زوجة سهلة المنال

بعد الفرَح وشهر العسَل، إنتقَلنا للعَيش في الشقّة التي اشترَيتُها لتأسيس عائلة جميلة وسعيدة فيها. مرَّت الأشهر وولِدَ ابننا وسط الفرحة العامّة واعتبَرتُه بِفخر مَن سيحمل اسمي ويُمرّره للأجيال القادمة، فأعطَيتُه كلّ حبّي واهتمامي. لكنّ الظروف الاقصاديّة في البلَد ساءَت بعد حين، وأُنهِيَ عقد عمَلي لأنّ الشركة اضطرَّت مِن تقليل موظّفيها، فوجدتُ بصعوبة عمَلًا آخَر ليليّ. أسِفتُ كثيرًا، إذ أنّني لَم أعُد أرى عائلتي الصغيرة، فبينما كنتُ في البيت كانت زوجي في عمَلها وابني في المدرسة. وعندما يعودان، كنتُ قد ذهبتُ إلى عمَلي الجديد. لكنّ تلك الفترة كانت حتمًا مؤقّتة وكان علينا فقط أن نصبر نحن الثلاثة إلى حين تتحسّن الأمور وتكون لنا حياة طبيعيّة مِن جديد.

لكن في أحَد الأيّام، خلال فرصة نهاية الأسبوع حين كان يتسنّى لي أن أجلِس مع عائلتي، قالَ لي ولَدي إنّه يُريدُ أيضًا هاتفًا محمولًا حديثًا كالذي جلَبتُه لأمّه. تفاجأتُ كثيرًا لأنّ كان لدى سوزي هاتفًا قديمًا ولَم أجلِب لها آخَر. بقيَ ابني مُصرًّا أنّ لزوجتي هاتفًا جديدًا إلى حين سألتُها عن الأمر، فاحمَّر وجهها ونكرَت بقوّة. وإذ بوَلَدي أن دخَلَ غرفتنا وعادَ بالهاتف الجديد وأعطاني أيّاه. كادَ أن يُغمى على سوزي مِن كثرة خوفها وبدأَت تتوسّل إليّ كَي لا أتفحّصه، لكنّني بدأتُ طبعًا أفتَح كلّ التطبيقات الموجودة في الهاتف حتّى اكتشفتُ أنّ زوجتي تتبادَل الكلام مع رجُل. شعرتُ بنار ملأت جسَدي كلّه بلحظة وخفتُ أن أفقدَ صوابي، فأخذتُ الهاتف المذكور وخرجتُ مِن البيت مِن دون أن أقولَ شيء. فآخِر أمر كنتُ أريدُه، هو اقحام ابننا بمشاكلنا الزوجيّة، فما ذنبه إن كانت أمّه خائنة؟

جلَستُ في مقهى وتابَعتُ فحص الهاتف، فقرأتُ رسائل مليئة بالحبّ والشغَف... والكلام الحميم جدًّا! لكن مَن كان ذلك الرجُل؟!؟

جاءَني الجواب أيضًا مِن ابني الذي قالَ لي لدى عودتي إلى البيت:

ـ لقد راحَت الماما منذ قليل عند جارنا بعد أن اتّصلَت به وأخبرَته أنّكَ وجدتَ الهاتف... وأخذَت معها حقيبة يدها وخرجَت بعد أن قالَت لي: "لا تخَف، ستكون بخير، سيعود أبوكَ بعد قليل.

 

شعرتُ بغضب لا يوصَف وركضتُ عند ذلك الجار الذي كنتُ أعرفُه جيّدًا إذ قضَينا أوقات سويًّا وتبادَلنا الأفكار مرارًا. لكن لا شيء فيه دلَّ على أنّه على علاقة مع زوجتي! السافِل! لقد احتضنّاه لأنّه يعيشُ لوحده بعد أن طلَّقَ زوجته... أو أنّها هي التي طلّقَته؟

فتَحَ لي الرجُل بابه وأزَحتُه جانبًا لأجِد سوزي جالِسة على أريكة تنظر إليّ بخوف شديد. صرختُ لها أن تأتي معي لنتفاهَم وهي وقفَت مِن على الأريكة لكنّ الجار أوقفَها قائلًا:

ـ هل تُريدين حقًّا العودة معه؟ فكّري جيّدًا يا سوزي!

 

ـ لستُ أدري... لَم أعُد أعلَم ما أو مَن أُريد... إنّه أب ابني... لستُ أدري!

 

عادَت معي إلى البيت وهي تبكي بصمت. طلبتُ مِن ابننا أن يذهب إلى غرفته وأجلسَتُ زوجتي وسألتُها:

ـ ما الذي يحصل؟ أو بالأحرى ما الذي حصَلَ بينكِ وبينه؟

 

ـ كلام وليس أكثر... شعرتُ بالملَل بينما أنتَ غائب، وهو أعطاني ما كنتُ أفتقِدُ له.

 

ـ كنتُ غائبًا لِجلَب المال لكِ ولابننا! ولقد خنتِ ثقتي!

 

ـ لَم يحصل شيء بيننا، أقسمُ لكَ! مُجرّد كلام عبر الهاتف، صدّقني! أنا آسِفة، سامِحني أرجوكَ! إفعل ذلك مِن أجل ابننا!

 

لَم أجِب، بل طلبتُ منها أن تذهب وولَدنا إلى بيت أهلها لبضع أيّام حالَما أستوعِب بالفعل ما جرى وآخُذ قراري. هي حضَّرَت حقيبة صغيرة لها ولابننا وراحَت إلى أهلها. كانت حزينة لأقصى درجة وشعرتُ بمدى آسَفها على الذي فعلَته لكنّني لَم أكن أعرِف بعد إن كنتُ قادِرًا على نسيان خيانتها لي ولو كانت عذريّة.

بدا البيت فارِغًا مِن دون عائلتي الصغيرة خاصّة عندما حضّرتُ لنفسي طعامي وسط صمت قاتِل. لماذا يا سوزي فعلتِ ذلك؟ وهل كانت بِيَدي حيلة؟ لقد أرغمَتني الظروف على التغيّب عن البيت رغمًا عنّي!

ذهبتُ إلى عمَلي الليليّ، لكن بقلب ثقيل، فلَم أكن أعلَم إن كان زواجي قد دُمِّرَ أو لا. إنتهَت نوبَتي ونزلتُ إلى الكاراج حيث أركنُ سيّارتي، وإذ بي أرى جاري واقِفًا أمامي وعصًا ضخمة بِيَده ونظرة شرّ في عَينَيه. ثمّ هو صرَخ:

ـ لو كنتَ رجُلًا حقيقيًّا لَما إلتجأت زوجتكَ إليّ! أنتَ مُذري حقًّا. هيّا، أرِني رجولتكَ!

 

إنقضَّيتُ عليه كالنمِر، لكنّه كان مُسلّحًا بعكسي، فضربَني بقوّة مرّات عديدة قَبل أن يرحَل ويتركني مُلقىً على الأرض. نهضتُ بصعوبة وصعدتُ بسيّارتي وبالكاد وصلتُ إلى المشفى حيث عالَجوا كسوري. في الصباح عدتُ إلى البيت واتّصلتُ بسوزي قائلًا: "إن كنتِ تُريدين أن أُسامحكِ، فعلينا أن ننقل مكان سكننا". وأخبرتُها ما جرى وهي بكَت طالِبة مرّة أخرى السماح لِما حلّ بزواجنا وبي. رحتُ أمكثُ أنا الآخَر عند أهل زوجتي تفاديًا للمشاكل وأخذتُ اجازة مِن عمَلي إلى حين أشفى تمامًا. هناك، شعرتُ مُجدّدًا بأنّنا عُدنا عائلة كما في السابق ووعدَتني سوزي بأن تكون أفضل زوجة على سطح الأرض.

وجَدَ لنا عمّي شقّة ظريفة وعمَلًا لي بعيدًا عن ذلك الجار القذِر، وقرّرَت سوزي ألّا تعمَل لفترة حيثما تهدأ الأحوال بيننا. قد تظنّون أنّني أختبئ مِن جاري، َلكنّني لَم أكن خائفًا منه، بل لا أريدُ أن أدفَع ثمَن غلطة زوجتي ويصبَحَ ابني يتيمًا. فكان مِن الواضخ أنّ ذلك الرجُل لَم يتقبَّل أن تتركه سوزي وتعودَ لي، فهو اعتبَرها ملكه.

إنتقلنا للعَيش في شقتنا الجديدة بعد أن نقَلنا فرشنا في وقت يكون الجار في عمَله كَي لا يعرف عنواننا، وبدأنا حياتنا مِن جديد. كان ابننا فرِحًا بمدرسته الجديدة لأنّه لَم يكن مُرتاحًا حيث كان لأسباب مُختلِفة. وعلى مرَّ الزمان، بدأنا ننسى ما حلّ بنا، خاصّة أنّ العمَل الذي دبَّرَه لي عمّي كان خلال النهار، أيّ عمَلًا طبيعيًّا.

لكنّ جارنا القديم لَم يكن مُستعِدًّا للاستسلام، بل العكس. فطبعه النرجسيّ حالَ دون تقبّله رحيلنا وافلاتنا مِن قبضته، ففتَّش عنّا في كلّ مكان... ووجدَنا أخيرًا! وذات يوم، عدتُ إلى البيت ولَم أجِد سوزي! كان ابننا عند زميل له رافقَه إلى بيته بعد المدرسة ليقضي معه بعض الوقت، فلَم أعرِف أين هي زوجتي ومع مَن. حاولتُ الاتّصال بها على هاتفها لكنّه كان مقفولًا فخابَرتُ أهلها وكلّ مَن تعرفه، مِن دون نتيجة، ففهمتُ أنّ لجارنا يَدًا في اختفاء زوجتي. لكنّ هل هي رافقَته بإرادتها أو قصرًا؟ فالجدير بالذكر أنّها قطعَت فعلًا كلّ اتّصال به منذ ما إكتشَفتُ العلاقة وتصرّفَت وكأنّها حقًّا تابَت.

إتّصلتُ بالشرطة وبلَّغتُ عن حالة اختطاف، ثمّ قِدمَ مُحقِّق وتفحّصَ المكان وأخَذَ أقوالي. بعد ذلك، رحتُ آخُذ ابني مِن بيت زميله وقدتُ به إلى بيت جَدَّيه بصمت. كلّ ما قلتُه له كان: "أمّكَ وأنا مشغولان قليلًا لبضع أيّام... سيأخذكَ جدّكَ إلى المدرسة وسأزوُركَ كلّ يوم". لكنّه فهِمَ أنّ أمّه ليست في الصورة وسألَني: "هل أنّها رحلَت مع الجار؟". لَم أجِبه.

بحثَت الشرطة عن سوزي ووجدَتها... في بيت جارنا القديم وسُئِلَت عن ظروف اختفائها وإن كانت قد رافقَت ذلك الرجُل قصرًا، وهذا ما قالَته لهم:

ـ لا... بل أحبُّه... هو ليس كزوجي... معه أشعرُ بالأمان وبالحبّ. قولوا لأب ابني إنّني بخير، ولصغيري إنّني لا أزال أمّه وسأتّصل به قريبًا. سأبدأ بمُعاملات الطلاق غدًا، ولن أعودَ لزوجي مع أنّه رجُل صالِح ومُحترَم.

 

إنهارَ عالمَي على رأسي وسألتُ نفسي مئة سؤال عن أسباب تصرّفات سوزي: أين أخطأت، ماذا كانت تُريدُه منّي ولَم أُعطِها؟ ماذا كان يملك ذلك الجار أكثر منّي؟ أطلَعتُ ابني عن الذي جرى وهو لَم يتفاجأ، واكتفى بالقول: "إنّها بلهاء، فهو يضحَك عليها". تفاجأتُ بهذا الكمّ مِن الوعي لدَيه وعانَقتُه مُطَمئِنًا. كنتُ أعلَم أنّنا سنتدبّر أمرنا مِن دون سوزي ونجتاز الصعوبات. طلَّقتُ زوجتي وليس هي، فلا داعٍ للانتظار.

تبادَلت سوزي الاتّصالات مع ابنها لكنّه كان يُنهي الحديث معها بعد أقلّ مِن دقيقة. هي عرضَت عليه أن يعيش معها وعشيقها، إلّا أنّه رفضَ رفضًا قاطِعًا. علِمتُ منه أنّها تتحضّر للزواج مِن جارنا القديم ولَم أزعَل لأنّني كنتُ مُقتنعًِا مِن أنّ تلك المرأة لَم تكن تُناسبُني على الاطلاق.

لكن سرعان ما تبدَّل الحديث مِن جانِب سوزي، إذ أنّها بدأت تحاول أن تعرف مِن ابننا إن كنتُ مُستعِدًّا لإعادتها، ففهِمنا أنّ الأمور لَم تكن جيّدة مع عشيقها. وكنّا على حقّ، إذ أنّها اعترفَت لابننا أنّ ذلك الرجُل تراجَعَ عن وعده لها بالزواج وأنّه يُفضِّل أن يبقيا عشيقَين.

وبعد شهرَين، طرَدَها العشيق مِن بيته قائلًا لها إنّه لا يُريد امرأة خائنة تترك بيتها وولَدَها. ثمّ اتّضَحَ أنّه وجَدَ امرأة أخرى استحوذَت اهتمامه.

سكنَت سوزي عند أهلها الذين رفضوا في البدء استقبالها لكنّني أقنعُتهم بأن يفعَلوا مِن أجل ابني الذي كان لا يزال بحاجة إلى رؤية أمّه وسماع صوتها. وهكذا هو يزورُها بين الحين والآخَر لكنّه لا يُحبّها فعلًا بل أراه يشفقُ عليها.

مِن جانِب آخَر، حياتي وابني سعيدة وبتنا مُقرّبَين جدًّا مِن بعضنا. لَم أُفكِّر بعد بالارتباط مُجدّدًا، فلا أزال أجِد صعوبة بالوثوق بإمرأة وربط حياتي بحياتها.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button