بعدما شاهدتُ خيانات أبي المتكرّرة لأمّي وعذابها الصامت وتحمّلها الدائم أخذتُ قرارَين: الأوّل بألاّ أسمح لأحد أن يخونَني والثاني بألاّ أتعرّف أو أخرج مع رجل متزوّج لكي لا أكون السبب في حزن أو معاناة إمرأة أخرى. لذا تفادَيتُ طوال سنين مَن هم مرتبطون حتى بخطيبة وكان ضميري مرتاحاً. ولاحظتُ وللأسف أنّ عدداً كبيراً مِن الرجال لا يتردّد على إقامة علاقة خارج زواجه ربّما لأنّ المجتمع يغضّ النظر عن ذلك بينما يلقي اللوم والعقاب على النساء اللواتي تخنَّ أزواجهنّ. وعندما تعرّفتُ إلى جاد سألتُه كما أسأل كل مَن التقي به إن كان مرتبطاً وكان جوابه:"نعم ولا." وتابع حين رأى الدهشة في عينيّ:
ـ أعني بذلك أنّني متزوّج ولكنّ زواجي غير ناجح...
ـ جميعكم تقولون ذلك وعندما تعودون إلى المنزل تقبلّون زوجاتكم وكأنهنّ حبّ حياتكم!
ـ لا... هذا ليس صحيح... على الأقل في حالتي.
ـ أنا آسفة ولكنّني لن أعاود رؤيتكَ أو حتى التكلّم معكَ... أرفض أن أكون جزءً مِن خيانة أحد...
ـ ولكن... إسمعيني... هناك تفاهم بيني وبين زوجتي... لقد مضى على زواجنا أكثر مِن عشر سنوات ولم نذق طعم السعادة إلاّ في البدء ولكن سرعان ما أدركنا أنّنا أخطأنا في إختيارنا للآخر. ولكنّ زوجتي نجاح كانت حاملاً وفضّلنا تأجيل موضوع الطلاق إلى حين آخر... وجاءَت إبنتنا وظننّا أنّها ستقرّبنا مِن بعضنا ومرَرنا في فترة هدوء نسبيّ وبعد سنة واحدة حَمِلَت مجدّداً وأصبح لنا بنتَين. وطارَ أي أمل مِن أن نسترجع حرّيتنا خاصة بعدما عادَت المشاكل بيننا... وفي أحد الأيّام أعربَت نجاح عن رغبتها في التعرّف إلى مَن يمكنه إسعادها وإتفقنا أن نعيش تحت سقف واحد ولكن بحرّية تامة إلى حين تكبرَ بِنتَينا كفاية لتفهم أنّنا ننوي الطلاق ولماذا.
ـ هكذا إذاً؟
ـ أجل... فإذا كنتِ خائفة على شعور ومعنويّات زوجتي فإعلمي أنّها على علاقة مع رجل آخر وتعيش قصّة حبّ جميلة.
وعندما شرَحَ لي جاد وضعه إرتحتُ قليلاً لأنّه كان يعجبني كثيراً خاصة أنّني كنتُ قد لاحظتُه عدّة مرّات عندما كنتُ أذهب إلى ذلك المقهى مع صديقاتي وكان دائماً وحده ما أثار فضولي. فعندما جاء إليّ وأعربَ عن نيّته في رؤيتي على إنفراد أعطيتُه رقم هاتفي وإتفقنا أن نلتقي في اليوم التالي وجرى بيننا هذا الحديث. ولكنّني لم أكن مستعدّة على إنتظار أي رجل لِيطلّق خاصة إذا لم يكن يعلم متى قد يحصل ذلك فقلتُ له:
ـ ومتى ستنفصل نهائيّاً عن زوجتكَ؟
ـ كنتُ أنوي فعل ذلك بعد بضعة سنين ولكن... إن وجدتُ المرأة المناسبة قد أبدأ بالمعاملات فور تأكدّي مِن نجاح تلك العلاقة... لا تنسي أنّني مررتُ بفترات عصيبة ولستُ مستعدّ لأنّ أخطئ بالإختيار مجدّداً...
وكان قد قال ذلكَ وهو ينظر إليّ وفهمتُ أنّه يقصدني أنا وشعرتُ بالإطراء. وبما أنّني لم أكن غبيّة كان عليّ التأكّد مِن روايته قبل أن أرمي نفسي في علاقة مع رجل متزوّج فقلتُ له:
ـ حسناً... ولكن أريد شيئاً واحداً فقط.
ـ قولي ما تريدينه منّي وسأفعله...
ـ أريد أن أتكلّم مع زوجتكَ.
ـ ماذا؟
ـ أجل... قلتَ لي أنّها تخرج مع رجل آخر وأنّها سعيدة معه فلا أظنّ أنّ لديها مانعاً بأن تفعل أنتَ ذلك أيضاً ؟
ـ لا... ليس لديها مانعاً...
ـ حسناً... أريد أن أسمع ذلك منها شخصيّاً وليس عبر الهاتف بل وجهاً لوجه...
ـ لستُ متأكدّ أنّها ستقبل.
ـ هذه مشكلتكَ... هذا شرطي... لديكَ رقم هاتفي... الوداع.
وتركتُه وعدتُ إلى بيتي وأنا أبتسم لأنّني كنتُ قد وضعتُه أمام أمر إثبات قصّته لي فإمّا يكون قد كَذِب عليّ وأنّه سيحمل زوجته على مقابلتي. ومضى على حديثنا أكثر مِن شهر وكنتُ إعتقدتُ أنّ جاد قد عدَلَ عنّي لأنّه بكل بساطة كان قد روى لي قصّة خياليّة حين إتصّلَ بي قائلاً: "حدّدي الموعد... قَبِلَت نجاح أن تراكِ." ولا أخفي أنّني عندما سمعتُ ذلك شعرتُ بفرحة كبيرة وإنتصار لا يوصَف.
وإخترتُ الزمان والمكان وحضّرتُ نفسي لملاقاة التي إعتبرتُها العائق الوحيد في حبّي لذلك الرجل لأنّني وخلال الشهر الذي مضى لم أكفّ عن التفكير به بل زادَ تعلّقي به رغم إصراري على قراري. وذهبتُ إلى الموعد ووجدتُ سيّدة جميلة في إنتظاري وبعد أن ألقَينا التحيّة بنوع مِن البرودة ترطّبَت الأجواء حين بدأنا بالكلام. في الأوّل كانت أمور عاديّة كالطقس والأحوال العامّة ومِن ثمّ دخلتُ في صلب الموضوع:
ـ أعتذر منكِ يا نجاح... ولكنّني كنتُ مصرّة أن ألتقي بكِ فلا يمكنني القبول بالخروج مع جاد دون إذنكِ...
ـ لا بأس بذلك... لقد أعلمكِ زوجي بالوضع الذي نحن عليه ولا أرى مانعاً لأن يعيش هو الآخر حياته...
ـ وهل تنويان الطلاق؟
ـ أجل... لقد تكلّمنا بذلك الأسبوع الفائت... لابدّ أنّكِ سرقتِ قلبه... وأنا بدوري سأتمكّن مِن الخروج مع حبيبي دون أن أختبئ خوفاً مِن كلام الناس... وقد أتزوّج مجدّداً إن شاء القدر بذلك.
ـ والبنات؟ ألن يسبّب ذلك صدمة لهنّ؟
ـ لا... لأنهنّ تعلَمنَ أنّناّ على خلاف وسيكون طلاقنا بمثابة إرتياح لهنّ.
وشكرتُها بحرارة وأعطيتُها رقم هاتفي قائلة:
ـ أرجوكِ ألاّ تُخبري جاد بأنّني أعطيتُكِ رقمي فقد يشعر بالإستياء... فليس مِن شيء أخطر مِن أن تتفّق إمرأتَين على رجل.
وضحكنا سويّاً على ما قلتُه ورحلتُ وقلبي مليء بالسعادة. وأخبرتُ جاد عن الذي دار بيني وبين زوجته وإرتاح كثيراً لذلك وبدأنا نتواعد ونبني لمستقبل مليء بالوعود. وكانت تلك الفترة هي الأجمل في حياتي بعدما قضيتُ عمري أكرَه الرجال ومكرهم مِن جرّاء أفعال أبي وظننتُ أنّني كنتُ قد إنتصرتُ على تلك اللعنة التي رافقَتني مطوّلاً ولكن إتصالاً غيّر مجرى حياتي وحطّمَ أحلامي لأنّ المخابر كان نجاح وهذا ما قالَته لي:
ـ لا أستطيع المواصلة بهذه الكذبة...
ـ ماذا تعنين؟ ما الأمر؟
ـ منذ لقاءنا وأنا أفكرّ بكِ وكم أنتِ نزيهة وشريفة وكم قلبكِ نقيّ... ترفضين إيذاء الناس... وها أنا قد أذيتُكِ... فعلتُ بكِ ما رفضتِ أن تفعلينه بي... أعني بزوجة جاد.
ـ ماذا تقصدين؟
وأعطَتني موعداً وذهبتُ لأراها وقلبي يخفق بسرعة لأنّني علِمتُ أنّني سأكتشف شيئاً بشعاً. وحين جلسنا حول فنجان مِن القهوى اخَرَجَت نجاح مِن محفظتها بطاقة هويتّها ووضعَتها على الطاولة قائلة:
ـ إسمي ناريمان... ولستُ زوجة جاد...
ـ ماذا؟؟؟
ـ أجل... لقد طلَبَ منّي ذلك الغشاش أن أدّعي أنّني زوجته مقابل المال... أنا ممثّلة... لا تعرفينَني لأنّني ورغم محاولات عديدة لم أنجح لا في المسرح ولا على الشاشة... تعرّفتُ إلى جاد عند أصدقاء لي ومنذ اللحظة الأولى قال لي: "ممثّلة... قد أحتاج إليكِ يوماً..."
ـ يا الهي! وما الذي كان يدور برأسه بشأني؟
ـ يريد اللهو معكِ... يخون زوجته منذ اليوم الأوّل مِن زواجهما... يجعلها تحمل كل سنَتَين لكي تبقى مشغولة ولكنّها تعلم كل شيء... المسكينة...
ـ قال لي أنّنا سنتزوّج!
ـ ولما يفعل ذلك إن كان يستطيع الإستمتاع معكِ دون أن يرتبط؟
ـ لم أكن لأدعَه يفعل ذلك قبل الزواج!
ـ وما أدراكِ؟ هل تظنّين نّكِ تستطعين التغلّب على إنسان وصَلَ غشّه إلى الإستعانة بِممثّلة؟
- لا... أنتِ محقّة...
- أرجوكِ أن يبقى ما قلته لكِ سريّ... قد ينوي الإنتقام منّي لو علمَ أنّني أخبرتكِ الحقيقة.
- لا تخافي.
وبعدما شكرتُ ربّي على معرفتي للحقيقة البشعة قرّرتُ طبعاً إنهاء علاقتي بالكاذب. وكل ما كان عليّ فعله هو أن أطلعه على نيّتي في إبقاء حبّنا عذريّ حتى يأتي موعد زواجنا وأنّني لن أغيّر رأي بالرغم مِن حبّي الكبير له. فعندما تأكّدَ أنّه لن يستطيع الإستفادة منّي بدأَت إتّصالاته تشحّ ومواعدنا تقل حتى أن إنقطعَت أخباره كلّيّاً. وسررتُ أنّني تخلّصتُ منه دون أن أفضح ناريمان الذي أصبحَت صديقتي العزيزة. ولا أزال حتى اليوم أنتظر الرجل الصادق والوفيّ الذي أحلم به.
حاورتها بولا جهشان