شريك أبي الجذاب!

كان حليم رجُلاً وسيمًا للغاية، وهو لفَتَ إنتباهي منذ البدء، أي حين كنتُ لا أزال مُراهِقة. فقد كان حليم صديق أبي المُقرّب وشريكه في آن واحد. لِذا كان يتردّدُ دائمًا إلى دارنا ويتقاسَم سفرتنا إمّا لوحده أو مع زوجته وأولاده الذين كانوا مِن سنّي تقريبًا. لَم أُظهِر له طبعًا إفتتاني به، فهو بعمر أبي، لكنّني كنتُ أحلمُ به ليلاً وأتخايَل نفسي زوجته وأمّ أولاده.

مرَّت السنوات طلَّقَ خلالها حليم زوجته، التي أخذَت أولادهما معها لتُربّيهم عند أهلها. لَم أزعَل للخبَر طبعًا، فلقد إنفتَحَ أمامي المجال لأكون مكانها كما تمنَّيتُ مرّات لا تُحصى. لِذا بدأتُ أحومُ حول حليم كلّما التقَينا أو زارَنا وأبتسمُ له علَنًا. لَم تغِب تلك الحركات عن نظَر أبي الذي قال لي يومًا:

 

ـ أرى أنّكِ مُهتمّة بحليم.

 

ـ أنا؟ لا... لماذا تقولُ ذلك يا بابا؟

 

ـ لستُ إبن البارحة يا صغيرتي وأستطيعُ مُلاحظة الإعجاب حين يحصل. إسمعي، حليم يكبرُكِ بسنوات كثيرة جدًّا. إضافة إلى ذلك، فهو ليس مُناسبًا لكِ فهو صديقي وأعرفُه جيّدًا. ألَم ترَي ما فعلَه بزوجته المسكينة؟ فهو طلّقَها بعد زواج دامَ طويلاص ولسبَب تافِه.

 

ـ ليس هناك مِن عَيب في الطلاق إن كان الطرفان يُواجهان المشاكل.

 

ـ أيّة مشاكل تتكلّمين عنها؟!؟ مُشكلة حليم الوحيدة هي أنّه سئِمَ مِن زوجته وأرادَ التغيير... فلدَيه عشيقة.

 

ـ عشيقة؟!؟ وهل هو لا يزال معها؟!؟

 

ـ لستُ أدري، فحين وبّختُه على ما فعلَه بعائلته، لَم يعُد يُخبرني شيئًا. إبتعدي عنه يا صغيرتي، وجِدي لنفسكِ شابًّا مِن سنّكِ تبنينَ معه مُستقبلاً جيّدًا وعائلة جميلة.

 

ـ أذكُّرُكَ يا بابا أنّني لَم أعُد "صغيرة"، بل سأتخرّج مِن الجامعة بعد أشهر.

 

ـ على كلّ الأحوال لن أغفِل نظري عنكما، فأنا أبوكِ وعليّ حمايتكِ.

 

ـ لماذا كلّ هذه الدراما يا بابا؟ إنّكَ تُصوّرُ حليم وكأنّه وحش ضارّ... وتُصوّرني وكأنّني فتاة ساذِجة! لا تخَف يا بابا، لن يحصل لي أيّ مكروه.

 

وهكذا بدأتُ أواعِد حليم لكن خفيةً، كَي لا أسمَع المزيد مِن التأنيب مِن جهة والدي، وكنتُ سعيدة للغاية بعد أن حقّقتُ حلمي أخيرًا. تبيّنَ أنّ حبيبي رجُل كريم ومُحبّ وهو فعَلَ جهده لإسعادي. للحقيقة، لَم أشعُر حقًّا بفارِق السنّ الشاسِع بيننا، فحليم كان إنسانًا رياضيًّا ومُفعمًا بالحيويّة بالرغم مِن سنّه، ولقد قصَدنا معًا الأماكن الجميلة والسهرات شبه يوميًّا. وحين هو طلَبَ منّي رسميًّا أن أصبَحَ زوجته، لَم أتردّد بالقبول، فهذا ما كنتُ أنتظرُه منذ سنوات!

وبالطبع رفَضَ أبي زواجي مِن صديقه، وهدَّدَني وهدَّدَه لكنّنا بقينا مُصرَّين. لِذا فسَخَ والدي شراكته مع حليم ومنعَه مِن القدوم إلى بيتنا، أيّ أنّ الأمور ساءَت كثيرًا بين الرجُلَين. وإصرار حليم عليّ زادَ مِن حبّي له، فهكذا تكون الرجال!

أمّي هي الأخرى لَم تكن موافقة، إلا أنّ ردّة فعلها لَم تكن بقساوة أبي نفسها، وكلّ ما قالَته لي هو إنّها لن تحضر زفافي ولا أيّ مِن أخوَتي أو أقاربنا. لَم أتأثّر كثيرًا، ففي آخِر المطاف، كلّ ما همّني هو أن أعيشَ مع الذي اختارَه قلبي منذ مراهقتي. لِذا بدأتُ أحضّرُ نفسي لفرَحي وكأنّ شيئًا لَم يكن، وكذلك فعَلَ حليم الذي هو الآخَر لَم يحظَ ببركة مَن حوله، فلا تنسوا أنّه طلّقَ زوجته وأم أولاده، الأمر الذي جلَبَ له نقمة عائلته وعائلة زوجته السابقة. أمّا أولاده، فخجِلوا به وقطَعوا علاقتهم به. وهكذا وجَدنا أنفسنا معزولَين تمامًا لكن مُتيّمَين، وكلّنا نعلَم أنّ الحبّ يُعطي قوّة لصاحبه.

وقَبل عقد قِراننا بيومَين، إتّصلَت بي زوجة حليم السابقة. خفتُ أن تشتمَني، فوعدتُها بإقفال الخط إن هي أهانَتني، لكنّها قالَت:

 

ـ لا تخافي، فأنتِ في سنّ أولادي، وأعلَم أنّ لا دخلَ لكِ بالذي يحصل، بل حليم هو المسؤول. إسمعي... أنا لا أتّصلُ بكِ لغاية شخصيّة، فهو طلّقَني ولن يُرجِعَني وأنا لا أريدُه أن يفعَل على الاطلاق.

 

ـ إذًا ما تريدين منّي؟

 

ـ أن تستَمعي لِما سأقوُله لكِ. فإن بقيتُ صامِتة، صِرتُ شريكة بالذي ينتظرُكِ، وضميري لن يتحمّل ذلك.

 

ـ دراما مُجدّدًا! هاتي ما عندكِ سيّدتي إن كان ذلك يُريحُكِ، لكن إعلَمي أنّني لن أقبَل بأيّ تدخّل مِن جانبكِ مُجدّدًا. هذه هي مُحادثتنا الأخيرة.

 

ـ حسنًا... قد لا تعرفين ذلك، لكنّ حليم قضى شراكته مع أبيكِ وهو يسرقُه.

 

ـ أنا لا أُصدّقُكِ، فأنتِ تختَلقين الأكاذيب للتفرقة بيننا.

 

ـ دعيني أكمِل... سرقَه شهرًا تلوَ الآخَر وسنة تلوَ الأخرى، ليس مادّيًّا فقط بل بنى علاقات مع الزبائن إستفادَ منها شخصيًّا بالعمَل معهم على حدة. سأسألُكِ التالي: كيف أنّ حالتنا المادّيّة كانت أفضل مِن حالتكم؟ فلقد إشترَينا بيتًا جديدًا وفرَشناه بأحدث المفروشات. وكيف أنّ حليم كان يُغيّر سيّارته كلّ سنتَين، واشترى لي ولاحقًّا للأولاد أيضًا سيّارات جديدة، بينما أنتم بقيتم على المركبات نفسها لسنوات؟ وكيف لنا أن نكون مُشتركين في نوادٍ مُختلفة ونُسافرُ إلى أقاصي الأرض؟

 

ـ قد يكون حليم يملكُ المال الخاص، وما أدراني؟ هل لدَيكِ أدلّة فعليّة على ما تقولينَه؟

 

ـ لَم أنتهِ بعد... قَبل أن يفسَخَ أبوكِ شراكته معه، كان ينوي حليم إيهامه بأنّ الشركة لا تجني شيئًا حتى يشتري حصصه بسعر زهيد... وأجل، لدَيّ أدلّة على ما أقوله.

 

ـ على كلّ الأحوال، أبي ليس فتىً صغيرًا وعمَله وأعماله ليست مِن شأني. أنا أحبّ حليم كشخص وليس كشريك والدي.

 

ـ لكنّ النصب والإحتيال هما مِن خصال ذلك الشخص.

 

ـ حليم يُحبُّني أنا!

 

ـ ربّما... لكنّه أحبَّ غيركِ.

 

ـ أنتِ؟

 

ـ أنا؟ أحبَّني حليم لفترة قصيرة وسرعان ما ملَّ منّي، إلا أنّني كنتُ قد أنجبتُ الأولاد ورأى أنّه بحاجة إلى البقاء معي لأُربّي ذريّته وأؤمِّن له حاجاته.

 

ـ إفتراء!

 

ـ بعد ذلك، هو لَم يترك صبيّة مِن شرّه. إسألي أباكِ عن الأمر، فهو حتمًا يعرفُ بشأن علاقاته العديدة. فقد كان حليم يتحجّج بالبقاء في الشركة حتّى آخِر الليل لمُعالجة ملفّات مُهمّة، وهو احتاج حتمًا لتغطية مِن أبيكِ في حال أردتُ التحقّق مِن ذلك. فالرجال يتستّرون على بعضهم، يا عزيزتي!

 

ـ على كلّ الأحوال، ما فعلَه حليم في حياته الشخصيّة، قَبل أن يقَع في حبّي، ليس مِن شأني. هو يُحبّني ويُريدُ الزواج منّي أنا!

 

ـ الناس لا يتغيّرون، إفهمي ذلك... يصبُّ حليم دائمًا كلّ اهتمامه على حبيبته الجديدة، ثمّ يسأم منها. أُراهِن أنّه اختارَكِ لأنّكِ إبنة شريكه ويودّ تجريده مِن كلّ شيء، فكلّ الأمور بمثابة تسلية وتحدٍّ بالنسبة له.

 

ـ أنتِ إنسانة مليئة بالحقد والإمتعاض تجاهه لأنّه طلّقّكِ!

 

ـ بالعكس... قلتُ لكِ إنّني إرتحتُ كثيرًا وأنا بعيدة عنه، على الأقلّ لَم أعُد مُكتئبة وخائفة. حان دوركِ الآن لتمرّي بالذي مرَرتُ به. لِما لا تسألين صديقتكِ حنان، هي نفسها التي كانت زميلتكِ في الجامعة والتي أصبحَت ضحيّة زوجي السابق لأكثر مِن سنة... أمّ أنّكِ لا تعرفين شيئًا عن الموضوع؟

 

ـ حنان؟ لا أصدّقُكِ! فهي كانت مُقرّبة جدًّا منّي وتعرفُ بأمر افتتاني بحليم!

 

ـ وكيف أعرفُ إسمها إذًا. أنتِ بالفعل ساذجة... كأبيكِ!

 

أقفلَت المرأة الخط، وأسرعتُ أنا بالاتّصال بحنان التي لَم أُكلّمها منذ فترة، بعد أن قطعَت إتّصالها بي فجأة مِن دون سبب. سألتُها بلهجة صارِمة إن هي صادقَت حليم في وقت مِن الأوقات، وهذه كانت أجابتها:

 

ـ أجل... كيف علِمتِ بالأمر؟ لقد أحببتُه وهو كذلك... لَم أرِد إزعالكِ آنذاك لِذا ابتعدتُ عنكِ. هل صحيح أنّكما ستتزوّجان أم أنّها بدعة إخترعَها حليم للتخلّص منّي؟

 

ـ ماذا؟!؟ أنتِ لا تزالين على علاقة معه؟!؟

 

ـ أجل... نتواعد مرّة في الأسبوع لكن ليس كما في السابق... أظنّ أنّه سئِمَ منّي خاصّة بعدما طالبتُه بالزواج، فهو لَم يعُد مُتزوّجًا ولَم أرَ أيّ سبب يمنعُنا مِن عَيش حبّنا في العلَن.

 

ـ كيف تخونين ثقتي؟!؟

 

ـ أحبُّه وهو قالَ إنّه يُحبّني! الحبّ أقوى مِن كلّ شيء، أليس هذا ما تُردّدينَه؟

 

أقفلتُ الخط وأنا أغلي مِن الغضب. ثمّ رفَعتُ عَينَيّ إلى السماء وشكرتُ ربّي أنّه فضَحَ حليم قَبل أن أتزوّجه بيومَين. ثمّ قصدتُ أبي وقبّلتُه وعانقتُه طالبةً منه السماح. بكيتُ في حضنه وهو واساني وبكينا سويًّا. بعد ذلك، أخبرتُه كلّ شيء مِن سرقة حليم للشركة إلى مُغامراته العاطفيّة. هزّ أبي برأسه وقال:

 

ـ كنتُ أعلَم أنّ حليم رجُل عديم الأخلاق حين كان يطلبُ منّي التغطية له ليخون زوجته، لكنّني لَم أعرِف بأمر السرقة. نبّهتُكِ منه لأنّه إنسان لا يكنّ للمرأة أيّ احترام بل يُحبّ نفسه فقط. الحمد لله أنّ أمره قد كُشِف وصرتِ تعلمين مِن أيّ صنف هو. نشّفي دموعكِ الآن وافسخي علاقتكِ به، وتابعي حياتكِ لأنّ، ما ينتظرُكِ حتمًا جميل. كان الدرس قاسٍ لكنّكِ تعلّمتِ الكثير، مِمّا سيُتيحُ لكِ اختيار أصدقائكِ وشريك حياتكِ بشكل أفضل... وأنا شركائي بتأنٍّ أكثر! فالحياة مدرسة، ودروسها مؤلمة لكن ثمينة لمَن هو مُستعدّ أن يتعلّم منها. ما رأيكِ لو آخذُكِ وأمّكِ وأخوتكِ إلى ذلك المطعم الذي تُحبيّنه؟ فأنا جائع للغاية! هيّا بنا!

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button