قابلت حبيبي في جنازة زوجته

قابلته في ظروف غريبة جداً: في جنازة زوجته! إذ طلبت منّي صديقة لي أن أرافقها إلى المأتم لأنّها لا تملك القوّة للذهاب بمفردها.

بدا حزيناً للغاية وبائساً فأشفقت على حاله وفي الوقت عينه انجذبت إلى رومنسيّته فلدى رؤيتي رجلاً تعيساً بصدق على غياب زوجته تحرّكت مشاعري وخفق قلبي.

بطوله البالغ 1،88 متراً وقامته الرياضية وطلّته الأربعينية الوسيمة، بدا لي حسام رجلاً لا يقاوم. وبعد أن أخضعت صديقتي لاستجواب حقيقي حصلت على كل المعلومات المرتبطة به بما في ذلك رقم هاتفه. لم أفعل ذلك أبداً في حياتي ولكنّني فجأةً وجدت الأمر طبيعياً للغاية.

- لكن هل أنت مجنونة؟! لقد فقد هذا الرجل زوجته للتوّ وأنتِ تفكّرين بإغوائه... قالت صديقتي بنبرة اللّوم. من المؤكّد أنّ ردّة فعله لن تكون إيجابية!

كانت محقّة بلا شك فإنّ الاتّصال به أمر جريء للغاية ومباشر. بعد أن عثرت على صفحته على فايسبوك انتظرت أسبوعاً واحداً قبل أن أبعث له برسالة تعزية. أجابني بلطف لكن بلا إضافات! ولكن مع مرور الوقت صرنا نتبادل الحديث أكثر وراح يكلّمني عن زوجته وعن كونهما لم ينجبا الأطفال وعن الظروف المأساوية التي قضت فيها زوجته: فقد وقعت عن السلالم في منزلهما وكسرت عنقها.

ثمّ بدأت الشائعات تنتشر! اتّهمه أهل زوجته بكونه المسؤول عن مقتلها قائلين إنّ تلك السلالم موجودة منذ ولادتها لكنّها لم تقع يوماً. كذلك، كانت هي من تملك المنزل وكان معها الكثير من المال. وبموتها ورث حسام كلّ شيء، ما يجعله المذنب المثالي! فعلت ما بوسعي لتهدئته فقد بدا جليّاً أنّ الاتّهامات التي تطاله كاذبة.

عندئذٍ قرّرنا أن نلتقي بعد أن كانت علاقتنا تقتصر على الرسائل الإلكترونية.

ما إن تلاقت أنظارنا حتّى شعرت بالحبّ من النظرة الأولى! لقد خلقنا الواحد من أجل الآخر! ولكنّني شعرت بأنّ حسام كان منزعجاً ويحسّ بالذنب لأنّه يكنّ مشاعر تجاه امرأة جديدة فيما الوقت لم يمرّ على رحيل زوجته.

- لا تشعر بالذنب. أنا واثقة من أنّها من حيث هي موجودة تريد لك السعادة، ولو كان ذلك مع امرأة أخرى.

لم يبدُ لي مقتنعاً لكنّني كنت واثقة من أنّ الوقت سينجح في جعله يفتح لي قلبه ففي الواقع تطوّرت علاقتنا وقد صرنا صديقين.

في هذا الوقت، تفاقمت نظرية القتل وتلقّى حسام زيارة من الشرطة. في ذاك اليوم كنت في منزله وقد طرح المحقّقون الكثير من الأسئلة عن نوع علاقتنا وقد رمقوني بنظرات سيّئة. فعل ما بوسعه ليفسّر لهم عن حقيقة لقائنا لكن بدا أنّهم لم يصدّقوا فبنظرهم إنّ الزوج تخلّص من زوجته ليرث مالها ويمضي أياماً سعيدة مع عشيقته. حاولت الإدلاء بشهادتي لكنّهم أمروني بالصمت وحين خرجوا وعدوا حسام بالعودة حالما تتوفّر لهم الأدلّة لاتّهامه.

شعرت بالصدمة واقترحت على حسام أن نبتعد قليلاً بعضنا عن بعض ريثما تهدأ الأمور لكنّه رفض بحجة أنّه لا يرغب في العيش بالخوف لأنّه ليس مذنباً.

بعد أيام قليلة، تلقّيت اتّصالاً غريباً من سيدة قالت إنّها شقيقة المتوفّاة وترغب في رؤيتي. تردّدت لكنّني وددت سماع ما تريد إخباري به.

في المقهى حيث تقابلنا قدّمت لي أوراقاً عليها كلمات مطبوعة على الكمبيوتر وطلبت منّي قراءتها. كانت نسخاً لرسائل تُحدِّثها فيها شقيقتها عن مخاوفها من حسام وقد قالت إنّها تخاف على حياتها معه. صُعقت لأنّ الإثباتات موجودة ولم أشكّك في صدقية تلك المرأة.

بعد أن تركتها جلست في سيّارتي وطرحت على نفسي ألف سؤال. ما نوع هذا الرجل؟ أهو زير نساء يركض وراء الثروة؟ أهو قاتل؟ ألهذا السبب أجاب بسرعة على رسائلي بينما جثّة زوجته لم تبرد بعد؟

أمر وحيد كان مؤكّداً بنظري: لا يجدر به أن يعلم عن اللّقاء وإلاّ صرت ضحيّته المقبلة...

ولكي لا أدعوه إلى الشكّ ذهبت إليه عند المساء كما لو أنّ شيئاً لم يحصل لكن حين أراد أن يأخذني بين ذراعيه، تحجّجت بأنّني مصابة بزكام قوي ومزعج.

- أشعر بالتعب. أتعلم؟ أريد العودة إلى منزلي فأنا لا أرغب في أن أعديك.

ورحلت من دون أن أترك له الوقت للتصرّف. صارت لقاءاتنا قليلة جداً وفي كلّ مرة كنت أختلق له عذراً مختلفاً إلى أن فهم أنّني أريد أن أترك مسافة بيننا، وهذا ما أردته!

مرّت الأسابيع والأشهر إلى أن علمت أنّه غادر البلاد، هكذا ارتاح بالي، فما عدت خائفة من مقابلته صدفةً. لقد ابتعد المجرم وصار بإمكاني أن أتنفّس من جديد. على الفور، قابلت سامر وهو رجل مثالي لا ماضي له. صحيح أنّني لم أكنّ له المشاعر القوية لكنّ الحياة بدت بسيطة معه حتّى إنّنا تكلّمنا عن الارتباط. وفي اليوم الذي كان من المفترض فيه أن يأتي مع عائلته لطلب يدي قابلت من جديد أخت زوجةحسام حين خرجت لتناول كأس مع الصديقات وكانت هي تجلس على الطاولة المجاورة. توجّهت نحوها لكي أشكرها على تنبيهي في الوقت المناسب فبدا لي أنّها شربت الكثير. نظرت إليّ قائلةً:

- يا لك من غبيّة!

- عفواً؟

- لقد صدّقت القصّة على الفور وحرمتِني من متعة الكذب عليك.

- ألم يكن الأمر صحيحاً؟ وماذا عن الرسائل؟

- كتبتها بيدي!

- ولكن لمَ؟

- لمَ؟ لأنّ شقيقتي ماتت وعديم النفع ذاك ما زال على قيد الحياة! لن نسمح له بأن ينعم بمال العائلة ويقع في الغرام أيضاً! ملاحظة، لم تكن فكرتي بل فكرة والدتي فالمسكينة فقدت ابنتها ويجب أن يدفع أحد الثمن!

شعرت برغبة جامحة في صفعها، فقد أفسدت عليّ كلّ شيء. الآن، ما عدت أقدر على الزواج بحسام وما عدت أعرف أين هو حسام... تركت السهرة ورحلت من دون توديع أحد.

كان قد مرّ عام تقريباً حين وقعت على صورة لحسام في إحدى مجلاّت المشاهير فقد قام بأعمال ملحوظة في منزله لجعله أكثر مطابقةً للمواصفات البيئية. لقد عاد إذاً! كان عليّ رؤيته على الفور فتوجّهت إلى منزله.

فتحت لي الباب امرأة جميلة جداً فطلبت منها رؤية صاحبة المكان:

- سيستقبلك زوجي تفضّلي بالدخول. لا شكّ في أنّك صحافية أليس كذلك؟ تريدين رؤية المنزل، إنّه رائع!

لم أعد أستطع العودة إلى الوراء لكنّني رغبت في الذهاب بعيداً جداً عن المكان. كان جالساً خلف مكتبه ولم يبدُ عليه أنّه فوجئ من رؤيتي بل طلب من زوجته أن تحضّر لنا القهوة.

- حسام أنا آسفة...

- لمَ؟ انظري من حولك أنا سعيد للغاية. أملك كلّ ما أحتاج إليه، سيّدة فاتنة ومنزل الأحلام، وسأصبح أباً عمّا قريب.

- يجب عليّ أن أشرح لك...

- لا داعي، تمكّنت من قراءة الخوف في عينيك.

- لقد نصبوا لي فخّاً وأروني ملفّات مزيّفة...

- وأنتِ لم تتعبي نفسك للتكلّم معي عن الأمر. لقد حكمتِ عليّ من دون أن تمنحيني فرصة الدفاع عن نفسي. في البداية عانيت لكنّني قرّرت الرحيل والبدء من جديد. ونجحت! في الواقع حريّ بي أن أشكرك!

كان محقّاً لأنّه كان عليّ التحدّث معه عن شكوكي لكنّني فضّلت الحلّ الأسهل وهو الهرب.

حين عادت زوجته ومعها القهوة تذرّعت بأنّ أمراً طارئاً قد حصل وأنّ عليّ الذهاب وهذه المرّة أيضاً كان الهرب هو المخرج الوحيد.

حاورتها بولا جهشان

 

 

المزيد
back to top button