غشّني عشيقي المتزوّج

"اصبري قليلاً يا حبيبتي... لا أستطيع أن أطلّقها وهي مريضة... هذا لا يجوز... سأفعل حالما تتحسّن حالتها."هذا ما أجابَني به سالم عندما سألتُه للمرّة الألف وبعدما مرَّت سنتَين على علاقتنا متى سيترك زوجته ليكون لي.

في البدء لم أكن أريد أبداً أن أخرج مع رجل متزوّج ولكنّ الحبّ أقوى مِن كل القرارات التي نأخذها. ولولا لم يقسم لي أنّه كان تعيساً معها وينوي منذ فترة طويلة أن يفسخ زواجه لما زجّيتُ نفسي بِهكذا علاقة. والذي جعَلَني أصدّقه هو أنّه لم يكن لديه أولاد منها وكان يحلم بِوريث يحمل اسمه ويتابع مِن بعده ما بدأه أي تجارة ضخمة ومربحة.

وبالرغم مِن فارق السنّ الشاسع بيننا كان سالم إنسان قريب منّي يستمع إليّ ويفهمني. ولكنّني لم أعد قادرة على إخفاء حبّي له عن الناس وبات الجميع يشعر بأنّني أواعد أحداً خاصة والدَيّ اللذان كانا يودّان التعرّف على سعيد الحظ كي يطلب يدي منهما. ولكن حين شعرتُ أنّ حبيبي على وشك تنفيذ وعده لي أصيبَت زوجته بِمرض خبيث وبات الأمر ميؤوس منه.

وبالرغم أنّ تلك المرأة كانت العائق الوحيد بيني وبين السعادة لم أتمنّى لها أبداً سوى العافية والعمر الطويل على عكس سالم الذي كان دائماً يردّد: هذا ما كان ينقصني! يا ليتها تموت وتريحني! وكنتُ حينها أوّبخه وأطلب منه الكفّ عن هذا الكلام الجارح.

ولكّل فتاة أو امرأة لا تعلم كيف تكون العلاقة مع رجل متزوّج سأشرح ما يمكنها أن تمرّ به لو كانت مكاني: ستكونين دائماً في المرتبة الثانية أو الثالثة في حال وجود أولاد ولن تستطيعي التكلّم معه هاتفيّاً حين يكون في المنزل أو بِرفقة زوجته. وبالطبع لن تتمكنّي مِن الخروج معه علناً إلاّ إذا ادعَيتما أنّكما في لقاء عمل. عليكِ أن تنسي السهرات والأعراس وكل الواجبات الاجتماعيّة التي تستوجب وجود الزوجة. وبالطبع لن تتعرّفي على أهله وأصدقائه أو حتى زملائه في العمل. ناهيكِ أنّه الوحيد الذي سيقرّر متى ستتمكنّين مِن رؤيته ومدّة اللقاء وذلك حسب إمكانيّاته. في كلمة واحدة ستكونين موجودة للذّته فقط. وسيحاول محو هذه الفكرة الشنيعة مِن بالكِ بالكلمات والوعود المطمئنة والهدايا الجميلة.

 


هكذا كانت حياتي مع سالم وتحمّلتُ كل ذلك لأنّني تأملّتُ أن يأتي يوم وأصبح زوجته وأحصل على مكانة مشرّفة ويعوّض لي عن كل الأوقات التي قضيتُها أنتظر مكالمة أو موعد وعن كل ليلة قضيتُها أبكي شوقاً له. ولم يخطر على بالي ولو لِثانية واحدة أنّ لِسالم عشيقة غيري خاصة أنّه كان يوحي لي أنّ لا وقت له سوى لي وسط عمله وزوجته وواجباته الاجتماعيّة. ولكنّ الأمر كان مختلفاً تماماً. ولو لم تلعب الصدف دورها لما اكتشفتُ حقيقة هذا الرجل المعدوم الأخلاق.

ففي ذاك يوم وأثناء زيارتي لإحدى صديقات جاءت فتاة لتنضمّ إلينا. لم أكن أعرف رندا مِن قبل لأنّها كانت تسكن في منطقة بعيدة بعض الشيء عنّي ولا تزور صديقتها إلاّ نادراً. وحين جلَسَت معنا وبدأنا نتبادل الكلام شعرتُ بارتياح معها وبدا الأمر وكأنّنا نعرف بعضنا منذ زمن بعيد. وعندما أخذنا نحكي عن الغرام والحب رأيتُ حزناً عميقاً في عينيها فسألتُها عن السبب فأجابَت:"أحبّ شخصاً ولكن هناك عائق يمنعنا مِن عَيش حبّنا..." وسَكَتت. وانتابَني شعور بالحزن أيضاً لأنّني تذكرّتُ قصّتي مع سالم وسكتُّ بدوري. وحين حان الوقت لأغادر تبادَلتُ رقمي الهاتفي مع رندا ووعدتُها بأن أكلّمها بِسرعة مضيفة بِصوت خافت:"أنا بِحاجة إلى إخباركِ قصّتي." لماذا وثقتُ بها هكذا؟ ربما لأنّني كنتُ أكتم سرّي منذ سنَتين ووجدتُ أنّها ستفهمني أو لأنّ القدر شاء أن ألتقي بها وآخذ رقم هاتفها وأخبرها عن سالم لينتهي عذابي وأعيش حياة طبيعيّة.

وبعد يومَين أتصلتُ بِرندا وتلاقَينا في مقهى لطيف. وبعد أن تبادلنا أخبار عاديّة أخذتُ نفساً عميقاً وقلتُ لها:

 

ـ فهمتُ منكِ حين كنّا عند صديقتنا أنّ حياتكِ العاطفيّة معقدّة... أنا في مثل حالتكِ ولكن لا أدري إن كانت الأسباب هي نفسها... أعني أنّني مُغرمة بِرجل متزوّج.

 

ـ يا ألهي! أنا أيضاً! كم مضى على علاقتكما؟

 

ـ سنتَين... وأنتِ؟

 

ـ سنة واحدة... لكنّ انتظاري لن يطول مثلكِ... سنتزوّج حالما تتعافى زوجته.

 

عندما قالت رندا ذلك شعرتُ بِقلبي يتوقّف. ثم قلتُ بِصعوبة:

 

ـ زوجة حبيبي أيضاً مريضة... يا للصدفة... رندا... هل لكِ أن تقولي لي ما اسم الرجل الذي تخرجين معه؟

 

ـ لا تقولي لي أنّكِ تعتقدين أنّه الشخص نفسه! هذا مستحيل! حبيبي يحبّني كثيراً ولولا أخلاقه العالية لطلّق زوجته وهي مريضة.

 

ـ هل اسمه سالم م.؟


لن أستطيع شرح كيف تغيّرَت ملامح وجهها حين سمعَت اسمه. ثم تجمْدَت عيناها وبدأت بالبكاء. مسكتُ يدها وأنا أرتجف مِن الغضب وحاولتُ تهدئتها. وعندما أوقَفت البكاء قالت لي:

 

ـ قولي لي أنّها دعابة... قولي لي أيّ شيء!

 

ـ كل ما أستطيع قوله هو أنّه تلاعبَ بنا... احمدي ربّكِ أنّكِ تعرّفتِ إليّ." وبدأنا نتبادل المعلومات عنه والأحداث وقارنّا التواريخ ورأينا أنّه حين لم يكن قادراً على رؤيتي كان يذهب إليها والعكس. وبعد حوالي الساعة أدركتُ شيئاً مخيفاً:

 

ـ رندا... أجِبي على هذا السؤال: إذا حسبنا الوقت الذي يمضيه معكِ والذي يمضيه معي فهذا لا يترك له الوقت ليكون مع زوجته ويذهب معها إلى كل المناسبات التي أخبرَني عنها. هذا طبعاً قبل مرضها المفاجئ.

 

ـ ماذا ترمين إليه؟

 

ـ أعني أنّ سالم يدّعي أنّه متزوّجاً!

 


ـ هذا مستحيل! لماذا يدّعي أنّه متزوّج؟ هذا غير منطقيّ!

 

ـ ربما لأنّه لا يريد الارتباط وكل ما يهمّه هو اللهو مع ساذجات مثلنا!

 

ـ ولماذا قال لنا أنّ زوجته مريضة؟

 

ـ كي لا نحثّه على الزواج... أو لديه عشيقة ثالثة ويودّ إعطاءها قسطاً إضافيّاً مِن وقته.

 

ـ يا إلهي... كيف لنا أن نتحقّق مِن الأمر؟

 

ـ دعيني أتصرّف.

 

وبعد أن فكرّتُ مليّاً بالطرق التي ستمكنّني مِن معرفة الحقيقة وجدتُ أنّ الطريقة الأفضل هي مواجهته. فعند موعدنا التالي لم أتردّد عن سؤاله عن علاقته مع رندا. وعندما ادّعى أنّه يجهل تماماً مَن تكون تلك المرأة قلتُ له:

 

ـ أعلم أنّكَ تخفي عنّي أشياء... لقد سئمتُ الانتظار... هل ستطلّق زوجتكَ أم لا؟

 

ـ قلتُ لكِ أنّها مريضة ولا يجوز أن أتركها الآن.

 

ـ ولكن يجوز أن تخونها ليس فقط مع امرأة بل مع اثنتَين؟ أو ربما أكثر!

 

ـ هذا لا يعنيكِ! أفعل ما أشاء... إن لم يُعجبكِ الوضع فيمكنكِ الكفّ عن رؤيتي.

 

ـ هكذا إذاً... نسيتَ أنّكَ أقسمتَ لي أنّكَ تحبّني حبّ جنونيّ؟

 

ـ وصدّقتي هذا الكلام؟

 

وفي تلك اللحظة أدركتُ مدى غبائي. عندها قلتُ له:

 

ـ أظنّ أنّ الوقت حان لكي تعلم زوجتكَ أيّ إنسان أنتَ.

 

ـ تودّين إخبار زوجتي عنكِ؟

 

ـ أجل... بما أنّكَ لا تحبّني ولا تنوي الزواج منّي يوماً فلا أرى مانعاً لإخبار تلك المسكينة بأنّها تزوّجَت مِن عديم الأخلاق مثلكَ!

 

ـ ولكنّها مريضة ولن تتحمّل الصدمة.

 

ـ صحّة وسلامة زوجتكَ هي مشكلتكَ أنتَ... خيانتكَ لها جائزة ولكنّ الحقيقة لا؟ سأريكَ... مِن أجلي ومِن أجل رندا وكل اللوات كذبتَ عليهنّ!

 

ـ ها ها ها... كم أنتِ ساذجة... تعتقدين أنّ فتاة مثلكِ تستطيع إرعابي أنا؟ اعلمي يا "آنسة" أنّني لستُ متزوّجاً مِن أحد...أقول ذلك كي لا أرتبط مع أحد... أريد التنقّل مِن فتاة إلى أخرى كالفراشة... وعندما أسأم مِن أحداكنّ أقول لهنّ أنّ زوجتي مريضة.

 

ـ كان لدّيَ شعوراً بأنّك غير متزوّج... أنتَ رجل منحط!

 

ـ أجل... ولكنّني استمتعتُ كثيراً معكِ... ومع رندا ومع جميعكنّ! الوداع! لدَيّ أمور كثيرة ومهمّة أفعلها... كالبحث عن زهرتي المقبلة.

 

وتركَني لوحدي أحاول استيعاب ما قاله. هل يُعقل أنّه لعِبَ بي وبِعواطفي كل ذلك الوقت؟ كان عليّ أن أسأل عنه أكثر وأن أتقصّىَ عن عائلته وأصدقائه وزوجته. لقد صدّقتُ كل كلمة قالها لي وكأنّها مُنزَلة.

واتصلتُ فوراً برندا وزفّيتُ لها الخبر وبكينا سويّاً ليس على سالم بل على أنفسنا. وبعد بضعة أيّام وجدتُ أنّني لا أستطيع تمرير ما حصل دون أن أتصرّف. ولم يكن باستطاعتي فعل أي شيء قانونيّ فالتجأتُ إلى مواقع التواصل الاجتماعيّ. وضعتُ صورة سالم على جميع المواقع وكتبتُ تحتها: "أيّتها الفتيات والسيّدات احذروا هذا الرجل الذي يدّعي أنّه متزوّج ليهرب مِن الالتزام. الرجاء المشاركة."

وخلال أقل مِن أسبوع أصبحَ الأمر معروف في البلد كلّه وخارجه. ولم أتفاجأ كثيراً عندما اتّصلَ سالم بي صارخاً: "ما الذي فعَلتيه بي؟؟؟". وأجبتُه بِكل هدوء: "لا شيء مقارنة بالذي فعَلتَه أنتَ بي... لن أسمح لكَ بأن تؤذي أيّ كان بعد الآن... ايّاكَ أن تتصل بي مجدّداً وإلا نشرتُ تفاصيل حميمة عنكَ."

وبالطبع لم أسمع منه بعد ذلك.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button