في الشرق، أن تعيش المرأة مع رجلٍ من دون زواج يبقى موضوعاً محرّماً. تخلّيت عن الدنيا من أجل رجلٍ لم يعرف كيف يحبّني.
تخلّيت عن الدنيا بكل ما للكلمة من معنى. لم تكن عائلتي تحبّه: "إذا اتّخذتِ هذا القرار، فالأمر بسيط: سنتبرّأ منكِ". غير أنّني تمسّكت به ولم أخشَ تهديداتهم. خرجت مع سامي مدة سنة تقريباً ثمّ عرض عليّ العيش معه فقبلت على الفور ومن دون أن أفكّر لأنّني لطالما أحببت أن أنام وأصحو إلى جانبه وأن أعيش حلم المرأة العاشقة. لم نأتِ على ذكر الزواج بل فضّلنا أن نختبر بعضنا أولاً.
أقمنا في شاليه قرب البحر. اعترضتنا الكثير من المشاكل بيد أنّ الحب كما يُقال يزيل الحواجز. في ذاك الوقت، كان عمري 36 عاماً وهو 32، كنتُ مهندسة أمّا هو فترك العلم باكراً وامتلك ملهىً وكان عمله ناجحاً. باختصار، كنّا من بيئتين مختلفتين.
منذ البداية، تخلّت عنّا عائلتي وعائلته باستثناء شقيقي الذي ينظر إلى المساكنة نظرة مختلفة لأنّه تابع دروسه في الخارج، فحاول أن يقنع أهلنا بيد أنّه فشل في مهمّته لأنّهم كانوا في هذا الموضوع "شرقييّن" إلى أقصى درجة!
من ناحيتي، بذلت أقصى جهدي لتنجح علاقتنا التي راهن الجميع على فشلها. حاولت التوفيق بين الشؤون المنزلية وعملي لكن كنت غالباً ما أعود إلى المنزل عند المساء وأجده يعجّ بزوّارٍ دعاهم سامي إلى العشاء. فكان يفترض بي أن أحضّر الطعام سريعاً وأؤدي دور الخادمة حتى وقتٍ متأخر من اللّيل فأخلد إلى النوم منهكةً عند الفجر. لكن كنتُ سعيدة. مرّت أشهر عديدة ثمّ سنة وسنتان على أمل أن يطلب سامي يدي للزواج فقد نجحنا في الاختبار إذ سارت علاقتنا على أفضل ما يرام وكنّا متّفقين ومتحابّين أكثر من ذي قبل. في المقابل، كنتُ أشتاق كثيراً إلى عائلتي وأصدقائي وأتوق لاسترجاع كرامتي "كامرأة محترمة". لكن عبثاً، لأنّ سامي لم يصارحني بالارتباط وأنا لم أصرّ خوفاً من إفساد الأمور بيننا بل كنت أكتفي من حينٍ إلى آخر بالتحدّث عن الأولاد غير أنّه يدّعي عدم السماع. استغرب الجميع من صمتي ولا سيما زملائي في العمل فكنت أجيبهم بأنّني لا أريد استعجال الأمور وأنّ سامي لم يصبح جاهزاً بعد ليخطو هذه الخطوة.
والأصعب بالنسبة إليّ كانت نظرة أهله تجاهي فقد احتقروني لدرجة أنّهم ما كانوا يلقون عليّ التحية حين نصادفهم في مكانٍ ما، وذلك على الرغم من كوني فتاةً جميلة ومتعلّمة وأفعل المستحيل لأسعد ابنهم. قتلني هذا الاستخفاف، وحين كنت أصارح سامي بالأمر كان يطلب منّي تجاهلهم تماماً كما يفعلون...
في إحدى اللّيالي وبعد مرور 3 سنوات على العيش معاً عزمت على مصارحته بالموضوع:
- عزيزي، ألا ترى أنّه حان الوقت المناسب لنجعل علاقتنا رسمية. وهذه المرة أريد منك جواباً لأنّني سئمت نظرة العائلة إليّ كما لو كنت امرأة فاسدة بينما أنا لم أقترف أيّ ذنب سوى العيش مع الرجل الذي أحبّ.
صمت قليلاً ثمّ أجابني بصوتٍ منخفض:
- لا أسطيع الزواج بكِ.
- ماذا؟ لا تستطيع؟ ما المانع؟ ألم تعد تحبّني؟
- بلى وأنتِ تعلمين أنّني لا أحبّ أحداً سواك. لكنّ الزواج أمرٌ مختلف.
- مختلف، من أية ناحية؟ إنّ الزواج رابط مقدّس يجمع شخصين متحابّين يرغبان في العيش معاً طيلة الحياة، أليس كذلك؟
- الأمر ليس بهذه البساطة. لا يمكنني الزواج بامرأةٍ عشت معها حياة زوج وزوجة. بالإضافة إلى ذلك هل نسيت فارق العمر؟ أنتِ تشارفين على عمر 40 سنة وعائلتي لا ترغب فيكِ البتّة!
انهار العالم أمام عينيّ ولم أصدّق ما سمعته أذناي. ترقرقت عيناي بالدموع وأحسست أنّني في حلم! وقبل أن أنفجر بالبكاء قلت له:
- بعد كلّ التضحيات التي قدّمتها من أجلك ومن أجل أن أكون معك هل تقول لي إنّني لا أصلح لأن أكون زوجةً لك؟
- نعم.
في اللّيلة ذاتها وضّبت حقيبتي ورحلت من غير أن أنبس ببنت شفة ومن غير أن يمنعني. التجأت إلى صديقتي المفضّلة التي استقبلتني بكلّ ترحيب: "كان يجدر بك تركه منذ زمن طويل، لكن الآن أفضل من وقت لاحق!".
لم أعرف عنه أي خبر طيلة ثلاثة أشهر إلى أن أخبروني أنّه في حالة فظيعة وقد أصبح نحيفاً ويخبر الجميع كم أحبّني وكم أنّ حياته قاسية من دوني.
في أحد الأيام، اتّصل بي وتوسّل إليّ حتى أعود لكنّني قاومت. ذهبت للعيش مع صديقتي إيلين لأنّ زوجها كان مسافراً ولم أفهم يوماً لمَ ضحّى بعلاقتنا من أجل عادات سخيفة تخطّيتها أنا لأكون بالقرب منه.
بعد مرور شهرين، سمعت أنّه سيتزوّج بإحدى موظّفاته وهي شابة في الثامنة عشرة من عمرها. تعرّضت لصدمة قوية وكنت حتى آخر لحظة آمل أن يغيّر رأيه. لم أتحمّل فكرة زواجه فحاولت الانتحار مبتلعةً علبة من الحبوب المنوّمة. لحسن حظّي وصلت إيلين في اللّحظة المناسبة وطلبت الإسعاف وأنقذوا حياتي. عندما استيقظت كان سامي بقربي لأنّ إيلين اتّصلت به لتخبره بما فعله. بقي بجانبي إلى أن تعافيت وحين خرجت من المستشفى اختفى ورحل... ليتزوّج.
أخبروني أنّ عرسه كان ضخماً وأنّه كان سعيداً بالقرب من زوجته.
لقد قلب الصفحة. فلمَ لا أفعل مثله؟
عند عودته من شهر العسل اتّصل بي وطلب منّي ملاقاته في الشاليه واقترح عليّ أن أصبح عشيقته وأن نكمل علاقتنا في السرّ. في هذه اللّحظة أدركت أنّني أستحقّ شخصاً أفضل منه. نسيت كرامتي ولم أستطع فهم الحبّ. الحبّ هو أن يعطي الإنسان من ذاته ولكن أيضاً أن يأخذ في المقابل محافظاً على طهارة حبّه.
لزمني الكثير من الوقت لأنسى غير أنّني أتحسّن شيئاً فشيئاً. لم أتوقّع أبداً أن أقع في الغرام من جديد لكنّني كنت مخطئة فما من شخص لا يمكن استبداله بغيره.
في أحد الأيام التقيت في الشارع رجلاً فريداً عرف كيف يعيد لي الأمل والثقة بالنفس.
وسنتزوّج في الشهر المقبل!
حاورتها " بولا جهشان"