رفضّت أن أصدّق أن زوجي شاذ!

في كل مبنى سكني هناك مشاكل بين الأهالي تكون غالباً حول موقف سيّارة أو تصليحات أو حتى حساسيّات شخصيّة ولكن ما حدث لي لم يكن أبداً بالحسبان.

عندما إنتقلنا أنا وزوجي إلى تلك الشقّة كنتُ فرحة جدّاً أن يكون لي مكان خاص بي بعدما عشتُ سنين طويلة أتقاسم غرفتي مع إختيّ، وزادت فرحتي حين جاءت جارتي إيمان لتتأهّل بنا فكانت من عمري تقريباً وإستلطفتُها من أوّل لحظة. كانت تسكن لوحدها بعدما مات زوجها بحادث سيّارة سنة فقظ بعد زواجهما ما زاد من محبّتي لها.

بدأنا نمضي أوقات فراغنا سويّاً خاصة أنّ زوجي نبيل كان يعود متأخراً من عمله حتى أصبحَت خلال وقت قصير أعزّ صديقة لي. وكان نبيل ممنوناً من تلك الجارة لأنّها كانت تسلّيني وتساعدني على تحمّل أوقات عمله الطويلة.    

ولكن ساءت الأحوال بيني وبين أيمان فجأة ففي ذات صباح قرعتُ بابها لأدعوها إلى صبحيّة في بيتي كما كنتُ قد فعلتُ مراراً ولكن هذه المرّة فتحَت لي الباب وبدا عليها علامات الإنزعاج:

 

- ماذا تريدين؟ دعيني وشأني!

 

وأقفلت الباب في وجهي. فوجئتُ كثيراً بِردّة فعلها ولكن قلتُ لنفسي أنّها ربّما تعاني من صداع أو أزمة ما وتريد أن تبقى لوحدها. وفي المساء إلتقيتُ بها صدفة في مدخل البناية مع رجل لم أراه من قبل وقالت له عندما رأتني:

 

- ها هي!

 


نظر إليّ بغضب وأراد أن يقول لي شيئاً ولكنّها منعته من ذلك ثم خرجا سويّاً.

إنتظرتُ أن يعود زوجي من العمل لأخبره بما حدث. قال لي:

 

- لم أحبّ تلك المرأة يوماً ولكن تحمّلتُ وجودها من أجلكِ فقط. أنّها إمرأة سيّئة فهي تسكن لوحدها وأرى رجالاً كثر يأتون لزيارتها في الليل. أظنّ أنّه من الأفضل أن تقطعي علاقتكِ بها.

 

- لم تقول عنها هذا؟ لطالما أحببتَ رفقتها والتحدّث معها ولم أرى أحداً عندها أو حتى معها سوى ذلك الرجل اليوم. أرجوك لا تسيء بسمعتها.

 

- أنا رجل وأعرف النساء جيّداً وفهمتُ فور رؤيتها من أي صنف هي. لا أريدكِ أن تتكلّمي معها بعد الآن.

 

- هذا شيء أقرره أنا فأنا قادرة على الحكم على الناس بنفسي. إن كان مجيئها إلى البيت يزعجكَ فلن أدعوها إلى هنا وهذا كل ما سأفعله في الوقت الحاضر.

 

- تفضّلينها عليّ؟  

 

- أبداً حبيبي ولكن أنا أحبّ رفقتها وسأحاول معرفة سبب هذا التغيير المفاجىء.

 

وفي الصباح بعثتُ رسالة من هاتفي إلى جارتي أسألها إن كانت بخير ولكنّها لم تجب. فقررتُ أن أدعها وشأنها بضعة أيّام متأكّدة أنّها ستتصل بي عندما تتحسّن.

ولكن علمتُ من الناطور أنّها قررَت الرحيل من هنا وأنّها تفتّش عن شقة أخرى. عندها قررتُ أن أدقّ بابها لأستفسر عن أسباب قرارها هذا. وعندما لم تفتح لي صرختُ لها من أمام الباب:

 

- أعرف أنّكِ هنا فسيّارتكِ في المرآب ولن أرحل من هنا قبل أن أراكِ وأتكلّم معكِ حتى لو لزم الأمر أن أبقى مكاني حتى الغدّ!

 

مرّت دقائق طويلة ثم فتحت بابها. كانت مستاءة جدّاً وقالت لي والدموع تملأ عينيها:

 

- عندما قدمتِ إلي البناية خلتُ أنّني سأجد فيكِ الصديقة التي كنتُ أنتظرها ولكن إكتشفتُ أنّكِ إنسانة عديمة الأخلاق لا قيَم لديكِ ولا مبادىء. إنني راحلة من هنا فقط لكي لا أرى قباحتكِ.

 

لو لم تكن علامات الغضب ظاهرة على وجهها لظننتُ انّها تمازحني. لم أفهم ما كانت تقول كل هذه الأشياء عني فلم أفعل لها شيئاً. هل فقدت عقلها؟

حاولَت إقفال الباب بوجهي مرّة أخرى ولكنني لم أدعها قائلة:

 

- سمعتُ ما لديكِ والآن دوركِ أن تسمعيني. أنا لا أعلم بتاتاً عمّا تتكلّمين فلم أؤذيكِ يوماً بل بالعكس أحبّكِ كثيراً وأعتبركِ كأخت لي. ما الأمر تكلّمي!

 

- بما تريدينني أن أبدأ؟ بزوجكِ الشريف الذي يأتي في المساء ويحاول إقناعي بأن أقيم علاقة معكما الإثنين أو عنكِ لأنّكِ موافقة على هذا؟ أنتم ثنائي شاذ وعليكما أن تتعالجا!

 

- ماذا تقولين؟؟؟؟؟ أنتِ المجنونة لإختلاق قصّة كهذه! زوجي يحبّني كثيراً ولستُ من اللوات تفعلن هذا الشذوذ!

 


- عندما صدّيتُه صفعتُه وقلتُ له أنّني شريفة لا أقيم علاقات من هذا النوع وأنّكِ صديقتي فأجاب أنّكِ أنتِ التي قلتِ له أن يأتي إليّ وأنّ الفكرة تثيركِ جدّاً وأنّكما تفعلان هذا دائماً كلعبة جنسيّة.  

 

- أنا لا أصدّقكِ! كان نبيل على حق عندما قال أنّكِ إمرأة منحلّة أخلاقيّاً. أخبرني عن كل الرجال الذين يقصدونكِ في الليل.

 

- وكيف علمَ بالأمر وأنا أسكن فوقكم؟ عزيزتي أنا لم أستقبل رجلاً واحداً في بيتي منذ وفاة زوجي سوى أخي الذي رأيته معي منذ بضعة أيّام وقد جاء ليساعدني على الإنتقال من هنا بعدما أخبرته بما يجري.

 

كانت محقّة بشيء: كيف علم نبيل بمجيء هؤلاء الرجال ولماذا كل هذه الإساءة المفاجئة لسمعة جارتنا؟ ولكنني بقيتُ مصرّة على عدم تصديقها.

ورحلَت إيمان وشعرتُ بفراغ كبير. لم أخبر زوجي بما قالته عنه ولكن في داخلي نمَت بذور الشك. هل كان هناك إمكانيّة ولو ضئيلة أن تكون صادقة في أقوالها؟ هل تزوّجتُ من إنسان كاذب ومنحرف؟

جاءني الجواب بعد شهرين من الناطور. كنتُ قد عدتُ من السوق فطلبتُ منه أن يساعدني في حمل الأكياس. قال لي:

 

- سيأتي أناس جدد للعيش في شقّة السيّدة أيمان... آمل أن يكونوا مثلها...كانت إنسانة طيّبة والجميع كان يفتخر بوجودها هنا فبعد موت زوجها لم تعد تستقبل أحد... حتى زوجكِ بقيَ واقفاً على الباب مراراً ولم تدعه يدخل.

 

- زوجي؟ لا بدّ أنّكَ مخطىء. لم يذهب ليراها أبداً. ولِمَ يفعل فهو لم يكن يستلطفها حتى.

 

- سيّدتي... أنا الناطور وأرى وأسمع كل شيء... حتى أنني سمعتها تصرخ به وتقول:"إنّها صديقتي!".

 

هنا أدركتُ أنّها لم تكن تكذب. شكرتُ الناطور على حمله الأكياس وذهبتُ فوراً إلى غرفتي أبكي بمرارة فكنتُ قد فقدتُ زوجاً وصديقة في آن معاً. وعندما عاد نبيل في المساء واجهته بما أعرفه ولكن لم أتوقّع أبداً ردّة فعله فبدلاً أن يعتذر ويحاول تبرير ما فعله إقترب منّي وبدأ يداعب شعري قائلاً:

 

- ألن يكون جميلاً أن نمارس الجنس مع أيمان؟ كنتُ أراقبكما سويّاً تضحكن وتجلسن معاً فبدأت الفكرة تنمو في رأسي حتى أنّها أصبحَت هاجس عندي وقررتُ أن أعرض الفكرة عليها ولكنّ السافلة رفضت بقوّة حتى أنّها صفعتني. لا تأسفي حبيبتي سنجد إمرأة أخرة.

 

- هل فقدتَ عقلكَ؟؟؟ من قال لكَ أنني أريد فعل هذا أو أنني أرضى حتى أن تكون أنتَ أيضاً تريده؟ ما هذا الشذوذ؟ هل هذا هو مفهومكَ للحب ولممارسة الحب بين زوجين؟ أنتَ مريض... أفهم أن للمرء أحياناً أحلام جنسيّة ولكنّها تبقى خياليّة أو أنّ الشريك الآخر يكون على الأقل على علم وموافق ولكن أن تذهب إلى الجارة وتطلب منها ممارسة الجنس معنا وتقول لها أنّ هذا ما أريده فلا! المسكينة غادرت المبنى من جرّاء وقاحتكَ ولم يكفيك كل هذا فحاولتَ ايضاً تشويه سمعتها! أيّ صنف من البشر أنتَ؟ وكيف تتصوّر أنني سأقبل أن تلمسني بعد الآن؟ أريدكَ أن ترى طبيباً نفسيّاً وإلاّ فسأترككَ، أفهمت؟

 

- أنا لستُ مريضاً، أنا أحبّ الأشياء المميّزة وأرى أنّكِ من النوع الممل فسأرحل وأبحث عن ما سيعطيني لذّتي.

 

لم أحزن عليه ولم أبكِ حتى عندما طلّقني ربما لأنني إشمأزيتُ منه لدرجة القرف وشكرتُ ربّي أنني لم أنجب منه.

وبعد فترة قصيرة بحثتُ عن إيمان وذهبتُ إليها لأعتذر منها وكانت لطيفة كفاية لتتفهّم الوضع وعُدنا كالسابق في غضون ثوان لأن الصداقة الحقيقيّة تكون أحياناً أفضل من ألف حبّ.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button