زوجي الثاني أراد ازاحة ابني مِن طريقه

مات زوجي بعد 9 سنوات على زواجنا وتركني وحيدة مع إبننا سامِر الذي كان بأمسّ الحاجة آنذاك لوجود أبٍ يوجّهه ويعطيه القوّة والثقة بالنفس. وكنتُ ولِحسن حظّي قد حافظتُ على وظيفتي بعد الزواج وأصبحتُ أجني راتباً كان سيكفيني أنا وإبني لأنّ زوجي لم يترك لنا شيئاً ربمّا لأنّه لم يعتقد يوماً أنّه سيموت شاباً.

وبدأتُ حياة جديدة وصعبة فإلى جانب حزني العميق على فقدان حب حياتي كان عليّ لعب دور الأم والأب والعمل على ألاّ ينقص شيء لِسامِر مِن الناحية النفسيّة والاجتماعية. وتأثّر ابني بموت أبيه وتراجعَت علاماته في المدرسة ولكنّ المديرة أكّدَت لي أنّ الأمر طبيعيّ وأنّها ستسعى شخصيّاً لإعادته إلى ما كان عليه أي الى تلميذ مجتهِد ولامع. وتمنيّتُ أن يكون أهلي إلى جانبي في هكذا ظروف ولكنّهم كانوا جميعاً يسكنون منطقة بعيدة عنّي ولم أكن مستعدّة للإنتقال إلى هناك والبحث عن عمل آخر ومدرسة أخرى لإبني. أمّا بالنسبة لأهل زوجي فكانوا قليلوا العدد ومنشغلين بإعمالهم.

ومضَت حوالي الثلاث سنوات على هذا النحو عندما تعرّفتُ إلى راغب حين جاء ليحضر مؤتمراً نظّمَته شركتنا لعملائها. كان ذلك الرجل وسيماً وثريّاً يملك مؤسّسة ضخمة ويديرها بيد مِن حديد. ورغم قساوته في العمل كان أيضاً رقيقاً ومحبّاً خاصة معي كما اكتشفتُ لاحقاً. وعندما تلاقَت نظراتنا شعرنا نحن الإثنين بإنجذاب كبير لبعضنا وأسرعَ راغب بالسؤال عنّي عند مديري الذي مَدَحَ بي كثيراً ما عزّزَ مِن إعجاب الرجل بي. وفي اليوم التالي وجدتُ عند دخولي الشركة باقة زهور عملاقة على مكتبي وبطاقة تقول: "كل ورود العالم ليست كافية لِمنافسة جمالكِ." في البدء ظننتُها دعابة مِن إحدى زميلاتي ولكنّ المدير دخلَ بعد ثوان وقال لي أنّها حتماً مِن رجل الإعمال الذي سألَ عنّي في المؤتمر وأخبرَني عن الحديث الذي جرى بينهما وأضافَ:

 


ـ السيّد راغب رجل ذات مكانة عالية في عالم الأعمال...

 

ـ ولكنّني لا أعرفه... تقول أنّه كان في المؤتمر البارحة؟

 

ـ أجل... لديّ صوراً معه على هاتفي المحمول... أنظري.

 

وتعرّفتُ إليه فكما قلتُ سابقاً كنتُ قد أعجبتُ به دون أن أعرف مَن يكون. عندها احمرّ وجهي ولاحظَ مديري ذلك فإبتسمَ وقال:

 

ـ السيّد راغب غير متزوّج... أعني أنّه قد ينوي الإرتباط إن وجَدَ التي يبحث عنها.

 

ـ ولكن سيّدي... أنتَ تعلم أنّ لديّ إبناً...

 

ـ وهو أيضاً على علم بذلك... أخبرتُه عن وضعكِ... وهذه الباقة هي الدليل على أنّه لا يأبه للأمر.

 

ـ ما قصدتُه هو أنّني لا أنوي الزواج مجدّداً لكي لا يؤثّر ذلك على إبني... لقد لزِمَه وقتاً طويلاً ليتأقلم على حياتنا الجديدة.

 

ـ قد يحبّ راغب ويعتبره أباً ثانياً له... على كل حال عليكِ المحاولة وليس هناك مِن ضرَر في ذلك... لقد طلبَ منّي السيّد راغب رقم هاتفكِ البارحة ولكنّني قلتُ له أنّ عليّ سؤالكِ أوّلاً... ما رأيكِ؟

 

ـ حسناً...

 

وإتصلَ بي راغب في اليوم نفسه وتكلّمنا لمدّة ساعة على الهاتف شرحتُ له أنّني كنتُ أحبّ زوجي كثيراً وفكرة إستبداله برجل آخر صعبة جداً عليّ ناهيك عن سامِر الذي كان متعلّقاً جداً بأبيه. ولكنّ كل ذلك لم يخفّف مِن حماس راغب الذي كان معتاداً على أصعب التحدّيات. وأصرّ على اللقاء بي وقبلتُ تحت شرط أن يقتنع بأنّنا لن نكون أكثر مِن أصدقاء. وذهبنا إلى مطعم جميل وإستمتعتُ بوقتي معه. وبدأنا نخرج سويّاً بإستمرار حتى أن وقعتُ بغرامه لكثرة لياقته وعاطفته وحبّه لإرضائي. وبعد بضعة أشهر طلبَ أن يتعرّف إلى سامِر وقبِلتُ معه. وعندما قلتُ لإبني أنّ أحداً يريد رؤيته قال:

 

ـ ذلك الذي تخرجين معه؟

 

ـ ومَن قال لك ذلك؟

 

ـ لستُ غبيّاً يا أمّي... في السابق كنتِ تبقَين في المنزل مساءً وفجأة بدأتِ تطلبين مِن جارتنا أن تبقى معي بينما تخرجين أنتِ بعد قضاءكِ ساعات في التبرّج وإختيار ملابسكِ.

 

ـ وهل يزعجكَ ذلك؟ إن أرَدت أن أكفّ عن الخروج سأفعل... ما اريده هو سعادتكَ... الباقي لا أهميّة له.

 

ـ أبداً... أودّ رؤية ذلك الشخص.

 

وجاء راغب مّحمّلاً بالهدايا لي وخاصة لِسامِر وجلسنا كلنّا حول مائدة مليئة بالطعام اللذيذ كنتُ قد حضرّتُه للمناسبة. وبعد رحيل ضيفنا سألتُ إبني عن رأيه به فأجاب: "لا بأس به." وفي لغّة سامِر كان ذلك يعني أنّه موافق على راغب. ومنذ تلك الليلة تسارعَت الأحداث فبعد ثلاثة أشهر تزوّجتُ مِن راغب وإنتقلتُ مع إبني للعيش في الفيلاّ الجميلة التي كان يملكها.

في الأسابيع الأولى عشنا حلماً جميلاً نقصد أفضل الأماكن ونشتري الملابس الأنيقة ويأتي إلينا الأصدقاء وكنّا بالفعل سعداء. وكنتُ أنظر إلى سامِر وهو يضحك وأحمد ربّي على وجود راغب في حياتنا. ولكن شيئاً فشيئاً بدأت الأمور تأخذ نحواً مخالفاً تماماً. فصارَ زوجي يشتكي مِن تصرفات إبني التي وحسب قوله كانت فاظة وتنمّ عن شخصيّة مؤذية. وعندما سألتُه عمّا يتكلّم قال لي أنّ سامِر يكلّمه بطريقة إستفزازيّة ويرفض نصائحه. استغربتُ كثيراً للأمر لأنّني كنتُ متأكّدة أنّ إبني يحب زوجي وينظر إليه كمثل أعلى للرجل الناجح والطموح. ووعدتُ راغب أنّني سأكلّم سامِر ولكنّني لم أفعل بل بدأتُ أراقب تصرّفاته لأرى بعَيني.

 


وبعد أن إستنتجتُ أنّ سامِر لطيف مع زوجي على عكس ما قاله رددتُ الموضوع إلى صراع بين ذكران يتنافسان على مكانتهم في المنزل ونسيتُ الأمر. ولكن بعد فترة عادَ راغب يشتكي مِن سامِر:

 

ـ أنظري إلى أوراقي! إنّها ممزّقة بالكامل! لابّد أنّه سامِر!

 

ـ ولماذا تقول ذلك؟ لم يفعل ذلك بحياته!

 

ـ ومَن تظنيّن يمكنه الوصول إلى مكتبي؟ هل أنتِ فعلتِ ذلك؟

 

ـ بالتأكيد لا... ولا سامِر... قد تكون موظّفة التنظيف.

 

وبدأَت الأحداث تتسارع. فيوم كان حاسوبه يتعطّل ويوم آخر يفقد أغراضاً مهمّة. وفي كل مرّة كان يتّهم ابني بأنّه الفاعل. وفي أحد الأيّام سمعتُ صرخة قادمة مِن المكتب وحين دخلتُ الغرفة رأيتُ راغب واقفاً أمام الحائط حيث كان مكتوباً بأحرف كبيرة: "أكرهكَ". نظرَ اليَ زوجي وغادرَ دون أن يتفوّه بِكلمة. وأعترف أنّني في ذلك اليوم أوشَكتُ على تصديق هذه الاتهامات وحزنتُ كثيراً لأنّها كانت دلالة على أنّ سامِر ليس سعيداً معنا وأنّ زيجتي تُربكه. عندها قرّرتُ التكلّم معه:

 

ـ حبيبي... هل مِن شيء يزعجكَ؟... أعني في هذا البيت... أو أحد...

 

ـ أبداً يا ماما... أنا سعيد مع عمّي راغب... لدَيّ ألعاباً جميلة ورفاقاً جدد... ما الأمر؟

 

ـ لا شيء... لا شيء... وهل تذهب إلى مكتب راغب وتعبث في أغراضه الخاصة؟

 

ـ ولِما أفعل؟ قلتِ لي حين إنتقلنا إلى هنا أنّ ذلك المكان محظور عليّ وإمتثلتُ لأوامركِ.

 

ونظرتُ إلى عينَيه ورأيتُ أنّه يقول الحقيقة فمَن يعرف الولد أكثر مِن أمّه؟ وفهمتُ أنّ راغب لا يريد إبني ويتضايق منه بالرغم أنّه صبيّ هادئ ومحبّ. وبعد فترة قصيرة جاء راغب وطلبَ منّي أن نتكلّم على حدىً وقال لي:

 

ـ هذا الصبّي سيفقدني صوابي! لقد حطّمَ أمتعتي ما كلّفَني أيّاماً مِن العمل... أنا رجل مشغول وليس لدَيّ الوقت لهكذا أمور... وإضافة إلى ذلك أنا متأكّد بأنّه يكرهني وهذا الشعور يقلقني.

 

ـ أرى أنّكَ أنتَ الذي يكرهه... إبني شبه ملاك... يلعب في غرفته بصمت عندما لا يكون في المدرسة... لم يطلب يوماً شيئاً ولم يتذّمر ولو مرّة واحدة!

 

ـ هذا أمامكِ... إسمعي هناك حلاً بسيطاً يريح الجميع...

 

ـ تقصد أنّه يريحكَ أنتَ... فأنتَ الوحيد المتضايق هنا.

 

ـ دعيني أكمل... هناك مدرسة ممتازة... بعيدة بعض الشيء مِن هنا لِذا سيضطر سامِر إلى الإقامة فيها... أعنّي أنّها مدرسة داخليّة يتخرّج منها أفضل الناس.

 

ـ تقصد الناس الذين أُريدَ إبعادهم.

 

ـ لا تكوني سلبيّة! وبهذه الطريقة يحصل الصبّي على علم رفيع المستوى وتتوقّف ممارساته ضدّي.

 

ـ إسمعني جيّداً لأنّني لن أقول ذلك مرّتَين... إبني سيبقى معي... إن رحل فسأرحل معه... كنتَ تعلم مِن الأوّل بوجوده وقبِلتَ به... ولو لم تفعل لما تزوّجتكَ... كل ما تملك مِن مال وجاه ونفوذ لا يساوي بالنسبة لي شعرة واحدة مِن رأسه... إيّاكَ أن تظنّ أنّني غبيّة... أعلم أنّ سامِر لم يفعل أيّ مِن تلك الأشياء... وعار عليكَ أن تختلق الأكاذيب عن فتى صغير لم يطلب شيئاً منكَ بل قبِلَ أن تدخل إلى حياتنا... فكرّ جيّداً بالذي قلتُه الآن.

 

ولكن الأمور بيني وبين زوجي ساءَت بعد حديثنا أوّلاً لأنّني فضحتُ خطّطه وثانياً لأنّه لم يكن معتاداً أن يقف أحد في وجهه. وأظنّ أنّه كان يريد التخلّص مِن إبني مِن قبل أن نتزوّج وإعتقَدَ أنّ حبّي له أو لماله سيجعلني أقبل بإرساله بعيداً. وكم كان مخطئاً! وبعد أسابيع قليلة تركنا منزل راغب وعدنا إلى بيتنا القديم. ولكنّنا لم نكَن حزينَين بل بالعكس شعرنا أنّنا رجعنا إلى حياتنا الأساسيّة حيث ننتمي. وعاودتُ العمل في الشركة حيث استقبلَني المدير بأذرع مفتوحة قائلاً:

 

ـ عليّ الاعتذار منكِ... هناك شيئاً لم أقله لكِ عن راغب وهذا لأنّني فعلاً أردتكِ أن تكوني سعيدة.

 

ـ ما هو؟

 

ـ يقال عنه أنّه يكره الأولاد وأنّ سبب بقاءه عازباً طوال كل هذا الوقت كان خوفه مِن أن تحمِل زوجته... ولكنّني إعتقدتُ أنّه بسبب حبّه لكِ سيتقبّل وجود سامِر معه... كنتُ مخطئاً سامحيني.

 

ـ لا تشعر بالذنب فهذه التجربة قرّبَت بيني وبين سامِر وإكتشفتُ إلى أيّ مدى أحبّه... فهو حياتي وفرحتي الوحيدة... ولن يستطيع أي رجل في العالم إعطائي هكذا فرحة.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button