زوجي المُتحرش

ظننتُ أنّ زواجنا كان ناجحًا وأنّ خالد بالفعل رجُل مُتّزِن ويُحبُّني. لكن نادرًا ما نعرفُ ما يدورُ في بال الناس، حتى الأقرَب منّا. فبينما كنتُ أنعَم بحياة زوجيّة سليمة وسعيدة، كان خالد يبحثُ عن غيري. هل بان عليه شيء مِن الذي كان يفعله؟ على الاطلاق! هل كان لدَيه سبب للتفتيش عن أخرى؟ أبدًا! لكن حين علِمتُ عمّا كان يبحثُ عنه فعلاً، أدركتُ أنّني لَم أكن قادرة على إعطائه ما يُريده مهما فعلتُ وحاولتُ.

كلّ شيء بدأ حين تعطّلَ هاتفي، وطلبتُ منه ذات ليلة الاذن باستعمال حاسوبه المحمول لأتسلّى على الفيسبوك قَبل أن أنام. كنّا مُستلقيَين في السرير وهو يقرأ في كتاب يتركه على الطاولة بالقرب منه. فتحتُ الفيسبوك وإذ بي أرى أنّ صفحته الخاصّة لا تزال مفتوحة فلَم أتردَّد، كأيّ امرأة أخرى في حالتي، في تصفّحها. ألقَيتُ نظرة على خالد فوجدتُه غارقًا في القراءة فدخلتُ إلى قسم الرسائل... ووجدتُ تلك المُحادثات! أتكلّم عن حديث دارَ بين زوجي وصبيّة، لا بل فتاة في الخامسة عشرة مِن عمرها! يا إلهي... إنّها بسنّ ابنتنا! بدأ قلبي يدقُّ بقوّة هائلة حين قرأتُ مذعورة كلمات رهيبة هو أرسلها لتلك الطفلة، فطبيعتها كانت جنسيّة بحت ولا مجال للخطأ. زوجي يُخاطبُ امرأة أخرى، لا بل مُراهِقة عن أمور حميمة يودُّ القيام بها معها؟!؟ هل أنا وسط كابوس لعين؟!؟

إضطرِرتُ لإقفال الحاسوب، لأنّ خالد أعرَبَ عن نيّته النوم وإطفاء الأنوار، لكنّني لَم أنسَ أن أخرُج مِن حسابه وأغلقَه كَي لا يعرفَ أنّني رأيتُ ما لَم يكن يجدرُ بي رؤيته. وحين هو عانقَني والتصَقَ بي بمُحاولة منه فعل ما كنّا نفعله مرّات عديدة في الأسبوع منذ زواجنا، أبعَدتُه عنّي مُدّعية أنّ لدَيّ صداعًا. للحقيقة كنتُ مُشمئزّة منه.

لَم أنَم قط وأنا أُحاوِلُ معرفة سبب ما يفعله خالد، وتخايَلتُ لو أنّ رجُلاً في سنّه خاطَبَ ابنتي بهذه الطريقة على الفيسبوك... يا إلهي! لَقتلتُه بيَدَيّ!!!

 

في الأيّام التي تلَت، بدأتُ أُعطي لزوجي أعذارًا عديدة لتفسير ما قرأتُه، لكن في قرارة نفسي كنتُ أعلَم أنّه وحش ضار يركضُ وراء الفتيات اللواتي لا تعرفنَ بعد مدى الخطَر الذي هنّ فيه. فبالنسبة لهنّ، تلك هي لعبة آمنة ما دُمنَ وراء الشاشة، لكن مَن يعرفُ متى سيُقنعهنّ بأن يلتقيا شخصيًّا فينقضُّ عليهنّ بعد أن يكون قد هيّأ الساحة بكلمات معسولة ووعود بالحبّ الأبديّ؟

أخذتُ ابنتي على حدة وأخبرتُها عن المخاطر الموجودة على الانترنت، وكيف أن رجالاً ناضجين يحتالون على فتيات صغيرات لِنَيل مرادهم. طلبتُ منها أخذ الحيطة والحذر وعدم فتح حسابها إلا وأنا موجودة معها، على الأقل في الغرفة نفسها. فكلّنا نعلَم أن الضغط الزائد يحملُ الأولاد على العصيان والكذب.

بقيَت أسئلة عديدة تدورُ في رأسي: هل أنّ خالد تكلّمَ مع تلك المُراهِقة بدافع التسلية فقط، أم أنّه حقًّا مِن هؤلاء الرجال الذين يهوون الاستفادة مِن براءة القاصرات؟ وكان عليّ معرفة إن كان زوجي مُتحرِّشًا بالأطفال أم لا. لِذا فتحتُ لنفسي حسابًا وهميًّا على الفيسبوك واستعنَتُ بصورة موجودة على مواقع بَيع الصوَر، فلَم أشأ إستعمال صورة طفلة حقيقيّة وتشويه سمعتها. وعندما ملأتُ كلّ المعلومات اللازمة، بحثتُ عن حساب خالد وبعثتُ له تحيّة مع وجه ضاحك. هل كان سيُجيب عالِمًا بأنّ صاحبة التحيّة هي في الرابعة عشرة مِن عمرها؟

أجابَ زوجي للأسف، لا بل رحَّبَ بي بعد أن تأكّدَ منّي كَم أبلغ مِن العمر لأنّه يُحبُّ الفتيات اليافعات، وأكمَلَ قائلاً ومازِحاً:

 

- لو كنتِ في السادسة عشرة لَما أجبتُ... فأنتِ في السنّ المُناسب! هاهاها!

 

حاولتُ جهدي عدَم إنهاء المُحادثة لكثرة اشمئزازي، وأجبرتُ نفسي على قراءة القذارة التي تابَعَ كتابتها لي. فهو سألَني إن كان لدَيّ تجارب جنسيّة سابقة، وعندما أجبتُه أنّني لا أزال بتولاً قال:

 

حسنًا، حسنًا... سأكون رجُلكَ الأوّل... لكن عليكِ التزام السرّيّة لأنّني مُتزوّج وأب، أفهمتِ؟

 

آه، هو تذكّر أخيرًا أنّه مُتزوّج؟!؟ لكنّه تابَعَ:

 

- أنتِ تعين أنّني لن أتزوّجكِ مهما حصَلَ بيننا، أليس كذلك؟

 

أجبتُ أنّني أفهَم تمامًا نوعيّة العلاقة التي ستكون موجودة بيننا، إلا أنّني أريدُ الحفاظ على بتولتي.

خلال الأيّام التي تلَت، إزدادَت المُحادثات بيننا، والمُضحِك المُبكي في الأمر هو أنّنا كنّا نتبادَل الرسائل مساءً ونحن جالسان بالقرب مِن بعضنا إمّا على الأريكة أو في السرير. وحتى اليوم أسألُ نفسي كيف استطعتُ الحفاظ على هدوئي ولعب دور الزوجة المُحِبّة واللطيفة!

أعطى أخيرًا خالد موعدًا للفتاة التي خالَ أنّه يتحدّث إليها:

 

ـ سأمرُّ على مدرستكِ صباحًا، فحالما تدخلينَها عليكِ الخروج منها بحجّة أنّكِ نسيتِ كتابًا أم دفترًا... ثمّ نذهبُ سويًّا إلى مكان هادئ لأريكِ كيف يكون الرجال.

 

لكنّني لَم أقبَل، فلَم أكن قادرة على فعل ما طلبَه منّي لأنّني لستُ تلميذة وعمري ليس كما ادّعَيتُ، وسيرى ذلك على الفور ويهرب. لِذا، إقترحتُ عليه أن أوافيه إلى ذلك "المكان الهادئ"، أي فندق رخيص ومُظلم، مُدّعيةً أنّني أخافُ أن يرانا أحدٌ في السيّارة نفسها.

وهكذا قرعتُ باب الغرفة التي كان ينتظرُني زوجي الشريف فيها. وحين رآني، تراجَعَ خطوَتَين لكنّه ظنّ أنّني كشفتُ فقط أمره وليس أنّني مَن كلّمَته عبر الفيسبوك. لِذا هو قال:

 

ـ لدَيّ موعد مع صديق لي قادم مِن السفَر... هو يحبّ المزاح كثيرًا ويُحبّ أن يدّعي أنّه فتاة.

 

ـ ألَم تجِد أفضل مِن هذه الرواية السخيفة؟ أوّلاً، مَن هو ذلك الصديق الذي لَم أسمَع فيه مِن قَبل؟ وثانيًا، كيف له أن يدّعي أنّه فتاة ويتبادَل معكَ مُحادثات حميمة؟

 

ـ لأنّه... لأنّه مُثليّ!

 

ـ هكذا إذًا... أكمِل، أُريدُ أن أعلم إلى أيّ مدى سيصلُ كذبكَ. هل أنتَ مثليّ أيضًا؟

 

ـ لا! بالطبع لا!

 

ـ إذًا لماذا تنتظرُ صديقكَ المثليّ في غرفة فندق رخيص؟

 

ـ كفاكِ أسئلة! ماذا تُريدين؟!؟ أنا هنا مِن دون سبب! والذي كلّمَني هو صديقي وحسب! ومنذ متى تسترِقين النظر إلى حسابي؟!؟

 

ـ عزيزي... أنا الفتاة التي تُكلّمُكَ عبر الفيسبوك.

 

ـ أنتِ كاذبة!

 

ـ أنظُر إلى مُحادثاتنا يا شاطر... أو بالأحرى يا قذِر!

 

وفتحتُ أمامه هاتفي وأرَيتُه كلّ الأحاديث التي دارَت بيني وبينه، بينما كنتُ أدّعي أنّني فتاة يافعة مولَعة برجُل بسنّ أبي. عندها هو سكَتَ مُطوّلاً ثمّ قال:

 

ـ حسنًا... ماذا تُريدين الآن؟

 

ـ ماذا أُريدُ؟ أُريدُ أن أفَهم! كيف لزوجي الذي خلتُ نفسي أعرفُه عن ظهر قلب، هو نفسه الذي أنجَبتُ منه ابنة وأكّدَ لي أكثر مِن مليون مرّة أنّه يُحبُّني، أن يبحث عن فتيات ويُكلّمهنّ بهذه الوساخة ويُعطي لإحداهنّ موعدًا في فندق؟!؟

 

ـ لأنّني أهوى الفتيات وحسب!

 

ـ لكنّهنّ بسنّ ابنتكَ!

 

ـ تمامًا... وهل تُفضّلين أن أتحرّش بابنتي؟

 

ـ ماذا؟!؟ وهل خطَرت ببالكَ هكذا أمور في ما يخصّ ابنتنا؟!؟

 

ـ إنّها تكبُر، وجسدها...

 

ـ إخرَس! إخرَس أيّها الوحش! يا إلهي... لقد سمعتُ عن أناس مثلكَ، لكنّني لطالما خلتُ أنّ تلك الأمور مُبالغ بها أو تحصلُ نادرًا ولأشخاص بعيدين كلّ البُعد عنّا! تهوى إبنتكَ؟!؟

 

ـ إنّها أنثى. لكنّني لَم ألمسها قط!

 

ـ لو فعلتَ لَقتلتُكَ أيّها القذِر! لَشربتُ مِن دمكَ!

 

وقَبل أن أُغادِر تلك الغرفة النتِنة، قلتُ له:

 

ـ لا تعُد إلى البيت وإلا جلبتُ لكَ الشرطة! ولستُ أمزَح!

 

ثمّ بصقتُ في وجهه ورحلتُ باكية. وصلتُ البيت وعانقتُ ابنتي الحبيبة، وقلتُ لها إنّ أباها لن يكون معنا بعد الآن لأنّه فعَلَ أشياء خطِرة للغاية. وأمام أسئلتها العديدة سألتُها:

 

ـ هل... هل ضايقَكِ أبوكِ يومًا... مُباشرة أو غير مُباشرة؟

 

ـ ماذا تعنين؟

 

ـ هل شعرتِ بأنّه يتصرّف معكِ وكأنّه رجُل غريب وليس أباكِ؟

 

سكتَت ابنتي مطوّلاً ثمّ قالَت لي: "لا، يا ماما". لكنّني شعرتُ أنّها تُخفي عنّي شيئًا. ففضّلتُ عدَم الاصرار والتكلّم عن الأمر بعدما تكبر قليلاً، أي حين تستطيع التعبير أكثر عمّا في بالها وقرارة نفسها.

حصلتُ على الطلاق بسرعة فائقة وبوعد خطّي مِن خالد بعدَم الاقتراب منّي أو مِن ابنته. ولَم أكتفِ بذلك، فكان عليّ حماية بنات الناس أيضًا، فبعثتُ بطريقة مجهولة للشرطة مُحادثتي كفتاة يافعة مع زوجي واتّكلتُ عليهم لفعل ما يلزَم.

مُحاكمة خالد باتَت قريبة، وأرجو مِن الله أن ينال جزاءه خاصّة أنّ الشرطة اكتشفَت مُحادثات زوجي السابق مع فتيات أخريات تعودُ إلى سنوات عديدة. لذلك لن يُفلِت مِن يَد العدالة!

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button