طلَبَ منّي زوجي أن أنجبَ له صبيّاً وإلّا...

سُئلتُ مراراً كيف إستمرّيتُ كل تلك المدّة في حبّ رجلٍ جاهلٍ وعنيف ٍوأنانّيٍ وفي كل مرّة كنتُ أجيب:"الحب أعمى." وكانت هذه هي مصيبتي لأن عدنان أفسدَ حياتي وحياة بناته وتركَ فينا مرارة لا رجوع عنها.

رأيتُ زوجي لأوّل مرّة في عشاء لأصدقاء مشتركين ولَفتَ إنتباهي فوراً خاصة أنّه كان يتكلّم بصوت عال ويروي للحاضرين قصصاً طريفة ومضحكة. سألتُ مَن يكون وقيل لي أنّه متعّهد ناجح رجعَ لتوّه مِن الغربة بنيّة الأستقرار. وفي تلك اللحظة بالذات تصوّرتُ نفسي معه مرتدية فستاناً أبيضاً وسط الزغاريد المتعالية.

عندها إقتربتُ مِن عدنان وهنّأته على أخباره المسليّة. نظَرَ إليّ وسكتَ ثم سألَني عن إسمي وعن رقم هاتفي. ولم أتردّد لإعطائه ماطلبَه منّي دون أن أدرك حينها أنّني سأفعل ذلك في كلّ مرّة. ولأنّه كان يفّتش عن فتاة يتزوّجها ويؤسّس معها عائلة رأى أنّني مناسبة له خاصة بعدما أحسّ أنّني واقعة في حبّه ومستعدّة لفعل أيّ شيء لإرضاءه. وهكذا تزوّجنا بعد شهرَين فقط. والذي كان يريده فوق كل شيء كان إبناً يحمل إسمه وإنتظَرَ منّي أن أعطيه ذلك الذكر المنتَظر فعَمِلَ جهده لكي أحمل وبأسرع وقت مع أنّني كنتُ أفضّل أن أنتظر قليلاً ريثما أنهي سنتي الأخيرة في الجامعة. ولكنّه قرّرَ أنّ لا لزوم لذلك لأنّني كنتُ سأهتمّ به وبوليّ العهد. ولكنّ الجنين الذي كنتُ أحمله كان بنتاً وعندما أخبرَنا الطبيب ذلك بدأ عدنان بالصراخ عليّ:

 

ـ قلتُ لكِ أنّني أريد ولداً وليس بنتاً! وهذا ما كان عليكِ فعله!

 

نظَرَ إليه الطبيب بدهشة وقال له:

 

ـ يا سيّدي... عذراً ولكن لا علاقة للسيّدة بالأمر... لا أحد يستطيع إختيار جنس أطفاله... ولأنّكَ على ما يبدو لا تعرف ذلك فإنّ كروموسومات الرجل هي التي تحدّد جنس الجنين وليس العكس...

 

ـ لا تكلّمنّي بالعلم... لا أصدّق هرطقاتُكم... تريدون الدفاع عن المرأة بأيّة طريقة... أنا ذاهب مِن هنا قبل أن تُلبسوني التهمة!

 


وتركَني وخرَجَ وظننتُ أنّه ينتظرني في الردهة ولكنّه كان قد عادَ لوحده إلى البيت. وطلبتُ سيّارة أجرة ولحقتُ به. ومنذ ذلك اليوم وحتى ولادة إبنتنا لم يكلّمني زوجي إلاّ ليطلب الطعام أو غسيل وكوي قمصانه. وإعتقدتُ أنّه عندما يرى الطفلة سيتغيّر ويلين قلبه ولكن كل ما كان يفكرّ به هو أن أحمل مجدّداً وبِصبيّ. حاولتُ منعه مِن الأقتراب منّي لأطول مدّة ممكنة ولكنّه بقيَ مُصرّاً على معاشرتي. وبعد إسبوعَين إكتشفتُ أنّني حامل مرّة ثانية. وخفتُ أن تكون بنتاً لذا بقيتُ أرجئ موعد الصورة الصوتيّة لأشهر عديدة ولكنّ عدنان لم يتحمّل الإنتظار أكثر مِن ذلك وأجبَرَني على الذهاب معه إلى طبيب إختاره هو. وتبيّنَ أنّني أحمل بنتاً في أحشائي وبدأ قلبي يدق مِن الخوف ولم أستطع النظَر إلى زوجي الذي إمتلكه غضب فظيع لِدرجة أنّه لم يستطع التفوّه بكلمة واحدة. وكالمرّة السابقة تركَني ورحل ولكنّه لم يذهب إلى البيت بل إلى أهله ليشكي همّه لهم. ولم يعد سوى بعد أيّام ليتصرّف وكأنّني لستُ موجودة ولا إبنتنا الصغيرة.

وفي اليوم المقرّر للولادة لم يأتِ معي فذهبتُ إلى المستشفى مع جارنا وزوجته الذان عرضا عليّ مرافقتي. وأصبحَ لنا بنتَين رائعتَين ولكنّ عدنان لم يلعب معهنّ ولو مرّة واحدة ولم يتصرّف معهنّ كأنّه أبوهما وإكتفى بالعيش معنا فقط. وبدأ يصرخ كلّما بكِيَت إحداهنّ ويهدّد ويرحل ثمّ يعود ويشتم ويتأسّف على الساعة التي رآني فيها. وسرعان ما بدأ يصفَعُني لأيّ سبب وكأنّ مجرّد وجودي كان يزعجه. وبالرغم مِن ذلك بقيتُ أحبّه وكثيراً ولكيّ أرضيه فتّشتُ على الإنترنت عن سبل إنجاب الصبيان تارة في نوعيّة الأكل وتارة أخرى في الوضعيّات الجنسيّة. ولكن عدنان توقّفَ عن ممارسة الجنس معي خوفاً مِن أن إنجِب بنتاً ثالثة ولكنّني ولغبائي كنتُ التي بادرَت بملامسته لِحَمله على معاشرتي ظانة أنّني وجدتُ الطريقة لإنجاب ولد. كنتُ آمل إستعاد حبّه لي هكذا والعيش بسلام. ونجحَت خطّتي وحمِلتُ مِن عدنان وبدأتُ أصليّ بحرارة ليستجيب لي الله ويعطيني ما أريده منه.

 


وكنتُ جدّ واثقة مِن نفسي لدرجة أنّني طلبتُ بإلحاح أن يرافقني زوجي إلى الطبيب. ولكن فرحتي كانت قصيرة المدى فأظهرَت الصورة أنّني أحمل بنتاً. عندها بدأتُ بالبكاء وعلمتُ أنّني قضيتُ على آخر أمل لي بإسترجاع مشاعر زوجي لي. ولكن هذه المرّة لم يتركني لوحدي عند الطبيب بل رافقَني بالسيّارة حتى مدخل المبنى ودخَلَ معي إلى الردهة وصَعِدَ معي السلالم. وقبل أن نصل إلى أعلى السلّم ركَضَ وسبقَني ثمّ إستدارَ بسرعة نحوي وقال لي:"هذه آخر مرّة تأتي لي بِبنت." ولحظة أنهى جملته مَدَّ يدَيه ودفعَني بقوّة إلى الأسفل. ولم أعد أذكر شيئاً بعد ذلك إلاّ أنّني فتحتُ عينّي ورأيتُ ممرّضات تحوم حولي وأسلاكاً تحيط بي. وعندما أستطعتُ التكلّم سألتهنّ أين أنا وما الذي حصَلَ لي. وإستوعبتُ فجأة أنّني حاملاً فصرختُ أسأل عن الجنين. لكن إبنتي الثالثة لم تتحمّل قوّة الصدمة التي تلقّيتُها وماتَت في أحشائي. وبدأتُ بالصراخ والبكاء وركَضَ الطبيب وأمَرَ أن أُعطى مهدّئاً وغرقتُ بنوم عميق. ولم يأتِ زوجي لزيارتي لأنّه فضّل الهروب وعندما سُئِلتُ عن ظروف وقعَتي لم أخبر أحداً بالذي حصَلَ فعلاً بل إكتفيتُ بالقول أنّني سقطتُ لوحدي. لماذا قلتُ ذلك؟ لأنّني خفتُ مِن عدنان لأنّ مَن يفعل ذلك لن يتردّد على إعادة الكرّة.

وعندما تعافَيتُ ذهبتُ أسكن مع أهلي الذين كانوا يهتموّن طفلتَيَّ منذ دخولي المستشفى. وطلبتُ الطلاق بواسطة محام وكلّتُه لذلك ولم يتأخرّ زوجي بالقبول بعد أن عادَ هو الآخر إلى منزل والدَيه. وفي ذلك الوقت كنتُ توقّفتُ نهائياًّ عن حبّ الذي قتَلَ إبنته فقط لأنّها أنثى. وأضافة إلى ذلك تمنيّتُ له أيّاماً بشعة وسوداء مثل قلبه وألاّ يفرحَ ولو يوماً في حياته.

ومرَّت الأيّام وتحسّنتُ مِن الداخل والخارج وصببتُ إهتمامي على عائلتي الصغيرة وعمِلتُ على التعويض لهنّ عن غياب أباهنّ. وإستطعتُ وبفضل أمّي التي ساعدَتني أن أكمل دراستي وأحصل على شهادتي. وبدأتُ بالعمل بشركة إستثمارات وهناك حصَلَ شيء غريب جدّاً ولا أعرف إن كان صدفة أم قدراً لأنّني تصادقتُ مع زميلة لي أخبرَتني أنّها مخطوبة لرجل إسمه عدنان. وعندما علِمتُ شهرته صرختُ لها:"لا! لا تتزوّجيه!" نظرَت المسكينة إليّ بتعجّب وسألَتني لماذا فأجبتُها:"لأنّه كان زوجي... وإن لم تُنجبي له صبياناً قد يقتلكِ". وبالطبع لم أنتظر منها أن تصدّقني ولكنّها فعَلَت لأنّها كانت قد لاحظَت عليه علامات غضب عميق وشعَرت بعدم الإرتياح لذلك. فسَرَدتُ لها القصّة مِن الأوّل وهي إستمعَت لي بصمت. عندما إنتهينتُ مِن الكلام قالت:

 

ـ ربمّا لا يجدر بي أن أفكرّ حتى بتصديقكِ... ربمّا عليّ تجاهل ماقلتِه الآن لأنّني لا أعرفكِ وقد تكوني كاذبة ماهرة... ولكن يمكنني أيضاً أخذ قصّتكِ بِعين الإعتبار ومراقبة خطيبي لفترة قبل أن أتزوّجه فليس في ذلك ضرر... أجل... سأفعل ذلك.

 

وبعد أقل مِن أسبوع جاءَت إلى مكتبي قائلة:

 

ـ لقد تركتُ عدنان...

 

ـ ماذا؟

 

ـ أجل... قررتُ أن أختبره فقلتُ له أنّني أحبّ البنات كثيراً وأنوي أن أنجب عدداً كبيراً منهنّ.

 

ـ وماذا قال؟

 

ـ ماذا قال؟ تحوّلَ إلى مسخ مُخيف ورأيتُ الجنون في عينَيه... قال أنّه لا يقبل إلاّ بالصبيان وإنّ أنجبتُ له ولو بنتاً واحدة فسيفعل ما بوسعه لأندم على ذلك... هذا الرجل مريض نفسيّ... إشكركِ لأنّكِ أتقذتِ حياتي...

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button