كيف أخبر خطيبي بحقيقة أبي؟

سعدتُ كثيراً يوم عرضَ عليّ سعد أن يعرّفني على أهله. كانت هذه إشارة واضحة بأنّه يريد إعطاء صفة رسميّة لعلاقتنا. فلبستُ فستاناً جميلاً وتوجهتُ إلى منزله. إستقبلني الجميع بلطف وتحدّثنا عن أمور عديدة. لاحظتُ أنّ حبيبي كان قد أخبرهم عنّي بالتفاصيل، لأنّهم سألوني عن أهلي وعن شغل أبي بالتحديد. فكنتُ قد قلتُ لسعد أنّ والدي يعمل في الخارج مع منظّمة عالميّة تُعنى بالإستثمارات الضخمة وبدا لي أنّ هذا الأمر يهمّهم بصورة خاصّة. علِمتُ بعد بضعة أيّام، أنّ والد سعد يودّ الإستثمار منذ فترة ورأى الآن فرصة جيّدة بعدما أدركَ أنّ إبنه سيرتبط بي. فكوننا سنصبح عائلة واحدة، سيكون بإمكانه الوثوق بمن سيكون حمى إبنه. لم أفرح لسماع هذا، فأبي لم يكن يتمتّع بسمعة جيّدة وكنتُ قد خبأتُ هذا عن كل من يعرفني، فأي فتاة ستتباهى بأنّها إبنة رجل لا يتردد بأخذ أموال الناس، حتى لو تسبّب ذلك بخراب بيتهم. ووجوده خارج البلاد، سببه ملاحقات عديدة هرب منها بعيداً. حاولتُ إقناع سعد بالعدول عن قرار الإستثمار ولكن حججي كانت ضعيفة وغير مقنعة: قلتُ له أنّ الأحوال الإقتصاديّة الراهنة تدعو إلى عدم التفريط بالمال وأنّ شراء أسهم أو قطعة أرض أو الدخول بمشروع مشترك ليس مفضّلاً الآن. ولكنّه أجابني:

 

- حبيبتي... لا أشكّ بمعرفتكِ الواسعة ولكن الإقتصاد والمال ليسوا من إختصاصكِ... هناك أناس منكبّون على الموضوع أكثر منكِ... كأبيكِ مثلاً... وبعد البحث وجد أبي رقم هاتفه وإتصل به وتكلّم معه...

 

- ماذا؟؟؟ كيف تفعلون هذا دون إعلامي؟

 

- لم أكن أعرف أننا بحاجة إلى موافقتكِ... ما الأمر؟ لماذا أنتِ محمولة إلى هذه الدرجة؟

 

- من دون أي سبب... أنا فقط أريد الأفضل لكم... أعلم كم لزِم من الوقت لأبيكَ لتجميع هذا المبلغ وكم إستلزم من تضحيات من قبلكم كلّكم... أنا فقط أدعوكم إلى التريّث...

 

- حبيبتي... أنا أثق فيكِ وبأبيكِ... فمَن أنجب جوهرة مثلكِ لا بدّ أنّه إنسان عظيم... لا تقلقي...

 

وفور إنتهاء حديثنا، هرعتُ إلى البيت وأخبرتُ أمّي وأخي بآخر المستجدّات وحاولنا سويّاً إيجاد مخرج لما قد يكون نهاية قصّتي مع سعد. والحلّ الوحيد كان أن أكلّم أبي وأطلبَ منه عدم التعاطي مع أهل خطيبي. كنتُ جدّ مترددة على التكلّم معه، فأنا لم أسمع صوته منذ زمن طويل، حين هربَ من البلد. كانت أمّي قد طلبَت منه عدم التواصل معنا، خوفاً من أن يؤثّر علينا ونصبح مثله مجرّدين من القيَم والأخلاق. فلم يُصرّ على إبقاء صلة بيننا وإختفى عن أعيننا. وكما أنّه لم يشتاق لنا، نحن أيضاً نسينا أمره وأكملنا حياتنا من دونه. فأخذتُ هاتفي وطلبتُ رقمه وبعد أن عرّفته عن نفسي، أخبرته عن الوضع وطلبتُ منه ألا يأخذ مال أولئك الأشخاص. ضحِكَ ثم قال:

 

- من الجيّد أنّكِ خطبتِ هذا الشاب لكي أسمع صوتكِ! كنتُ أظنُّ أنّكِ ستشتاقين لأبيكِ... يا أميرتي...

 

- الوقت ليس للعتاب... هل ستفعل ما طلبته منكَ الآن؟

 

- لا أدري... فحالتي الماديّة ليست بأفضل حال وأنا بحاجة إلى سيولة... سأرى إن كنتُ أستطيع رفض عرض مغرٍ كهذا...

 

- أرجوكَ... أحبّه وقد أخسره بسببكَ... لا تحرق قلبي فأنا لم أفعل لكَ شيئاً...

 

لم يجب، بل أقفل الخط بوجهي وإنهالَت دموعي على خدودي لكثرة حزني وخيبة أملي بالذي أعطاني الحياة. لماذا كان حظّي سيّء لهذه الدرجة؟ لماذا كان أبي هكذا. ولماذا كنتُ سأفقد حبّ سعد بسبب لا دخل لي فيه؟ بعدما أخبرتُ أمّي وأخي بالذي حصل، ذهبتُ إلى غرفتي وفكّرتُ ملّياً ووجدتُ أن الطريقة الوحيدة لتفادي الكارثة هو أن أخبر حبيبي بحقيقة أبي. ومع أنّ إحتمال تركه لي كان وارداً، كنتُ على الأقل سأنقذهم من الإفلاس. فطلبتُ من سعد أن نتقابل بأسرع وقت في المقهى الذي تقابلنا فيه لأوّل مرة، آملة أن يخفف هذا المكان من غضب حبيبي. سبقتُه إلى هناك لأحضّر الصيغة التي كنتُ سأكشف بها له حقيقة والدي وإنتظرته. وفي هذه الأثناء بالذات وصلتني رسالة على هاتفي من أبي تقول: "شكراً حبيبتي على إرسال هؤلاء الأشخاص الطيّبين لي... بفضلكِ أصبحتُ ثريّاً." وجنّ جنوني عند قراءة ذلك. وجاء سعد بعد لحظات قليلة وشعرتُ أنّ عالمي ينهار من حولي. وعندما رأى ملامح وجهي، سألني إن كنتُ أشعر بتوعكّ، فأجبته أنني صحيّاً بخير ولكن لديّ أخباراً غير سارة. فقال لي على الفور:

 

- ستتركينني... أليس كذلك؟ شعرتُ منذ فترة أنّكِ جافة معي وأنّ حبّكِ لي قد خفّ... أملتُ أن أكون على خطأ ولكن إتضّح أن شعوري كان بمحلّه...

 

- ولكن...

 

- هل هناك شخص آخر في حياتكِ؟

 

- لا... لا...

 

وعندها قررتُ أن أدعه يظنّ أنني لم أعد أحبّه، فهذا كان أفضل من الحقيقة وكان على كلا الحالتين سيفضّل العيش من دوني. وحين رأيتُ الدموع تملئ عينيه أوشكتُ على التراجع ولكنّه غادر المكان بسرعة.

وعشتُ من دون حبيبي وكانت أيّامي سوداء، أسأل نفسي لماذا أعطاني القدر أباً مثل أبي وليس كباقي الآباء حنون ومحبّ. مرَّت سنة على هذا النحو حتى جاء يوم وإلتقيتُ صدفة بسعد في محطّة الوقود. حاولتُ التهرّب منه ولكنّه صرخ لي:

 

- رأيتكِ... لن تهربي مني!

 

وركض إليّ وألقى التحيّة وأضاف مع بسمة:

 

- لن أقبّلكِ فلا بدّ أنّكِ متزوّجة الآن أو لديكِ أحداً في حياتكِ...

 

- أنا... لا... أبداً... لا أحد... وأنتَ؟

 

- أنا أعزب ووحيد... منذ ما تركتيني... إعتقَدتُ أنني سأكرهكِ على ما فعلتيه بي ولكنني لم أستطع... أعذريني على وقاحتي ولكنني ما زلتُ أحبّكِ...

 

- وأنا أيضاً...

 

وذهبنا إلى المقهى وأخبرتُه بكل شيء. سكتَ مطوّلاً وقال:

 

- ولكن أبوكِ رفض أن يأخذ مالنا لإستثماره...

 

- غريب... قال لي عكس ذلك.

 

- أظنُّ أّنّه لم يستطع الإعتراف بأنّه يحبّكِ رغم كل شيء ولا أنّه يريد أذيّتكِ من خلال النصب على أهلي...

 

- لم أتوقّع أن يفعل هذا... خلتُه مجرّد من أي أخلاق وقيَم...

 

- عاطفة الأب غلبَت على حبّه للمال... عليكِ أن تفرحي.

 

- أجل... ما أخبرتني إيّاه أراح قلبي بعض الشيء ولكن... ماذا سيحصلُ لنا؟

 

- الذي كان لا بدّ أن يحصل منذ البداية! ستصبحين زوجتي وفي أقرب وقت! ولا أريد أعذاراً هذا المرّةّ!
 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button