طلبت من صديقي معاشرة زوجتي

كانت لي أيّام أصفُها بالرائعة، أي حين كان لدَيّ المال لتحقيق جميع أحلامي وأحلام سعاد زوجتي. فقد كانت أعمالي قد بلَغَت درجة مِن الإزدهار فاقَت تصوّراتي، وصِرتُ أصرف المبالغ الخياليّة يمينًا ويسارًا.

وبالطبع التَمَّ مِن حولنا كلّ مَن أرادَ الإستفادة مِن ثروتي وطريقة عَيشي المُترفة، ووحده جميل بقيَ الصديق الذي لَم تغرُّه المنافع. وكان لجميل دور أساسيّ في باقي الأحداث، فثقتي به فاقَت التصوّر، ولَم أتخيّل، في ذلك الوقت، أنّني سأحتاجُه في مهمّة أسندتُها إليه رغمًا عنه.

مرَّت السّنوات ودخَلَ البلد في محنة إقتصاديّة كبيرة وطويلة الأمد، ولَم تصمد أعمالي بوجه هذا التدهور. لِذا، بدأتُ أفقدُ مالي واستثماراتي.

ومع هذا التراجع، بدأ الهمّ يأكُلني. فكيف كنتُ سأستمرّ وزوجتي، وكيف لي أن أعجز عن تأمين حياة آمنة للتّي أحبّها قلبي مِن دون حدود؟ فسعاد كانت كلّ شيء بالنسبة لي، خاصّة أنّنا لَم نُرزَق أطفالاً، فبَنَينا حياتنا حَول بعضنا، الأمر الذي قرّبنا أكثر وأكثر.

في البدء، أخفَيتُ خطورة الوضع عن زوجتي، مُعتقدًا أنّني سأتمكّن مِن النهوض بأقلّ خسائر ممكنة، إلا أنّني كنتُ مُتّجهًا، وبسرعة، إلى القعر.

رحتُ أدقّ باب الذين أكلوا مِن طعامي وشربوا مِن كأسي وناموا في بيت الجبل وبيت البحر، لكنّهم أداروا لي ظهرهم بوقاحة لَم أتصوّرها مُمكنة. لَم يُساعدني أحد، سوى جميل الذي، بالرغم مِن فقره، باعَ ساعته وبعض أغراض بيته. إبتسَمتُ لهذه التضحية البريئة، لأنّ ما كان يلزمُني مِن مال فاقَ الملايين.

وبالطبع شعَرَت زوجتي بما يُصيبُنا، وسألتَني عن مصيرنا، عندها اضطرِرتُ للاعتراف لها بأنّنا صرنا فقراء. سكَتَت سعاد ورأيتُ الدموع تنهال على خدَّيها. عانَقنا بعضنا مطوّلاً حتى أنّنا بكَينا.

بعتُ أملاكي وأبقيتُ فقط البيت الذي نعيشُ فيه، ولَم أعد أملكُ فلسًا واحدًا. ولنتمكّن مِن الأكل والشرب، بدأَت زوجتي بالعمل، الأمر الذي ضايَقَني إلى أقصى درجة. فرؤيتها تذهب في الصباح الباكر لتتلقّى أوامر مدير قبيح بينما كانت "ستّ الستَّات"، كان غير مقبول بالنسبة لي.

 


وفي تلك الفترة بالذات، بدأتُ أحتسي الكحول. فقد كان المشروب يُشعرُني بالارتياح لأنّه كان يُنسيني، ولو لفترة قصيرة، أنّني على الحضيض. وصارَ المشروب رفيق أيّامي ولياليّ، وغصتُ في عالم لا وجود للمشاكل فيه. كانت سعاد توبّخني على ما أفعلُه بنفسي وبها، وأنا كنتُ أعدُها بأنّني سأتوقّف عن الشرب. إلا أنّ ذلك لم يحصل طبعًا، إذ أكمَلتُ تدمير آخر ما لدَيّ: زواجي.

فما لَم أكن أعرفُه، هو أنّ كثرة الكحول تولّد عند الرجال عجزًا جنسيًّا. وعندما حاولتُ القيام بواجباتي الجنسيّة بعد فترة مِن الإمتناع بسبب انشغالي بالإفراط بالشرب والتحسّر على نفسي، لَم أستطع معاشرة زوجتي. أمّا هي فلَم تعلّق على الموضوع، لكنّني خجلتُ كثيرًا مِن نفسي، وأمضَيتُ باقي الليلة في غرفة أخرى كي لا أرى الخَيبة في عَينَي سعاد.

حاولتُ مُجدّدًا في اليوم التالي ومرّات أخرى عديدة، إلى أن طلبَت منّي زوجتي إمّا الاقلاع نهائيًّا عن الكحول أو عدَم لمسها. كنتُ أودّ أن أختار التوقّف عن الشرب لكنّني تابعتُ هروبي وانزلاقي إلى الهاوية.

في تلك الأثناء كانت زوجتي قد اعتادَت العَيش مع شبح إسمه زوج، ولَم تعد تحاول معي بل تركَتني في عالمي بينما هي أصبَحَ لها أصدقاء ومجتمع خاص بها. في تلك الفترة بالذات أدركتُ أنّ زواجي حقًّا بخطر، فقد تتعرّف سعاد على رجل يُسعِدُها حقًّا ويُعطيها الأمان الماديّ والاكتفاء الجنسيّ. أرعبَتني الفكرة إلى أقصى درجة ولَم أعد أعلم ما أفعل. حاولتُ الإقلاع عن الكحول لكنّني فشلتُ، إلا أنّني خفّضتُ الكميّة التي كنتُ أتناولُها، لكنّني بقيتُ عاجزًا عن تأدية واجباتي الزوجيّة. عندها تصوّرتُ نفسي أعيشُ مِن دون سعاد بعد أن تتركني لتذهب مع رجل حقيقيّ، وبدأتُ بالبكاء كالطفل الذي أضاعَ أمّه.

وخطَرَت ببالي فكرة أسمَيتُها حينها "عبقريّة"، وهي أن أجد لزوجتي الرجل المناسب، أي الذي سيُلبّي حاجاتها مِن دون أن يسرقها منّي. ولَم يخطر ببالي سوى صديق العمر جميل الذي كان برأيي الشخص المثاليّ للقيام بهذه المهمّة. لِذا اتصلتُ به طالبًا منه المجيء بسرعة. ركَضَ إليّ المسكين ظانًا أنّني مُتعب صحيًّا، وتفاجأ أنّني بكامل عافيتي. قلتُ له مِن دون مقدّمة:

 

ـ لطالما كنتَ صديقًا ممتازًا لي، لِذا أريدُ منكَ خدمة قد تكون الأخيرة، فلَم يعد لدَيّ شيئًا أطلبُه مِن أحد.

 

ـ أطلب ما تريد!

 

وأخبرتُه بالذي أريدُه أن يفعل مع زوجتي، فصَرَخَ بأعلى صوته:

 

ـ هل فقدتَ عقلكَ؟!؟ مهلاً... إنّها مزحة أليس كذلك؟ أو اختبار لترى مدى وفائي لكَ؟

 

ـ أنا بكامل عقلي ولستُ أمزح أو أختبرُكَ. أريدُ سعادة زوجتي والمحافظة عليها.

 

ـ لن تحافظ عليها إن دبَّرتَ لها رجلاً آخر.

 

ـ بلى إن كان أنتَ. فأنا متأكّد مِن أنّكَ ستأخذ الأمر على أنّه مهمّة تؤدّيها لصديقكَ وليس أكثر.

 


ـ لن أفعل ما تطلبُه منّي أبدًا!

 

ـ هل تظنّ أنّني لَم ألاحظ كيف تنظرُ إلى سعاد؟ أنتَ متيّم بها منذ سنوات وتحتفظ بذلك لنفسكَ وفاءً لي.

 

ـ أنا؟ لا... أنا لا... بتاتًا!

 

ـ كفى كذبًا يا جميل. اليوم جاءَت الفرصة لتحقّق تلك الأحلام الدفينة التي سكنَت رأسكَ وقلبكَ منذ زمَن. ستكون سعاد لكَ، لكن لفترة زمنيّة محدّدة، أي إلى أن أتعافى، فلقد أقلعتُ عن الشرب.

 

ـ وماذا تفعل هذه القنينة هنا؟

 

ـ أعني أقلعتُ تقريبًا عن الشرب. إسمع... سأخسرُ زوجتي إن لم تُساعدني، وسيقع اللوم عليكَ وحدكَ! إنّني أُعطيكَ فرصة العمر! أنتَ مُتيّم بسعاد، وزوجها يأذنُ لكَ بالتعبير عن حبَّكَ لها!

 

ـ أنتَ مجنون! لقد دمَّرَ المشروب دماغكَ. لو كنتَ عاقلاً، لقتلتَني لمجرّد فكرة اقترابي مِن زوجتكَ. سأنسى أنّنا أجرَينا هذا الحديث.

 

خَرَجَ جميل مستاءً، لكنّني كنتُ متأكّدًا مِن أنّه سيفكّر بالموضوع، فزوجتي كانت امرأة جميلة وجذّابة وقليلون كانوا الذين لَم يُعجَبوا بها.

مرَّت الأيّام والأسابيع، وزادَ خوفي مِن أن تتركَني زوجتي لتعيش حياة طبيعيّة مع رجل طبيعيّ، وبات الموضوع بمثابة هاجس لا يُفارقُني. هل أخطأتُ الإختيار وكان عليّ اللجوء إلى غير جميل؟ لكن بمَن أثق؟ فلقد تَرَكَني الجميع لحظة خسرتُ ثروتي ولَم يعد أحد يًلقي حتى التحيّة عليّ.

حاولتُ إقناع جميل مِن جديد لكنّه رفَضَ مِن جديد. فغرقتُ أكثر في الإدمان لكثرة تخيّلاتي عن خيانة زوجتي لي، حتى أغميَ عليّ مرّة ولَم يستطع أحد ايقاظي إلا بعدما حملوني إلى المشفى.

عندها، أدركَ جميل أنّ رفضه قد يوصلني إلى الجنون والموت. لِذا وافَقَ أخيرًا على إتمام المهمّة. كان شرطي له الا يُخبرُني بالتفصيل عمّا سيجري مع زوجتي، بل أن يقول لي إن قام بمهامه أم لا. وبعد أسبوع، قال لي جميل: "لقد حصَلَ ما حصَلَ". وأعترفُ أنّ قلبي ارتاح قليلاً إذ كنتُ سأحافظ على حبيبة قلبي. بالطبع لَم تخطر ببالي مسألة الشرَف والكرامة بعد أن قضى عليّ المشروب.

لكن بعد أيّام قليلة، رحَلَت سعاد وتركَت وراءها رسالة لي تقول:

 

" لقد خذلتَني إلى أقصى درجة... بعد أن قبِلتُ بوضعكَ مِن دون أن أوجّه لكَ عتابًا أو أطلبُ منكَ شيئًا... وبعد أن فتّشتُ عن عمل وتحمّلتُ أن أتلقّى الأوامر مِن مدير قاسٍ... وبعد أن رأيتُكَ تدمّر نفسكَ بالكحول، مفضّلاً الهروب على مواجهة وضع بإمكانك إصلاحه ولو بعض الشيء بالنهوض والبدء مِن جديد... بقيتُ إلى جانبكَ أحاربُ كلام الناس وتلميحاتهم، وقبلتُ أن تبيع الأملاكَ كلّها ومجوهراتي التي كانت تعني لي الكثير، ليس بسبب قيمتها المادّيّة بل المعنويّة لأنّها تذكّرني بمحطّات جميلة مِن زواجنا. زواجنا الذي غرِقَ في الضياع حين َلم تعد قادرًا على القيام بواجباتكَ الزوجيّة. وكما تعلم لَم أوجّه لكَ ولو ملاحظة جارحة بهذا الشأن.

لكن أن تبعث لي صديقكَ ليُعاشرني، فلا! لقد نزِلتَ إلى مستوى غير مقبول أو معقول. أجل، لقد أخبرَني جميل عن طلبكَ، ليس بدافع الخيانة، بل لنفكّر سويًّا عن حلّ لمصيبتكَ. فالذي يُرسلُ رجلاً لزوجته هو إنسان فقَدَ أبسط القيَم والمبادئ. ووجدتُ أنّ الحلّ الوحيد هو أن أترككَ لتُدرِكَ شيئًا مهمًّا قد نسيتَه لكثرة انشغالكَ بنفسكَ، وهو أنّكَ لست الوحيد الذي أحبَّ بل أنا أيضًا أحبَبتُكَ بالقَدَر نفسه، لا بل أكثر.

أنا راحلة لأنّكَ لم تعد الإنسان القويّ والأبيّ الذي عرفتُه، ولن أعود إلا حين تنظّف قلبكَ وعقلكَ وجسدكَ. لستُ أكيدة مِن مسامحتي لكَ فلقد أسأتَ إليّ كثيرًا، لكنّني سأقرّر ذلك بعد شفائكَ التام. وفي تلك الأثناء، أحتفظُ بالحق بالزواج أو بحبّ آخر، لأنّني فقدتُ ثقتي بكَ فلستُ متأكّدة مِن أنّكَ ستفعل ما يلزم للتحسنّ."

بعد قراءة رسالة سعاد، أصابَني ذهول كبير واستوعَبتُ الذي أمسيتُ عليه. رحلَت زوجتي، وها أنا قد أقلَعتُ عن الشرب لكنّني لستُ جاهزًا بعد، فقد أغرقُ مِن جديد ويلزمُني وقت إضافيّ قبل أن أحاول استرجاع التي عانَت معي الكثير.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button