كيف بسبب رجل نزلتُ من أعلى السلّم إلى أسفله؟

من الصعب على من إعتاد على المال والجاه أن يخسر كل شيء ويعيش حياة لم يعرفها يوماً. هذا ما حصل لي وهذه قصّتي.
ولدتُ في عائلة غنيّة جداً وكان هذا طبيعي بالنسبة لي. كنتُ أعلم أنَّ هناك فقر في العالم ولكن لم أره يوماً بعينيّ. كان أهلي يبعثون المال للجمعيّات الخيريّة وبنظرنا كنّا نشارك المحتاجين بمصيبتهم.

ولكن كان قد كُتب لي أنّ أتعرّف على أشرف لأذوق طعم القلّة. ككل فتاة ثريّة كنتُ عرضة لطمع المحتالين وصيّادي الثروات وعدم خبرتي في الحياة الحقيقيّة جعلَت مني الفريسة المثاليّة. كان أشرف شاب وسيم جداً ويعلَم تماماً كيف يجعل نفسه محبوباً من قبل الجنس اللطيف. كان يدرّس التنس في النادي الذي كنتُ منتسبة إليه حين قرّرت أمّي أن عليّ تعلّم هذه الرياضة.
أستطيع القول أنني وقعتُ في حبّ مدرّبي من أوّل نظرة. أمّا هو فرأى فرصة ذهبيّة ليؤمّن حياته بدلاً من أن يقضي باقي حياته يساير السيّدات للحصول على ثياب أو ساعات أو مبالغ صغيرة من المال. وبعد بضعة دروس عرضَ عليّ أن نتلاقى خارج النادي وقبلتُ طبعاً فكنتُ التي ستحظى به لوحدها لأنني كنتُ أعلم مدى شعبيّته بين السيّدات.
لم أقل لأهلي أننا بدأنا نتواعد لأنهم كانوا يتأملّون أن أعاشر شخصاً من طبقتنا الإجتماعيّة أي إبن عائلة عريقة وثريّة. فعندما طلبني للزواج قلتُ له منحرجة أنني لن أحظى بموافقة والديّ. فقال لي:

- لا بأس... نتزوّج من دون موافقتهم. أنتِ أصبحتِ راشدة وإن كنتِ تحبّينني فعلاً ستذهبين معي خطيفة وبعد فترة سيرضون علينا وكل شيء سيكون على ما يرام.

وأقنعني بالهرب معه وبالطبع إستاء أهلي كثيراً ولولا تدخلّ أمّي لحرمني أبي من المال. يا ليتَه فعل هذا فكانت حياتي كلّها تغيّرت.

سكنتُ في البدء مع زوجي في شقّة صغيرة جداً لم تعجبني فكنتُ معتادة على الرفاهيّة ولكن حبّي له جعلني أقبل بكل شيء خاصة أنني كنتُ أعلم أن قريباً سيتكلّم أبَويّ معي وسأنعم مجدداً بمالي. ولكن أبي توفيَ بحادث سيّارة مريع قبل أن يرضى عليَ وأرسلت بي أمّي لأحضر الجنازة. كم كنتُ تعيسة أن يرحل أبي وهو غاضب منّي!

وهكذا أصبحتُ أملك غالبيّة الثروة العائليّة كوني الإبنة الوحيدة. وبفعل هذا تحقّق حلم زوجي أشرف. فبدأ بتغيير سيارته وشراء ما هو الأثمن والأرقى. أقنعني طبعاً بشراء منزل كبير إضافة إلى شاليه على شاطئ البحر وآخر في الجبل. ومع أنني كبرتُ في مناخ رفاهيّة لم يكن عندنا إهتمام بنشر ثرائنا هكذا ولكن أشرف كان مصرّ أن يعلم الجميع أن المال وفير عندنا. وبدأ أصحابه يتوافدون إلى بيتنا ولم أحبّ صوتهم العالي وشربهم المتواصل حتى الصباح وكلّما كلّمتُ زوجي بالموضوع قال لي:

- هذا بيتي أيضاً أليس كذلك؟ أم أنني سأبقى ضيف دائم عندكِ لأنّ المال مالكِ؟

وكان هذا يسكتني كل مرّة.

وجاء نهار حيثُ أبدى أشرف إستياءه للوضع بالمُجمل. فلقد سئِمَ من السهر والشرب وأراد أن يدخل عالم الأعمال بتأسيس شركة:

- حبيبتي... صحيح أنّ المال وفير الآن ولكن لن يبقى كذلك إلى الأبد إذا لم يُستعمَل لإنتاج المزيد منه. لما لا نؤسس شركة تُعنى بالتجارة العامة؟

وبالطبع قبلتُ لأنّه كان لديه أسلوب مقنع وكنتُ أحبّه وبكثرة. وبينما كان يبني حلمه كنتُ أبقى لوحدي لأنه لم يكن يريد إلإنجاب على الأقل ليس في البدء لأنّه يريد أن أن يفتخر بأنجازاته أمام أولاده. فإنتظرتُ أن يفلح بمشروعه لكي أحظى بعائلة. ولكن أشرف لم يكن ناجحاً في مجال الأعمال أو في أيّ مجال آخر. بدأ يخسر المال وبكثرة. في البدء لم أعلم بالأمر وإلا لا كنتُ قد أوقفتُ كل شيء ولكن مع وكالة منّي كان قادر على التصرّف بكامل أملاكي.

وعندما وصلَت حساباتي في المصرف إلى الأحمر قرّر زوجي أن يخبرني بفشله الذريع. كدتُ أن أجنّ. مالي ومال أبي ذهب في غضون سنتين! ولكنّه طمأنني:

- لا تخافي... أعرف طريقة لإسترجاع قسم كبير من الذي خسرناه.

- الذي خسرته!

- لا يهمّ... أريد شيئاً أخيراً منكِ وأرجوكِ أن تثقي بي... أريد مجوهراتكِ.

- ماذا؟ هل فقدتَ عقلكَ؟؟؟

- حبيبتي... لا تخافي... هذه فرصتنا الوحيدة!

وأعطيته المجوهرات ولعِبَها بالميسر وطبعاً خسرَها. ووقعَ ضحيّة المرابين وفعلتُ شيئاً لم أتخيّل أن أفعله يوماً: قمتُ برهن منزل أبي الذي كانت تسكن به أمّي.

وبعد سنة خسرنا البيت الكبير ومنزِلنا وشاليه البحر. بقيَ لدينا الشاليه الصغير الذي في الجبل وإنتقلَت أمّي للعيش معنا. وفي وسط مناخ من الغضب والحزن واليأس تركني أشرف في ذات يوم ولم يعد.
وجدتُ نفسي بلا أي مردود أو مال أو أملاك ومع والدتي المريضة أحاول أن أجد طريقة لكسب لقمة عيشنا بأيّة طريقة.

لحسن حظّي وجدتُ عملاً كمربيّة عند وجهاء المنطقة الجبليّة أعتني بأولاد يعيشون كما عشتُ وأنا صغيرة. وبتُّ ألبس الثياب التي كانت تعطيني إيّاها ربّة البيت بعدما أن تملّ منها وآخذ معي في المساء باقي الطعام لكي تأكل أمّي التي سرعان ما فارقت الحياة من كثرة الحزن والعار.

وهذا حالي اليوم... أعيشُ وحيدة مع هرّة أهدتني إيّاها "الستّ" لكي تواسيني في الشتاء عندما يكون البرد قارص والسماء سوداء.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button