زوج أختي المختل

ما أذكرُه عن أختي مُنى خلال فترة طفولتها، أنّها كانت فتاةً هادئة للغاية تُنفّذ كلّ ما يُطلَب منها مِن دون مُناقشة. والسّبب يعود حتمًا إلى تربية والدَينا لها كونها الإبنة البكر. فمِن المعلوم أنّ الأهل يكونون أكثر تشدّدًا مع الأولاد الذين يولدون أوّلاً ومِن ثمّ يتراخون مع الباقين.

كانت مُنى لِتبقى إنسانة ذات حياة عاديّة لو لَم تلتقِ بإياد. فذلك الشاب إستحوَذَ عليها مِن أوّل نظرة تبادلاها. ومنذ ذلك الحين، خَسرنا مُنى، فلقد هرَبَت مع إياد وتزوّجا مِن دون موافقة ومُباركة أحد. حاولتُ رؤيتها لِتشعر بأنّ أحدًا مِن عائلتها يقفُ بجانبها، إلا أنّ زوجها منعَها ليس فقط مِن إستقبالي لكن أيضًا مِن إطلاعي على مكانها. بقينا مِن دون أخبار منها حتى أن علِمنا بعد حوالي الخمس سنوات أنّها تسكنُ وزوجها في مكان قريب، وأنّهما يستقبلان الناس لقراءة مُستقبلهم. كيف دخلَت أختي في هكذا مجال وهي لَم تكن مؤهّلة لقراءة الغَيب أو أيّ شيء مِن هذا القبيل؟ لا أقصدُ بذلك أنّ أحدًا هو بالفعل قادر على معرفة المستقبل، بل أنّ هناك أناسًا يميلون إلى الأمور الماورائيّة ويُطالعون كتبًا عن الموضوع، ليُصبح ذلك بِمثابة شغف أو قناعة لدَيهم. هل يُعقَل أن يكون إياد هو الذي وجَدَ في التبصير مهنة له؟ لِمعرفة الأجوبة على تساؤلاتي، قصدتُ البيت الذي يسكنان فيه. وفور دخوله، وجدتُ العديد مِن الناس، ومعظمهم نساء، ينتظرون في صالون صغير والهمّ على وجوههم وكأنّهم يسألون أنفسهم إن كانوا سيجدون الخلاص على يد أختي وزوجها.

كنتُ قد لفَفتُ وجهي بِوشاح أسود شفّاف، ولبِستُ نظّارات سوداء كي لا يتعرّف عليّ إياد أو مُنى إن رأياني، فلَم أكن أعلَم أبدًا ما يجري في الداخل. حين جاء دوري، دخلتُ ببطء صالة كبيرة تتوسّطُها طاولة دائريّة وكرسيّان، وفي أحد الزوايا كان هناك ستار كبير خرَجَ مِن خلفه زوج أختي. جلستُ وإيّاه على الكرسيّ، وهو سألَني ما سبب مجيئي له فاخترعتُ قصّة زوج خائن وضرّة شرّيرة. هزّ إياد برأسه وقال:

 

ـ هل تعانين مِن مُشكلة خصوبة؟

 

ـ خصوبة؟ أجل... كيف علِمتَ بذلك؟

 

ـ أوّلاً لأنّني مبصّر، وثانيًا لأنّ العديد مِن الرجال يتّخذون زوجة ثانية لهم بِغرَض الإنجاب. بإمكاني مُساعدتكِ بهذا المجال.

 

ـ كيف؟

 


ـ لِنقُل أنّكِ لا تُنجبين يا سيّدتي... نتكلّم إفتراضيًّا طبعًا... فسندخل سويًّا وراء ذلك الستار ونتركُ الأرواح تتصرّف.

 

ـ لَم أفهم... أيّة أرواح وأيّ تصرّف؟

 

ـ يا سيّدتي... أنتِ لستِ مُراهقة وتفهمين أنّ الخصوبة تأتي مِن تزاوج بين رجل وامرأة... صحيح؟

 

ـ صحيح.

 

ـ الأرواح التي أتعامل معها بإمكانها أن تحلّ مكان زوجكِ لتجعلكِ حاملاً... والنتائج مضمونة 100%.

 

ـ أفضّل التعامل مع إمرأة لو سمحتَ، فالتواجد مع رجل وراء الستار مُحرجٌ بالنسبة لي.

 

ـ سأرسلُ لكِ إذًا زوجتي لتشرحَ لكِ الموضوع بطريقة مُباشرة أكثر، لكن الدخول وراء الستار عليه أن يكون معي. مُنى! تعالي مِن فضلكِ.

 

ظهرَت أختي مِن باب جانبيّ، وجلسَت على الأرض بعيدًا بعض الشيء عنّي بشكل أنّها لَم تتعرّف إلى ملامحي جيّدًا بسبب الوشاح والنظّارات. قال لها زوجها الدجّال:

 

ـ هذه السيّدة تسأل عن عمليّة الخصوبة... إشرحي لها منافعها.

 

ـ مرحبًا بكِ يا سيّدتي... أوّلاً عليكِ الوثوق كلياً بإياد الذي هو مرجع رسمّي لتلك الأرواح ولا يُمكن لأحد غيره أن يُساعدكِ، حتى الأطبّاء منهم، فنحن نجحنا حين هم فشلوا. سنعصبُ عينَيكِ قبل دخولكِ وراء الستار، وسأُلبسكِ رداءً أبيضًا وكأنّكِ عروس. قد يتراءى لكِ أنّ تلك الأرواح تتصرّفُ معكِ وكأنّها بالفعل رجل، ولكن عملها ليس سوى روحانيّ فلا تخافي. لن أبقى معكِ خلال عمليّة التخصيب بل زوجي سيكون حاضرًا في حال حصَلَ أيّ تردّد مِن جانبكِ، أو إمتناع مِن جانب الأرواح التي ترفضُ أحيانًا القيام بعملها، لو أحسَّت أنّكِ غير مُستعدّة للتعاون أو غير مؤمنة كليًّا بها. ولتكون أعصابكِ مُرتاحة خلال عمليّة التخصيب، سأُعطيكِ أقراصًا مُهدّئة لا خطورة فيها بتاتًا، صدّقيني. بالطبع عليكِ دفع مُسبقًا مبلغًا مِن المال ليس لنا بل لإبقاء هذا المنزل مفتوحًا لمَن يحتاجُنا، فهناك مصاريف عديدة متوجّبة علينا.

 

لَم أصدّق أذنيَّ! كانت أختي تقولُ إنّ عليّ ممارسة الجنس مع زوجها وأنا معصوبة العَينَين ومُخدَّرة! كيف وصَلَ الأمر بها لأن تقبل أن تفعل هذا الأمر القبيح الذي هو بمثابة جرم كبير، ومِن أجل أياد؟!؟ هل فقدَت عقلها؟

قلتُ للثنائيّ إنّ عليّ التفكير بالأمر وإنّني سأعودُ حالما أتّخذ قراري، وأسرعتُ بالخروج مِن ذلك المكان النتِن.

عند عودتي إلى البيت رحتُ أختلي بغرفتي. لَم أُخبر أهلي طبعًا بالذي حصل فهم كانوا سيموتون مِن الحزن والعار!

إحترتُ بأمري فقد كانت مُنى ستتعرّف حتمًا إليّ في زيارتي الثانية لذلك البيت، ولَم أكن أريدُ التكلّم معها بوجود زوجها، فكان مِن الواضح أنّه استطاع إقناعها ليس فقط بقبول خياناته لها بل بمساعدته على الحصول على ضحايا ساذجات. لِذا رحتُ أنتظرُ قرب بيت أختي وزوجها لِمعرفة مواعيد خروجهما سويًّا وبمفردهما. وهكذا إستطعتُ اللحاق بمُنى حين راحَت تشتري حاجاتها اليوميّة مِن البقّال. أمسكتُها بذراعها قائلة:

 


ـ تعالي معي، هيّا! لا تُقاوميني وإلا فضحتُكِ أمام الناس!

 

جرَرتُها إلى زقاق مُجاور، وهي مشَت معي لكثرة دهشتها مِن رؤيتي بعد سنوات عديدة. صرختُ بها:

 

ـ أهذا ما صرتِ عليه يا أختي؟ معدومة الأخلاق والإرادة؟

 

ـ عمّا تتكلّمين وماذا تريدين منّي؟

 

ـ أنا السيّدة ذات الوشاح والنظارات السوداء... أعلمُ كلّ شيء عن ممارساتكِ وزوجكِ... عارٌ عليكِ! كنتِ فتاة رصينة ومهذّبة تخافين الله والناس!

 

ـ وما شأنكِ أنتِ؟

 

ـ شأني أنّني أختكِ وأُحبّكِ على خلاف ذلك القليل الذمّة!

 

ـ بل يُحبُّني كثيرًا!

 

ـ هذا واضح للعيان! هو يستغلّ حبّكِ الأعمى له ليحصل على مبتغاه... يخونكِ على مرأى منكِ لا بل بمساعدتكِ!

 

ـ لإياد حاجات جسديّة كبيرة و...

 

ـ لسنا حيوانات بل بشر يا عزيزتي، وهذا هو الفرق بيننا وبين باقي المخلوقات. لدَيه حاجات؟ عليه قمعها مِن أجلكِ، أجل، ومِن أجل حبّه واحترامه لكِ. هذا هو الحبّ!

 

ـ وما أدراكِ بالحبّ فأنتِ لا تزالين عزباء.

 

ـ ما أعرفُه هو أنّني لن أقبلَ أبدًا بأن أكون أداة لأيّ رجل مهما كان السبب! هيّا معي إلى البيت فعليكِ ترك زوجكِ على الفور!

 

عند سماع ذلك، ركضَت مُنى بعيدًا وهي تصرخ: "أبدًا! مكاني مع إياد!"

بكيتُ في تلك الليلة لأنّني أدركتُ أنّني خسرتُ أختي، لكنّني بقيتُ مُصمّمة على إبقاء عَين ساهرة عليها.

لكن بعد أسبوع على مقابلتي لأختي، شبَّ حريق كبير في بيتها وزوجها وبالكاد نجيا منه، وهربا إلى وجهة غير معروفة خوفًا ممّا هو أفظَع بعد أن أحرقَ المكان أناس غاضبون مِن الذي يحصل لتلك النساء. فكان لا بدّ أن يعلم أحد بممارسات إياد ومُنى.

بحثتُ طويلاً عن أختي إلى أن وجدتُها أخيرًا في مدينة بعيدة حيث أخذَت وزوجها بيتًا آخر ليُكملا أعمالهما. عندها أخذتُ قرارًا صعبًا عليّ:

توجّهتُ إلى الشرطة وأخبرتُهم بكلّ ما أعرفُه، وعقدتُ معهم إتّفاقًا مفاده ألا تُلاحَق مُنى بل إياد فقط مقابل إعطائهم مكان تواجدهما. بعد ذلك، أرسلَت الشرطة شرطيّة إدّعَت أنّها تُعاني مِن العقم ليقبضوا على إياد بالجرم المشهود.

دخلَت الشرطيّة معصوبة العَينين وراء الستار بعد أن بصقَت سرًّا حبّة المُهدّئ. تمتَمَ أياد كلمات "سحريّة" لمُناجاة الأرواح، ومِن ثمّ انقضَّ عليها بِغرَض اغتصابها لكنّها استطاعَت الإفلات منه وضربه وطرحه أرضًا بفضل خبرتها بالفنون القتاليّة. وفجأة دخَلَ رجال الشرطة وقادوا إياد إلى التحقيق وأنا أخذتُ أختي مِن الباب الخلفيّ إلى بيتنا.

لَم تقبَل مُنى الإدلاء بِشهادتها ضدّ زوجها وبقيَت تُدافعُ عنه إلى أن سُجِنَ. عندها غاصَت في كآبة عميقة وقضَت وقتها تهتفُ بإسمه إلى أن أجبرناها على الخضوع لعلاج نفسيّ. هذا كان شرط الحكومة على عدم مُلاحقتها قانونيًّا وأنا كنتُ مُصرّة على تجنيب أختي السجن.

بعد فترة، فهِمَت مُنى كيف أنّ زوجها لعِبَ بها وبِعقلها واستغلَّها لأقصى درجة، وأنّ ذلك كان بعيدًا كلّ البعد عن مفهوم الحبّ. إقتنعَت أختي بِرفع دعوى طلاق ضدّه لكنّني أشكُّ بأنّها لا تزال تحبّه. سأعرفُ الحقيقة بعد سنوات قليلة، أي عندما يخرجُ إياد مِن السجن، لكنّني سأظلُّ بالمرصاد له ولن أدَعه يؤذي أختي مِن جديد أو أيّة إمرأة أخرى.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button