قالت لي أنّها تركَت خطيبها مِن أجلي

حين إلتقيتُ بحنان، كنتُ أعلم أنّها مخطوبة لآخر ولكن جمالها ودلعها حملاني على التجرؤ على الجلوس جنبها في تلك السهرة والتكلّم معها مطوّلاً. ووُلد بيننا إنسجام لم أشعر به من قَبل ووعدتُ نفسي أنّها لن تكون لأحد غيري. وأمام تردّدها لإعطائي رقم هاتفها، كذبتُ عليها وقلتُ لها أنّني لا أريد سوى صداقتها، فكنتُ متأكّداً أنّ وسامتي وذكائي ولطافتي سيحملونها على حبّي لاحقاً. وإتّصلتُ بها بعد يومين وعلِمتُ منها أنّ خطيبها يعيش في سويسرا حيث يعمل ولا يأتي إلى هنا إلا مرّة كل شهرين. سررتُ لأنّ غيابه الدائم، سيتيح لي الفرصة لِتثبيت مكانتي في حياة حنان. فدعيتها إلى مقهى وتكلّمنا عن أنفسنا لساعات، حتى أنّ تحوّل اللقاء إلى عشاء فلم نشعر بمرور الوقت لكثرة إنسجامنا ببعضنا.

 

وهكذا تحوّلَت ما بيننا إلى حبّ قويّ أعطى لحياتي معناً آخراً. وهي أيضاً أحبّتني وعمِلت على فسخ خطوبتها، لأنّها لم تكن تريد المضيّ بعلاقة سرّية معي والإستمرار بالكذب على خطيبها. وبعد أن أصبحَت حرّة، إستطعنا عيش حبّنا علناً وكنتُ أذهب إلى بيتها وأجلس مع أهلها لحين تجهز ثم آخذها ونخرج سويّاً. وبالطبع أردتُ أن تعيش حنان معي طوال الوقت، لذا طلبتُ يدها ولكنّها رفضَت وإستغربتُ كثيراً فكل شيء كان يدلّ على أنّها سعيدة معي. وعندما سألتُها عن سبب رفضها قالت:

 

- حبيبي... أحبّكَ كثيراً ولكن... لم يمضِ وقتاً طويلاً على فسخ خطوبتي وأريد أن أتأكّد من أنّ هذا لن يحصل معكَ أيضاً... علينا الإنتظار لنرى مدى قوّة حبّنا لبعضنا وإن كنّا قادرين على مشروع زواج... أرجو منكِ أن تفهمني...

 

- أفهمكِ جيّداً وأوافقكِ الرأي... سننتظر.

 

وتابعنا علاقتنا كالسابق، نتقاسم كل شيء ونهتمّ ببعضنا. وعندما كان يسألني أصدقائي وأهلي عن موعد الزفاف، كنتُ أجيبهم: "ولِمَ العجلة؟ ما زلنا شباباً... والزواج ليس لعبة ولا نريد أن يحصل لنا ما يحصل لعدد كبير من المتزوّجين... لا نريد أن يأتي يوماً ونطلّق بعضنا... نريد أن نعيش سويّاً حتى آخر يوم في حياتنا." وكان الجميع يحيّي تريّثنا وتفكيرنا الحكيم. ولكن في داخلي كنتُ قلقاً بشأن هذا التردّد وكنتُ أخشى أن تكون حنان غير واثقة من حبّها لي ولكنّني صبرتُ. وبعد حوالي ثلاثة أشهر إختفَت حنان. لم أعد قادراً على الإتصال بها، لأنّ هاتفها كان مقفلاً وعندما ذهبتُ إلى أهلها للإطمئنان، بقيَ بابهم مُقفَل بوجهي. كدتُ أن أجنّ. ما الذي حملَها على فعل هذا؟ فنحن لم نتشاجر وقَبل يوماً واحداً كنّا سويّاً نضحك ونقبّل بعضنا بشغف. شعرتُ بإستنكار شديد وملأني الغضب والحزن. دام غيابها أسبوعين ومِن بعدها ظهرَت من جديد. بعثَت لي رسالة هاتفية تقول: "لقد عدتُ."

 

وحين إتصلتُ بها لأسألها أين إختفت ولماذا أجابَتني:

 

- أعلم أنّكَ غاضب منّي وأرجو أن تسامحني... كنتُ بحاجة إلى إستراحة... أرَدتُ أن أكون بعيدة عن كل شيء...

 

- كان بإمكانكِ إعلامي بالأمر... إنشغل بالي كثيراً ولم أفهم ما الذي يحصل... لا يحقّ لكِ فعل هذا بي...

 

- أعلم... وأنا آسفة جدّاً... ولكنّني عدتُ الآن.

 

- أين كنتِ؟

 

- كنتُ عند خالتي في الجبل... أجبرتُ أهلي على عدم التكلّم معكَ ولم يعجبهم الأمر فهم يحبّونكَ كثيراً... هل ستسامحني؟

وبالطبع سامحتُها لأنّني كنتُ أحبّها كثيراً وكنتُ سعيداً بعودتها إليّ. جعلتُها تعدني بألا تعاود الكرّة، لأنّني لن اتحمّل فقدانها مجدّداً. وعندما أثرتُ موضوع الزواج معها قالت لي:

 

- إسمع... خلال غيابي، فكّرتُ مليّاً بالموضوع وإرتأيتُ أنّني أفضّل أن تبقى علاقتنا على ما هي... فهي مثاليّة ولا أريدها أن تصبح روتينيّة. يقولون أنّ الزواج مقبرة الحب وأنا أريد لحبّنا أن يستمرّ إلى الأبد. يمكنكَ الرفض وتركي والبحث عن عروس غيري وساتفهّم الأمر...

 

- لا! لا أريد أحداً سواكِ... لا أستطيع إرغامكِ على الزواج منّي... لا أريد أن أخسركِ. فخلال تلك الأيّام التي إختفيتِ بها شعرتُ أن العالم قد فرغ من سكّانه... لا طعم لحياتي من دونكِ... ستبقى علاقتنا على ما هي.

 

عانقَتني حنان بقوّة لشدّة فرحها بقراري وعمِلتُ على نسيان أمر الزواج والتركيز على الإهتمام بالتي سرقَت قلبي.

لا أدري كم من الوقت كان سيمضي، قبل أن أعلم بما يجري لو لم ألتقي صدفة بصديق قديم لي. كنتُ مع حنان جالسين في مطعم نتناول الغداء حين رأيتُ رجلاً آتياً نحونا وهو يصرخ:

 

- أهذا أنتَ؟ لم تتغيّر أبداً! هل نسيتَني؟ أنا فؤاد! أجل فؤاد زميلكَ في الجامعة!

سعدتُ لرؤيته وبعد أن تعانقنا قدّمتُ له حيبيتي. وعندما نظرَ إليها قال:

 

- أعذري تحديقي بكِ... خلتكِ شخصاً آخراً... لا... أنا بالتأكيد مخطئ... فتلك المرأة تزوّجَت منذ فترة قصيرة من صديق لي في سويسرا... تشبهينها كثيراً!

 

وحين نظرتُ إلى حنان علِمتُ أنّه يقول الحقيقة. وبعد أن عادَ فؤاد إلى مائدته قلتُ لها:

 

- ما بكِ صامتة؟ قولي شيئاً! أيّ شيء!

 

- ليس عندي ما أقوله.

 

- قولي أنّكِ ذهبتِ إلى سويسرا وتزوّجتِ من خطيبكِ القديم! أو يجدر بي أن أقول خطيبكِ الذي لم تتركيه يوماً. قولي لي الحقيقة قبل أن أفقد أعصابي وأقلب الطاولة وما عليها على رأسكِ!

 

سكتَت لِبضع ثوان وقالت:

 

- أجل... تزوّجتُ وكان هذا سبب غيابي.

 

- كيف إستطعتِ فعل هذا بي؟ في البدء كذبتِ عندما قلتِ أنّكِ تخلّيتِ عن خطيبكِ ثم أخذتيني إلى بيت أهلكِ... هل يعرفون الحقيقة أم أنّكِ كذبتِ عليهم أيضاً؟

 

- أهلي على علم بكل شيء.

 

- يا للعائلة الشريفة!

 

- لا أسمح لكَ!

 

- لستِ بوضع يخوّلكِ السماح لي أو عدم السماح لي بشيء! لعبتِ بعواطفي لمدّة سنة وأكثر ثمّ تزوّجتِ وعدتِ. لماذا هذا الخبث؟

 

- لأنّني لا أستطيع البقاء لوحدي... عندما خطبتُه ورجعَ إلى أوروبا وجدتُ نفسي وحيدة ثمّ إلتقيتُ بكَ وبدأنا نخرج وملأتَ عليّ حياتي. وعندما كان يأتي ليراني كنتُ أقول لكَ أنني مريضة أو أختلق أعذاراً أخرى. ثم يرحل من جديد. قلتُ لأهلي أنّكَ صديقي فقط وأنّكَ تقوم بترفيهي في غياب خطيبي. ثمّ حان موعد الزفاف وكان عليّ السفر ولم أستطع مواجهتكَ بالحقيقة ولكنّني أستطيع الآن إخباركَ أنّني أحضّر أوراقي لكيّ أعيش بسويسرا بصورة دائمة مع زوجي.

 

- ستعيشين هناك؟ وأنا؟ هل كنتِ ستقولين لي الحقيقة يوماً ما؟

 

- لا... كنتُ أنوي الرحيل فقط. أنا آسفة.

 

- لا! لستِ آسفة! لم أتصوّر يوماً أنّ أناس مثلكِ موجودون فعلاً... أحببتكِ من كل قلبي! إرحلي الآن! لا أريد أن أراكِ مجدّداً.

 

ورحلَت وأظنّ أنّها سافرت بعد فترة قصيرة لتكون مع زوجها. لقد مضى على الحادثة أكثر من سنة ولم أنسَ ما حصل لي، فخلال كل تلك المدّة لم أقترب مِن إمرأة خوفاً مِن أن تكون مثل حنان. أعلم أنّ جروحي ستشفى يوماً ما وأتعلّم أن أثقَ بالنساء مِن جديد.

 

حاورته بولا جهشان 

المزيد
back to top button