زوجي دخل السجن، من اجلنا!

صارت الحياة صعبة ومتطلباتها باهظة الثمن بالنسبة للكثيرين. بين أقساط مدرسة أولادنا الثلاثة وإيجار المنزل المتزايد باستمرار والتهديد بالفصل من العمل، ما عاد الوضع يُحتمل. أمّا الحل الوحيد فكان الذهاب للعمل في الخارج.

هذه المرة، اتُّخذ القرار: يذهب زوجي ليجرّب حظه في بلد آخر أمّا أنا فأبقى مع الأولاد في الوطن ليتابعوا دراستهم. كان الانفصال صعباً جداً ولكنّ التضحية كانت موجودة فلم يكن أمامنا خيار آخر. بفضل رمزي وهو صديق زوجي من أيام المدرسة، وجد سامر، بسرعة، وظيفة في أفريقيا تسلّم فيها مسؤولية مخزن لشركة أخشاب.
بقيت في بلدي وكان عليّ التوفيق بين عملي والمنزل والأولاد، مع كل المشاكل التي تطرأ حين يكونون في أعمار صغيرة. لحسن الحظ، بدأ المال يصل إلينا من الخارج. في السنة الأولى، لم يستطع سامر العودة إلاّ مرة واحدة في الصيف لقلة أيام عطلته فهو جديد في الوظيفة ولكنّ لقاءنا كان أشبه بشهر عسل حقيقي فبعد سنوات على الزواج تغلّب الروتين على علاقتنا ونسينا طعم الشغف بيد أنّ البعد أعاد إلينا نكهة الشوق. في العيد، عاد محمّلاً بالهدايا ومنذ ذاك الحين بدأت الأموال تتدفق علينا.

في الرحلة المقبلة قدّم لي سامر خاتماً مرصّعاً بالألماس بالكامل وبعد ثلاثة أشهر طلب منّي شراء شقة أكبر في المنطقة التي أختارها. أسعدني كل ذلك وأقلقني في الوقت عينه ولكنّني قررت الاستمتاع بتبدّل أحوالنا وعدم طرح الكثير من الأسئلة. اشترينا إذاً شقة كبيرة وفرشناها من دون أن نحسب للمال حساباً. تضايق الأولاد من تغيير المدرسة ولكنّ الألعاب الإلكترونية الحديثة التي حصلوا عليها من والدهم أقنعتهم وأرضتهم. ثمّ لم تتأخر اللعب المليئة باللوحات والأغراض الثمينة في الوصول إلى المنزل الواحدة تلو الأخرى، لدرجة أن أصبح المنزل شبيهاً بالمتحف.

بدأ الناس يثرثرون لكنّني لم أعرف بذلك إلاّ في وقت لاحق. بعد مرور بعض الوقت، صار سامر يكلمنا مرة في الأسبوع، هو من اعتاد الاتصال بنا يومياً. تفهّمت انشغالاته الكثيرة فهو يكدّ جاهداً لتأمين حياة كريمة لنا. خلال تلك السنة لم يأخذ الكثير من العطل ليتمكن من العمل أكثر وكسب مال أكثر. كان غيابه صعباً بالفعل لكنّ فكرة عيشنا من جديد تحت سقف واحد كانت تساعدني. ثمّ جاءت صديقتي المفضّلة لتخبرني بالكارثة.

- زوجك في السجن...
- هل أنتِ مجنونة؟ ماذا تقولين؟
- أوقف منذ سنة. هذا ما أخبرني به سلفي العائد أخيراً من أفريقيا. هناك يعرف الجميع هذه الحقيقة.
- ولكن مستحيل! لمَ يُسجن؟
- هل أنتِ ساذجة لهذه الدرجة لكي تصدقي أنّ المنزل والسيارة وكل ذلك هو نتيجة عمله في مخزن للأخشاب؟ افتحي عينيك قليلاً...
- لا أصدقك! سامر يعمل بكدّ ولطالما كان رجلاً شهماً.
- اعتقلوه بتهمة تبييض الأموال وهو محكوم لخمس سنوات وإن كنت لا تصدقين تأكدي بنفسك.

لم يكن سهلاً عليّ الحصول على تأشيرة دخول. أوكلت إلى أهلي مهمّة الاهتمام بالأولاد وطلبت من شقيقي مرافقتي. كان صعباً عليّ أن أصدّق فلطالما كان سامر نبيلاً ومن المستحيل أن يفعل شيئاً غير شرعي. حين وصلنا توجّهنا إلى المنزل الذي يسكن فيه سامر مع رمزي منذ رحيله. لم يتمكّن الرجل من إخفاء مفاجأته:

- سامر ليس هنا. لقد ذهب لإيصال طلبية في منطقة بعيدة جداً.
- أعرف أنّه في السجن، أجبته بطريقة صارمة. ولكن قبل أن أذهب لرؤيته أود أن أعرف مَن وضعه في هذه الحالة الحرجة؟
- لم أُرغم أحداً على شيء. سامر ناضج ويتّخذ قراراته بنفسه. أردتِ المال وقد حصلت عليه. إنّ هذا النوع من العمل يتضمّن الكثير من المخاطر فإمّا أن ينجح أو يفشل. بعد بضع سنوات، يسترجع حريته فتتمكنون من الاستمتاع بالثروة الصغيرة التي جناها.

شعرت بالغثيان وأحسّ شقيقي برغبة في ضرب رمزي ولكن في ظل ذاك الوضع كان علينا الاستفادة من معارف رمزي في البلد لرؤية سامر ومحاولة إنقاذه، فقد كان واضحاً أنّ رمزي هو المحرّك وسامر الضحية. إنّه ممّن يدفعون ثمن الأعمال غير الشرعية بدلاً منه.

حين رآني زوجي انهمر الدمع من عينيه وحاول أن يشرح:
- أقسم لك إنّ نواياي كانت حسنة لدى وصولي إلى هنا. ولكنني أدركت أنّني بحاجة إلى الكثير من الوقت لأجمع المال الذي يجعلك تعيشين حياة كريمة. ثمّ أقنعني رمزي بوجود طريقة أسرع لكسب المال وأنا الآن أتساءل كيف قبلت بذلك! فعلت ما فعلته من أجلكم، صدّقيني، لكي تفخروا بي.
- نفخر بك؟ هل فكّرت بي وبأولادك وبأهلك؟ هل فكرت بموقفنا حين نعلم أنّك في السجن بتهمة تبييض الأموال مثل المجرمين؟ هل تعرف من أين يأتي ذاك المال؟ من المخدّرات والدعارة والقمار لأنّ المال النظيف ليس بحاجة إلى التبييض. 
- عودي إلى الوطن وانتظري حتى تنتهي عقوبتي. قولي الحقيقة للأولاد كي يتجنّبوا الوقوع في قبضة الشيطان.

حين عاد سامر إلى البلاد كان قد تغيّر كثيراً فقد صار نحيلاً وتبدو عليه الشيخوخة. باختصار، كان بعيداً عن صورة البطل التي كان يحب إظهارها. لكنّنا استقبلناه بقلب مفتوح وسامحناه منذ زمن طويل فهو ما زال الرجل الذي لطالما أحببت. 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button