جهدنا لنكون والدَين صالحَين لها ولِنؤمّن لها كل ما يلزمها. لذا إنكبّ جهاد على عمله ليكسب مالاً كافياً لنعيش برخاء. ولأنّه كان إنساناً مجتهداً وذكيّاً توصّل إلى أن يصبح نائب رئيس الشركة الذي يعمل فيها وإستطاع أن يأخذ قرضاً مِن المصرف لشراء منزلاً كنتُ قد رأيتُ مثله في إحدى المجلات. وعندما أخذَني لأراه بدأتُ أصرخ مِن الفرح خاصة بعدما رأيتُ حوض السباحة الجميل الذي كان يتوسّط حديقة مزروعة بألف وردة ووردة. وعانقتُ زوجي وقبّلتُه قائلة: "سنكون سعيدين هنا... أنا متأكدّة مِن ذلك!."
وإنتقلنا إلى بيتنا الجميل وتحضّرنا لمستقبل واعد. وحين بلغَت نور سنتها الثالثة وبينما كنتُ أنظمّ لها حفل عيد ميلادها جاء جهاد إلى المطبخ وقال لي متردّداً:
ـ لديّ خبراً... لا أعلم إن كان سيزعجكِ...
ـ قل يا حبيبي.
ـ لقد دعوتُ ماهر إلى الحفل... إشتقتُ إليه كثيراً وعلِمتُ أنّه كان مريضاً وأسفتُ جدّاً لأنّه لم يخبرني بذلك لأكون بقربه... أرجو ألاّ يضايقكِ ذلك.
ـ لا... لا بأس... إنّه صديقَكِ... أهلاً وسهلاً به.
وبالرغم أنّني حاولتُ جهدي لكي لا أظهر إستيائي كنتُ قد شعرتُ بقلبي يدقّ بسرعة وكأنّ شيئاً عظيماً حصلَ لي وعادَ إليّ بلحظة واحدة كل غضبي وكرهي لذلك الرجل. ولكنّني هدأتُ بعد دقائق لأنّني أقنعتُ نفسي أنّني لن أراه مطوّلاً وأنّه سيرحل حين ننتهي مِن الأحتفال. وعندما رايتُه في ذلك اليوم ألقيتُ عليه التحيّة بتهذيب ودعوتُه للدخول وتمنّيتُ عليه أن يستمتع بوقته. وبدأت المعازيم تتوافد وتناسيتُ وجود ذلك الصديق المتطفّل. وعرّفَه جهاد على نور التي أحبَّته كثيراً وأرَته جميع ألعابها قبل أن تلحق بأصدقائها الصغار واللهو معهم. وقطعنا قالب الحلوى وسط التصفيق والتمنيّات بعمر طويل لصاحبة العيد وأمضينا سهرة جميلة. ولكنّني لم أضيّع فرصة لمراقبة ماهر وجهاد خوفاً مِن أن يسترجعا صداقتهما القديمة وأقع في المشكلة نفسها. ولكن عند إنتهاء الحفل أخبرَني زوجي أن صديقه يشعر بتوعّك بسبب حالته الصحيّة وأنّه لا يريده أن يعود لوحده إلى بيته وقال لي أنّه سيرافقه وينام عنده ليرتاح باله عليه. عندها صرختُ له:
ـ لا! أوصِله وعُد إلينا!
ـ لا أستطيع تركه... أنا آسف ولكنّني لن أتخلى عنه.
ـ حسناً... ما رأيكَ لو نام ماهر هنا... لدينا غرفة فارغة... هكذا لن ينشغل بالكَ عليه.
كنتُ قد عرضتُ هذه الفكرة لأنّها كانت بالنسبة لي أفضل مِن أن أدَع زوجي لوحده معه لأنّني كنتُ أعلم أنّهما سيقضيان وقتهما بإسترجاع الذكريات وسيشعر جهاد بحنين لأيّام الماضي. وجهّزتُ الغرفة المذكورة وذهبَ ماهر لينام وتمنّينا له ليلة هادئة والشفاء العاجل وذهبنا أيضاً إلى غرفتنا وشكرَني زوجي على إستضافتي لِصديقه. وفي الصباح قمتُ أحضّر الفطور كالعادة ووجدتُ ماهر صاحياً يجلس في الصالون. ومِن ثمّ إستفاقَت نور وجاءَت إلى المطبخ لتأكل وعادَت إلى غرفتها لِتلعب. ودعوتُ ماهر ليتناول الفطور معي ريثما يستفيق جهاد مِن نومه. وجلسَ الرجل عند المائدة وقبل أن نبدأ بالأكل سمعنا صريخ نور قادماً مِن الحديقة. وأدركتُ أنّني نسيتُ إقفال الباب المؤدّي إلى حوض السباحة وأنّ إبنتي وقَعَت في الماء وأنّها في خطر كبير. عندها صرختُ لِماهر:
ـ لا أجيدُ السباحة! أسرِع!
ورغم وعكته الصحيّة قامَ ماهر كالمجنون وفي لحظة واحدة قفزَ في الحوض لِينتشل إبنتي مِن الماء. ومِن ثمّ وضعَها على الحافة وأخذَ يكبس على صدرها لأخراج الماء بينما وقَفتُ أمامه أصرخ وأبكي. وتنفّسَت نور وفتحَت عينَيها وبدأَت بالبكاء فأخذتُها بين ذراعيّ لأهدّأها. وكان جهاد قد إستفاق على صوت صراخي وأسرعَ لموافاتنا وعندما سألَني عن الذي جرى قلتُ له:
ـ وقعَت نور في الحوض ولولا وجود ماهر لكانت...
ونظرتُ إلى صديق زوجي وإبتسمتُ له قائلة:
ـ لا بدّ أنّ الله هو الذي أرسلكَ لنا... نحن مدينَين لكَ بحياة إبنتنا... ولن نستطيع يوماً مكافأتكَ.
أخذت إبنتي لأجفّفها وأبقى إلى جانبها وتركتُ الرجلَين معاً. ومنذ ذلك اليوم أصبحَ ماهر فرداً مِن عائلتنا وعندما يتأخّر بالمجيء لرؤية نور أتّصل به وأطالب به.
حاورتها بولا جهشان