صديقتي الحميمة شوّهَت سمعتي

ما الذي يدفع الإنسان للأذيّة خاصة إذا كان من أقرب الناس إلينا؟ لم أفكّر للحظة أنّه عليّ أن أخشى نوال صديقتي الحميمة فكنتُ أعرفها منذ ما كنّا في صف الحضانة. قضينا عمرنا سوياً نتقاسم الحلو والمرّ حتى أنّ عندما توفيَ زوجها ذهبتُ لأعيش معها كي لا تكون وحيدة. وكنتُ أعتقد أن وجودي معها سيعطيها القوّة لتخطّي محنتها ولكن كانت هذه فرصة لها لتبرهن عن كرهها العميق لي. كل شيء بدأ بعدم إنتقلتُ إلى بيتها بقليل وكانت قد أعطتني غرفة كبيرة حيثُ وضعتُ أغراضي. كنتُ سعيدة أن نكون هكذا لوحدنا ونستعيد أيّام الصغر حين كانت تأتي إلى بيتنا لتقضي فرصة نهاية الأسبوع ونقضي الليل كلّه نتكلّم ونضحك بدلاً أن ننام ولكن لم أكن أدري كم كنتُ أجهل تلك الإنسانة التي إعتقدتُ أنني أعرفُ كل شيء عنها.

في البدء كل شيء سارَ على ما يرام حتى أن بدأ يأتي رجل لزيارتها. بالطبع إستنتجتُ أنّه حبيبها فلم أكن غبيّة وسألتُ نفسي من أين تعرفه وكم من الوقت مضى على علاقتهما لأنّه لم يمضِ على وفاة زوجها أكثر من شهرين. ولكن لستُ من هؤلاء الناس الذين يحكمون على الآخرين ولم أتدخّل بشيء بل بالعكس كنتُ لطيفة مع ذلك الزائر وأدعهما لوحدهما كلّ ما أتى.  ولكن هي التي جاءت ذات ليلة إلى غرفتي لتكلّمني في الموضوع:

- جواد… أعني صديقي… هو كما لاحظتِ أيضاً حبيبي… أعلم أنّكِ تظنّين أنني إمرأة سيئة…لا تقولي لا! فمن البديهي أنّ علاقتي به تعود إلى ما قبل موت زوجي ولكن لا تعرفين بما مررتُ به… لم أكن سعيدة ولجأتُ إلى جواد.

- هذا ليس من شأني فأنتِ حرّة بحياتكِ. ما يهمنّي هو صداقتكِ لي.

وعانقتني بشدّة ثم رحلَت من الغرفة وهي تبكي. ومرّت الأيام دون أن يحدث شيئاً يُلحظ حتى جاءت حماة نوال لتزورها وتقضي بضعة أيّام عندها. جلسنا جميعاً وبدأنا نتكلّم عن المرحوم ونبكي سويّاً حتى أنّ دقّ أحد على الباب وإذ بجواد يظهر أمامنا. خفتُ كثيراً على نوال ولكنّها قالت بسرعة:

- جواد! ما هذه المفاجأة السارّة! أنتَ هنا لترى منال أليس كذلك؟

تفاجأتُ لأنّها قالت أنّه أتى لزيارتي ولكنني مشيتُ في اللعبة أمام أمّ زوجها تفادياً للفضيحة. وقضينا السهرة وجواد يتصرّف وكأنّه حبيبي يضع ذراعه حول كتفيّ ويعطيني المأكل والمشرب. وعندما رحل وذهبَت حماتها للنوم شكرتني صديقتي لأنني قبلتُ بالوضع. أنّبتُها لأنّها لم تكن على علم بقدوم صديقها وطلبتُ منها أن تكون أكثر حذراً في المرة القادمة. كنتُ منزعجة لما حصلَ لأنني بدأتُ أرى نوال بطريقة مختلفة فكانت جدّ مرتاحة بكذبتها وكأنّها معتادة على إختلاق القصص وهذا ربما يعود إلى الفترة التي كانت تخون زوجها فيها. ولكنني إعتبرتُ الموضوع مجرّد خدمة ولم أكن أعلم حينها أنّ الأمر سيتكرر في اليوم التالي وكلّ يوم قضته حماتها عندها. وسئمتُ من الوضع وأخبرتُ نوال بذلك:

- قولي له ألا يأتي حتى أن تذهب حماتك من هنا!

- منال… حبيبتي أنا آسفة... ولكنني أحبّه ولا أستطيع قضاء يوماً واحداً دون أن أراه. تحمّليه قليلاً... أرجوكِ.

وطبعاً قبلتُ بذلك.

حتى أن جاءني إتصالاً من أخي الكبير يطلب فيه أن يراني وبسرعة. ركضتُ إليه ظانة أنّ شيئاً حصل له. ولكنّه قالَ لي:

- وصلني أنّكِ تواعدين رجل إسمه جواد س.

- للحقيقة… كيف علمتَ بالأمر؟

- أنسيتي أنّ حماة نوال هي صديقة أهلنا؟

- وما الخطب إن كنتُ أراه؟

- ما الخطب؟ أوّلاً لإنّه رجل متزوّج وثانياً الكل يعلم أنّ سلوكه سيئة جداً فهو يتعاطى المخدرّات ويقال أنّه يتاجر فيها أيضاً. ما الذي جرى لرأسكِ!!! أنسيتِ أنّكِ إمرأة محترمة وأهلك ناس يخافون الله؟ أتريدين تخريب حياتكِ وجلب العار علينا؟

- دعني أشرح لك…

- شرَحَت لي نوال كل شيئ.

- نوال؟ ماذا قالت؟ 

- قالت لي أنّها حاولَت إقناعكِ بعدم رؤية هذا الرجل ولكنّكِ رفضتِ وهدّدتِها بالرحيل من بيتها إذا أصرّت عليكِ وسكتَت لأنّها كانت قد أخذتكِ إلى عندها لتمنعكِ من رؤية حبيبك.

- جواد ليس حبيبي بل حبيبها هيَ!

- كفّي عن الكذب! نوال إمرأة شريفة تبكي زوجها الراحل وأنتِ تريدين إلباسها التهمة لتبرّئي نفسكِ! كيف ومتى وصلتِ إلى هذا الحد من قلّة الأخلاق!

لم أصدقّ أذنيّ. هل يُعقل أن تفعل نوال كل هذا بي أنا؟

وأكمل أخي:

- وأرتني نوال صوراً لكِ ولحبيبكِ تتعانقان.

وكان هذا صحيحاً... خلال إحدى زيارات جواد قامت نوال بتصويرنا على حجّة أنّها تثبت لحماتها أننا حبيبين وأنا قبلتُ لكثرة غبائي.

علمتُ أنّ لا جدوى من محاولة إقناع أخي أنني أقول الحقيقة وأنّ نوال هي الوحيدة التي تستطيع توضيح كل شيء. فذهبتُ إلى الشقة وواجهتُ التي تسمّي نفسها صديقتي. ضحِكَت وقالت:

- ماذا تريديني مني أن أقول؟ أنّ جواد عشيقي من زمن طويل حتى يكفّ أهل المرحوم عن إعطائي مصروفي الشهريّ وأن يخبروا الجميع أنني لستُ شريفة؟

- وأن يقول عنّي الناس هذا لا يهمّكِ؟ أنتِ صديقة الطفولة! جئتِ بي إلى هنا لكي أكون معكِ في وقت شدّتكِ!

- لا بل لتكوني غطائاً لي... كم أنتِ غبيّة! لطالما كنتِ هكذا... أنسيتي كيف كنتُ أقنعكِ بأن تكتبي عنّي واجباتي المدرسيّة أو تعطيني زوّادتكِ أو حتى أن تقولي لأهلي أنني عندكِ بينما كنتُ ألهو مع أصدقائي؟ لولاكِ لكانت حياتي مملّة…  إسمعيني جيداً... أنتِ صديقتي نعم… أمّا أنا فلستُ صديقتكِ…

إنهالت دموعي على وجهي وركضتُ خارجاً أحاول إستيعاب ما قالته لي. كيف لم ألاحظ ألاعيبها هذه؟ هل أنا فعلاً غبيّة؟ أمّ أنني إنسانة صالحة ومحبّة تحاول مساعدة أصدقائها؟ وبعد ساعة رجعتُ إلى بيت نوال وأخذتُ جميع أغراضي وعدتُ عند أهلي الذين وبّخوني على سلوكي مع جواد. وبما أنّه لم يكن لديّ برهان لأثبت براءتي فضلّتُ السكوت.

في هذه الأثناء لم يعد لنوال غطاء لعلاقتها مع حبيبها فبدأت بالخروج معه علناً وبإستقباله في بيتها لوحدها. وللناس آذان وعيون ولم تعد تستطيع إخفاء الحقيقة عن أحد. وبعد فترة جاء أخي إلى غرفتي وعلى وجهه علامات الإرتباك:

- جئتُ لأعتذر منكِ... كان يجدر بي ألا أصدّق أحداً بل أتّكل على معرفتي بكِ... هل تسامحينني على ما فعلته؟

- سامحتُكَ منذ زمن بعيد... والأغرب في الأمر أنّني سامحتُ نوال أيضاً رغم إساءتها لي لأنّني إنسانة طيّبة وأنا فخورة بنفسي لأنّني هكذا. فطيبة القلب ليست غباءً بل نبل أخلاق.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button