عندما تزوجتُ كنتُ في الثامنة عشر من عمري وزوجي يكبرني بالكاد بسنتين. تحملّنا مسؤّولية تأسيس عائلة باكراً لأنّنا أنجبنا توأماً وكل شيء سار على ما يرام. وعندما بلغَ ولديّ الخامسة عشر من عمرهما إستطعتُ أن أهتمّ بنفسي بعض الشيء. أمّا بالنسبة لأدهَم فالحياة كانت تقتصر على الذهاب إلى العمل والعودة إلى البيت ليهتمّ معي بالأولاد. لم نأخذ فُرَصاً ولم نذهب إلى المطاعم والسهرات كغيرنا بسبب إنشغالنا وقصر المال فكان تعليم أولادنا أهمّ من كل شيء. كنتُ أعتقد أنّ كل شيء كان قد سار على ما يرام وأن حياتنا كانت مثاليّة حتى أنّ إلتقى زوجي بصديق قديم له. كان هو وفؤاد يجلسان جنباً إلى جنب على مقعد الدراسة وبينهما ذكريات إمتدّت حتى أيّام الجامعة ولكن الحياة فرّقتهما كما يحصل عادةً. فبينما كان زوجي يشتري بعض الحاجات سمعَ صوتاً وراءه يقول:
- تبدو كالعجوز يا رجل! ماذا أو من فعلَ بكَ هذا؟
وتعانقا بقوّة وضحِكا من هذه الصدفة السّارة. وبعد أن تبادلا بضعة ذكريات دعاه أدهم إلى العشاء عندنا وعندما عاد أخبرني وهو يبتسم عن هذا الشخص العزيز عليه. وجاء فؤاد ووجدتُه مرحاً ومفعماً بالحياة وتأمّلتُ أنّ تٌحدِث معاشرته بعض التغيير في نمط حياة زوجي.
ولكن أحياناً ما يتمنّاه المرء ليس دائماً مفيداً.
فبعد ذلك العشاء باتَ أدهم يقضي أغلب أوقات فراغه مع صديقه وبدلاً أن يأتي إلى البيت بعد العمل كان يذهب بصحبته إلى المقاهي والمطاعم. في البدء كنتُ مسرورة له ولكن لم أعد أرى زوجي إلا إذا كان فؤاد مشغولاً.
قرّرتُ أن أتحدّث مع زوجي بهذا الخصوص فتفاجأ كثيراً:
- لا أفهم لم أنتِ منزعجة... ألستِ أنتِ التي شجّعتني على لخروج مع صديقي؟.
- بلى حبيبي... ولكن أصبحتَ تغيب كثيراً عن البيت وأنا أحبُّ رفقتكَ والأولاد أيضاً بحاجة إلى حضوركَ.
- معكِ حق... سأحاول التوفيق بين فؤاد والبيت. لا أريد أن تكوني مستاءة منّي.
ولكن لم يتغيّر شيء لا بل بالعكس: بدأ أدهم يتصرّف وكأنّه مراهق يضحكُ على أيّ شيء ويعلّق أهميّة للأمور التافهة ويلبسُ ثياب مراهقين حتى أنّه حلقَ لحيته ربما ليبدو أصغر في السن ووجدتُ نفسي مع ثلاثة مراهقين: زوجي وولديَّ.
وكأنّ هذا لم يكفي جاء وأخبرني وهو يطير من الفرح أنّ لديه مفاجأة لي:
- أتذكرين عندما تعرّفنا إلى بعضنا كان لديّ درّاجة ناريّة وكنتُ آخذكِ بالسر من أسفل بيتكِ ونذهبُ في نزهة؟
- أجل...
- تعالي وأنظري.
أخذني إلى النافذة وأراني درّاجة مركونة على الطريق.
- هيّا! تعالي نذهب في نزهة!
- أفقدتَ عقلكَ!!! تريد أن تموت وتقتلني؟
- لم تموتي في الماضي عندما كنتِ تصعدين ورائي.
- أنتَ قلتَها: في الماضي! الآن أصبحنا راشدين نقدّر المخاطر. وأنتَ لم تقُد درّاجة منذ وقت طويل. لا! لا!. عليكَ أن ترجعها إلى البائع.
- قالَ لي فؤاد أنّكِ ستقولين هذا!
- وما دخل فؤاد؟ ما دخله بكَ وبنا؟
- إنّه يفهمني أمّا أنتِ فلا يهمّكِ سوى البيت والأولاد. أين هي الفتاة التي أحببتُها؟
وخرجَ من البيت مستاءً وعادَ في المساء دون أن يكلّمني. إعتقدتُ أنّ كل شيء سيرجع قريباً إلى ما كان عليه ولكنّني كنتُ مخطئة وحدث ما كل إمرأة تخشاه: أصبح لزوجي عشيقة وعلمتُ بالأمر من فؤاد نفسه:
- أنتِ تقفين في درب زوجكِ. تزوّجتِ من شاب صغير لم يرى من الحياة شيء وأنجبتِ له توأم في أوّل سنة زواج. يحقّ له أن يعيش بعض الشيء بدلاً أنّ يحمل مسؤولية كبيرة هكذا. ومن حظّه أنني دخلتُ من جديد إلى حياته لأطفي عليها نفحة من البسط والترفيه.
- لم أجبره على الزواج بي ولَم أنجب لوحدي. أنا أيضاً كنتُ صغيرة وتحملّتُ المسؤولية ومشقّات العائلة.
- أجل ولكن أصبحتِ كالعجوز بينما زوجكِ حافظ على روح الشباب. على كل حال وجدَ أدهم من يفهمه... فهي شابة ومفعمة بالحياة... أكملي حياتكِ المملّة ودعيه يعيش قليلاً!
فوجئتُ بهذا الخبر لأنّ زوجي كان دائماً وفيّاً لي والسبب الوحيد لخيانته كان هذا الشخص البغيض الذي دخلَ حياتنا. لجأتُ إلى أمّي لتنصحني بشأن الموقف الذي عليّ إتخاذه. قالت لي:
- يا إبنتي زوجكِ ليس محقّاً بفعلته هذه ولكن... لا تنسي أنّه مازال شاباً وهناك أشياء عديدة لم يفعلها وعندما كان الكل يمرح ويتسلّى كان هو يهتم بعائلة كبرَت بسرعة. ومجيء صديقه ذكرّه بتلك الأيّام التي ضاعت منه وتأثيره عليه مضرّاً. ولكن أنتِ أيضاً مذنبة.
- أنا؟ كيف؟ لأنني أهتمّ بعائلتي؟
- لأنكِ أنتِ أيضاً نسيتي أنّكِ ما زلتِ شابة وعندما طلبَ منكِ زوجكِ أن تجاريه وتستعيدي معه شبابكِ رفضتِ ووبّخته فلجأ إلى إمرأة أخرى. أنا أكيدة أنّه يحبّكِ كثيراً ولكن عليكِ إسترجاعه قبل فوات الأوان.
أثّرَ بي كثيراً حديث أمّي فكانت على حقّ. وبعد أن خرجتُ من بيتها توجهتُ فوراً إلى محل يبيع أكسسوارات للدرّاجات وإشتريتُ خوذة وإنتظرتُ أدهم ليعود من عمله. عندما دخلَ من الباب قلتُ له:
" ألن تأخذني بنزهة على الدراجة أيّها الشاب الوسيم؟" وأريته ما إشتريت. ضحكَ وعانقني وخرجنا سوياً بنزهة إلى حياة جديدة.
حاورتها بولا جهشان