سارقة الأولاد

حين أبلغني طبيبي بعدم قدرتي على إنجاب الأطفال شعرت بصدمة كبيرة. صحيح أنّني كنت مُعلّمة ومحاطة بالأولاد طيلة النهار لكنّ أيّاً منهم ما كان ليناديني يوماً "ماما".

أمام حالتي التي تحوّلت إلى إرهاق متزايد يوماً بعد يوم، اقترح عليّ زوجي حبيب التفكير بالتبنّي. لم يتطلّب الأمر منّي الكثير من الوقت فقد اتّخذت القرار! لكنّ الإجراءات كانت طويلة وغير مشجّعة فضلاً عن ذلك لم يكن وضعنا المادي ممتازاً – فزوجي موظّف في مصنع وأنا معلّمة أتقاضى أجراً زهيداً. كنت أعرف أنّ الأفضليّة تعود إلى الأزواج الأكثر ثراءً وهذا لمصلحة الولد. لكن ألا يحقّ للفقير التمتّع بالسعادة؟ عندئذٍ، رحت آمل أن يتحقّق حلمي وتحصل معجزة ما.

أخيراً، تلقّيت الاتّصال المنتظر! وأخيراً سوف أقابل صغيرتي ميساء التي كانت في الخامسة من العمر لأنّ الأطفال الأصغر سنّاً كانوا نادرين. بالنسبة لي لم يكن العمر ما يهمّ بل الحبّ الذي كنت أخطّط لمنحها إيّاه.

توجّهنا إلى الميتم، أنا وحبيب، وكلّ منّا يُمسك بيد الآخر. لم يغمض لي جفن طيلة الليل وأنا أفكّر بذاك اللقاء وأتخيّله. تسارعت دقّات قلبي وراحت قدماي ترتجفان وصرت أفكر: ماذا لو أنّها لم تلهف لنا؟ ولكن ما إن رأتنا ميساء حتى ارتمت في أحضاننا مبدّدةً كل مخاوفنا وشكوكنا. هنا تأكّدت من أنّنا سنصير عائلة واحدة وأنّ الحلم سيصبح أخيراً حقيقة. أخبرت ميساء عن الحب الذي ينتظرها وعن غرفتها الجاهزة من أجلها. وحدها مديرة الميتم لم تكن متحمّسة ولم تتردّد في تذكيرنا بأنّنا محظوظون للغاية بتمكّننا من تبنّي ميساء في وضعنا ذاك. وعدتها ألاّ ينقص ميساء شيء وأنّ زوجي سيجد عملاً ثانياً كي يلبّي حاجاتها. حين وصلنا إلى المنزل تفتّلت ميساء فيه متفحّصةً غرفتها وألعابها وهي تمسك بحقيبة يدها الصغيرة وعيناها مفتوحتان. بدت راضية ونحن أيضاً. هكذا بدأت حياتنا كعائلة من ثلاثة أشخاص.

تفادياً لتغيير الجو على ميساء قرّرنا تركها في مدرسة الميتم لتتابع دروسها حيث اعتادت على المعلّمات والأصدقاء. لقد فكّرنا أنّ تغيّراً جذرياً ومفاجئاً قد يربكها. بعد مرور شهر تقريباً وصلتُ في أحد الأيام في فترة بعد الظهر لاصطحابها من المدرسة وإذا بي أفاجأ بهم يقولون لي هناك إنّ ميساء ليست موجودة. أصبت بالهلع ورحت أفكّر أنّ من المستحيل لها أن تغادر مع أحد غيري... بحثت عنها في كل مكان، في الصفوف والحمّامات وكل الزوايا وقد قال أصدقاؤها إنّهم لم يروها تغادر المدرسة، كما راحت معلّمتها تذرف الدموع.

طلبت رؤية المديرة لكنّهم قالوا لي إنّها في اجتماع وإنّه يجب عليّ الانتظار. في هذه الأثناء، اتّصلت بزوجي وأخبرته بما يجري فحاول تهدئتي مؤكّداً لي أنّنا سنجدها إن كانت لم تغادر المدرسة كما أبلغني أنّه في طريقه إلى المدرسة. مرّت نصف ساعة ولم تقابلني المديرة فحرصت على جعل سكرتيرتها تبلغها بأنّ الأمر طارئ. بدت منزعجة لكنّها لم تستطع فعل أيّ شيء. عندئذٍ، أبلغتها أنّني سأضطرّ إلى الاتّصال بالشرطة لأخبرهم عن اختفاء ابنتي إذا لم تقابلني المديرة على الفور. ويبدو أن ذلك التهديد أجبرها على الخروج من مكتبها لملاقاتي مغلقةً الباب خلفها كما لتشير لي إلى أنّها مشغولة. بنبرة قاسية، قالت لي إنّ ميساء قد هربت منّي على الأرجح بدليل أنّها ليست سعيدة معنا وأنّه كان خطأ فادحاً منها أن توليني مسؤولية الاهتمام بميساء لأنّني لست قادرة على الاعتناء بها. بكيت كثيراً وأقسمت لها أنّنا فعلنا كل ما بوسعنا. ثمّ تركتني ونصحتني بالذهاب إلى مكان آخر للبحث عنها. جلست مرهقةً على كرسيّ في صالة الانتظار وغرقت في دموعي متسائلةً عمّا إذا كانت المديرة على حقّ؟ هل هربت ميساء بالفعل لأنّها لا تريدنا ولأنّني أم سيّئة؟

فجأةً، انتابني شعور غريب يؤكّد لي أنّ ابنتي التي لم أُنجبنها ولا تحمل دمي هي هنا بالقرب منّي. نظرت باتّجاه مكتب المديرة ودفعتني غريزتي إلى فتح الباب بالقوة: وجدت ميساء جالسةً في الداخل على كرسيّ وهي تبكي فيما تحاول المديرة أن تقدّم لها السكاكر... حوّلني ذاك المشهد إلى وحش كاسر مستعدّ لأن يفعل أيّ شيء من أجل إنقاذ ولده. دفعت بتلك المرأة بعيداً عن ابنتي وحضنت ميساء بقوة:

- أمّك هنا حبيبتي، أمّك هنا!

في هذه الأثناء دخل رجل وامرأة إلى المكتب:

- انظر عزيزي كم هي جميلة! قالت السيدة لزوجها مشيرةً إلى ميساء بإصبعها. ستأتين للعيش معنا أليس كذلك؟

- ماذا؟ هذه ابنتي أنا!

قاطعني الرجل:

- هناك بالتأكيد سوء تفاهم سيدتي، فقد تبنّينا أخيراً هذه الفتاة الصغيرة. اسمها ميساء، أليس كذلك؟ أعطتنا المديرة موعداً اليوم كي نأتي لاصطحابها لأنّ كلّ الإجراءات جاهزة.

تغيّر لون وجه المديرة فقلت لها بكراهية:

- خطفتِ ميساء لتقدّميها إلى عائلة أخرى؟

- أريد أن أستردّ مالي، صرخ الرجل الذي بدأ يفهم ما يجري.

- لقد بعتِها أيضاً؟! أتظنّين أنّ أولئك الأطفال سلعة تتصرّفين بها على هواك؟ سوف أسجنك لبقية حياتك!

وصل حبيب وحضن ابنتنا بين ذراعيه.

- آه يا صغيرتي أخيراً عثرنا عليك!

- حبيب، اتّصل بالشرطة.

وهنا، أخبرته بما جرى فكاد أن يحطّم وجه المديرة لكنّني منعته. بعدئٍذ، تقابلنا جميعنا في المخفر حيث لم يكن صعباً إيقاع المديرة مع وجود الشهود.

حُكم عليها بالسجن بتهمة سرقة الأطفال أمّا نحن فأكملنا حياتنا السعيدة وسط ضحكات ميساء الجميلة التي بدت أكثر فرحاً مع مرور الأيام.

حاورتها بولا جهشان 

المزيد
back to top button