كلّفَ ابي تحريّاً خاصاً لِمراقبة خطيبي

كان كل شيئ جاهزاً لإستقبال رامي وأهله وكان قلبي يخفق بسرعة لأنّني كنتُ سأرتبط رسميّاً بالذي أحبُّه. ولكن بالنسبة لأبي، كان الأمر مختلفاً تماماً، فرامي كان موظّفاً عاديّاً بالشركة التي نملكها ومنذ البدء إتّهمه والدي بأنّه يسعى وراء مالي وليس شخصي. عمل المسكين جهده لإثبات العكس ولكن دون جدوى وتطلّب الأمر منّي جهداً كبيراً لكيّ أحمل والديّ على القبول به زوجاً لي. صحيح أنّ حبيبي كان رجل عاديّاً ولكنّه كان يعمل بجديّة ليستحقّ راتبه ويساعد ذويه على العيش بكرامة. وفي تلك الليلة، إرتديتُ أجمل حلّة لديّ وزيّنتُ البيت بالورود وفتحتُ الباب لعائلتي الثانية.

 

 

جرَت الأمور جيّداً وسط صمت أمّي وأسئلة أبي الكثيرة وغادر ضيوفنا بعدما أعربوا عن رغبتهم بجمع عائلتينا. قبّلتُ والدي بحرارة وشكرته على حسن تصّرفه معهم وخلدتُ إلى النوم والبسمة على وجهي. ولكنّني لم أكن أعلم أنّ أبي كان قد قرّر الإستفسار عن حبيبي، فإتصّل بشرطيّ متقاعد وكلّفه بالإستقصاء عن الذي كان ينوي أن يصبح صهره. وباتّت كل حركاته وتحرّكاتنا مراقبة ليلاً نهاراً دون أن ندري، فذلك الرجل كان خبيراً متمّرساً ويعرف كيف يحصل على معلوماته دون أن يثير الشكوك. في هذه الأثناء، كنتُ قد بدأتُ بالتحضيرات للزفاف الذي أراده رامي محدوداً لضيق المال وعندما أقمتُ لائحة المدعوّين وجدتُ نفسي أمام حيرة من أمري، فكانت معارفنا وأقاربنا عديدة ومِن المستحيل عدم دعوتهم إلى الزواج. كان أبي من رأيي، فعرضَ عليّ أن يدفع تكاليف الحفلة:

 

- ماذا سيقول عنّا الناس يا حبيبتي؟ أنّني أزوّج إبنتي الوحيدة بالسرّ؟ أنا فخور بكِ وما أصبحتِ عليه من ذكاء وجمال وأريد العالم بأسره أن يراكِ بفستانكِ الأبيض. مِن المؤسف أنّ زوجكِ فقير... تستحقين العيش برخاء كما إعتدتِ أن تفعلي... أخشى أن يسبّب لكِ ذلك مشكلة في المستقبل...

 

- أبي... أنا إمرأة عصريّة... سأجد عملاً وأساعد زوجي... هكذا يفعلون الناس في أيّامنا... لا تخف عليّ... ما يهمّني هو أن أعيش مع رامي تحت سقف واحد والباقي سيأتي لاحقاً.

 

- أجل... عندما أموت وترثين الشركة... هذا ما يريده ذلك المحتال.

 

- أبي! أرجوك... كفى كلاماً مجرّحاً بحقّ خطيبي... عندما تتعرّف إليه أكثر، ستحبّه وستندم على كل هذه الأفكار البشعة... سترى أنّني على حق.

 

وأقمنا حفل زفاف ضخمة، ضمَّت شخصيّات البلد وكنتُ سعيدة إلى جانب رجل حياتي. كان رامي قد رفضَ أن يدفع أبي جميع التكاليف ولكنّني أقنعتُه بالقبول على الأقل للتخفيف من الضغط السائد بينهما، فرضخَ للأمر الواقع وعندما رأى صالة الزفاف قال لي:

 

- لم ارَ شيئاً كهذا من قبل... هل أنتِ متأكدّة أنّكِ ستكونين سعيدة مع رجل مثلي؟

 

- أجل حبيبي، فأنا أحبّكَ أكثر من أيّ مال أو جاه في الدنيا! المال لا يجلب السعادة بل الحب يفعل. إذا أحببتَني كثيراً لن أندم على كل هذا.

 

ثم ذهبنا إلى شهر العسل الذي دفعَ ثمنه أبي أيضاً لأنّه إعتبره جزءً من الزفاف ولأنّه أرادني أن أسافر "ربما لآخر مرّة" كما قال. وعندما عدنا إنتقلنا إلى شقّة صغيرة إستأجرها رامي لتكون عشّنا الصغير. ومِن بعدها وجدتُ عملاً في مصرف، بعدما تكلّم والدي مع صاحبه وطلبَ منه توظيفي. وبدأت حياتي الزوجيّة وفي قلبي فرح لا يوصف.

 

ولكن بعد شهرين، دقّ أبي باب شقّتي وكانت أوّل زيارة له لأنّه لم يكن يريد أن يرى بيتي المتواضع. أدخلتُه وقلتُ له:

 

- أنظر حواليَكَ... إنّها شقّة ظريفة... نحن لا نعيش في كهف أو بيت مِن خشب أو تَنَك.

 

- أجل أجل... ولكنّني لم آتِ للتمتّع بالديكور... لديّ شيئاً مهمّاً أقوله لكِ... إجلسي...

 

- ما الأمر؟ أنتَ تخيفني!

 

أخرجَ من جيبه مغلّفاً صغيراً وأراني صوراً.

 

- ما هذه الصوَر؟ أهذا رامي؟ ومن تلك المرأة؟ مَن صوّرها؟ ما الأمر؟ تكلّم!

 

- أجل هذا رامي والمرأة معه هي عشيقته... لقد وكّلتُ تحريّاً خاصاً بمتابعته ولكن الحقير تجنّب اللقاء بها قبل الزواج... المحتال!

 

- عشيقته؟ رامي زوج صالح ويحبّني كثيراً!

 

- الصور لا تكذب... يواعد تلك المرأة منذ فترة طويلة... هكذا علمنا من بعض الجيران والناطور... ماذا قلتُ لكِ؟ أنّه يسعى فقط وراء مالكِ.

 

- فقط؟ هل أنا قبيحة إلى هذه الدرجة؟ أو غبيّة؟ أو غير لائقة؟ تعني أنّ لا أحد كان ليحبّني لو كنتُ فقيرة؟

 

- لا يا حبيبتي... هو بالذات وراء ثروتكِ... أنتِ إمرأة مميّزة ولهذا أردتُ لكِ شخصاً مثلكِ... لا يهمّني إن كان ثريّاً أم لا... المهمّ هو أن يكون طموحاً وناجحاً... هذا الرجل الذي إخترتيه كسولاً... لم يتقدّم منذ ما بدأ العمل لديّ... إنّه خمول وكسول ومعظم الذين أتوا للعمل خلال تلك الفترة أصبحوا مدراء ومسؤولين، أمّا هو فبقيَ مكانه. أتفهمين الآن ما أقصده؟

 

- أجل أبي ولكن... بشأن تلك العشيقة... ربّما هناك تفسيراً... أعطني الصوَر ودعني أتكلّم معه... أجد صعوبة بتصديق هذه القصّة.

 

وعندما عاد رامي من العمل وأريتُه الدلائل ضحِكَ وقال:

 

- حبيبتي... كم أنتِ بريئة... من الواضح أنّها ليست حقيقيّة... هل سمعتِ يوماَ بما يسمى بالفوتوشوب؟

 

- أجل طبعاً.

 

- أنظري جيّداً... هنا... أنا وحدي في الصورة وأُضيفَت إمرأة إلى جانبي... هل هذه فعلة أبيكِ؟ لماذا يكرهني إلى هذا الحدّ؟ لأنّني لستُ ثريّاً؟ يريد خراب زواجنا... هل هذا ما تريدينه أيضاً؟

 

- لا! أريد فقط أن أعرف الحقيقة... هل تخونني أم لا؟

 

- أحبّكِ كثيراً! ولم ولن أحبّ غيركِ... مزّقي هذه الصور البشعة وتعالي نخطّط لبناء أسرة صغيرة... ألا تريدين طفلاً منّي؟

 

- بلى...

 

وفي اليوم التالي قصدتُ شركة أبي ودخلتُ مكتبه وأنا أصرخ:

 

- لم اتصوّر أنّكَ قادر على فعل هذا! فوتوشوب؟ ركّبتَ صوراً فقط لإفشال زواجنا... أيّ أب يفعل هذا بإبنته؟ ألا تريد رؤيتي سعيدة؟

 

- هذا ما أقنعكِ به زوجكِ؟ المحتال! إنّه أقوى مما كنتُ أتصوّر!

 

- لا أريد رؤيتكَ بعد الآن! دعني وشأني! لديّ عائلة لأبنيها ولستُ بحاجة لكَ ولمالكَ!

 

- حسناً... إن كان هذا فعلاً ما تريدينه، فإعلمي أنتِ وزوجكِ أنّني سأكتب جميع أملاكي للجمعيّات الخيريّة... لن ينال زوجكِ فلساً واحداً منّي...

 

وأخَذَ الهاتف وطلبَ محاميه وطلبَ منه القدوم مع الأوراق اللازمة. غادرتُ مكتبه قائلة:

 

- لا يهمّني ما تفعله بمالكَ فهو لكَ... لن يغيّر هذا بشيء، فأنا وزوجي قادران على العيش بما نجنيه... وداعاً!

وفور وصولي إلي سيّارتي أتصّلتُ برامي وأخبرتُه بما حصل وأضفتُ:

 

- حبيبي... نحن أحرار الآن... سنعيش كما يفعل العديد من الآخرين... ببساطة وهناء... وسنثبتُ لأبي أنّنا لسنا بحاجة إليه... كم أنا سعيدة! ما ينقصنا الآن هو طفل وستكتمل سعادتنا!

 

- هل أنتِ غبيّة؟ عودي إلى أبيكِ وإعتذري منه الآن! مَن يفرح أنّه حُرمَ من هذا الكمّ من المال سوى الأغبياء؟ ستذهبين إليه وتقولين له أنّكِ تصّرفتِ بغضب وأنّكِ آسفة... هيّا قبلَ أن يصل المحامي ويوقّع والدكِ الأوراق.

 

- رامي! ماذا تقول؟ تريدني أن أعتذر لأبي لأنّني واجهته بالذي فعله بالصوَر؟ حاولَ تخريب زواجنا! أنا لستُ بحاجة لِثروته.

 

- أنا بحاجة لها... هيّا عودي إليه قبل فوات الأوان ولا تعودي إلى البيت قبل أن تفعلي.

 

وأقفلَ الخط. بقيتُ في السيّارة حوالي النصف ساعة، أفكّر بما حصلَ، ثم ترجّلتُ وذهبتُ إلى أبي. عندما رآني إبتسمَ وقال:

 

- أخبرتيه... وماذا قال؟ دعيني أتكهّن... أنا أكيد أنّه غضبَ منكَ...

 

- وطلبَ منّي أن أعتذر منكَ قبل وصول المحامي.

 

- حبيبتي... أنا لم أتصّل بأحد... جعلتكِ تظنّين ذلك لأنّني كنتُ متأكّداً أنّ رامي على عكسكِ سيستاء كثيراً لحرمانكِ مِن الميراث وأنّه سيكشف عن وجهه الحقيقي... ولكنّني لم أتصوّر أن يفعل هذا بهذه السرعة... الحقير... أقسم لكِ أنّ تلك الصوَر حقيقيّة وأنّه يعاشر إمرأة غيركِ... لم تكوني بالنسبة له سوى وسيلة لكسب المال دون تعب... كسول!

 

- ووصولي... أعلم... لطالما ردّدتَها يا أبي... وما العمل الآن؟ قال لي ألا أعود إليه قبلَ أن أسوّي الأمر معكَ.

 

- لا تعودي إذاً!

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button