صدّقتُ البصار فكدت أن أخسر زوجي!

ترعرعت وسط عائلة تؤمن بالخرافات، حيث كانت عبارات "لا تفتحي المظلّة في المنزل، لا تمرّري الملح بهذه الطريقة، انتبهي من صيبة العين..."، تتردد على مسامعي منذ الطفولة. وظننت أنّ السنوات التي أمضيتها في الدراسة في الخارج ستعيدني إلى عالم أكثر عقلانية لكنّني كنت مخطئة! 

لدى عودتي من الولايات المتحدة الأميركية، تزوّجت فراس، وقد أحببنا بعضنا كثيراً، ومع ذلك مرت سنوات طويلة من غير أن أحمل بالرغم من غياب أيّ أمر غير طبيعي لدي و لدى زوجي، ولم نفهم يوماً ما كان السبب. فقد أجريت كل الاختبارات الممكنة من غير أن نتوصّل إلى معرفة سبب العقم، فانتهى الأمر بالأطباء قائلين: "هذه مشيئة الله".
في عائلتي، كانت تصبح كل النساء حوامل في شهر العسل، لذا شعرت بأنّني فاشلة. اما زوجي، فلم يعر الأمر أهمية فبالنسبة له وحدها علاقتنا كانت ما يهمه. لكنّني كنت مذعورة من فكرة أن يخيب أمله فيّ، فكان من حقّه إن يكون له أولاد.

ومع الوقت، أصبحت المسألة راسخة في ذهني وتطاردني من الصباح حتى المساء، وحتى انني بت أحلم بها في الليل.

وعندما أعلن الطب عجزه عن حل المشكلة، لجأت إلى العادات التي تربّيت عليها، فلم أجد صعوبة في إيجاد عنوان بصّار اصطحبتني عمّتي إليه قائلةً إنّه قد سمح لامرأة بإنجاب ثلاثة أطفال دفعة واحدة بعد أن عانت لأكثر من عشرين عاماً.
كان يسكن البصّار في حيّ شعبي وسط شارع ضيّق ومظلم، أمّا المبنى فكان قديم وأدراجه مكسّرة. شعرت برغبة في أن أعود أدراجي لكن لأجل عمّتي أكملت طريقي. حين قرعنا على الباب، هرعت مجموعة أولاد لتفتح لنا.

 

-أبي، أبي، تسأل عنك سيدتان!

 


كان أبو جابر الذي يقارب عمره أربعين سنة يرتدي قميصاً وسروال عليه مربّعات وكان يتناول الطعام. حين انتهى، مسح يديه الوسختين بالسروال وأشار لنا بالدخول. شعرت بالانزعاج فلم أتخيّله على هذا النحو.

 

- لا تسمحي للمظاهر بأن تغشّك فهو قوي فعلاً، ولو لم يكن صادقاً لكان غنياً وهذا خير دليل.

 

- ادخلا، ادخلا، لقد كنت بانتظاركما فقد أعلمتني الأرواح بقدومكما.

 

لم يضيّع وقته في غسل يديه بل أجلسنا على طاولة في المطبخ الصغير وبعد أن استعلم عن سبب الزيارة، قدّم لي كوب ماء وطلب منّي أن أشرب منه. شعرت بالاشمئزاز لكنّني بلّلت شفتيّ. غطّى الكوب بمحرمة وراح يهمس كلمات بلغة غريبة. ثم قال لي بنبرة حازمة:

 

- أرى قوى شريرة تحوم حولك... وهذه مشكلة خطيرة. أحدٌ ما يضمر لكِ سوء الحظ. سيكون الأمر صعباً عليّ... لكن ليس مستحيلاً شفاؤك منه.

 

عندئذٍ، أخذ ورقة من كتاب قديم وخربش عليها شيئاً وطواها ثماني مرات، ثمّ غلّفها بشريط لاصق مراراً وتكراراً إلى أن صارت الورقة قاسية كما لو أنّها قطعة بلاستيك.

 

- ستحملين هذه الورقة ليلاً نهاراً وعند الاستحمام حتى، وتمتنعين عن أية علاقة مع زوجك حين يكون القمر بدراً لأنّ قوى الشر تكون ناشطة جداً في هذه الفترة. تعالي لرؤيتي بعد شهر.


- ومتى تظهر النتيجة؟


- يتطلّب الأمر بعض الوقت فتلك الأرواح قوية جداً. سنة على الأرجح.

 

وصرخت متفاجئة: "انه وقت طويل!"


- ليس طويلاً إن كنت تريدين ولداً. ولا أفعل هذا من أجل المال بل أنا أكرّس حياتي لمحاربة الشر... لكن كما تعلمين عندي ستة أولاد وأنا أدفع الكثير لتعليمهم...


وقبل خروجي، دفعت له مبلغاً كبيراً بالنسبة لورقة صغيرة، وبدأت رحلة الانتظار.

 


كنت أزور البصّار مرة كل شهر وأعطيه كل ما أنجح في ادّخاره. لذلك لم أعد أشتري أغراض خاصة بي إذ رحت أجمع الجزء الأكبر من راتبي لأكافئه على خدماته "المجانية".

لم يكن زوجي على علم بالموضوع لكنّه شعر بأنّ سلوكي غير اعتيادي... من غير أن أذكر ليالي الامتناع، حين يكون القمر بدراً.

مرّت سنة تقريباً وبدأ صبري ينفد، فقال أبو جابر إنّ المشكلة قد تكون من زوجي لكنّني كنت متأكّدة من أنّ فراس لن يقبل البتة هذه الترّهات. لذا، أعطاني أبو جابر قارورة صغيرة أجهل ما في داخلها لكنّ رائحتها كريهة. 


- ضعي بضع قطرات منها في فنجان قهوة زوجك كل صباح وسترين النتائج على الفور.

 

لم يقنعني لكنّني لم أملك الخيار، وشعرت بأنّني أخون ثقة فراس بي. لكن في نهاية المطاف، أفعل هذا من أجله.

في اليوم التالي، كنت أتحضّر لأضع القطرات في القهوة حين دخل فجأةً إلى المطبخ فقفزت كالمجنونة.

 

- ماذا تفعلين؟ ماذا تضعين في قهوتي؟


- آه... لا شيء يا حبيبي. أجبته وأنا أموت من الخوف.

 

القارورة من يدي وشمّها وانفجر غضباً:


- هل تحاولين وضع السم لي؟ هل تريدين قتلي؟ عندك عشيق؟ لقد تبدلت في الآونة الأخيرة، والآن أفهم السبب.


- كلا، كلا! أرجوك حبيبي اسمعني، دعني أشرح لك!

 

لكنّ فراس خرج من المنزل وتركني مع غبائي. ذهب إلى منزل أهله وفشلت كل محاولاتي للتكلّم معه. فطلبت من عمّتي أن تتدخّل ففي النهاية هي التي أقحمتني في القصة، وهي نجحت في إقناعه، وبطلب منه التقينا في أحد المقاهي.


- تعالَ معي. قلت له.

 

- إلى أين؟

 

- ما زلت المرأة التي أحببتها وتزوجتها، تلك التي تنام بجنبك كل ليلة. لقد حصل سوء تفاهم كبير وإذا قبلت مرافقتي فستفهم كل الحقيقة.

 

تردّد فراس للحظة، ثم وافق. وحين رأى حي أبو جابر ومنزله، ظهر على وجهه القلق.


- لقد جلبتٍ زوجك الى هنا، وهذا ممتاز!

 

- أبو جابر هو البصّار الذي قدمت إليه كي أتمكّن من إنجاب الأولاد لك يا فراس .قل له يا أبو جابر ما الذي أعطيتني إياه كي أضعه له في القهوة.


- تركيبة عجيبة لتبعد الأرواح الشريرة عنك، تحتوي على الأعشاب وعلى مكوّن سري. يكفي وضع بضع قطرات منه في القهوة حتى يمتلئ منزلك بالأطفال.


- ولكن ما هذه القصة؟ قال فراس متعجّباً. وتعدّين نفسك متعلّمة ومثقّفة؟ ومن قال لك إنّني أريد ولداً بالقوة؟ أنا أحبك بما يكفي لأعيش معك لوحدي طيلة حياتي!


- لكنّني ظننت أنّ...


- تعالي، لنخرج وأنا أمنعك من القدوم إلى هنا مجدداً!

هكذا، أخرجني فراس وهو يُمسك بذراعي. وبعد فترة، تناقشت وفراس حول المسألة بهدوء واستغرب كيف وصلت إلى هذه المرحلة. وبما أنّ الطب لم يجد حلاً لمشكلتي، فكان عليّ أن أتقبّل وضعي أو أن ألجأ إلى التبنّي. ما أغباني! لقد خسرت ثروةً على الخرافات، وكدت أخسر زوجي!

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button