سئمَ زوجي منّي بسرعة

كم كانت خيبَتي كبيرة عندما أخبرَني يوسف أنّ لديَه زوجة ويا لَيته باحَ لي بذلك قبل أن أقَع تحت تأثير وسامته وشخصيّته الجدّابة لأنّني وكمعظم البنات كنتُ أرفض فكرة تقاسم رجل حتى لو أصبحتُ زوجته أيضاً.

ولكنّه أقنعَني بالقبول به بعدما أعطاني حججاً وأعذاراً تمنعه مِن تطليق زوجته ووعوداً بأنّه سيهتمّ بي وكأنّني الوحيدة في حياته. فكان لدَيه ولدَين ولم يكن يريد إيذاءهما وكانت زوجته تعاني مِن مشاكل في القلب وأيّ صدمة قد تؤدّي إلى تعقيدات في صحتّها لَبَل إلى موتها. وأكّدَ لي يوسف أنّه سيشتري بيتاً آخراً لأعيش فيه وأنّه لن يبارح جانبي إلاّ نادراً. وصدّقتُه وتزوّجنا رغم إمتعاض أهلي.

وبعد شهر عسل جميل إنتقلتُ للعيش في القفص الذهبيّ الذي زيّنتُه حسب ذوقي وبدأتُ حياتي الزوجيّة. في البدء سارَ كل شيء كما أردتُه أيّ أنّ زوجي كان يمكث معي معظم الأسبوع ليعودَ إلى عائلته الأخرى يومَين فقط ووجدتُ ذلك مقبولاً خاصة أنّه كان يحيطني بكل وسائل الإهتمام والراحة. ولكن أوّل ما علِمَ بأنّني حامل تغيّرَت حياتي كلّها فصارَت زياراته لي تقلّ يوماً عن يوم بسبب إنشغالات مفاجئة وإرتباطات مهمّة وعندما أعربتُ له عن إستيائي للوضع طمأنَني بأنّها فترة عابرة.

ومع تقدّم حَملي إفتقدتُ للحنان اللازم لإجتياز هكذا مرحلة وأذكر أنّني أمضيتُ ليالي طويلة أبكي وأنا أنتظر مِن دون جدوى مجيئَه. وولِدَ تامِر ولم يكن أبوه موجوداً ما زادَ مِن خيبَتي ولكنّ أمّي أقنعَتني بأن أبقى زوجة صبورة وهادئة وأنّ زوجي سيعود كما كان في السابق بعد فترة وجيزة. ولكنّ ذلك لم يحصل بل أصبحَ يأتي لرؤيتي أنا وإبنه مرّتَين أو ثلاثة في الشهر ليعطيني المال الكافي لمتابعة حياتنا مِن دونه. عندها أدركتُ أنّني خسرتُ حياتي مِن دون أن أعرف السبب، الأمر الذي أغرَقَني بحزن عميق لازمَني ثلاث سنوات إلى حين دخَلَ سعيد حياتي.

 

كنتُ إبتاع حاجاتي اليوميّة مِن دكاّن قريب مِن مسكني مِن أناس طيبّين وإعتدتُ إلى وضع تامر عندهم كلّما إحتجتُ إلى الذهاب عند الطبيب أو إلى مكان لا أستطيع أخذ ولد صغير إليه عالمة تمام العلم أنّه سيكون بين إيادٍ أمينة خاصة أنّ زوجة صاحب المحل كانت مربيّة قديمة قضَت حياتها بالإهتمام بالأولاد.

 


وفي أحد الأيّام عندما ذهبتُ إلى جلب تامِر مِن عندهم إلتقيتُ هناك بشاب لم أرَه مِن قبل فعرّفاه إليّ قائلَين:"هذا إبننا سعيد... لقد عاد للتوّ مِن الولايات المتحدّة بعد غياب طويل وقرّرَ الإستقرار هنا."

وتبادلنا السلامات والنظرات وشعرتُ بقلبي يدقّ بسرعة. ولأنّني كنتُ أعلم ما يعني ذلك أخذتُ إبني وخرجتُ مِن الدكاّن دون أن أودّع أحداً خوفاً مِن أن يرى إرباكي. وأظنّ أنّ الأمور كانت ستقف إلى ذلك الحدّ لو لم يأتي لي سعيد شخصيّاً بأغراض كنتُ قد طلبتُها مِن الدكاّن. فعندما فتحتُ الباب تفاجأتُ برؤيته واقفاً أمامي وماسكاً بالأكياس فسألتُه:

 

ـ أين الولد الذي يأتي لي بحاجاتي عادة؟

 

ـ إنّه... إنّه مشغول جدّاً... فعرضتُ على أبي أن أساعده... هل يشكّل ذلك مشكلة لكِ؟


ـ أبداً...

 

وأدخلتُه إلى المطبخ حيث وضَعَ الأكياس وعندما رأى تامر وهو في طريقه إلى الخروج توقّفَ وبدأ يلاعبه ثم قال لي:

 

ـ أحببتُ ذلك الطفل لحظة ما رأيتُه عند أهلي... كم هو جميل وقريب إلى القلب... يشبهكِ كثيراً... لا بدّ أنّ أباه فخور به...

 

ـ أجل... كثيراً.


وفتحتُ الباب لأفهمُه أنّ عليه الرحيل. وكان مجيء سعيد قد أفرَحَني وأزعَجَني في آن واحد لأنّني كنتُ لا أزال إمرأة متزوّجة رغم غياب وإستهتار زوجي ولم أكن أريد إعطاء ذلك الشاب أيّ أمَل في أيّ علاقة بيننا. وبدأتُ أتفادى رؤيته عندما أذهب إلى الدكاّن ولكنّه كان يظهر فجأة عندما يسمع صوتي لأنّ منزلهم كان خلف المحلّ وكنتُ أسرع في الخروج دون أن أنظر إليه. ولكنّه لم يكن مِن الذين يستسلمون بسهولة وعادَ يأتي لي بالأغراض إلى المنزل. عندها قصدتُ والدته وقلتُ لها:

 

ـ أرجو ألاّ تسيئي فهمي ولكن... أفضّل إلاّ يأتي سعيد إلى بيتي... أنا إمرأة متزوّجة وأكون لوحدي في غالب الأحيان.

 

ـ أجل... أنتِ دائماً لوحدكِ... لا أدري ما المشكلة بينكِ وبين زوجكِ وهذا ليس مِن شأن أحد ولكنّ هذا ظلم... أنتِ شاّبة وجميلة.


ـ لِذا أرجو منكِ أن يبتعد سعيد عن منزلي.

 

وبعد ذلك اليوم لم يعد يأتي لي إبنها بحاجيّاتي وإرتحتُ بالرغم أنّني كنتُ أحبّ رؤيته ولكنّ سعادة إبني وأملي بأن يعود يوسف إلى صوابه كان أهمّ مِن كل شيء. ولكنّ أموراً لم أكن على علم بها كانت تجري ومحاولاتي بالإبتعاد عن سعيد لم تجدِ فبعد أسبوعَين تقريباً وجدتُه واقفاً أمام بابي. وعندما سألتُه عن السبب قال:

 

ـ لاشيء مهمّ... إشتقتُ لِتامر... أحبّه كثيراً وأنتظر دائماً أن تتركيه عند أهلي لألاعبه... ولكنّني لم أعد أراه كالسابق...

 

ـ أجل... لأ أخرج كثيراً هذه الفترة... أفضّل البقاء في المنزل مع إبني في حال جاء زوجي ليرانا.

 

ـ ولماذا لا يأتي إلاّ نادراً؟

 


ـ إنّه رجل مشغول جدّاً.

 

ـ لو كنتُ مكانه لتركتُ الدنيا بأسرها مِن أجلكِ ومِن أجل تامِر!

 

ـ ولكنّكَ لستَ مكانه.

 

ـ أعلم ذلك... دعيني أدخل لأرى الولد... لن أمكث طويلاً... تستطيعين ترك باب المنزل مفتوحاً لو شئتِ.

 

وقبِلتُ معه لأنّني كنتُ أعلم أنّه يحبّ فعلاً تامِر وأنّ وجود رجلاً بقربه قد يفيده قليلاً. ولكن بعدما دخلَ ببضعة دقائق إقتربَ سعيد منّي وحاولَ تقبيلي. عندها دفشتُه عنّي ورميتُه خارجاً صارخة:

 

ـ لم أتوقّع منكَ ذلك... أهلك أناس شرفاء وأرى أنّهم لم يحسنوا تربيتكَ! أخرج ولا تعُد أبداً.

 

وأصابَتني خيبة كبيرة لأنّني إعتقدتُ أن ذلك الشاب كان يكنّ لي الإحترام والتقدير ولكنّني كنتُ مخطئة فكل ما كان يريده هو أن يستغلّ إمرأة منبوذة مِن زوجها. ومرَّت الأيّام حاولتُ خلالها تقريب زوجي إليّ ولكن دون جدوى وإكتفى كعادته بإرسال المال لي. ولكن بعد شهر أو أكثر بقليل فوجئتُ بأمّ سعيد تقرع بابي. وظننتُ طبعاً أنّها تريد الإعتذار عن تصرّف إبنها معي مع أنّني لم أخبرها بالذي حصل. ولكنّها كانت قد جاءَت لتخبرني أموراً أدهشَتني وسبَّبَت لي إشمئزازاً عميقاً. دعوتُها للجلوس وبدأَت المرأة بالكلام:

 

ـ أتعلمين يا حبيبتي كم أحبّكِ وأحبّ تامِر وكم أُسَر دائماً عندما تجلبينَه إلينا... أصبحتِ جزءً مِن عائلتنا لِذا إرتأيتُ أنّ عليّ إطلاعكِ على الذي يحصل فعليّاً... لقد أخبرَني سعيد بالذي فعلَه عندكِ وبعد أن وبّختُه مطوّلاً باحَ لي بالحقيقة... عندما عادَ إبني مِن الولايات المتحدّة كان قد صَرَف ماله كلّه في مشروع غير ناجح ولم يعد يملك شيء... وكان في ذلك الوقت لِيقبل أي عرض عمل يخرجه مِن حالته. فعندما قصدَه زوجكِ...

 

ـ زوجي؟ يوسف؟

 

ـ أجل... دعيني أكمل... عندها قصَدَه زوجكِ بمبلغ مِن المال ليراقبكِ لم يستطع سعيد الرفض... ولكنّ الأمور لم تقف إلى ذلك الحدّ بل تصاعَدَت... ولأنّكِ لم تقترفي أيّ خطأ كونكِ زوجة وفيّة ورصينة أرادَ زوجكِ إيقاعكِ في فخّ...

 

ـ ولكن لِما يفعل ذلك؟؟؟

 

ـ لكي يتزوّج ويقطع عنكِ المصروف... لذا عاد إلى سعيد وأمَرَه بأن يغريكِ ويأخذ صوراً وهو معكِ في موقف حرج...

 

ـ الآن فهمتُ كل شيء...

 

ـ أجل... وعندما وبّختيه أدركَ سعيد أنّ ما يفعله كان خطأً كبيراً وجاء إليّ ليقول لي حقيقة ما يحصل... إبني يحبّكِ ويحبّ تامر كثيراً وهو نادم على كل شيء... هل بإستطاعتكِ مسامحته؟

 

ـ بالطبع... لأنّه أصلح خطأه بإخباركِ... هكذا إذاً... يريد زوجي التخلّص منّي ومِن مصروفي ليتزوّج... أشكركِ على صراحتكِ... عليّ الآن التفكير بما عليّ فعله...

 

ـ لا تنسي أنّ سعيد مغرم بكِ... لا أقول هذا لأنّه إبني ولكنّه بالفعل إنسان صالح وأنا متأكدّة أنّه سيجد عملاً جيّداً لو وجَدَ الدوافع لذلك...

 

- عليّ تصفية حساباتي مع زوجي أوّلاً.

 

إتصاتُ بيوسف في اليوم التالي بعدما فكّرتُ مليّاً بالذي سأقوله له وطلبتُ منه أن يأتي حالاً لنتكلّم بمستقبلنا. وعندما أتى عرضتُ عليه أن نطلّق تحت شرط أن يواصل دفع مصاريف تامر. أماّ بالنسبة لي فكنتُ سأكتفي بملغ صغير لمدّة ستّة أشهر أي إلى حين أجد عملاً. كنتُ واثقة أنّه لن يرفض هكذا عرض وكنتُ على حق ولكنّني لم أقل له أنّني علِمتُ حقيقة ما فعلَه لأجنّبَ المشاكل لِسعيد لأنّني كنتُ جدّ معجبة بي.

وبعض طلاقي قرّرتُ إعطاء ذلك الشاب فرصة لإثبات حسن نواياه. نحن اليوم متزوّجان وأستطيع أن أقول أنّني وجدتُ أخيراً السعادة.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button