زوجي المثلي

كنتُ على علم بمثليّة جهاد وبالرغم مِن ذلك قبلتُ بالزواج منه، فذلك الرجل كان معروفًا في عالم الأعمال ويملكُ ثروة كبيرة، وأنا كنتُ آتية مِن عائلة قليلة الدّخل وأرَدتُ الارتقاء إجتماعيًّا بأيّ ثمَن. أمّا بالنسبة لجهاد، فهو أرادَ الزواج بعدما صارَت الإشاعات حول ميوله الجنسيّة تتأكّد يومًا بعد يوم. ووجَدنا نحن الاثنان أنّ هناك منفعة مُتبادلة مِن ربط مصيرَينا ببعضهما.

كيف تعرّفتُ إلى زوجي المُستقبليّ؟ كنتُ أعمل كسكرتيرة عند صديق له فأُعجِبَ جهاد بلياقتي وآدابي وبقوامي. للحقيقة، كنتُ شابّة جذّابة أصرفُ كلّ راتبي على ملابس وأحذية أختارُها وكأنّها مِن صنع مصمّمين معروفين. بالطبع لَم ينجذِب جهاد إليّ كما قد يفعل رجل عاديّ، بل رأى أنّني مُناسبة لأكون زوجته، خاصّة أنّني كنتُ خارج دائرة معارفه أي مِن دون أفكار مُسبقة عنه.

عندما دعاني ذلك الرجل الناجح إلى العشاء، ظننتُ أنّه يُريدُني حقًّا، فطرتُ مِن الفرَح وكذلك والدتي التي تصوّرَت أنّني سأصبَح أميرة أو شيئًا مِن هذا القبيل. أمضَيتُ وقتًا مُمتعًا مع جهاد الذي طلَبَ منّي موعدًا آخر. ولَم أعرِف حقيقة جهاد إلا بعدما تواعدنا لوقت طويل. كان هو قد تأكّدَ مِن اختياره لي، وصارَ الوقت ليَبوح لي بما كان يُخبّئه عنّي. فقال:

 

ـ أرى أنّكِ تستمتعين برفقتي.

 

ـ أجل وللغاية! فلدَينا قواسم مُشتركة عديدة.

 

ـ صحيح ذلك... وأنا أيضًا أحبّ الجلوس معكِ. إسمعي... لدَيّ شيء بغاية الخطورة أقوله لكِ.

 

ـ يا إلهي! أنتَ مُتزوّج!

 

ـ لا... أنا عازب ولَم أتزوّج قط وليس لدَيّ أولاد، إطمئنّي.

 

ـ أنتَ مريض ولقد أعطاكَ الأطبّاء أيّامًا معدودة!

 

ـ أبدًا، فنا أتمتّعُ بصّحة مُمتازة.

 

ـ ماذا إذًا؟ تلعب المَيسَر؟ تشرب الخمر؟ قُل لي!!!

 


ـ ما سأقوله الآن ليس بخطورة ما تتصوّرين، على الأقل بالنسبة لي... سأطلبُ منكِ السرّيّة التامّة في حال رفضتِ.

 

ـ رفضتُ ماذا؟

 

ـ الزواج منّي.

 

حين قال ذلك، بدأ قلبي يدقّ بقوّة ووعدتُ نفسي بالقبول مهما كان الأمر. وتابَعَ جهاد:

 

ـ لو تزوّجتِني ستحصلين على المال والجاه وكلّ ما تطلبه نفسكِ، ستُسافرين حين تشائين إلى أيّ بلد تختارينَه وتمكثين في أفخم الفنادق وتتسوّقين في محلات المصمّمين العالميّين.

 

بدأتُ أتخايلُ نفسي أقومُ بكلّ ذلك فعلاً وشعرتُ بسعادة لا توصف. لكنّني عدتُ إلى الواقع حين سمعتُه يقول:

 

ـ إلا أنّ ذلك لن يأتي مِن دون مُقابل.

 

ـ مُقابل؟ أتقصد حبّي وحناني ووفائي لكَ؟

 

ـ أقصد قبولكِ لحالتي... أنا أحبّ الرجال.

 

سادَ سكوت رهيب وامتلأت عينايَ بالدموع. كنتُ قد شعرتُ مرارًا بأنّ قصّتي مع جهاد أجمَل مِن أن تُصدَّق، لكنّني لَم أتصوّر أن يكون ذلك الرجل المليء بالرجولة مثليًّا. تجدرُ الإشارة إلى أنّني لا أحكمُ على ميول الناس الجنسيّة فلا دخل لي بحياتهم داخل غرف نومهم. لكن في تلك الحالة بالذات كنتُ معنيّةً مُباشرة. فقلتُ:

 

ـ أيعني ذلك أنّكَ لا تُحبُّني؟

 

ـ بلى أحبّكِ وكثيرًا، لكن ليس كما يُحبّ الرجال عادةً النساء، أعني أنّني لا أشتهيكِ بل أرى فيكِ رفيقة وصديقة وحافظة أسرار مُمتازة.

 

ـ صديقة... يا إلهي... لقد أحبَبتُكَ وتخايلتُ نفسي معكَ... أقصد وأنتَ تُقبّلني.

 

ـ أنا آسف لكنّ ذلك لن يحصل أبدًا. إسمعي... أعرضُ عليكِ حياة تحلمُ بها العديدات.

 

ـ مُقابل تمثيل دور الزوجة السعيدة؟

 

ـ مقابل شيء مِن هذا القبيل إلا أنّني سأفعلُ جهدي لإسعادكِ.

 

ـ وسأُحرَم مِن الإنجاب.

 

ـ طبعًا.

 

ـ لا أستطيع القبول، أنا آسفة.

 

ـ فكّري بالأمر، ألا ترَين أنّنا مُتجانسان؟ سأُعطيكِ شهرًا بكامله للتفكير ولكن أودّ رؤيتكِ خلاله كما نفعل الآن. دعينا لا نتكلّم بالموضوع ونتسلّى فقط.

 

كان جهاد يعرف ما يفعله، فهو أخذَني إلى أفضل الأماكن وأمضَينا وقتًا أكثر مِن مُمتع لِدرجة أنّني نسيتُ أنّه مثليّ. هل يُعتبَر الأمر وكأنّ جهاد إشتراني؟ ليس تمامًا. صحيح أنّ ماديّاته لعِبَت دورًا أساسيًّا ولكن كانت هناك مُعطيات أخرى. فجهاد كان بالفعل إنسانًا طيّبًا ومُحبًّا عدا حياته الجنسيّة. باقي الوقت كان فعلاً الرجل الذي أحلمُ به.

وهكذا تزوّجنا وكنتُ بالفعل سعيدة.

 


لَم ننَم في السرير نفسه بل في غرفتَين مُنفصلتَين لكنّنا كنّا نمضي وقتًا طويلاً سويًّا. لَم يدَعني جهاد أشعرُ بحياته الأخرى، بل كان يقولُ لي إنّه سيتأخّر في الشركة أو إنّه ذاهب ليومَين إلى الخارج بداعي العمَل. وكنتُ أعلمُ ما يعنيه بقوله وأرتّبُ وقتي وفقًا لذلك، أي أذهب للقاء صديقاتي أو أقضي ليلة أو إثنتَين عند أهلي.

كنتُ سأظلُّ سعيدة لوقت أطوَل لو لَم تتزوّج أختي الصغيرة وتُنجب طفلة رائعة. ولحظة ما حملتُ إبنة أختي، شعرتُ بعاطفة علِمتُ على الفور أنّها ستُلازمُني حتى آخر أيّامي. حزِنَ قلبي إلى أقصى درجة لأنّني لن أعرف إحساس الأمومة يومًا. وتغيّرَت حياتي، فصرتُ كالمهووسة لا أفكّرُ سوى بالإنجاب. لَم أُفاتح جهاد بالأمر إلا عندما لاحَظَ إحباطي فلَم يعد يُعجبني شيء. كنتُ وكأنّني فقدتُ حواسي كلّها. وبكيتُ أمام زوجي عندما سألَني عن سبب تعاستي الدائمة فقلتُ له:

 

ـ أريدُ طفلاً.

 

لن أنسى اليأس الذي ملأَ عيني جهاد، فكنتُ قد طلبتُ منه الشيء الوحيد الذي لَم يكن قادرًا على تأمينه لي. هو قامَ مِن مكانه وجلَسَ بالقرب منّي وعانقَني وبكَينا سويًّا بصمت. في تلك الليلة، نامَ زوجي بالقرب منّي في السرير وغفَونا كطفلَين تجمعُهما مصيبة واحدة. لَم نتكلّم بعد ذلك بموضوع الإنجاب، وكأنّ جهاد أرادَ بذلك محو الأمر مِن حياتنا وتصرَّفَ وكأنّ شيئًا لَم يحصل. مِن جهّتي، حاولتُ قمع مشاعري لكن مِن دون جدوى. لَم أكن أريدُ فقدان زوجي لأنّني أعرفُ كَم أنّه صادق ومُحبّ، لكن مِن جهة أخرى، كنتُ بحاجة إلى شريك فعليّ يراني كإمرأة ويجعل منّي أمًّا.

بعد حوالي الثلاثة أشهر، وجدتُ مقالاً كان جهاد قد طبعه على الإنترنت يحكي عن التلقيح الإصطناعيّ موضوعًا قرب سريري، وكلمة مكتوبة بيَده تقول: "هذا كلّ ما أستطيع فعله." قرأتُ المقالة وفهمتُ منها أنّ زوجي مُستعدّ لإعطاء سائله المنويّ للأطبّاء الذين سيضعونه بداخلي لإحداث تخصيب. وذلك يجرى عادةً بحال وجود مشاكل في الإنجاب.

العمليّة بحدّ ذاتها لَم تكن سيّئة، إلا أنّني فكّرتُ بذلك الطفل، لو رأى النور. كيف ستكون حياته وسطنا؟ فهو سيُلاحظ حتمًا أنّنا لسنا ثنائيًّا عاديًّا، الأمر الذي سيُؤثّر على توازنه النفسيّ ونظرته إلى الحبّ والزواج. لا يحقُّ لي جَلب إنسان إلى الدنيا لأخرب حياته لاحقًا. لِذا أخذتُ قرارًا صعبًا عليّ وهو تَرك جهاد. كان الأمر سيكون أسهَل عليّ لو أنّ زوجي رجل عنيف أو أنانيّ، لكن ما مِن مرّة جرَحَني جهاد ولو بكلمة أو حركة أو نظرة، بل فعَلَ جهده لإسعادي واحترامي.

بكى جهاد لدى سماعي أطلبُ منه الطلاق. هو لَم يُحاول تغيير رأيي إذ علِمَ أنّني اتّخذتُ قرارًا نهائيًّا لا رجوع عنه.

لَم يُطلّقني زوجي وحسب بل خصّني بمبلغ ضخم ليُساعدني على الإنطلاق بالحياة بعد قضاء ستّ سنوات معه. إلا أنّه جعلَني أقسمُ له بأن نبقى على تواصل مُستمرّ وقد وفَيتُ بِوعدي حتى بعدما تعرّفتُ إلى الذي سيُصبحُ زوجي الثاني وأب أولادي. فلقد فرضتُ على وسيم صداقتي مع جهاد مِن دون أن أخبره عن مثليّته. ولأنّه كان زوجًا رائعًا معي، إخترعتُ سببًا وجيهًا لطلاقي وهو أنّ جهاد عاقر وأنّه الذي أعطاني حرّيّتي لأعيش الأمومة. كان ذلك حقيقيًّا بطريقة ما، فأنا مُتأكّدة مِن أنّه كان سيُطلّقني يومًا مِن تلقاء نفسه لإسعادي.

أظنّ أنّ ما كان بيني وبين جهاد كان حبًّا حقًّا، ربما مِن نوع آخر، لكنّه كان حبًّا. قد لا يفهمُ الأمر مَن له أفكار مُسبقة عن المثليّة والرجولة، لكنّني أنا التي عشتُ تلك التجربة لذا بإمكاني التكلّم عن الأمر بعمق وصدق.

وأغرب ما في الأمر، هو أنّني لَم أجد مع وسيم ما كان عند جهاد الذي افتقدتُه ولا أزال. فبالرغم مِن أنّ لدَيّ حياة زوجيّة مُمتازة، إلا أنّني أعلم أنّ وسيم لن يُحبّني يومًا كما فعَلَ جهاد، ربمّا لأنّه تربّى على رجولة معيّنة لا تسمح له بإظهار عواطف قويّة ومجّانيّة في الحبّ.

ماتَ جهاد منذ سنوات قليلة بحادث سَير مؤسف، وأخَذَ معه جزءًا مِن قلبي لن يستطيع أحد إرجاعه لي.

حتى اليوم لا يعرف أحد قصّتي الحقيقيّة، الأمر الذي حمَلَني على الطلب بأن تُكتَب، فيستحقّ جهاد، وهو إسم مُستعار طبعًا، أن يعلم الناس كم كان عظيمًا بالرغم مِن اختلافه وأنّ ما يهمّ فعلاً هو الجوهر وليس الألقاب والتصنيفات.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button