خلعتُ ثيابي أمام رجل على الإنترنت!

لم أعد أجرؤ على الإجابة كلّما رنّ هاتفي، لأنّني كنتُ أعلم هوّية المتّصِل وفكرة التكلّم معه أو حتى سماع صوته كانت تخيفني. وكنتُ المسؤولة الوحيدة عمّا جرى لي.

كلّ شيء بدأ بسبب الملل، عندما دخلتُ في حديث مطّول مع ياسر على الفيسبوك. وفي ذلك الحين، لم يكن في نيّتي شيء سوى إيجاد مَن له الوقت للإستماع إلى أخباري لأنّ زوجي جميل كان دائم الإنشغال.

وإلى جانب قدرته على التواجد معظم النهار على الإنترنِت، كان ياسر رجلاً وسيمًا وجذّابًا ويجيد الإطراء والكلام اللطيف.

وعلى مرّ الأيّام، باتَ همّي الوحيد خروج زوجي مِن المنزل كي يتسنّى لي التواصل مع الذي أصبحَ يشغل بالي ليلاً ونهارًا.

وكان لدَيّ المتّسع مِن الوقت للجلوس أمام حاسوبي أو هاتفي لأنّني لم أنجِب بعد 3 سنوات مِن المحاولة.

وعلى مرّ الأيّام، أصبحَ كلامي مع ياسر أكثر حميميّة كما يحصل بين الرجال والنساء، خاصة بعدما أخبرتُه عن إهمال زوجي لي عاطفيًا وجنسيًا. صحيح أنّني كنتُ واثقة مِن حبّ جميل لي، ولكنّه لم يكن مِن الذين يُعبّرون عن عواطفهم خاصة أنّه كان دائم الإنشغال والتعب. حاولتُ إقناعه بتخفيف وتيرة عمله، ولكنّه بقيَ مصرًّا على المتابعة بسبب ترقية كان يطمح إليها. وبالمقابل، كان ياسر يعمل في منزله كعَميل بورصة ويتفرّغ لي حين أشاء.

وذات يوم، فتحنا الفيديو واستطعتُ رؤية ياسر أمامي، وشعرتُ وكأنّه بِجانبي وأنّ لا شيء يفصل بيننا سوى شاشة الحاسوب.

وبعد عدّة لقاءات على الفيديو، طلبَ منّي ياسر أن أرتدي ثيابًا أكثر إغراء. في البدء، جابهتُه برفض قاطع ولكنّه عرف كيف يُقنعني:

 

ـ وما الضرر في ذلك؟ إسمعي حبيبتي... أنا رجل ناضج ولستُ مراهقًا يكتفي ببضعة سطور... أحبّكِ وأريدكِ بكلّ جوارحي... لن يراكِ أحدٌ سواي وأعتقد أنّنا أصبحنا مقرّبين كفاية لذلك... لا أستطيع إجباركِ على شيء، ولكن إعلمي أنّني بدأتُ أملّ مِن الأحاديث.

 


وخفتُ أن أخسره وأن يجد أحدًا أكثر جرأة منّي، فقبلتُ أن أرتدي قميص نوم شفاف. وسُرَّ ياسر جدًّا وهنّأني على مدى حبّي له. وظنَنتُ أنّه سيكتفي بذلك. ولكن سرعان ما تزايدَت الطلبات، حتى وصل الأمر بي إلى أن أريه جسدي مِن دون أي شيء عليه.

كيف فعلتُ ذلك؟ ربّما لأنّني كنتُ أثق بذلك الرجل الذي لم يطلب حتى أن يراني شخصّيًا، لأنّه وحسب قوله لم يكن يُريد أن يدفعَني إلى خيانة زوجي. والسبب الثاني كان اعتقادي أنّ ما يحصل على الإنترنِت لا يخرج منه أبدًا. وهنا كانت غلطتي.

ففي ذات يوم عندما رنّ هاتفي وأجبتُ، سمِعتُ صوت رجل يقول:

 

ـ صباح الخير... هل يُمكنني التكلّم مع السيّد جميل؟

 

ـ أنا زوجته وهذا رقمي الخاص... هل لَديكَ رقم هاتفه أو تريدني أن أعطيكَ ايّاه؟

 

ـ لا... لدَيّ رقمه.

 

عندها سألتُه:

 

ـ ما دمتَ تملك رقم زوجي فلماذا اتّصلتَ بي؟

 

ـ أردتُ أن أثبت لكِ أنّني أستطيع الإتّصال بِزوجكِ حين أشأ.

 

ـ العفو ولكنّني لم أفهم قصدكَ.

 

ـ أقصد أنّني أعلم ما تفعلينه على الإنترنِت.

 

سكتُّ مطوّلاً، فلم أكن متأكّدة من أنّه قصَدَ ما يحصل مع ياسر. لكنّه أضاف وكأنّه علِمَ بما أفكّر به:

 

ـ أجل... أتكلّم عن جلسات التعرّي.

 

عندها، ولكثرة خوفي، أقفلتُ الخط بِسرعة.

 

ولكن بعد ثوان رنّ هذه المرّة هاتف المنزل:

 

ـ وأعرف هذا الرقم أيضًا... وأين تسكنين وأين يعمل زوجكِ... لن تفلتي منّي بسهولة... سأتّصل بكِ غدًّا في الوقت نفسه... أنا متأكّد من أنّكِ ستكونين أكثر استعدادًا للتعاون.

 

وأقفل الخط وشعرتُ بِضياع تام. ركضتُ أستفسِر مِن ياسر عن الذي يحدث، ولكنّني لم أعثر عليه: كان قد ألغى حسابه واختفى عن الشبكة. لم أكن أملك حتى رقم هاتفه بل كنت قد اكتفَيتُ بإعطائه رقمي.

وبدأتُ بالبكاء لأنّني أدركتُ أنّني تصرّفتُ بِغباء كنتُ سأدفع ثمنه غاليًا. وسألتُ نفسي عن نوعيّة هذا الثمن، فالرجل لم يقل ما يُريده منّي مقابل سكوته، لذلك انتظرتُ اتّصاله بفارغ الصبر وحاولتُ تماسك أعصابي أمام جميل الذي لاحظ اضطرابي القويّ. إلا أنني تحجّجتُ بوعكة صحيّة فاطمأَنّ بال زوجي.

 


واتّصل بي الرجل وطلبَ منّي مبلغًا شهريًّا لم أكن أستطيع تأمينه له. وكَي يثبتَ لي أنّه لا يكذب عليّ، بعَثَ على هاتفي بلقطة مِن فيديو أظهر به عارية. وكادَ أن يُغمى عليَّ فلم أكن أعلم أنّ باستطاعة أحد حفظ الفيديو. عندها قال لي:

 

ـ هناك تطبيق يُصوّر شاشة الحاسوب وكلّ ما يجري عليها بما فيه مِن فيديوهات... إسمعي... زوجكِ ليس فقيرًا بل يشغل منصباً لا بأس به في شركة كبيرة... وسيّارتكِ باهظة الثمَن ومجوهراتكِ تدلّ على رخاء أكيد... هيّا... ضعي المبلغ في ظرف واتركيه في الحاوية أمام محطّة الوقود في الشارع الموازي.

 

واستطعتُ جمع المبلغ مِن مصروف البيت وفعلتُ كما طلبَ منّي. وكنت في كلّ مرة أسأله عن دور ياسر في هذه العمليّة الإبتزازيّة أو أطلب التكلّم معه، كان يُغيّر الحديث. وأصبحتُ أدفع له كلّ شهر حتى طلبَ المزيد.

عندها علِمتُ أنّني لن أستطيع المواصلة، خاصة أنّه أكّدَ لي أنّه سيظلّ يعيش مِن مالي حتى آخر أيّامه.

ولم أعد قادرة على النوم أو الأكل مِن خوفي أن يأتي أوّل الشهر أي استحقاق الدفع. وكان جميل مشغول البال لا يدري كيف يُخفّف عنّي خاصة أنّه كان يجهل سبب حالتي.

لِذّا قرّرَ زوجي أن يصطحبني إلى فندق في الجبل آملاً أن أشعر بتحسّن، ولكنّه لم يكن يعلم مدى أسفي وشعوري بالذنب تجاهه وتجاه الذي يحصل وسيحصل عندما لن أتمكّن مِن إسكات المبتزّ. وعندما وصلنا الفندق، جلستُ على السرير وبدأتُ بالبكاء كالطفلة. وأخذَني جميل بين ذراعَيه وبدأ يُواسيني، وطلبَ منّي وباصرار أن أقول له عن سبب حزني العميق. عندها قلتُ له:

 

ـ إن علِمتَ السبب ستتركني

 

ـ ولكنّني أشعر أنّني أخسركِ يوم بعد يوم... ما الأمر، حبيبتي؟

 

ـ لا أستطيع القول... ستكرهني

 

ـ هل خذلتكِ يومًا؟ أعدكِ بأن أستمع اليكِ بأعصاب باردة وألاّ أتخذَ أيّ قرار بِمفردي.

 

وأخبرتُه باكية بالقصّة مِن أوّلها. وكما وعَدَني، إستمع إليّ بدون مقاطعتي. بالطبع، كان مستاءً جدًّا ولكنّه بقيَ محافظًا على هدوئه. وعندما إنتهيتُ مِن الكلام قال لي:

 

ـ كنتُ قد لاحظتُ عليكِ تغيّرًا واضحًا... أقصد أنّني شككتُ أنّ لديكِ أحدًا في حياتكِ.

 

ـ ولماذا لم تقل شيئًا؟

 

ـ ماذا تريديني أن أقول حين أترككِ لِوحدكِ طوال النهار وأجلب معي عملي إلى البيت؟

 

ـ يُمكنكَ تركي الآن... هذا مِن حقّكَ... ولكن إعلم أنّني لم أكفّ عن حبّكَ يومًا... كلّ ما أرَدتُه كان بعض الإهتمام... ومِن ثمّ تتالَت الأمور حتى بلَغَت حدًّا لستُ فخورة به.

 

ـ أنا أيضًا أحبّكِ... أنا بحاجة إلى بعض الوقت... لن أستطيع التفكير بوضوح الآن... أنا مستاء جدًّا.

 

وتركَ جميل الغرفة وذهبَ يتنزّه في الجبال ولم يعد إلاّ في الصباح. عند عودته كنتُ لا أزال صاحية، ولكنّني أدّعيتُ النوم خوفًا مِن قراره. خلَعَ ثيابه ودخلَ السرير بِصمت. وفي الصباح لم أجده بِقربي وخفتُ كثيرًا أن يكون قد رحَلَ.

 

ولكن بعد أقل مِن نصف ساعة، دخل جميل الغرفة وبيده باقة زهور. أخذتُها منه مندهشة فقال لي:

 

ـ لن ندَع نذلاً يخرب حياتنا... أليس كذلك؟ صديقي مازن تعرفينه... يعمل في الداخليّة... سأتصل به غدًا وأطلب مساعدته... إنّه رجل كتوم... لن يقول شيئًا... أمّا بالنسبة إلينا... هناك أمور علينا تسويتها... سنذهب في شهر عسل جديد ونقلب الصفحة... سأكون الزوج الذي تريدينه... وأعلم أنّكِ لن تخطئي بحقّي مجدّدًا.

 

وفي أوّل الشهر، إتصل بي مازن كالعادة، وطلب منّي أن أذهب إلى المكان المحدّد وأضع المغلّف في الحاوية وأعود إلى البيت. وحين أتى الرجل لأخذ ماله تمّ القبض عليه. وعلِمتُ مِن جميل أنّ لا أحد سيعلم بموضوع الإبتزاز الحقيقيّ بل أنّ الرجل أعطى سببًا آخرًا بعدما أخَذَ وعدًا بتخفيف جرمه. ولكنّ الشرطة لم تجد ياسر الذي هربَ مِن البلد.

وذهبنا لقضاء شهر العسل وبدء حياة جديدة معًا. وبعد أسبوعَين علِمتُ أّنّني حامل. كان القدر قد أعطانا فرصة ثانية لِنصلح أخطاءنا ونبني العائلة التي لطالما حلِمنا بها.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button