فضحتُ أمر عشيقي مِن دون قصد

أعلم أنّني أخطأت عندما أقمتُ علاقة مع رجل متزوّج ولكنّني تعلّمتُ الدرس وأستطيع الجزم بأنّني لن أعيد الكرّة طوال حياتي. والذي حصلَ لي سببه جشع إنسان إستفادَ مِن سريّة هذه العلاقة وتداعيّاتها، وقرر فضحي إن خرجَت إلى العَلَن، لأنّ عشيقي كان رجلاً معروفاً مِن حيث نشاطاته الاجتماعيّة والمهنيّة التي لا تتحمّل أي فضيحة. وساهَمتُ مِن دون أن أدري في تطوّر الأحداث بِسبب صديقة لي وثقتُ بها وروَيتُ لها بعض تفاصيل علاقتي مع كريم. وليس مِن الغريب أن تتشارك الصديقات أخبارهنّ العاطفيّة ولكن سَمَر كانت شقيقة صحافيّ يبحث عن الشهرة وبأيّ وسيلة. فنقَلَت له أخباري ورأى بذلك فرصة ذهبيّة لِدخول الصحافة مِن بابها العريض.

ففي ذاك يوم عندما كنتُ جالسة مع سَمَر في إحدى المقاهي انضمّ إلينا أخوها وقالَت لي:

 

ـ دعيني أعرّفكِ على أخي... الدكتور سامي... وهو طبيب نفسيّ يعالج حالات الإكتئاب ويريح الناس مِن همومها.

 

ـ أهلاً دكتور... لم أكنّ أعلم أنّ أخاكِ طبيب يا سَمَر... لماذا أخفَيتِ الأمر عنّي؟

 

ـ لم أخفِ شيئاً عنكِ ولكنّ الأمر لم يرِد في أحاديثنا... لقد جئتُ بِسامي اليوم ليساعدكِ.

 

ـ أنا؟ لماذا؟ أنا بأفضل حال!

 

ـ هذا غير صحيح... أعرفكِ منذ سنين ولاحظتُ عليكِ علامات الهم والإكتئاب... ونعرف السبب... أليس كذلك؟

 

ـ رجاءً سَمَر... الأمر بِغاية الخصوصيّة!

 

ـ لا عليكِ... سامي طبيب ويحترم سريّة مرضاه.

 

ـ ولكنّني لستُ مريضة!

 

وكان سامي قد بقيَ صامتاً طوال حديثي مع أخته. ثم قال لي بِكل هدوء:

 

 

ـ عذراً على تصرّف أختي هذا... لقد بدَت وكأنّها تفرضني عليكِ... جئتُ معها فقط لأساعدكِ بعدما قالت لي أنّكِ تشعرين بأنّ علاقتكِ مع صديقكِ لن تصل إلى مكان وهذا يؤلمكِ... لم تقل لي شيئاً عن ذلك الشخص ولا يهمنّي أن أعرف... كل ما أريده منكِ هو أن تحكي لي عن أحاسيسكِ لكي ترتاحي... كلنّا بِحاجة إلى مَن نثق به لِدرجة أخباره كل شيء مِن دون تحفّظ... وأنا هذا الإنسان... أنا طبيب...

 

 


وشعرتُ أنّه على حقّ لأنّني طالما تمنّيتُ أن أستطيع الإفصاح عن يأسي بما يخصّ زواج كريم الذي يقف بوجه سعادتنا. ولأنّ مركز حبيبي الإجتماعيّ كان مرموقاً كان عليّ الحفاظ على السريّة التامة الأمر الذي أتعبَني جداً. وتابعَ سامي:

 

ـ هذه بطاقتي... أطلبيني غداً وسنتكلّم عن التفاصيل... ولكنّني لن أستطيع أستقبالكِ في عيادتي لأنّني أرمّمها وليست جاهزة بعد.

 

وحين أخذتُ منه البطاقة لم أكنّ متأكّدة بعد مِن إتصالي به ولكن صديقتي عَملَت جهدها لإقناعي بعدما تركنا أخوها لِوحدنا. وهكذا أخذتُ موعد مِن الطبيب المزعوم وألتقيتُ به في مقهى وبدأنا الكلام سويّاً. في البدء لم أقل له شيئاً يُذكر بل أعربتُ عن قلَقي وحزني بما يخص وضع حبيبي العائلي وحيرَتي أمام خياري في البقاء معه أو تركه. ولكنّ سامي وبِطريقة غير مباشرة حثّني على التكلّم وأعطائه تفاصيل أكثر.

وبعد بضعة لقاءات مِن هذا النوع، وبالرغم أنّني لم أسأل نفسي ولو مرّة واحدة كيف لِطبيب أن يمارس مهنته في مقهى، بات الرجل يعرف كل شيء عن كريم. عَلِمَ عنوانه ومكان عمله ونوع أشغاله وإسم زوجته وأولاده. وكانت قد وردَت هذه التفاصيل خلال أحاديثنا ولم أقصد أبداً التشهير بِحبيبي ولكنّ سامي كان صحافيّاً ويعلم كيف يحمل الناس على التكلّم مِن دون أن يلاحظ أحداً أنّه يبحث عن معلومات.

وكانت سَمَر مِن جانبها تشجّعني على أفصاح كل ما في قلبي وتدّعي أنّها تفعل ذلك مِن أجل راحتي النفسيّة ولأنّها تحبّني. ولم يكن بِمقدوري أن أشكّ بها لأنّها كانت صديقتي منذ زمن طويل ولم تخن ثقتي بها ولو مرّة. ولكنّ مصلحة أخاها كانت أقوى مِن صداقتنا على الأقل بالنسبة لها. فلو كنتُ مكانها لما فعلتُ بِصديقتي ما فعَلَته بي.

وبالطبع لم أقل لِكريم أنّني أرى طبيباً نفسيّاً خشية أن يظنّ أنّ لدَيّ مشاكل ويتوقّف عن حبّي. ولو أخبرتُه بما يجري لكان أنتَبه إلى كل التفاصيل التي تدّل على أنّ سامي ليس ولم يكن يوماً طبيباً.

وحين حصلَ سامي على كل ما يحتاجه أختفى فجأة ولم يعد يردّ على مكالماتي. وبالطبع ركضتُ أسأل أخته عنه فقالَت لي أنّه أضطرّ للسفر بِصورة مفاجئة وأنّه سيعود قريباً. ولكنّ الرجل كان يحضّر مقالة عن كريم لِيبعها لِمَن يدفع الأكثر لها.

وبعد حوالي الأسبوعَين إتصل بي كريم وطلبَ أن يراني على الفور. إستغربتُ للأمر لأنّنا لم نكن نتواعد في مثل هذا الوقت مِن النهار ولبَّيتُ النداء غير دارية بالذي يودّ قوله لي.

 

 

وحين دخلتُ الشقّة التي كانت تأويّ حبّنا وجدتُ كريم بإنتظاري وبيده مجلة شبه ممزّقة لوّحَها بِوجهي قائلاً:

 

ـ ما هذا؟ ما الذي فعَلتيه بي؟ تعلمين كم أنّ سمعتي غالية عليّ!

 

ـ وسمعَتي أيضاً غالية عليّ... لستَ أكثر شأناً منّي!

 

 

ـ بلى... مَن تكونين؟ موظفة صغيرة لا يعلم أحد بِوجودها؟ أنا كريم ص.! كيف تجرؤين على التآمر ضدّي؟

 

ـ ما الذي تتكلّم عنه؟

 


ـ أتكلّم عن هذا!

 

ورمى المجلّة بِوجهي. وعندما قرأتُ ما كُتِبَ فيها فهمتُ لعبة سامي وسَمَر. كان أخوها قد كتبَ مقالة مرتكزة على ما قلتُه له عن حبيبي ذاكراً أدقّ التفاصيل حتى الحميمة فيها. عندها قلتُ لِكريم:

 

ـ صاحب هذه المقالة هو طبيبي النفسيّ... أو هكذا خلتُه.

 

وأخبَرته القصّة بِكاملها شارحة له أنّني لم أقصد أبداً أن يعلم أحد عن علاقتنا. عندها قال لي:

 

ـ إن كان ذلك صحيحاً لماذا لم يتم ذكر إسمكِ الحقيقيّ بل أستُبدلَ بآخر بينما إسمي موجود في كل سطر؟

 

ـ ربمّا شفقَت سَمَر عليّ... أو لأنّني كما قلتَ منذ دقائق "موظّفة صغيرة لا يعلم أحد بوجودها"... أرأيت؟ أحياناً قلّة الشهرة تكون مفيدة!

 

ـ أتسخرين منّي؟

 

ـ أسمع... أحببتُكَ سنين وأعطيتُكَ كل ما أملك... أمّا أنتَ فلم تعطيني إلا فتافيت مِن حياتكَ... كل شيء يأتي قبلي: زوجتكَ وأولادكَ وعملَكَ وسفراتكَ وأصدقائكَ... وإن بقيَ لديكَ الوقت ولم تكن تعباً تتنازل وتراني... مِن الطبيعي أن تستاء لِما نُشِرَ عنكَ ولكن ردّة فعلكَ كانت واضحة: أنتَ لا تحترمني لَن أقبل منكَ ذلك.

 

ـ ماذا سأفعل الآن؟ الكل أصبحَ يعلم عن مغامرتي معكِ.

 

ـ مغامرة؟ كنتَ تسمّيها قصّة حب رائعة... ما سيحدث لكَ هي مشكلتكَ أنتَ... ستجد حلاً... أنتَ قويّ وجبّار... ستكذّب الخبر بِمهارتكَ المعهودة تلك نفسها التي استعملتَها لِتقنعني بالمضيّ بِ" مغامرة" معكَ... أنا آسفة إن كنتُ وبِغير قصدي قد سبّبتُ لكَ الأذى... سأرحل الآن.

 

ـ إلى أين أنتِ ذاهبة؟ عليكِ البقاء معي فأنا مستاء.

 

ـ أنتهَت مهمّتي معكَ... عليكَ إيجاد عشيقة أخرى لِتقوم بالترفيه عنكَ.

 

ـ ستندمين!

 

ـ لستُ خائفة منكَ... أتعلم لماذا؟

 

ـ لماذا؟

 

ـ لأنّني لا أملك شيئاً لأخسره... لستَ لي لأخسركَ وليس لديّ لا المال ولا الجاه ولا الشهرة... وداعاً.

 

وخرجتُ مِن بابه إلى حياة جديدة. ولم أكن أعلم إن كان عليّ شكر سَمَر على ما فعلَته. فبالرغم مِن الفخ التي نُصِبَ لي جاءَت النتيجة لِصالحي. واكتفيتُ بعدم توبيخها والابتعاد عنها.

أمّا هي فلم تحاول الإتصال بي لأنّها أدرَكت أنّني لن أرضى بها كصديقة بعد الذي فعلَته. أما كريم ففضّل السفر بإنتظار أن تهدأ الأخبار عنه. والذي ساعده هو أنّ المجلّة التي نشَرَت المقال مخصّصة بالأقاويل واخبار المشاهير ولا تتمتّع بأي مصداقيّة.

كيف أقنعَ زوجته بأنّها حبّه الأوّل والأخير؟ لا بدّ أنّه أستعمل الحجج ذاتها التي يستعملها كل رجل خائن.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button