كيف تحوّل زوجي إلى مريض خطير؟

كان ألطف رجل عرفته في حياتي وما شدّني إليه هو أنّه أحبّني. كنتُ قد سئمتُ الرجال الشرقيّين وكذبهم المستمرّ وألاعيبهم لينالوا مرادهم من المرأة. مع جاك كان الأمر مختلف تماماً لأنّه كان إنساناً واضحاً يقول ما يريده فعلاً ويفهمني دون أن أكرّر الشرح مراراً.

جاء إلى هنا في بعثة وكان مكوثه سيكون قصيرا الأمد وكان عليه العودة إلى كندا فور إنهاء عقده. إلتقينا حين ذهبتُ لأقدّم أوراقاً للهجرة فرآني وساعدني في ترتيب ملفّي. وكان قد قرأ رقم هاتفي على الإستمارة فطلبني في اليوم التالي معتذراً لإستعماله معلومات سريّة ومتحججاً بأنني بحاجة إلى أوراق إضافية. فذهبتُ فوراً إلى السفارة وتكلّمنا بعض الشيء وأفصح لي عن إعجابه الشديد بي. وبما أنّه كان لطيفاً ووسيماً قبلتُ دعوته إلى الغداء. وهكذا أصبحنا نتواعد بإنتظام حتى أن إقترب موعد رحيله. فقال لي:

- حنان... تريدين الهجرة إلى كندا وهذا الأمر قد يأخذ أشهر طويلة وهناك إحتمال بألا تُقبلي... هناك طريقة أخرى لحصولكِ على مرادكِ...

- رائع... ما هي؟

- أن... أن نتزوّج.

فوجئتُ كثيراً فلم أكن أتوقع هذا منه وسألته:

- هل تعرض عليّ هذا لتخدمني أو...

- لا! بل لأنّني أحبّكِ يا غبيّة! ألم تلاحظي هذا؟

- بلى ولكن كنتُ أريد التأكدّ قبل أن أعطيكَ جوابي.

وهكذا تزوّجنا وأخذني معه بعيداً عن كل شيء إلى أرض الأمل والبداية الجديدة.

قضينا أيّاماً جميلة سويّاً. أخذني إلى أماكن مذهلة وعرّفني على هذه البلاد الواسعة والباردة وكنتُ سعيدة.

ولكن بعد فترة أدركتُ أنّني لم أكن أعرفه جيّداً ووضعتُ هذا على حساب الفرق بالتقاليد والثقافة فعمِلتُ جهدي لأتأقلم مع محيطي الجديد وإرضاءه. ولكن هذا لم يكن كافٍ فكان دقيقاً جداً وبكل الأشياء حتى أصغرها. كان يُبدي رأيه بكل أمر ويملي عليّ ما يجب فعله مثل كيفية طيّ المناشف ووضعها جالسة إلى درجة أنّه أخذ في ذات مرّة مسطرة ليقيس المسافة بينها وأجبرني على إعادة الكرّة حتى تصبح مثاليّة. ضحكتُ عندما حدثَ ذلك ولكنّه لم يكن يمزح وغضِب مني كثيراً وخفتُ منه فكان من الواضح أن الأمر مهمّ جداً بالنسبة له. ومرّة أخرى أجبرني على مسح الزجاج ما لا يقلّ على عشر مرّات متتالية تحت حجّة أنّها ما زالت متسّخة مع أنّها كانت أكثر من نظيفة. وبدأ الأمر يتصاعد حتى أنني فكرّتُ بالرحيل ولكن في هذا الوقت بالذات علمتُ أنّني حامل فأرجأتُ الموضوع متأملة أنّها فترة عابرة مصدرها الإرهاق أو شيئاً من هذا القبيل. وعندما علِمَ أنّه سيصبح أب فرحَ جداً في البدء ولكن سرعان ما أصيبَ بشكل من الإكتئاب زاد من حاجته لأن يكون كل شيء مثالياً وكان رأيه أنّ مجيء طفلنا يحتاج إلى تحضير كثيف وتنظيم صارم.

لن أتوقّف طويلاً على المرّات التي أجبرني على العودة إلى حيث إبتعتُ ثياب الطفل أو الألوان المتعددّة التي غيّرناها في الغرفة المخصّصة له. تعبتُ كثيراً حتى أنّني مرضتُ وطلبنا الطبيب الذي أوعذَ لي بالراحة التامة حتى الولادة. ولكن هذا كان مستحيلاً مع ما كان جاك يطلبه منّي حتى أنني ولدتُ إبني أبكر من موعدي بوقتٍ طويل ما إستلزم وضعه بالحاضنة. وبالطبع وقعَ اللّوم عليّ لأنّني حسب زوجي لم أصنع له ولداً كما يجب وأخفقتُ بعملي كعادتي.

كنتُ منهارة تماماً لا أدري ما عليّ فعله وكانت عائلتي بعيدة جداً لأطلب منها المساعدة ولم يكن لي أصدقاء قط لأنّ جاك إعتبر أنّهم غير ضروريين لأنّ وجوده معي كافياً.

والشخص الوحيد الذي كنتُ أتكلّم معه هو طبيبي وبعد أن سمِعَ قصّتي نصحني بإقناع زوجي بالذهاب إلى طبيب نفسي للمعالجة أو العودة إلى بلادي. كانت العودة أسهل بكثير من أن أقول لجاك أنّه مريض نفسيّ فهذا كان سيغضبه كثيراً. فقررّتُ أن آخذ إبني وأن أزعم أننا ذاهبان لزيارة أهلي لأنّهم يتوقون أن يرونه.

لم يوافق زوجي على طلبي هذا ربما لأنّه شعر أنني لن أعود أبداً أو فقط لأنّه إستبدادي وإستملاكي. فحصلَ شجار كبيراً بيننا لأنني كنتُ قد قررتُ أن أقف بوجهه وألا أدعه يؤثّر عليّ أو أن يرغمني على البقاء. ولكنّه كان مريضاً جداً وحدثَ ما لم أتوقعّه أبداً.

فبعد أن صرختُ بوجهه: " لا يمكنكَ منعي من الذهاب إلى بلدي! هناك قوانين في هذا البلد وسألجأ إليها إن لزِم َالأمر!" ركض إلى غرفة النوم وعاد حاملاً مسدساً وصوّبه نحوي ونحو الطفل.

- لن تخرجي من هنا حيّة! سئمتُ من أغلاطكِ وعدم إمكانيّتكِ بقياس السنتيمترات والأوزان! سئمتُ أن أرى الصابون الأبيض على اليسار بدلاً من اليمين والمناشف الحمر معلّقة بدلاً من أن تكون مطويّة! أنتِ لا تفهمين أن المملحة يجب أن تُملأ بمئة غرام من الملح لا أكثر ولا أقل! ما جنسكِ؟ هل هذا صعب عليكِ؟

وحينها أطلق النار علينا ولحسن حظي لم يصبنا فركضتُ مع إبني أختبىء في الحمام وكان لي الوعي الكافي لأخذ هاتفي معي. وبينما كنتُ أطلب الشرطة كان هو يحاول كسر الباب. ولكن بعض الجيران سمعوا صوت الرصاص والضرب على الباب وأتوا للمساعدة وإستطاعوا تجريده من سلاحه وإرغامه على الجلوس أرضاً حتى وصول الشرطة.

جاك يقضي اليوم عقوبته في مصح للأمراض العقليّة حيث يحاولون معالجته. أمّا أنا فعدتُ مع إبني إلى بلادي وغيّرتُ عنوان سكني ورقم هاتفي ولكنني أخشى اليوم الذي سيطلقون سراحه.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button