كنت قد وجدت وظيفةً في شركة ماليّة كبيرة وشعرت بأنّني أسعد امرأة على الأرض! سمح لي العمل بممارسة مسؤوليّاتي في ذاك الفرع الذي وددت الانخراط فيه وكنت مدركة أنّ عملي الدؤوب سيجعلني أترقّى.
من اليوم الأول، تودّدت إلى أميرة التي كانت تجلس على المكتب بالقرب منّي. بفضلها، لم أشعر بأنّني غريبة في تلك الإمبراطورية المالية حيث لا أعرف أحداً.
كانت من عمري واتّفقنا تماماً وغالباً ما كنّا نخرج عند المساء لاحتساء مشروب والتحدّث عن كلّ المواضيع، مهمّة كانت أو سخيفة وخاصّة عن العمل. كانت ترشدني وتعطيني نصائح عمّا يجب أن أفعله أو لا أفعله. بالنسبة إليها، كان مفتاح الحلّ وسيم، ابن ربّ العمل.
- هو الآمر الناهي لأنّ والده صار عجوزاً. إنّ الابن يُمسك بزمام الأمور وهو ليس ودوداً إلاّ إذا عرفنا كيف نتعامل معه.
- ماذا تقصدين بكلامك؟
- هو يحبّ النساء كثيراً...
- لست من هذا النوع. أعرف قيمتي من دون أن أبيع نفسي!
- كما تريدين... أنا، أريد أن أجرّب حظّي غداً. عندنا ملفّ مهمّ يجب رؤيته غداً وسنمضي الأمسية معاً في العمل عليه، بمفردنا في المكتب. سأقوم بما يلزم وسأصير قريباً رئيستك...
قالت ضاحكةً. تمنّي لي الحظّ الطيّب.
- أنتِ مجنونة! أنتِ فتاة كفوءة ولست بحاجة لفعل ذلك!
بعد يومين، لم تأتِ أميرة إلى العمل فقلقت عليها واتّصلت بها فكانت تبكي:
- الحقير!
- لكن ماذا جرى؟ هل أهانك؟
- على العكس! قال إنّه لا يريدني! قال إنّني لست جديرة بالعمل في شركته وصرفني!
- آه لا أنا آسفة...
- لا تقلقي فأنا لم أقل كلمتي الأخيرة. سأنتقم!
- توقّفي رجاءً. أنت تعلمين أنّ الخطأ صادر عنك. لقد أغويته وهو رئيسك. هذا لا يجوز.
- لكن لطالما أقام الرؤساء علاقات حميمة مع الموظّفات!
- ليس الرجل من هذا النوع على ما يبدو.
مرّ الوقت وبقيت على تواصل دائم مع أميرة لكنّها لم تعد تتطرّق إلى المسألة. كانت تبحث عن العمل لكنّها كانت واثقة من ذاتها وأنا كذلك لأنّني أعرف مدى مهارتها.
في المكتب الآن صرت أنا معاونة وسيم ولكثرة ما كنّا نجلس معاً صار بيننا نوع من التودّد وهذا بدا واضحاً أمام جميع الموظّفين. وبالرغم من أنّ علاقتنا لم تكن إلاّ علاقة مهنيّة، بدأ زملائي ينظرون إليّ مبتسمين في كلّ مرة كنت أخرج فيها من مكتب وسيم. وبالرغم من أنّ ذلك ضايقني جداً، قرّرت تجاهلهم ففي النهاية أنا أقوم بعملي ويسعدني أن أكسب رضى الإدارة فتكلّفني بالملفّات الأكثر أهمّية.
لكنّ الشائعات انتشرت بسرعة لدرجة أن تلقّيت اتّصالاً في أحد الأيّام من أميرة وبدت غاضبة:
- يا حقيرة! لقد أوهمتني أنّك وديعة. لقد انتظرت رحيلي لكي تتقرّبي من المدير؟! إن كان هذا الأمر صحيحاً بالتالي أنت المسؤولة عن طردي! لقد أخفيت لعبتك وأنا سأنال منك، أتسمعينني؟ سأنال منك!
بقيت لدقائق طويلة مصدومة ممّا سمعته من قسوة. كيف استطاعت أن تظنّ أنّني قادرة على فعل ما اتّهمتني به؟
كان حريّاً بي التحدّث عن الأمر مع وسيم لكن بشكل طبيعيّ، لم أجد نفسي قادرة على فتح هذا الحديث مع أحد.
بعد مرور بضعة أيام، لاحظت تغيّراً في سلوك زملائي إذ راح الرجال يتوافدون إلى مكتبي ومعهم الحلويات والأزهار ويدعونني إلى العشاء فيما النساء رحنَ ينظرنَ إليّ بحقد. لم أفهم ماذا يجري إلاّ حين قال لي أحدهم هامساً:
- قولي لي كم تطلبين؟
- ما قصدك؟
- كم تطلبين لنجلس معاً جلسة حميمة؟ كنّا نتساءل بيننا هنا... أعطينا سعراً مناسباً.
- لكن ماذا تقول؟ إن كانت مزحة فهي كريهة للغاية!
- كفّي عن الإنكار لقد رأينا صورتك على موقع إلكتروني لـEscort Girls. وهي صورة مذهلة! بالفعل قولي لي كم تأخذين؟ هذا يبقى بيننا.
- أيّ موقع؟ أرني إيّاه على الفور!
أدخَل الموقع على حاسوبي ففتحت صفحة وبكبسة زر ظهرت على الشاشة صورتي في وضعية مثيرة وبملابس خفيفة.
- لكنّ هذه الصورة ليست لي! لست أنا! إنّها مونتاج بلا شك أقسم لك!
- آه، قولي لي إنّني لا أروقك بكل بساطة. وإذا بدّلت رأيك تعرفين أين تجدينني.
كدت أبدأ بالصراخ حين فتح الرئيس باب مكتبه وطلب منّي الدخول بلطف.
أغلق الباب خلفه ونظر إليّ بتعاسة قائلاً:
- كنت أجدك محترمة ولم أتخيّل أنّك تفعلين هذا... أقصد أنّك تبيعين خدماتك. حتّى إنّني ضعفت وفكّرت بأنّ هناك مستقبلاً بيننا لكن يبدو أنّني كنت مخطئاً. يجب عليّ أن أطلب منك مغادرة الشركة من أجل سمعتنا...
هنا فهمت الأمر كلّه وسارعت بالقول:
- إنّها هي بلا شك. إنّها أميرة التي دبّرت المسألة برمّتها!
- عليك التنبّه لما تقولينه. لا يمكنك اتّهام أحد عبثاً.
عندئذٍ، أخبرته عن كلّ ما جرى وعن تهديدات زميلتي السابقة وفي النهاية سألته:
- كيف علمت بأمر هذا الموقع؟
- تلقّيت رسالة إلكترونيّة منك لألقي نظرة على صور عطلتك. فرأيت أكثر من ذلك.
- هل تسمح بأن تفتح الصفحة الآن من فضلك.
لبّى طلبي فقلت له:
- انظر، هذا ليس جسمي بل هو أجمل بكثير. أنا جادّة، إنّ الصورة مختلفة عن حقيقتي.
- لا يمكنني أن أجزم.
- انظر هنا! تلك المرأة عندها وشم على شكل فراشة صغيرة عند كاحلها أمّا أنا فلا، ويمكنني أن أثبت لك الأمر على الفور.
رفعت أسفل بنطلوني وأريته كاحلي.
- هناك أوشام مؤقتة... لكن بالفعل هي تبدو أطول منك وكتفاها أعرض.
- صدّقني إنّها مسألة انتقام! أرى أنّك لست مقتنعاً وأنا سأثبت لك... وللجميع في المكتب. اتبعني!
خرجت من المكتب ووقفت في الوسط وطلبت من الجميع أن يستمعوا لي:
- أريد انتباه الكلّ من فضلكم. أطلب منكم التزام الصمت كلّياً. ولا أيّ كلمة، أتسمعونني؟
وعلى الفور اتّصلت بأميرة وفتحت مكبّر الصوت:
- كيف تمكّنت من أن تفعلي هذا بي؟ ظننت أنّك صديقتي.
ضحكت كالمجنونة:
- هل كنت تظنّين أنّك ستمضين أيّاماً سعيدة في الشركة؟ لقد قلت لك إنّني سأنتقم منك وفعلت!
- لكن لهذه الدرجة؟ أردت أن تحوّليني إلى مومس أمام الجميع! ومنذ متى أنت ضليعة بالفوتوشوب؟
- عندي صديق ماهر في هذه المسائل. صورة لك وصورة لي وانتهت القضيّة! بالتأكيد لست جميلة كالصورة لكن لا شكّ في أنّ أحداً لم يدقّق بالتفاصيل. نلت ما تستحقّينه! الآن، صارت سمعتك رديئة ولا شكّ في أنّك في هذه الأثناء مرميّة على الباب. فأهلاً بك في صفّي!
بدا زملائي مصدومين ووضعوا عيونهم في الأرض كي لا تتلاقى أنظارنا.
هنا تدخّل وسيم قائلاً:
- آنسة أميرة، لقد سمعنا كلّ شيء وأنا أعدك بألاّ تجدي لك أيّ وظيفة في هذه المدينة. ومن الممكن أن تُلاحَقي قضائياً على فعلتك. انتظري زيارة الشرطة لك، ولو كنت مكانك لأزلت هذه الصورة على الفور فهي تدينك مباشرةً.
وأقفل الخط.
- لا أريد أن تذهب الأمور إلى هذا الحد. قلت له. بالنسبة إليّ، إنّ المهم هو أنّكم عرفتم الحقيقة.
اقترب منّي زملائي خجلين وهم يقدّمون الأعذار الواحد تلو الآخر قبل أن يرجعوا إلى مكاتبهم بصمت.
- لا يمكنك أن تتخيّلي لأيّ درجة ارتحت الآن، قال وسيم. وكما صرّحت لك للتوّ، أفكّر في...
- أن تدعوني إلى العشاء؟ قاطعته بابتسامة.
وفعل المزيد فبعد مرور بضعة أشهر طلب يدي للزواج وقبلت بكلّ سرور. أمّا أميرة التي لم تجد عملاً لها فغادرت البلاد إذ لم أرغب في تقديم شكوى بل أردت أن أترك تلك القصّة خلفي. ولم يعد أحد يسمع عن أخبارها!
حاورتها بولا جشهان