زوجي المنحرف

ما الذي حملَني على قبول خيانات زوجي لي؟ هل كان حبّي المُفرَط له أم خوفي مِن أن أجد نفسي مِن غير مدخول أربّي أولادنا لوحدي لو ترَكني مجدي؟ على كلّ الأحوال، صِرتُ مُعتادة على أكاذبيه التي لَم يعد يتكبّد عناء تطويرها لأصدّقها. ولِما يفعل؟ فأنا كنتُ أشيح النظر عن مُمارساته وأتصرّفُ وكأنّ شيئًا لا يحصل.

للحقيقة، لَم تكن الفرَص تنقصُ زوجي، إذ كان أستاذًا جامعيًّا ولدَيه العديد مِن المُعجبات الساذجات في صفوف تلميذاته. إضافة إلى كونه أستاذًا، أي يمتلكُ هالة صعبة المُقاومة، كان مجدي أيضًا وسيمًا ويعلمُ كيف يستفيد مِن بُنيته القويّة وملامحه الجذّابة.

في البدء تفهّمتُ أنّ الفتيات كانت مُهتمّات بزوجي، فكنتُ أنا الأخرى إحدى تلميذاته وأعلمُ مدى الإفتتان الذي بإمكان أستاذ مثل زوجي أن يُولّده في قلوب صبايا تكتشفنَ الحياة لتوّهنّ. إلا أنّني إعتقدتُ أنّه اختارَني أنا بالذات لأنّه أحبَّني. ولكن هل هو أحبّني فعلاً أم أرضى بي غروره؟ مِن جهّتي، ظننتُ أنّه سيكون الزوج المثاليّ، خاصّة بعدما أسَّسنا عائلة جميلة وصارَ لدَينا منزل نفتخرُ به.

لكنّ مجدي كان إنسانًا يملّ بسرعة ويُريد دائمًا المزيد، ومهما فعلتُ مِن أجله فهو كان سيخونَني في آخر المطاف. فهمتُ ذلك بعد سنوات على زواجنا، أي بعد أن صِرتُ أمًّا.

علِمتُ بخيانات زوجي مِن تلميحات زملائه في الجامعة، ليس لأنّهم كانوا يدينون ما يفعله في مكتبه الخاص مع التلميذات، بل لأنّه كان يحظى بأجملهنّ ويعلمُ كيف يُبقي الأمر مُستمرًّا. لا تُسيؤوا فهمي، لستُ أقول إنّ كل الفتيات الجامعيّات تُعاشرنَ أساتذتهنّ، بل هناك دائمًا مَن هنّ مُستعدّات لِفعل ما يلزم لنَيل علامات عالية أو مَن وقعنَ بِفخّ مُفترس كزوجي.

واجهتُ مجدي بالذي عرفتُه وهو أنكَرَ الأمر بهدوء، وكأنّه كان يتمنّى أن أعلمَ الحقيقة كي يأخذ راحته في تحرّكاته وغياباته. إدّعَيتُ أنّني لَم أصدّق تلك الأقاويل وأكملتُ حياتي كزوجة وأمّ سعيدة. لكنّني كنتُ واثقة مِن أنّ ما سمعتُه كان حقيقيًّا، وأمِلتُ أن يعي زوجي ما يفعله ويعود إلى حبّه لي. لَم أكن أعلَم آنذاك أنّ الخائن يبقى خائنًا طوال حياته، إلا أذا هو قرَّر أن يوقف ما يفعله ولأسباب هو مُقتنع بها. وزوجي كان حقًّا سعيدًا بعشيقاته ولا ينوي التخلّي عنهنّ أبدًا.

 


الأمر الوحيد الذي ساعدَني على المضيّ في حياتي، هو أنّ مجدي كان يعود لي دائمًا، أي أنّ علاقاته كانت تقتصرُ على ممارسة خياناته في مكتبه وأثناء دوامه في الجامعة. كان يغيب بين الحين والآخر في المساء، إلا أنّه كان ينام بالقرب منّي ليلاً ويتصرّفُ قدر المُستطاع كزوج مُحبّ.

إلا أنّ الأمور تغيّرَت فجأة وإلى الأسوأ، فصارَ مجدي يضحكُ عاليًا ويبتسمُ طوال الوقت وكأنّه مُراهق وكثرَت غياباته المسائيّة. تأكّدتُ مِن شكوكي يوم أخبرَني أنّ الجامعة تودّ إرساله إلى الخارج عشرة أيّام لحضور ندوة مهمّة. سألتُ سكرتيرة الجامعة عن الأمر، وهي أكّدَت لي أنّ الخبَر غير صحيح مُضيفة: "كذبة جديدة؟". إمتلأت عينايَ بالدموع، ليس فقط لأنّ زوجي كان قد ألّفَ موضوع السفر لينفرد بإحدى عشيقاته لأيّام عديدة، بل لأنّني شعرتُ بالخجل الشديد حيال الموظّفة والعالم بأسره. كان مجدي قد داسَ على كرامتي مرّة أخرى، ولا بدّ أنّ هذه العلاقة كانت أكثر جدّيّة مِن التي سبقَتها.

عندها قرّرتُ التصرّف، ليس لأنّني أريدُ استرجاع زوجي بل لأُحافظ على عائلتي. فحبّي لمجدي لَم يعد كما كان بعد أن أدركتُ أنّه كان حبّاً مِن طرف واحد، ونما مكانه غضب صامت وإرادة راسخة بإنهاء تلك المهزلة بأقلّ ضرَر مُمكن.

لِذا إغنمتُ فرصة وجود مجدي في الحمّام لأفتّش في هاتفه عن رقم تلك الساقطة التي تنوي سرقة زوجٍ وأب. لَم أجد ما أبحث عنه، إلا أنّني لاحظتُ اتصالات عديدة بينه وبين رجل إسمه ماهر. شككتُ طبعًا بأنّ يكون مجدي قد سجَّلَ رقم حبيبته تحت إسم ذكر ليُبعد الشبهات، فنقلتُ ذلك الرقم وانتظرتُ حتى اليوم التالي لأتصرّف.

عندما طلبتُ الرقم المذكور أجابَت صبيّة عليّ. لَم أكن مُخطئة بِظنوني فدخلتُ فورًا بِصلب الموضوع:

 

ـ أنا زوجة مجدي.

 

ـ زوجة مَن؟

 

ـ تعرفين تمامًا عمّن اتكلّم... فأنا أعلم بأمركما.

 

ـ ماذا تُريدين؟

 

ـ كم عمركِ؟

 

ـ ماذا؟ وما دخل... عمري 20 سنة... لماذا تسألين؟

 

ـ وأنت إحدى تلميذاته، أليس كذلك؟

 

ـ أجل.

 

ـ إسمعي حبيبتي... في أحد الأيّام كنتُ أيضًا تلميذة مجدي وتزوّجنا بعد أن أحبَبنا بعضنا للغاية، وها هو يخونُني مع كلّ اللواتي تقبلنَ بذلك... لا أشكُّ بحبّكِ له، لكنّه إنسان غير مستقرّ عاطفيًّا وعلاقتكما لن تدوم طويلاً... صدّقيني.

 

ـ أنتِ مُخطئة، مجدي هو أفضل رجل على سطح الأرض!

 

ـ هـ هـ هـ... أفضل رجل لا يخون زوجته كلّ يوم. ماذا عن أولاده؟ هل فكّرتِ بهم؟

 


ـ ماذا تريدين منّي؟ أن أقطع علاقتي بِمجدي؟ هذا لن يحصل. فهو سيُطلّقكِ ويتزوّجني.

 

ـ سأعقدُ معكِ إتّفاقًا... سأقبل بأنّ يتركني زوجي مِن أجلكِ على شرط: أن تنتظري ستّة أشهر قبل الموافقة. وخلال تلك الفترة، يُمكنكما الإلتقاء قدر ما تشاءان، فلن أقف في دربكما.

 

ـ ألهذه الدرجة أنتِ واثقة مِن أنّه سيملّ منّي.

 

ـ بالطبع! فلا أحد يعرفُه أكثر منّي. أمر آخر: لا تقولي له إنّنا تكلّمنا.

 

ـ إتّفقنا.

 

كانت تلك مُخاطرة كبيرة، لكنّني اتّكَلتُ على معرفتي العميقة بمجدي. ولو حصَلَ أن بقيَ مفتونًا بتلك الصبيّة، فهنيئًا لهما! ففي آخر

المطاف لا بدّ لي أن آخذ قرارًا بشأن حياتي الزوجيّة.

الفترة التي قدِمَت كانت صعبة للغاية، إذ أنّ مجدي كان طائرًا مِن الفرَح وكثُرَت غياباته إلى حدّ الوقاحة. لَم أقُل له شيئًا بل ادّعَيتُ عدَم المُبالاة، الأمر الذي شغَلَ باله، فهو انتظَرَ منّي ولو بعض التوبيخ. مِن جهتها، لَم تقُل له عشيقته شيئًا عن مُكالمتنا واتّفاقنا، وإلا لكان مجدي قد واجهني بذلك.

بعد ثلاثة أشهر، إتّصلَت بي عشيقة زوجي لتقول لي إنّها ومجدي حدّدا موعد الزفاف، وإنّ عليّ التحضّر لِما ينتظرُني. لَم تقل لي ذلك بِدافع التحدّي لكن خوفًا على مشاعري، فهي أحسَّت بالذنب تجاهي وتجاه أولادي. أجبتُها بأنّ المهلة لَم تنتهِ بعد، وعليها أن تُبقي احتمال ترك مجدي لها في بالها. أنا أيضًا خفتُ على مشاعرها، فمِن المؤسف أن تبدأ صبيّة صغيرة حياتها العاطفيّة بِخيبة أمَل كهذه. صِرتُ متأكّدة مِن أنّ عشيقة زوجي ليست مِن اللواتي تسرقنَ أزواج غيرهنّ، بل أنّها ساذجة وتصدّق كلام أوّل مُفترس يعترضُ طريقها، الأمر الذي حصَلَ لي أيضًا قبل سنوت.

لَم يمضِ شهر على تلك المكالمة حتى تلقّيتُ أتّصالاً آخرًا مِن غريمتي. كانت المسكينة تجهشُ بالبكاء وصعبَ عليّ فهم ما تقوله. بعد حوالي الدقيقة قالَت لي الفتاة:

 

ـ لقد تركَني مجدي! تذرّعَ بأنّني أحدُّ مِن حرّيته وبأنّ طَبعي لا يُلائم طَبعه! لَم يكتفِ بذلك بل بدأ يُعاكسُ صديقتي الحميمة! ما هذا الوحش! يا لَيتني سمعتُ منكِ!

 

حاولتُ مواساتها قدر المُستطاع، ووعدتُها بأنّها ستنساه يومًا وتعثرُ على شاب صادق ومحبّ. عندما أقفلتُ الخطّ، شعرتُ باستياء شديد، فإلى متى كان زوجي سيستغلّ تلميذاته؟

عندها قرّرتُ فعل ما كان عليّ فعله مِن قبل: قابلتُ مدير الجامعة وأخبرتُه بكلّ بساطة بكلّ ما يدورُ بين مجدي والفتيات. لَم يُصدّقني الرجل، أو ادّعى ذلك، إلا أنّني وعدتُه بأنّ ألجأ إلى المحاكم أو حتى الإعلام وذلك بِمساعدة أهل الفتيات إذا لَم يطرد زوجي. حذّرتُه أيضًا بألا يقول لمجدي أنّني التي وشَت به ورأى المدير في عَينيَّ العَزم والتصميم وما هو أهمّ، أنّني لستُ خائفة مِن تداعيات الأمور. ولأُبرهن له أنّني جادّة للغاية، قلتُ لضحيّة زوجي الأخيرة أن توافيني في مكتبه. وحين وصلَت الفتاة، قصَّت عليه تفاصيل علاقتها مع أستاذها. وبعد أن حصلنا على وعد مِن المدير بألا يُقحمنا في القضيّة، خرجنا مِن المكتب يدًا بيَد.

في المساء نفسه، عادَ مجدي مِن الجامعة مهمومًا ومكتئبًا، وأخبرَني بأنّه لن يُدرّس في تلك الجامعة بعد ذلك. حين سألتُه عن السبب قال لي: "إنّه موضوع غشّ بالإمتحانات... لقد أوقَعَ بي أحد زملائي ولَم أستطع إثبات براءتي". ضحكتُ في سرّي وطمأنتُه بأنّ الحقيقة ستظهر... فهي تظهر دائمًا في آخر المطاف.

مكوث مجدي في البيت مُحبَطًا لَم يُغيّر رأيي بتركه، فكنتُ قد اشمأزَّيتُ منه لأقصى حدّ. وحين حاولَ زوجي الوقوف في وجهي في مسألة الطلاق قلتُ له: "إن لَم تطلّقني وتُعطِني حضانة الأولاد فسأفضحُ أمركَ أيّها المُنحرف... ستصلُ قضيّتنا إلى مسامع الدنيا بأسرها ولن تستطيع التدريس في أيّة جامعة... أرى منذ الآن عناوين الصحف: أستاذ جامعيّ يستغلّ براءة تلميذاته مِن دون وخزة ضمير". أريدُكَ خارج البيت وبأسرع وقت."

لَم أكن قادرة على السكوت عن مُمارسات زوجي، وأفعلُ كالنعامة، أي أدّعي أنّ شيئًا لا يحصل. فإلى جانب مُعاناتي مِن خيانات زوجي لي، كانت هناك مسؤوليّتي بالدّفاع عن تلك الفتيات. فلو بقيتُ صامتة لأصبحتُ شريكة مجدي في الجريمة.

ولأنّ الله لا يترك الناس الصّالحين، وجدتُ عملاً في شركة والد غريمتي السابقة التي أوصَته بي لِتشكرني. راتبي اليوم يسمحُ لي بالعيش وأولادي بِكرامة، بعد أن تهرَّبَ زوجي السّابق مِن مسؤوليّاته وسافَر بعيدًا. فليذهب إلى الجّحيم لأنّني سأعرفُ تمامًا كيف أتدبّر أمرنا مِن دونه!

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button