حين قَبِلَت جنا بي زوجاً لها شعرتُ وكأنّني أمتلك الدنيا بأسرها لأنّ حبيبة قلبي كانت جميلة ومهذّبة وطريفة. والأهمّ كان أنّها تبادلني حبّي لها أو بالأحرى هذا ما كنتُ أعتقدُه. فما مِن شيء بشّرَ بالذي كان سيحصل وإلى أيّ حدّ تغيّرَت حياتي كلّها. وأظنّ أنّ القلّة هي التي أثّرَت على قرارات جنا بالرغم مِن معرفتها المسبقة بأحوالي والقبول بها خاصة أنّها كانت أيضاً مِن عائلة فقيرة.
وكنتُ حقّاً أنوي تحسين وضعي بِشكل ملحوظ وأقدّم لِزوجتي الحبيبة كل ما بِنفسها بانضمامي إلى فريق عمل صيانة خارجيّ والذهاب مع زملائي إلى تركيا لإصلاح أعطال فنيّة في شبكات المواصلات. وتركتُ حبيبة عمري على مضَد بعدما أوصَيتُ أهلي بها كونها تعيش معهم ورحلتُ والدمع يملأ عينَيّ. وما كنتُ أحسبُه عمل بضعة أسابيع اتّضحَ أنّه سيطول لِيصبح أشهر قضيتُها بعيداً عن أحبّائي. ولكنّني حرِصتُ على الاتصال يوميّاً بِجنا لأقول لها كم أنا مشتاق لها ولأعدها أنّ غيابي هذا سيمكّنني مِن العودة مع مال وفير. ولكنّ زوجتي لم تستطع الإنتظار ربمّا لأنّها لم تكن تحبّني كفاية أو أنّها شعرَت بالوحدة خاصة أنّ والدَيّ كانا متقدّمَين في السنّ ومنزلنا بعيداً عن وسط المدينة.
لِذا قرّرَت جنا أن تجد عملاً في أحد محلات الوسط التجاري. وبعد أقل مِن أسبوعَين تعرّفَت إلى تاجر كبير سُحِرَ بِجمالها وعرضَ عليها الزواج. ولكنّها أجابَته أنّها متزوّجة وأن ذلك لن يكون ممكناً. وأصّرَ الرجل على الحصول عليها فأقنعَها بالهروب معه مقابل وعود بحياة مريحة جدّاً. أمّا أنا مِن جانبي فلم أشكّ بِشيء لأنّ زوجتي بقيَت تردّ على مكالماتي حتى آخر دقيقة. ولكن عندما أقفلَت خطّها في ذاك نهار أسرعتُ بالاتصال بأهلي للاستفهام. وقالَت لي أمّي أنّ جنا خرجَت قبل ليلة ولم تعد. عندها صرختُ لها:
ـ يا إلهي! أين هي؟ قد تكون ميّتة أم مجروحة أو حتى مخطوفة! هل اتّصل إحداكما في الشرطة؟
ـ لا يا بنيّ.
ـ ولماذا؟ هيّا أسرعي يا أمّي! حياة جنا في خطر!
ـ لا يا حبيبي... أنا متأكّدة بانّها بخير.
ـ وكيف تعلمين ذلك؟
ـ خزانتها فارغة مِن الثياب... لقد أخذَت جميع أمتعتها ورحَلت.
وبدأتُ بالبكاء وألتفّ حولي زملائي وأخبرتُهم أنّ زوجتي هجَرَتني فقال لي أحدهم:"إذهب إلى بلدكَ وأبحث عنها وأرجعها إليك." وصفّق له الجميع واقتنعتُ بكلامه لأنّني كنتُ متأكّد أنّني أستطيع إقناع حبيبتي بالعودة خاصة أنّني لم أكن أعلم بعد أنّها بِصحبة رجل آخر. كنتُ أعتقد أنّها رحَلَت إلى عائلتها بعدما سئمَت مِن إنتظاري.
وهكذا أخذتُ إجازة طارئة مِن عملي وسافرتُ إلى البلد حيث أعطَتني أمّي تفاصيل ما جرى خلال سفري أي أنّ جنا وجَدَت عملاً في محل ألبسة ومِن ذلك الحين تبدّلَت تصرّفاتها وباتَت تغيب باستمرار حتى أن اختفَت كليّاً. وبالطبع قصدتُ منزل أهلها ولكنّني لم أجد زوجتي هناك ولم يستطع أحد إعطائي أي معلومة عنها. ولم يبقَ أمامي سوى الذهاب إلى محل الألبسة. والتي ساعدَتني بإيجاد جنا كانت زميلتها التي لم تتردّد على إطلاعي عن علاقتها مع التاجر الذي كان يأتي يوميّاً إلى المحل ليأخذها بسيّارته الفخمة إلى الغداء ومِن ثمّ يعود في المساء ليقلّها إلى منزل أهلي.
وحصلتُ أيضاً على إسمه لأنّه كان إنساناً معروفاً في العاصمة لِكثرة علاقاته وكبر ثروته. فلم يكن صعباً عليّ إيجاد عنوانه ورقم هاتفه. ولكنّني فضّلتُ قصده في منزله لأسأله عن نوعيّة علاقته بِجنا وإن كان ما سمعتُه صحيحاً لأطلب منه الكفّ عن رؤيتها.
وهكذا قصدتُ بيته الجميل في المساء وقرعتُ بابه. وتفاجأتُ كثيراً عندما أتَت زوجتي بِنفسها لِتفتح لي. هي أيضاً تفاجأت بي لأنّها لم تتوقّع رؤيتي فكان مِن المفروض بي أن أكون في تركيا. وصَرَخَت بأعلى صوتها:"عدنان!!! تعال بسرعة!!!". وركضَ الرجل ونظَرَ إليّ بِغضب سائلاً:" ما الأمر؟ ما الذي تريده؟". وشعرتُ وكأنّني في حلم مزعج حيث زوجتي الخائنة تسكن عند عشيقها الذي يصرخ بِوجهي ويسألَني ما الذي أريده.
وبعد ثانية أو اثنتَين استطعتُ الجواب:"أريد زوجتي". عندها هدأ الرجل قليلاً وقال:"آه... هذا أنتَ... جنا لن تعود إليكَ... قل لي كم تريد لِتعطيها الطلاق وسأوقّع لكَ شيكّاً على الفور."
كان يريدني أن أبيعه زوجتي الأمر الذي كان غير وارداً إطلاقاً عندي. فأخذتُ نفساً عميقاً وقلتُ:
ـ لا أدري إن كنتَ يا سيّدي تعتبر جنا سلعة لها ثمَن تُباع وتُشترى به ولكنّني أعتبرها إنسانة قد تاهَت عن حبّها لي بِفضل مالكَ حتماً... ولكنّني متأكّد أنّها ستعود إلى صوابها وإليّ.
ولم يعبأ عدنان حتى بالردّ عليّ بل نظَرَ ضاحكاً إلى جنا التي أقفلَت بِنفسها الباب بوجهي. عندها علِمتُ انّها لا تريدني فصرختُ لها قبل أن أرحل."لن أعطيكِ الطلاق! إبقِ عشيقته إلى الأبد فهذا ما تستحقّينه!"
وعدتُ إلى أهلي لأخبرهم ما حصل وفي اليوم التالي ودّعتُهم لأسافر إلى تركيا ومتابعة عملي. ولكن عند وصولي المطار وتقديم جواز سفري تمّ القبض عليّ وأخذي للتحقيق بِتهمة التعدّي بالشتم والضرب ضد السيّد عدنان ف. ورغم نفيي القاطع للتهمَ الموجّهة إليّ أُحِلتُ إلى القاضي وحتى المحامي الذي أُوكِلَ لي لم يستطع فعل أيّ شيء. وتمّ زجّي في السجن سنة وستّة أشهر. والأغرب مِن ذلك هو أن جنا جاءَت لِزيارتي هناك بعد حوالي الثلاثة أشهر بعدما كانت هي السبب في سجني. سألتُها:
ـ ماذا تريدين منّي؟
ـ جئتُ أرى كيف هي أحوالك.
ـ أنا في السجن مع المجرمين! كيف ستكون أحوالي؟
ـ أنا... أعني... لم أكن أريد أن يحصل لكَ ذلك... لو أعطَيتني الطلاق...
ـ لن أعطيكِ شيئاً! لن أدَعَكِ تتزوّجين مِن ذلك الرجل أبداً!
ـ أرجوكَ... أفعل ذلك مِن أجل نفسكَ... عدنان يتمتّع بِنفوذ كبير... قد يطول بقاؤكَ في السجن.
ـ حتى لو بقيتُ هنا كل حيّاتي لن أعطيكِ الطلاق! إرحلي الآن... لا أريد رؤيتكِ مجدّداً... خنتِ حبّي لكِ وثقتي بكِ... تركتُ بلدي وعمِلتُ بِظروف صعبة مِن أجلكِ... ارحلي!
ولم أسمع منها بعد ذلك. وكانت ظروفي في السجن قاسية جدّاً وموجعة خاصة أنّني ظُلِمتُ وأنّ ذنبي الوحيد كان أنّني أحببتُ زوجتي وأرَدتُها أن تعود إليّ بعدما كنتُ مستعدّاً لِمسامحتها إن قبِلَت بي مجدّداً.
وأثناء مدّة إحتجازي ملَّ عدنان مِن جنا لأنّها كانت بالنسبة له نزوة عابرة ولأنّها أصبحَت موجودة معه طوال الوقت ما قلّلَ مِن التشويق الذي شعَرَ به عندما كانت تخونني. وهكذا وجَدَت جنا نفسها مِن دون أيّ شيء واضطّرَت إلى العودة إلى أهلها الذين وبّخوها ومنعوها مِن الخروج خوفاً مِن كلام الناس علمين تمام العلم أنّ لا أحد سيرغب بإبنتهم بعدما فعَلَته خاصة أنّها كانت لا تزال على ذمّتي. فضاقَت الدنيا بها وأنتظَرَت خروجي آملة بأن أستردّها. ولِحسن حظّي لم يعد هناك تضييق عليّ في السجن بِسبب عدنان الذي نسيَ أمري كليّاً فأُفرجَ عنّي مبكرّاً وعدتُ إلى منزل والدَيّ وبِرأسي مشاريع هجرة دائمة. فلم أكن أريد البقاء ثانية واحدة في بلد أسَرَني فقط مِن أجل رجل أرادَ سرقة إمرأة مِن زوجها.
ولكنّ جنا عَلِمَت بأمر خروجي وقصَدَتني باكية. وعندما رأت أنّني لم أعد أريدها ألقَت بنفسها على الأرض وبدأت تقبّل رجليَّ راجية السماح. وعندما رأيتُ إلى أيّ حدّ وصَلَت لأغفرَ لها عادَت إليّ الذكريات الجميلة وحبّي العميق لها. وإنهالَت دموعي وساعدتُها على الوقوف وعانقتُها مطوّلاً. لا أدري ما كان يدور في عقلها في تلك اللحظة ولكنّني كنتُ سعيداً جدّاً خاصة بعدما مرّرتُ في فترة التحقيق والسجن الأمر الذي أضعفَ أرادتي وجعَلَ منّي إنساناً هشّاً.
وسامحتُ زوجتي بعدما وعَدَتني وأقسمَت أنّها لن تنظر إلى رجل آخر في حياتها وصدّقتُها. ولكنّني لم أعد قادراً بعد ذلك على السفَرَ خوفاً مِن أن تخونَني زوجتي مرّة أخرى فبقيتُ في البلد وعدتُ إلى العمل بِراتب متواضع. وهذا الوضع لم يرضِ جنا التي تعوّدَت على حياة الرخاء مع عدنان. وفي ذاك مساء حين عدتُ إلى المنزل بعد يوم شاق قالَت لي أمّي بهدوء:"خزانة جنا فارغة مِن الثياب." وفهمتُ أنّ زوجتي رحَلَت مجدّداً. ولكن في تلك المرّة لم أحزن كثيراً لأنّني فهمتُ أنّ جنا ليست ولن تكون المرأة المناسبة لي. وعندما أخبرتُ أهل زوجتي أنّني سأطلق إبنتهم ظهَرَت جنا وأتممنا معاملات الطلاق.
أنا اليوم أعيش في تركيا حيث تعرّفتُ الى فتاة تركية تحبّني مِن كل قلبها. زفافنا بعد أشهر قليلة وأعلم في قرارة نفسي أنّ هذه المرّة سأكون سعيداً.
حاورته بولا جهشان