زوجتي سرَقَتني وحاولَت قتلي

كلّ الرجال ليسوا أشراراً وهناك نساء تمتلكنَ قدرة مخيفة على التخطيط للنيل من مرادهنّ وقصّتي خير برهان على ذلك. فبِسبب نور زوجتي، دخلتُ المستشفى لسنين عديدة لأتعالج بعدما كدتُ أن أموت.


كل شيء بدأَ قبل زواجنا، فهي وجدَت فيّ الضحيّة المثاليّة منذ أوّل لقاء. فبِسبب قامتي القصيرة وملامحي الغير متناسقة، لم أكن يوماً جذّباً وكنتُ قد عوّضتُ عن ذلك بِمهارتي في التجارة، الأمر الذي ساعدَني على فرض نفسي وسط الناس وعلى جمع المال الوفير. وحين رأيتُ جمال نور، علِمتُ فوراً أنّ الوصول إلى قلبها سيكون عبر محفظتي، فكيف أقنعُ فتاة كهذه بطريقة أخرى؟ فأسرعتُ بإخبارها عن أحوالي الماديّة لكَي يكون لي فرصة لرؤيتها مجدّداً. وهكذا حصل، لأنّ نور كانت فقيرة ورأَت فيّ المخرج المناسب من القلّة التي لازَمَت عائلتها منذ أجيال عديدة.

لعِبَت بإمتياز دور الحبيبة ولفترة قصيرة إعتقدتُ فعلاً أنّها تحبّني، فطلبتُ يدها من أهلها الذين لم يترددوا على القبول. وإنتقلنا للعيش في الفيلا التي بنيتُها من عرق جبيني وفرشتُها بذوق رفيع. أقمنا حفلة ضخمة للأصدقاء والأقارب وتعرّفتُ على باقي عائلة زوجتي. شخص واحد لفتَ إنتباهي وإسمه جابر وقيلَ لي أنّه إبن عمّ نور. لاحظتُه لأنّه كان يحوم حولها طوال الوقت وكانا يبدوان مقرّبان من بعضهما يتهماسان ويتبادلان النظرات. وحينَ سألتُها عن ذلك الشخص أجابَتني:

- لا تكن سخيفاً... إنّه بمثابة أخ لي... ترعرعنا سويّاً والآن يجد صعوبة على قبول رحيلي عن البيت.

أقنعَتني بجوابها لأنني أيضاً كنتُ مقرّباً من بنت خالتي ولم يكن هناك أي شيء بيننا. وأكملنا السهرة بجوّ من الفرح والبسط. قضينا أوّل شهر بهناء وكنتُ سعيداً أتصوّر باقي حياتي هكذا ولكنّ الأمور كانت ستأخذ منعطفاً آخراً لم يحسب أحد له حساب. كل شيء بدأَ في ذات يوم، حين كنتُ مع نور في السيّارة. كنّا ذاهبين إلى المطعم وكنتُ ككل نهاية أسبوع أحمل معي مبلغاً كبيراً من المال لأضعه في طريقي في المصرف ولا أحد كان يعلم بِاللأمر سوى زوجتي. وعندما توقّفنا على الإشارة الحمراء جاءَت درّاجة ناريّة يقودها رجل يضع خوذة على رأسه وتوقّفَت قرب نافذتي المفتوحة. وبواسطة آلة حادة ضربَني الدرّاج بقوّة على رأسي وفقدتُ وعيي. إستفقتُ في سرير مستشفى ونور إلى جانبي تمسك بِيدي:

- الحمدالله! أخَفتنا جميعاً!

وجاء الأطباء وقالوا لي أنّني كنتُ في غيبوبة دامت أيّام وأنّ الإعتداء سبّبَ لي إرتجاجاً في الدماغ سيزول مع الوقت ولكنّه قد يترك أثاراً على صحّتي. علِمتُ أيضاً أنّ الجاني أخذَ حقيبة المال قبل أن يختفي. لم أستطع إعطاء رجال الشرطة أيّ وصف عنه بسبب خوذته وعندما سألوني إن كان على علم بمحتوى الحقيبة أجبتهم ببراءة:

- لا أظنّ ذلك... كان على الأرجح واقفاً على الإشارة ورأى الحقيبة وأخذَها آملاً أن يجد فيها شيئاً يستفيد منه.

وهكذا إنطوَت حادثة، كنتُ سأتحمّل ذيولها لسنين طويلة. عند عودتي إلى البيت عامَلتني نور بلطف وحنان وأنسَتني ألمي وخسارتي الماليّة وشكرتُ نفسي أنّ السارق لم يؤذيها هي الأخرى. ولكن حين تحسّنَت حالتي بعض الشيء، أخبرَتني أنّ أهلها سيُطردون من شقّتهم لأنّ المالك يريد هدم المبنى وإقامة مجمّعاً تجاريّاً مكانه وبما أنّه ليس هناك من مكان يذهبون إليه طلبَت منّي أن نستقبلهم عندنا في الفيلا:

- حبيبي... المكان كبير هنا ويتّسع لا لعائلة واحدة بل لإثنين... لن يطول الأمر... إنّهم أهلي... أرجوك...


وأمام عينيها الدامعتَين، لم أستطع الرفض مع أنّني لم أكن أحبّذ الفكرة. وإنتقلوا إلى منزلي وكانوا عديدين وجلبوا معهم أمتعتهم وضجّتهم وقلتُ وداعاً لراحتي، خاصة أنّ رأسي كان يؤلمني كثيراً بعد الإعتداء وبدأتُ أشعر بدوخات مفاجئة. والعجيب في كلّ هذا أنّ إبن عم زوجتي أتى أيضاً للعيش معنا، مع أنّه لا يسكن مع أهل نور. أخذتُها على حدى وقلتُ لها:

- ماذا يفعل إبن عمّكِ هنا؟ أليس لديه بيت؟

- بلى... ولكنّه يسكن لوحده وأرتأيتُ أنّه سيكون أفضل معنا كلّنا هنا... أنتَ لا تعرفه جيّداً... إنّه إنسان لطيف وأنا أكيدة أنّكَ ستحبّه كثيراً... لا تقلق سيغادر مع الباقين أعدكَ بذلك.

قبلتُ على مضض ويالَيتني لم أفعل. وهكذا إمتلأ البيت بالناس والأولاد وروائح الطعام وصوت التلفاز والراديو وزادَ صداعي حدّة وبعد شهرين على هذا النحو، أخبرتُ نور أنّني لم أعد أتحمّل الوضع وأنّ عليهم الرحيل لأنّه من الواضح أن أنّهم لا ينوون التفتيش عن مسكن آخر.

- أتريدني أن أرمي أهلي في الطريق؟؟؟ هل أنتَ مجرّد من أيّ إحساس؟

- لا... بل أريد العيش بهناء... هناك مساكن عديدة لِمَ لا يستأجرون أحداها؟ ما المانع؟ أنا لا أفهم سبب مكوثهم المطوّل هنا.

- لأنّهم فقراء! هذا هو السبب!

- سأعطيهم المال لكي يأخذوا شقّة.

- وبعد أن تفعل ذلك كيف سيدفعون الإيجار لاحقاً؟

- ولكنّني لا أستطبع العيش هكذا لا بدّ من حلّ آخر!

- الحلّ الوحيد هو ترحيلهم إلى الخارج... أبي لديه الجنسيّة الكنديّة لأنّه عاش هناك عندما كان شاباً ويمكنه العودة... لو كان لديه المال الكافي... ومن ثمّ سيأخذ باقي العائلة.

- حسناً... كم المبلغ؟

وهكذا بدأتُ أموّل هجرة أفراد عائلة زوجتي الواحد تلوَ الآخر حتى فرغ بيتي أخيراً. وحين ظننتُ أنّ متاعبي إنتهَت، تفاجأتُ بإكتشاف خدعة كبيرة وقعتُ ضحيّتها رغم ذكائي ومهارتي. ففي ذات صباح وأنا ذاهب إلى مؤسّستي، رأيتُ والد نور يقود سيّارة جميلة. في البدء لَم أستوعب ما رأيتُه، فالرجل كان قد سافر إلى كندا منذ فترة وإستقرّ هناك مع الباقين. قررتُ أن ألحقَ به لأتحرّى عن الموضوع. تبعتُه مسافة طويلة حتى وصلَ إلى منزل جميل وحين ركنَ سيّارته خرجَت لإستقباله باقي العائلة. كم ذهلتُ عند رؤية هذا المشهد! لم يغادر أحدهم بل إستعملوا مالي لشراء منزل وسيّارة وأشياء أخرى. رجعتُ فوراً إلى الفيلا لأستوضحَ من زوجتي عن الأمر. وحين وصلتُ تفاجأتُ بإبن عم نور عندنا في البيت. نظرتُ إلى نور وسألتُها بغضب:

- ماذا يفعل هنا؟

- جاء... جاء ليلقي التحيّة عليّ...

- ألا يُفترض به أن يكون قد سافرَ مع الآخرين؟ إسمعي... رأيتُ أهلكِ هنا في البلد ورأيتُ منزلهم الجديد... كيف إستطعتِ فعل هذا بي؟ ألم أكن زوجاً صالحاً لكِ؟ لِمَ الكذب والإحتيال؟


عندها إقتربَ منّي الرجل ونظرَ إليّ بشراسة وفي تلك اللحظة أدركتُ أنّني رأيتُ تلك النظرة من قبل حين إعتدى عليّ في السيّارة فصرختُ:

- هذا أنتَ! لا أستطيع نسيان تلك العيون! أنتَ الذي ضربَني وسرقَني! سأطلبُ الشرطة حالاً!

وقبل أن أستوعبَ ما يحصل، أخذَ السارق مزهريّة كبيرة وضربَني بها على رأسي وكالمرّة السابقة لم أستفيق إلا في المستشفى. ولكنّني لم أجد نور بقربي لأنّها كانت قد فرَّت مع إبن عمّها إلى مكان مجهول. قالَت لي الشرطة أنّهم بحثوا عنهما في كل مكان وإنّهما قد غادروا على الأرجح البلاد بعد أن أخذَت معها صيغتها وكل ما تستطيع بيعه من أشياء ثمينة موجودة في المنزل. قالوا لي أيضاً أنّ الرجل ليس إبن عمّها، بل خطيبها السابق وعشيقها الحالي وأنّهما خطّطا منذ البدء على أن تتزوّج نور منّي ثمّ أن تأخذ كل ما لديّ للعيش معه بهناء حتى لو تطلّبَ الأمر أن يقتلاني.

أمّا بالنسبة للضربة على رأسي فولّدَت عندي حالة مرضيّة مُزمنة. فلقد ضُربتُ مرّتين في نفس المكان ودماغي لم يتحمّل الصدمتين، فبدتُ أشعر إلى جانب الصداع بِحاجة ماسة إلى النوم في أيّ ساعة وأيّ مكان. وبسبب خطورة الوضع لم أعد قادراً على قيادة سيّارتي أو حتى العمل لأكثر من ساعة في النهار ما أثّر بشكل ملحوظ على تجارتي ومردودي وأجبرتُ على بيع الفيلا والعيش بمدخول محدود جداً بإنتظار أن يجدَ العِلم علاجاً لِحالتي.

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button