ركضت وراء الحب على حساب حياتي

إنتهى بي المطاف بالزواج مِن التي لَم أكن أحبُّها ورضيتُ بقرارات عائلتي التي رأَت بحبيبتي انسانة غير جديرة بحَمل اسمنا العريق. تركتُ أميرة على مضض وخطبتُ سارة، إبنة تاجر ثريّ. بكيتُ في سرّي وسافرَت أميرة بعد أن قبِلَت بأوّل عريس تقدَّمَ لها. عندها أدركتُ أنّ حياتي قد تغيّرَت إلى الأبد وأنّني لن أعرف السعادة الحقيقيّة يومًا.

حياتي مع سارة كانت مُملّة ولا طعم لها إذ أنّني كنتُ مُنهمكًا عن قصد في ادراة الشركة العائليّة وهي مشغولة بأعمالها الخيريّة وأصدقائها الذين كانوا يُشبهونها أيّ أنّني لَم أتّفق معهم بتاتًا أو أشاطرهم نشاطاتهم. شعرتُ بالوحدة المُطلقة حتى بعدما أنجَبنا ابننا ومِن ثمّ ابنتنا. فبعد أن أُلاعبَ ولدَيّ ويذهبان إلى النوم، كنتُ أجلسُ في الصالون مع زوجتي مِن دون أن نتبادل حتى الكلام. للحقيقة لَم أكن أعلم إن كانت زوجتي تُحبُّني، فهي لَم تُبدِ يومًا أي عاطفة تجاهي بل كانت تقومُ بواجباتها الزوجيّة معي وكأنّها بالفعل واجبات. مِن جهّتي، حاولتُ التقرّب منها على أمل أن أشعر بشيء ما تجاهها لكنّ برودتها أبعدَتني عنها. كان مِن الواضح أنّها هي الأخرى نفّذَت ما أملى عليها أهلها.

سألتُ نفسي مرارًا كيف أنّني خضعتُ لرغبة عائلتي هكذا، فلستُ مِن النوع السهل بل أتمتّع بشخصيّة مُستقلة. وجدتُ أنّ أهلنا يُدرّبونا طوال سنوات على إطاعتهم مُستعملين أحيانًا أساليب ضغط كالمال والجاه والأصول. رضيتُ بمصيري فعملتُ جهدي لتأمين مُستقبل ولدَيّ كما فعَلَ أبي مِن قبلي لي، وخطَرَ ببالي أن أسأله إن كان قد تزوّجَ أمّي عن حبّ. وهذا ما قالَه لي:

 

ـ في عالمنا تتفوّقُ المصالح على العواطف يا بني... لدَينا مسؤوليّة جسيمة وهي الإستمراريّة لإسمنا وأعمالنا وثروتنا. تزوّجتُ مِن أمّكَ تمامًا كما أنتَ تزوّجتَ مِن سارة، وسارَت الأمور بيننا على ما يرام... أعتقد.

 


ـ لَم أرَكَ يومًا تُدلّعُ أمّي أو هي تفعل.

 

ـ صحيح... صحيح... وهذا مؤسف للغاية... لكن هكذا هي حياتنا، الأعمال قبل كلّ شيء.

 

ـ سؤال أخير يا أبي... هل أنتَ سعيد؟

 

ـ سعيد؟ أستطيع القول إنّني لستُ تعيسًا.

 

عندها أدركتُ أنّ حياتي كلّها ستكون كما هي الآن وشعرتُ بحزن عميق. فكّرتُ بأميرة وكيف أنّ القطار فاتَني، قطار الحبّ والسعادة.

في صباح اليوم التالي وصلَتني مُكالمة لَم أتوقّعها أبدًا: كانت حبيبتي، حبّ حياتي والتي سكَنت قلبي ولا تزال، قد وجدَت رقم هاتفي وتُريدُ الإطمئنان عليّ. بدأَت دقّات قلبي تتسارَع، خاصّة بعدما علِمتُ أنّها موجودة في البلد لأيّام معدودة وتودّ رؤيتي. وبالطبع قبِلتُ! فكيف لي أن أدَع هذه الفرصة الذهبيّة تفوتُني؟

أخذتُ معي باقة ورد ووافَيتُ أميرة في ذلك المقهى. عانقتُها بقوّة واحمرَّ وجهها. سألتُها إن كانت سعيدة حيث هي ومع زوجها، لكنّها لَم تُجِب بل اكتفَت بالقول: "لدَيّ ثلاثة أولاد وأحبُّهم كثيرًا". وأنا تمتمتُ لها: "أنا آسف... سامحيني". جلَسنا صامتَين لدقائق طويلة، ومِن ثمّ شربنا القهوة وغادرَت أميرة بعد أن أخبرَتني أنّها ستزورُ البلد كلّ ثلاثة أشهر. فهمتُ قصدها وأجبتُ: "سأكون على الموعد في كلّ مرّة".

وهكذا بدأَت علاقتي مع أميرة السرّيّة التي لَم يكن يجب عليها أن تكون إلا علنيّة وشرعيّة.

كنّا نلتقي في فندق صغير ونعيش حبنا وكأنّنا زوجان، ليس فقط مِن الناحيّة الجسديّة بل أيضًا عاطفيًّا وفكريًّا. حجّتي لزوجتي كانت سفرات إلى الخارج، فكنتُ في كلّ مرّة أحزمُ حقيبة وأطلبُ سيّارة إلى المطار لأعود وآخذُ أخرى إلى الفندق. لَم أعتبِر ذلك خيانة فلستُ واثقًا مِن أنّ ما كنتُ أفعله كان حتى سيّئًا. أميرة هي الأخرى اعتبرَت لقاءاتنا نوعًا مِن إعادة الأمور إلى مكانها الحقيقيّ، فكان مِن المُتّفق عليه سابقًا أن نتزوّج ونكون لبعضنا.

أقسمُ بأنّ تلك الأوقات السرّيّة كانت الأجمل في حياتي وشعرتُ خلالها أنّني حيّ حقًّا. ذقتُ طعم السعادة أخيرًا وتمنَّيتُ لو يدومُ ذلك الوضع إلى الأبد. فكلّما تنتهي "إجازتي" كنتُ أودّع حبيبتي والدمع يملأ عَينيّ وأتوسّلها بأن تعود إليّ بسرعة.

أمّا بالنسبة لسارة، فكانت تستقبلني بجفاف وكأنّها مُستاءة مِن عودتي مِن السفر. هي لَم تكن حينها تعلم بلقاءآتي بأميرة. لكن عندما فعلَت، تغيّرَت الأمور بشكل لَم أتصوّره مُمكنًا.

 


ردّة فعل زوجتي على كذباتي بشأن سفراتي لَم تكن بدافع الحبّ، فهي لا تكنّ لي أيّ شعور، بل بسبب إسمها ومكانتها. فلقد ورثَت مِن أبيها الكبرياء والتشاوف ولَم تستوعب أن يغشَّها زوجها. لَم أكن فخورًا بعلاقتي بأميرة مِن الناحيّة الأخلاقيّة، لكن كان مِن الممكن أن تكتفي سارة بطلب الطلاق وتوجيه بعض الكلمات القاسية لي. لكن أن تحكمَ بالموت عليَّ؟!؟

لَم يظهر على زوجتي أيّ تغييرٍ كان، ربمّا لأنّها كانت دائمة البرودة والجفاف معي، لكنّ بركانًا كان يغلي بداخلها. وهي قامَت، بمساعدة أبيها، بكلّ الإجراءات اللازمة لحذفي مِن عالم الأحياء. علِمتُ لاحقًا أنّها طلبَت أن يأتوا لها بجثّتي أو على الأقل بصورة عنها لتبصقَ عليها. ألَم يكن مِن الأفضل أن تحبَّني سارة ولو قليلاً وتُنسيني أميرة؟

وذات يوم، وأنا في مرآب المبنى، شعرتُ بألم شديد في صدري ومِن ثمّ لا شيء. وعندمت فتحتُ عَينيَّ، كنتُ قد خرجتُ للتوّ مِن غرفة العمليّات بعد أن أخرجوا مِن صدري رصاصة رسَت قرب قلبي بمسافة لا تُذكَر. عانَيتُ كثيرًا في المشفى، فكانت حالتي دقيقة ولَم أفهَم مَن أطلَقَ الرصاصة عليّ ولماذا. فالجاني لَم يأخذ محفظتي أو حتى ساعتي الثمينة أو سيّارتي. جاءَ المفتّش إلى غرفتي وسألَني مئة سؤال لَم أجد لها أيّ جواب. لَم تأتِ سارة لزيارتي، الأمر الذي وجدتُه غريبًا فهي كانت تَعلّقُ أهميّة كبيرة لِما يقوله الناس. لكن، للحقيقة، كانت جدًّا مُستاءة أنّ خطّتها فشلَت ولَم تعُد قادرة على التمثيل أمامي. عدتُ إلى البيت أخيرًا بعد أن ساعدَتني رسائل أميرة المُشجِّعة ووعودها بالمجيء إلى البلد قريبًا. بالكاد نظرَت زوجتي إليّ وأشارَت بإصبعها إلى غرفة الضيوف قائلة: "لقد أعددتُ لكَ غرفتكَ الجديدة، جميع أغراضكَ هناك". عندها فهمتُ أنّها على علم بما يجري بيني وبين حبيبتي. في الليلة ذاتها أخذتُ أفكّر باحتمال أن تكون سارة وراء مُحاولة قتلي، لكنّ الفكرة كانت أقرَب إلى الأفلام الأجنبيّة مِنها إلى الحقيقة. بعد ذلك اليوم، لَم أعد أجد النوم أو الراحة، فكيف لي أن أعيش مع مَن قد يُدبّرُ لي الموت؟ أطلعتُ أميرة هاتفيًّا على شكوكي، وهي قرّرَت أن نكفّ عن اللقاء ولو لفترة وألغَت تذكرة سفرها، الأمر الذي أحبطَني، فكنتُ بحاجة إلى دفئها وحنانها بعد الذي مرَرتُ به. عندها فقط قرّرتُ إخبار أبي بمخاوفي، أي أنّ زوجتي تُريدُني ميّتًا ولماذا.

سَكَتَ والدي مُطوّلاً ثمّ قال: "سأتدبّر الأمر... إحزم أمتعتكَ، سأُرسل لكَ مَن يأتي بكَ إلى هنا."

بعد يومَين على التمام، زفّ لي أبي الخبر السار:

 

ـ لَم يعُد هناك ما نخشاه... ستُطلّق سارة وتدفع لها مبلغًا كبيرًا للتعويض لها عن خيانتكَ... فالمال غالبًا ما يمحي الإهانات... أخذتُ وعدًا مِن أبيها بألا يتعرّض لكَ أحد.

 

ـ كيف توصّلتَ إلى هكذا اتّفاق سريع ومُرضٍ؟!؟

 

ـ المصالح يا بنَيّ... أعرفُ معظم أعضاء مجلس إدارة عمّكَ، إضافة إلى مَن له نفوذ في البلد، ولا يُناسب أب زوجتكَ أن تدخل سارة السجن ويخسر مُساهميه.

 

- إسمَع... لولا يقيني بأنّ كلّ ما حصل هو بشكل ما بسببي، لمَا قبلتُ بمساعدتكَ، فبالرغم مِن أنّني لَم أتزوّجَ أمّكَ عن حبّ، لَم أخُنها ولو مرّة. والإنسان الذي يعمل جهده كي لا يُخطئ لا يخافُ مِن شيء. ليكن ذلك بمثابة درس لكَ. وإن كنتَ تحسب أنّكَ قادر على مواصلة علاقتكَ بأميرة بعد طلاقكَ، فتذكّر أنّها لا تزال مُتزوّجة وأنّني لن أحميكَ مِن زوجها.

 

كان كلام أبي أكثر مِن واضح، لِذا أطلعتُ أميرة على نيّتي بعدَم رؤيتها مُجدّدًا إلا اذا حصَلَ أن تحرّرَت مِن زوجها يومًا. وهي بكَت كثيرًا لكنّها فهمَت أنّ كلّ شيء انتهى بيننا.

إنتظرتُ أميرة لسنوات لكنّها بقيَت مُتزوّجة لِذا أزحتُها نهائيًّا مِن حياتي. حينها فقط إستطعتُ فتح قلبي لأخرى، وأنا اليوم رجل سعيد مع إنسانة أحببتُها فعلاً. ولقد استوعبتُ أنّ حبّي لأميرة كان بالحقيقة ذكرى حقبة جميلة مِن حياتي أردتُ ابقاءَها حيّة أطوَل مدّة ممكنة، وسألتُ نفسي ماذا لو التقَيتُ بأميرة لأوّل مرّة وأنا في سنّي اليوم، هل كنتُ لأحبّها؟ لستُ أدري والأمر لَم يعد مهمًّا، فلقد هدَرتُ الكثير مِن السنوات، وكدتُ أن أفقد حياتي وحان الوقت لأستمتع أخيرًا بالسعادة التي أنا فيها.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button