فيديو غيَّرَ حياتي

خلال السنوات العشر مِن زواجنا، لَم يحصل شيء يُثير الرَيبة، بل ظلَّ يتصرّف طلال بطريقة طبيعيّة معي، مع أولادنا، ومع مُحيطنا. لكن مع قدوم الانترنت وخاصّة مواقع التواصل الاجتماعيّ، تغيّرَت المُعطيات إذ أنّني بِتُّ مُطلِّعة أكثر على ما يدورُ مِن حولي وفي العالَم، وصارَ الناس يُشاركون تجاربهم على مُختلف الأصعدة، وخاصّة الشخصيّة منها، لبَل الحميمة. وكانت هناك امرأة مِن اللواتِ تُسمّى "مؤثِّرات"، تابَعتُها لأنّها كانت جريئة كفاية لتقول ما إعتَدنا على اخفائه في مُجتمعنا الشرقيّ، ربّما لأنّها أجنبيّة ولا تخاف مثلنا مِن حكم الناس عليها. وفي احدى فيديوهاتها، هي أثارَت موضوع "ازدواجيّة التوجّه الجنسيّ" لدى الرجال، أيّ هؤلاء الذين يهوون النساء والرجال في آن واحِد. لا أدري لماذا إستقطَبَ ذلك الفيديو اهتمامي بشكل خاصّ لكنّني شاهدتُه حتّى الآخِر وبالأخصّ المقطع الذي هي تشرَح فيه كيف تعرِف السيّدة إن كان زوجها او حبيبها ازدواجيّ التوجّه الجنسيّ. هل كان عقلي الباطنيّ قد سجَّلَ دلائل لَم يعترِف بها عقلي الواعي؟ أظنّ أنّ ذلك كان بالفعل السبب، وإلّا لِما بدأتُ أُراقِب طلال عن كثَب؟

إتّبعَتُ الارشادات بحذافيرها، وتذكّرتُ أنّ زوجي كان ينظرُ بكثرة إلى الرجال أو بالأحرى الشبّان حين كنّا في مكان عام، وليس إلى الصبايا، وقلتُ لنفسي آنذاك مرارًا كَم أنّني محظوظة أنّ زوجي ليس مِن الذين يُحدّقون بالنساء كما يفعل العديد منهم غالِبًا. لكن ما عدا ذلك الدليل، لَم أكن أملكُ شيئًا آخَر، لِذا لزِمَ عليّ التفتيش في هاتفه.

أعلَم ما تقولونه الآن، أيّ أنّني أُبالِغ بالظنّ وأنّ هاتف المرء هو جزء مِن حياته الشخصيّة. لكن بين الأزواج، لا توجَد أسرار أو أماكن ممنوعة على الشريك، بل يجب أن يكون كلّ شيء واضِح. على كلّ الأحوال، ما إعتبرَتُها لعبة اتّضحَت أنّها موضوع جدّيّ للغاية غيّرَ مفهومي للأمور والناس.

إنتظرتُ اللحظة المُناسِبة ووضعتُ يدي على هاتف طلال ففتحتُه بواسطة الرمز السرّيّ الذي كنتُ قد حفظتُه بسهولة منذ فترة لأنّه كان تاريخ عيد ميلاده. لَم أرَ شيئًا مُريبًا سوى بعد اللايكات على صوَر رجال ذو أجساد رائعة وتعليقات مِن قِبَله تقول: "أنتَ رائع" أو "جمال أخّاذ"، وأشياء مُشابِهة. لَم أعرِف ما أستنتِج مِن ذلك، فحصَلَ لي أيضًا أن أُعلِّق على صوَر نساء رائعات، مِن دون أيّ نيّة طبعًا. لكن حين دخلتُ صفحة الرسائل الخاصّة لإحدى التطبيقات، وجدتُ مُراسلات عديدة بين طلال وبعض الشبّان "الرائعين" مفادها تبادُل الغزل الصريح وأحيانًا الإباحيّ. ماذا؟!؟ زوجي يقولُ لهؤلاء أمورًا لَم يقُلها حتّى لي؟ فهو لطالما كان خجولًا معي في هكذا أمور التي اعتبَرَها خاصّة لِدرجة عدَم مُشاركتها مع أحَد. أخذتُ صوَرًا لتلك المُحادثات بواسطة هاتفي في حال هو مسحَها ونكَرَ وجودها.

أعدتُ الهاتف إلى مكانه وجلَستُ مذهولة أسأل نفسي كيف يُمكن لرجُل مثل طلال، الذي كان كامِل الرجوليّة، أن تكون له رغبات كتلك التي قرأتُها. ألَم يتزوّج ويُنجِب؟ مَن جبَرَه على ذلك؟ وكيف يُقحمُني بتلك الحياة المزُدوِجة؟ وما هو أهمّ، هل تخطّى مرحلة الرسائل وطبَّقَ مع أحدهم ما في باله؟!؟ خفتُ كثيرًا على نفسي، فإن أقدَمَ زوجي على مُعاشرة أحدًا غيري وخاصّة رجال، هذا عنى أنّه قد يُمرِّرُ لي مرَضًا جنسيًّا كالإيدز!!! يا إلهي، كيف أتصرّف مع كلّ هذه المُعطيات الجديدة؟ هل أواجِهه وأخسرُ زوجي وزواجي؟

في الأيّام التي تلَت، بدأتُ أؤلِّف أعذارًا لطلال وأوهِم نفسي أنّ ما رأيتُه مِن رسائل هي صنع شخص آخَر مثل أحَد زملاء زوجي الذي يأخذُ هاتفه سرًّا ويُكلّم الرجال بتلك الطريقة البذيئة، أو أنّ طلال نفسه يكتبُ تلك الكلمات كدعابة لمعرفة ما سيكون جواب مَن هو مثليّ. تفسيرات غير منطقيّة طبعًا لكن كافية لإعطائي بعض الوقت قَبل أن آخذ قراري. وفي تلك الفترة، إمتنَعتُ عن مُعاشرة زوجي لأسباب اخترَعتُها، وهو لَم يُصِرّ. لَم يُصِرّ... وعادَت إلى بالي أمور حميميّة، كمُعاشرته لي في الظلمة دائمًا تحت طلَبه، وعدَم لَمس أجزاء منّي لها صِلة بأنوثتي. أعذروني على تلك التفاصيل الخاصّة، لكنّ ذلك مُهمّ لِفَهم أنّ كلّ تلك الأشائر كانت موجودة وبقيَت في بالي، لكن كما ذكرتُ سابقًا، بشكل مُستتِر، وكيف أنّ ذلك الفيديو آثارَ اهتمامي، ففي داخلي... كنتُ أعلَم.

وأمام ضياعي، رحتُ أستشير والدتي فأخبرتُها كلّ شيء. هي حزِنَت مِن أجلي لكنّها قالَت لي:

ـ إن واجهتِه، فسيعترِف بالحقيقة، وماذا بعَد؟ تطلبين الطلاق أو تعيشين تحت سقف واحِد مع رجُل لن يُخبّئ بعد ذلك شذوذه ويُمارِس ميوله علَنًا، أيّا تفضّلين؟

 

ـ لا أفضِّل شيئًا يا ماما.

 

ـ تمامًا... على كلّ الأحوال، الطلاق ليس لصالحكِ، فكيف ستعيشين؟ إنّ لدَيكِ حياة جميلة الآن، وأفضل شيء هو أن تسكتي وتُكملين زواجكِ كالسابق.

 

ـ بعد أن عرفتُ الحقيقة؟!؟

 

ـ إسمَعي، الألوف لبَل الملايين مِن النساء صمَتنَ لأسباب مُختلِفة، فهذا مصيرنا لأنّنا ضعيفات.

 

ـ هذا ربّما في أيّامكِ أنتِ يا ماما، أمّا الآن فتغيّرَت الأمور، لسنا ضعيفات أبدًا!

 

ـ ماذا تنوين فعله إذًا؟

 

ـ سأفكِّر بِحَلّ.

 

في الفترة التي تلَت، فعلتُ جهدي ألّا أُهمِل واجباتي كأمّ وربّة منزل، لكنّ الأمر لَم يكن سهلًا، صدّقوني، خاصّة أنّني بقيتُ أدّعي أمام زوجي أنّني امرأة سعيدة، لكنّني كنتُ بالفعل تعيسة. وما كان يُتعِسُني الأكثر، هو أنّني توقّفتُ عن حبّ طلال، أوّلًا لأنّه كذِبَ عليّ خلال سنوات طويلة، وأيضًا لأنّه كان يخونُني مع رجال إن لَم يكن فعليًّا، على الأقلّ عبر مُراسلته لهؤلاء الشبّان، فالخيانة تكمنُ أيضًا وأوّلًا في الأفكار وفي تبادل الكلام المعسول والحميم مع شخص آخَر. بقيتُ أمتنِع عن زوجي وأظنّ أنّه كان مُرتاحًا للوضع لأنّه لَم يعُد مُجبَرًا على التمثيل وفعل جهده ليقوم بواجباته الزوجيّة معي.

ثمّ أخذتُ قراري بعد أن أدركتُ أنّني لا أستطيع مواصلة التمثيل طوال حياتي، فطلبتُ مِن طلال أن نتكلّم جدّيًّا بموضوع مُهمّ، وهذا ما قلتُه له:

ـ أعرِف كلّ شيء... عن حياتكَ الأخرى، عن ميولكَ "الخاصّة". لا تنكُر مِن فضلكَ، فلدَيّ براهين، أنظُر.

 

وأرتيُه الصوَر التي أخذتُها عن هاتفه. هو غضِبَ كثيرًا وبدأ يصرخُ عاليًا فأسكتُه:

ـ لا داعٍ للغضب، فأنا التي عليها أن تغضب وليس أنتَ، فلقد استعمَلتَني لِتَبني لنفسكَ ستارًا وتختبئ وراءه أمام الناس. أنتَ ليس فقط تزوّجتَني، بل أنجَبتَ منّي أولاد، يا لِمكركَ! فلو كنتَ صريح مع نفسكَ، لمَا تزوّجتَني، بل أعطَيتني فرصة لأعيش حياة طبيعيّة مع رجُل بالفعل يُحبُّني ويهواني.

 

ـ أنا أحبُّكِ، لكن ليس كما تتصوّرين، صدّقيني. وحين تزوّجتُكِ لَم أكن أعرِف أنّني أحِبّ الرجال... أو بالأحرى لَم أكن مُتأكِّدًا، ففعلتُ ما يفعله كلّ الناس، تزوّجتُ وأنجَبتُ ظانًّا أنّ ميولي المكبوتة ستختفي مِن تلقاء نفسها. ولكن حين صارَت مواقع التواصل الاجتماعيّة موجودة وكذلك تلك الصوَر المُغرية وامكانيّة التواصل مع أيّ كان، صحَت ميولي وتفاقَمَتُ مع الوقت. لَم أخُنكِ فعليًّا، فقط عقليًّا.

 

ـ الخيانة هي خيانة، لا تُعطِ لنفسكَ أعذارًا، أرجوكَ.

 

ـ ماذا تريدين أن نفعل، أنا مُستعِدّ لكلّ شيء.

 

ـ حسنًا... سننفصِل عاطفيًّا وجسديًّا وستنام في غرفة الضيوف، فلا أريدُ أن أكون أداة مُتعة عابِرة بالنسبة لكَ بعد الآن. بإمكانكَ عَيش حياتكَ الحميمة كما تُريد وسننتظِر حتّى يبلغ صغيرنا سنّ الرشد لنُطلِّق. وحتّى ذلك الحين، أريدُ منكَ مبلغًا شهريًّا لي حصريًّا لأضَعه جانبًا مِن أجل حياتي بعد الطلاق. سأجِدُ عمَلًا ليُنسيني وضعي الشاذ ويُمكّنُني مِن الوقوف على رجليَّ بعد أن ننفصل نهائيًّا، فليس عليّ أبدًا دفع ثمَن غدركَ والعَيش بالذِلّ والقلّة لأنّني أحبَبتُ الانسان الخطأ. في المُقابل، سأضمنُ لكَ كتمان ميولكَ، فأنتَ تعلَم كَم أنّ ذلك سيؤثّر على سمعتي وأولادنا وخاصّة سمعتكَ في مُجتمعنا الضيّق. فنحن لسنا في الغرب وافشاء سرّكَ سيُدمرّنا جميعًا. لن أقبَل بغير هذه الشروط، ويمكنكَ القبول أم الرفض. ماذا تقول؟

 

ـ سأعطيكِ كلّ ما طلبتِه... لكن اعلَمي أنّ الأمر لَم يكن بيَدي، فهكذا أنا، صدّقيني.

 

ـ أنا أُحاسبُكَ ليس على ميولكَ، بل على كذبكَ وغشّكَ ومِكركَ، خصال لا تقبَل بها أيّ زوجة.

 

وجدتُ عمَلًا ولو بسيطًا أعطاني السلوى واللهو عن واقعي، وصبَبتُ اهتمامي على أولادي، وأعطاني طلال كلّ ما أرَدتُه. شعرتُ طبعًا بفراغ عاطفيّ عميق لكن ما عساني أفعل؟ مِن جانبه، بقيَ طلال يُمثِّل دور الزوج المثاليّ أمام الأولاد والناس ولَم أعلَم شيئًا عن علاقاته، كما وعدَني.

بقيَ لابني الأصغَر سنة واحدة لبلوغ سنّ الرشد وصِرتُ جاهزة للعَيش باستقلاليّة، خاصّة أنّ أولادي الكبار بدأوا بالعمَل إلى جانب دراستهم الجامعيّة. وبدأ طلال بالاستعداد إلى تَرك المنزل الزوجيّ... مع ألف سلامة!

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button