دفعت ثمن خيانتي!

لم أعد أجرؤ أن أجيب على الهاتف. كنت أعرف مسبقاً من المتّصل، وهذا الرنين الماكر يشلّ حركتي. إنّه هو، هذا الرجل الذي يفسد عليّ حياتي منذ أشهر. عليّ أن أعترف بأنني أتحمّل جزءاً من الذنب. لقد خنت زوجي وليد، ولست فخورةً بذلك. إنّه لطيفٌ جدّاً معي، ويهتمّ بي كثيراً. لقد لعنت نفسي مئة مرّة لأنّني سبّبت له هذا الألم. توفيق، عشيقي، شابٌ فاتنٌ وشهوانيّ، وقد أدخل بعض التغيير إلى حياةٍ هادئة أعيشها مع زوجٍ يكبرني بـ15 سنة. خطوت الخطوة الأولى ولم يعد بإمكاني التراجع. تذوّقت الثمرة المحرّمة ووجدتها لذيذة. مع عشيقي، كنت أشعر بالحياة، وأجد نفسي جميلة وجذّابة، وأشعر بلذّة العلاقة الجنسيّة.
أمّا مع وليد، فأشعر بالأمان، والعاطفة، والمحبّة. لطالما حسبت أن الوضع المثاليّ سيكون في مزيجٍ من هذين الرجلين. كنت حرّة في الخروج ساعة أشاء، فليس لديّ أولاد أهتمّ بهم. نحاول منذ ثلاث سنوات أن نرزق بأولاد، ولكن عبثاً... حتى إنني شعرت أخيراً بأننا لم نعد مقتنعين بذلك. لا أحد منّا يعاني العقم، وبحسب الأطباء، كلّ ما يمكننا فعله هو التحلّي بالصبر.

ثم بدأت الاتصالات. في البداية، حسبتهم أخطأوا في الرقم، ثم عاود الرجل نفسه الاتصال مرّة أخرى.
- سيّدي، لقد قلت لك إنّك أخطأت في طلب الرقم.
- ربّما لا...
- لا أفهم ما تقصد.
- من حسن الحظّ أن زوجك في عمله الآن.
- لماذا؟
- لأنّ ما أريد قوله له سيغضبه كثيراً.

أقفلت الهاتف. راودني حدسٌ مزعجٌ.
عاود الاّصال. أصبحت نبرته أكثر تهديداً.
- لا تقفلي الهاتف أبداً وأنا أتحدّث إليك، مفهوم؟ وألاّ فستدفعين الثمن... ولا تحاولي إقفال هاتفك الخلوي والاّ اتّصلت بالمنزل فوراً.
- ماذا تريد منّي؟
- أعرف أنّك تعيشين علاقة خارج إطار الزواج. أهكذا يصفون هذه الحالة بتهذيب؟
كاد يغمى عليّ.
- لكن لا تقلقي سيّدتي، أنا أعرف كيف أصون لساني... بالطبع إذا ساعدتني كي ألزم الصمت.
- لا أفهم ما تعنيه.
- بلى تفهمين. أصغي إليّ جيّداً فلن أكرّر كلامي. أعرف أين تلتقيان، أنت وعشيقك. أعرف اسمه، ومكان إقامته، ورقم هاتفه، وكما تلاحظين، أعرف كلّ شيء عنك أنت أيضاً. أراقبك منذ فترة. أعجبتني فكرة التنكّر لكنّها لم تنجح في خداعي.

كنت ألتزم بأقصى درجات الحذر وأنا أتردّد إلى الفندق الذي أصبح شاهداً على هذا الحبّ. كنت أضع نظارة شمسية سوداء وألفّ رأسي بوشاح.
لم يلزمني وقت طويل كي أفهم. أراد ابتزازي. توتّرت أعصابي ولكن كان يجب عليّ أن أبقى هادئة.
- طلباتك؟
- لا تهمّني حياتك العاطفيّة، ولا آبه إذا كان زوجك مخدوعاً. ما أريده هو ثمن صمتي.
- كم تريد؟
- دعيني أرَ. زوجك ميسورٌ، تقودان سيّارات جميلة، مجوهراتك تلمع في الليل... يمكنك أن تخصّصي لي دخلاً صغيراً يحسّن وضعي الماديّ في نهاية كلّ شهر.
- كم تريد؟
- ألف دولار في الشهر.
- هل جننت؟
- لقلّة الوفاء ثمن.
- لن أدفع أبداً هذا المبلغ. لا يمكن أن أطالب زوجي بألف دولار شهريّاً.
- آه بلى، بدل شراء الملابس الداخليّة المغرية لإرضاء عشيقك... ادّخري بعض المال.
- أبداً! اذهب إلى الجحيم!
- حسناً كما تريدين. هذا المساء، عندما يعود زوجك إلى المنزل، سأكون فرحاً بالاتصال به كي أمدح له زوجته الوفيّة.
أقفلت الهاتف مرّةً أخرى. كنت أرتجف من الغضب والخوف. لم أكن أعرف كيف أتعامل مع الوضع. هل آخذ كلامه على محمل الجدّ؟ ماذا لو نفّذ تهديداته؟ ألم يكن حريّاً بي أن أوافق على عرضه؟ لم يكن باستطاعتي معاودة الاتصال به، فقد هاتفني من رقم مجهول.

عاد وليد من العمل حوالى الساعة 7 مساءً، كالعادة. كنت في حالة يرثى لها، ومع ذلك، حاولت أن أحافظ على هدوئي. هاتف زوجي الخلوي على الطاولة في الصالون. عيناي لا تنفكّان تحدّقان به. فجأةً، يلمع ضوء شاشته ويدوّي صوته في الغرفة. ارتجفت رغماً عنّي. أجاب وليد.
- ألو؟ لا، آسف، لست جورج... لا مشكلة.
- من؟ سألته بصوت منخفض.
- لا أحد. أخطأوا في الرقم.
أخذت نفساً عميقاً. كنت متأكّدة من أنّه هو. أراد أن يثبت لي أنّه يعرف رقم هاتف زوجي، وأنّه مستعدّ في أيّ لحظة لإخباره. وفي هذه اللحظة، عرفت أنني لا أقوى على مواجهته.
لم يغمض لي جفنٌ طوال الليل.
في الصباح، سارعت الى الاتصال بعشيقي كي أشرح له الوضع. حاولنا أن نفكّر من عساه يقوم بأمر كهذا، وكيف لهذا الشخص أن يكون على علمٍ بعلاقتنا، وبكلّ هذه التفاصيل. اتّفقنا ألاّ نتقابل في الوقت الراهن.
عاود الرجل الاتّصال بي في النهار التالي.
- إذاً؟ هل أنت مستعدّةٌ الآن للتعاون؟
- نعم.
- حسناً. في بداية كلّ شهرٍ، الساعة 7 صباحاً، ستضعين مغلّف المال في كيس أزرق من النايلون وراء شاحنة البلديّة، ثم تعودين إلى منزلك من دون أن تحاولي اكتشاف هويّتي، والاّ فإنك تعرفين ما هي العواقب...
- حسناً. وإلى متى سأستمرّ في الدفع؟
- إلى الأبد يا عزيزتي، إلى الأبد. وضحك ضحكةً ساخرة...

أدفع له منذ ستة أشهر. تغيّرت حياتي منذ ذلك الحين. عشيقي مفلسٌ ولم يكن باستطاعتي الاعتماد على مساعدته الماديّة. بقيت أهاتفه وأطلعه على كلّ جديد، ولكن في الواقع لم أكن أرغب في التحدّث إليه، ولا حتى في مقابلته. لم يشكّ زوجي في شيء لأنّني استعملت مصروفي الخاص لأدفع هذه المبالغ. خفضت نفقاتي كثيراً، وحرمت نفسي حتى من أبسط الحاجيات. وفي أحد الأيام، طالب بالمزيد. أراد منّي أن أدفع له من الآن فصاعداً ألفي دولار شهريّاً. كاد يغمى عليّ. من أين لي أن أجد مبلغاً كهذا؟ فأنا لا أعمل، ومن المؤكّد أن زوجي سيشكّ في أمري لو طلبت منه المزيد من المال. رجوته أن يعود عن مطلبه ولكنه رفض بكلّ قسوة. كنت أعرف أنّه سيطلب المزيد في أحد الأيّام، وأنني سأصبح عاجزة عن الدفع له.

لم أعد أرغب في الأكل، ولا في الشرب، ولا في القيام بأيّ شيء. تحوّلت إلى جسد هامد. رآني زوجي أضمحلّ أمام ناظريه وقلق كثيراً على صحّتي. ضاعف اهتمامه بي ودعمني معنويّاً دعماً كبيراً. يا لحماقتي! بحثت في أماكن أخرى عمّا أملكه هنا. كيف استطعت أن أؤذي الشخص الوحيد الذي أحبّني فعلاً؟ اصطحبني إلى العديد من الأطباء، وكلّهم أكّدوا له أنّ صحّتي جيّدة، وأنني أعاني على الأرجح من نوبة إرهاق. قرّر إذاً أن يصطحبني لإمضاء عطلة نهاية الأسبوع في الجبل. استأجر شاليه صغيرة أمضينا فيها أوقاتاً رائعة، كما لو كنّا متزوّجين حديثاً. شعرت بسعادة غامرة كادت تنسيني مصيبتي. لكنّني شعرت أيضاً بالخجل لأنّني خنت رجلاً رائعاً لمجرّد أنّني أردت أن أمضي وقتاً ممتعاً، وأن أشعر بأنني جميلة وجذّابة. زوجي أيضاً يجدني جميلة وجذّابة، لكنّني لم أع ذلك.

اقتربت بداية الشهر ولم أكن قد جمعت المبلغ المطلوب بعد. تعبت كثيراً... في أشهرٍ قليلة، انقلبت حياتي رأساً على عقب. كنت أعيش كالملكة، وها أنا الآن أعيش كالعبدة.
هذا المساء، كنت جالسة في الظلمة، ووجهي غارقٌ بين يديّ. تقدّم منّي زوجي، راح يلامس شعري، وسألني:
- ما بك عزيزتي؟
- لا شيء... لن تفهمني...
- حاولي. قد أستطيع أن أساعدك.
- الأمر معقّد. لا أظنّ أنّك قادرٌ على ذلك.
- قد لا يكون الأمر معقّداً. قولي لي ما يزعجك. ماذا ستخسرين؟
- قد أخسرك أنت.
نظر إليّ طويلاً وقال:
- خسرتك في السابق. الآن وجدتك، الآن وجدنا بعضنا.
- لكنّك لن تفهم. ستحاسبني.
- سأفهم وسأسامحك إذا لزم الأمر. هل خذلتك مرّة؟
- لا، أبداً.
- إذاً؟
ارتميت في أحضانه وبحت بكلّ شيء وأنا أبكي على صدره. كان يشدّني إليه، من دون أيّ ردّة فعل. نظرت إليه وقلت:
- يحقّ لك أن تهجرني. أستحقّ ذلك.
- فأجابني بحنان وهو يمسح الدموع عن وجهي: أحبّك وأعرف أنّك تحبّينني. هذه الأمور تحصل مع كلّ الناس، فنحن لسنا معصومين عن الخطأ. كنت أتوقّع ذلك، ورأيت كم عانيت. أنا متأكّدٌ من أنّك لست وحدك المذنبة. فكّرت في ذلك خلال ليالٍ طويلة. هناك جهود لم أبذلها. سنتحدّث بالتفصيل عن هذا الموضوع في وقت لاحق... خلال شهر عسل جديد في البندقيّة.
البندقيّة! حلمت دوماً بزيارتها. رحت أبكي وأضحك في الوقت عينه.
ثم أكمل حديثه بنبرة جديّة قائلاً: "أمّا الآن، فعليك أن تصفّي حسابك مع هذا الرجل الحقير. ستضعين المبلغ في المكان المعتاد لكنّني سأبلّغ صديقي جاك من الأمن العام، وهو سيتصرّف من دون إثارة أيّ فضيحة".

وبالفعل، ألقي القبض على هذا الرجل وهو يأخذ المغلّف. اعترف بأنّه لا ينفّذ هذه العمليّة وحده بل يشترك في تنفيذها مع عشيقي توفيق الذي كان يعطيه كلّ المعلومات وتفاصيل تحرّكاتي. شعرت بالإذلال لكوني أعطيت أغلى ما عندي لرجل حقير استغل جسدي ومالي من دون أن يأبه لمشاعري. تمّ اتّخاذ التدابير اللازمة كي لا يسبّب هذان الأرعنان الأذى للمزيد من الأشخاص، وقد اطَلع أقلّ عدد ممكن من الأشخاص على القضيّة كي لا تثار فضيحة.

رحلتنا إلى البندقيّة كانت مذهلة، وقد اكتشفت بعد عودتنا بفترة قليلة أنّني حامل. تحدّثنا طويلاً خلال هذه الرحلة ووضّحنا العديد من الأمور. وتعاهدنا على ألا نتحدّث مجدّداً عمّا حصل. ابنتنا بلغت عامها الأوّل. سمّيناها أمل...

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button