ظلمني؟ أو ظلمت نفسي؟

في ليلة زفافي بكيتُ كثيراً، لا لأنني أغادر منزل والديّ بل لأنني كنتُ أحب رجلاً آخراً ولم يرضى به أبي لأنه كان فقيراً فدبّر لي عريساً ثريّاً وأجبرني على القبول به. رضختُ للأمر الواقع ولكنني حلفتُ ألا يرى هذا الرجل يوماً سعيداً معي. وبقيتُ على وعدي ونكّدتُ عيشة عاطف رغم أنه أحبّني كثيراً وعمل جهده على إرضائي. جعلتُ منه زوجاً مطيعاً يفعل ما أطلبه منه دون أن يجرؤ أن يجادل وكنتُ أنا التي تأخذ القرارات وهو الذي يُنفّذ. كنتُ أطلبُ منه المال بأستمرار وإن رجع من سفراته العديدة دون أن يجلب لي الأجود والأثمن كنتُ أبدأ بالصراخ والشتائم. جعلتُ من هذا الرجل الأعمال الناجح أضحوكة حتى أصبح معروفاً بين أصدقائه بِ"زوج الست" ولكن عند سماعهم يقولون هذا كان يبتسم وينظر إليّ بحنان ويقول: "أفعل أي شيء من أجل حبيبتي". ورغم محاولاته لجعلي أكثر لطافة إزداد كرهي له وجشعي لماله. حياتنا الجنسيّة كانت شبه معدومة ولكننا إستطعنا إنجاب ولدَين ومن بعد ولادتهما لم أسمح له أن يلمسني سوى بضعة مرّات في السنة.

وبعد بضعة سنوات إلتقيتُ صدفةً بحبيبي السابق ولم أتردد على إقامة علاقة عاطفيّة معه لأنني إعتبرتُ أنّ هذا من حقّي بعدما أبعدوني عنه في الماضي ولكنني مللتُ منه بسرعة ولم أشأ أن أخسر كل شيء إذا علم زوجي بالأمر.

ومع مرور السنين أصبحتُ إمرأة معدومة الإحساس والشفقة لا تفكّر سوى بما يمكنها أخذه وإزددتُ شراسة وقبحاَ وكأنني أنتقم من الحياة نفسها.

 وكان قد مضى على زواجنا ثلاثين سنة عندما توفيَ عاطف فجأة من نوبة قلبيّة. لم أحزن كثيراً لفقدان شريك حياتي لأنني لم أحبّه يوماً أو أكنّ له أي إحترام ولكن مع السنين ألِفتُه رغم استيائي الدائم الذي لم أحاول يوماً إخفاءه ععه لذا ذرفتُ عليه بضعة دموع مسحتُها بسرعة شوقاً لإسترجاع حياتي التي ضاعت مني وللثروة التي كانت بإنتظاري.

ولكنني لم أتوقع أبداً أن ينتقم منّي زوجي هكذا وفي تلك الظروف وأمام هذا العدد من الناس...

ففي يوم جنازته وقعَت المفاجأة لا بل الفضيحة. بينما كنّا نتلقّى التعازي دخلَت علينا امرأة مغطّاة بالأسود ومعها مراهق وطلَبَت أن ترى زوجة الفقيد. قادوها إليّ وقالت لي بصوت خافت:

أنا زوجة عاطف وهذا إبنه.

في البدء لم أفهم ما قالته لي فسألتها:

عاطف من؟
أليست هذه جنازة عاطف ك.؟
بلى ولكن... ولكن أنا زوجته.
وأنا أيضاً... وهذا ولده.

ركضَت باقي النساء وحاولن إخراجها من البيت ولكنّها صرخَت:

- علِمَ أنه سيحصل هذا عندما أراكِ وأصرّ أن أبقى فهذا هو مكاني الشرعي ولن أرحل من هنا قبل أن يعلم الجميع بالحقيقة وآخذ حقّي وحق ولدي.

في تلك اللحظة شعرتُ أنّه سيغمى عليّ وبعد ما وضعوني على أريكة بعثوا بطلب ولديّ من الغرفة المجاورة لمعالجة الأمر. وبينما كنتُ ألتقط أنفاسي نظرتُ حولي ورأيتُ كيف كان الناس يبتسمون فيما بينهم ويعلّقون عما يجري بصوت خافت وحتى أنني سمعتُ إحداهنّ تقول: "كان هذا متوقّعاً...". يا للشماتة! حتى بعد موته كان عاطف يستمر بقهري!

وبعد دقائق قليلة جاء ولديّ وتحدّثا مع تلك المرأة ثم عادا إليّ محرجين. وقال لي إبني البكر:

أمّي... إنّها تقول الحقيقة... لديها كل الأوراق الثبوتية... إنّها فعلاً زوجة أبي وإبنها هو أخونا... وأعطتنا هذه الرسالة التي كتبها أبي قبل وفاته طالباً منها تسليمكِ أيّاها.

فتحتُ المغلّف ويداي ترتجفان من الغضب. نظرتُ إلي المرأة بأشمئزاز وتماسكتُ نفسي كي لا أنقضُّ عليها وأمزّقها بأسناني . كيف تجرّأ هذا الفاشل على إهانتي هكذا ومع تلك لقبيحة البائسة؟

وقرأتُ هذه السطور:

"عزيزتي ميساء... إذا كنتِ تقرأين هذه الرسالة فهذا يعني أنني لم أعد حيّاً وأن حبيبة عمري وفاء جاءت إليكِ بها. أتخيّل كم أنتِ الآن غاضبة مني، فمن كان يظنّ أنني قادر على فعل هذا؟ حتماً لم تتوقعي أنّ زوجك الخاضع يجرؤ على عصيانكِ والزواج بأخرى سرّاً والإنجاب منها. ولكنني فعلت. لماذا؟ لأنني حاولتُ العيش معكِ كأيّ زوجين ولكنكِ لم ترضي. أردتُ أن تحبّيني كما أحببتكِ ولكنكِ كرهتيني وحوّلتي حياتي إلى جحيم. علمتُ طبعاً بأمر علاقتكِ مع ذلك الرجل فجعلتي مني بهذا أضحوكة للعالم ولكنني صبرتُ لكي لا أهدم عائلتي فما ذنب أولادنا؟ وحين ضاقت بي الدنيا تعرّفتُ إلى وفاء وكانت الإمرأة التي تمنّيتكِ أن تكوني فهي لطيفة ومحبّة وتخاف عليّ حتى من نسمة الهواء. وأحببتها لأنني لم أستطع منع نفسي من حب إنسانة عرفَت كيف تعامل الرجل الذي بداخلي وأنجبَت لي إبناً جميلاً مثلها لم يرني للأسف كثيراً ولكنه يعلم كم هو غالي عليّ. أحببتها حتى الموت، حتى هذه اللحظة التي تقرئين فيها هذه الكلمات.

أعلم أنكِ ستفعلين ما بوسعكِ لتحرمي وفاء وإبنها من الميراث ولكنّكِ لن تقدري، فزواجي بها شرعي وسيأخذان حقّهما حتى آخر فلس ولكي أكون مطمأنّاً عليهما قمتُ ببيع البيت ونصف أسهم الشركة لهما بمبلغ رمزي طبعاً. ففور إنتهاء الجنازة ستغادرين المنزل وستتركين أولادي الثلاثة يديرون أعمالي بسلام لأنني أعلم أنكِ إذا أبعدتِ مخالبكِ عنهم سيتفّقون فيما بينهم. حافظتُ أيضاً على حقوق ولدَينا وكتبتُ لهما منزلاً إشتريته بالسرّ عنكِ. أمّا بالنسبة لكِ فلا تخافي لن تحتاجي إلى شيء فأنتِ تعلمين منذ اليوم الأول انكِ تزوجتي من رجل ثري وسيبقى هناك لكِ الفتافيت التي تستحقّينها. أليس هذا مؤسفاً بعد أن قضيتِ ثلاثين سنة تنتظرين هذه اللحظة بفارغ الصبر؟ الإنسان يا عزيزتي يحصد ما يزرعه".

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button