خفتُ أن تقتلني زوجتي

أوّل مرة إلتقيتُ بسعاد أخفَت عنّي أنّها أرملة ولم يخطر على بالي أنّها كانت متزوّجة مِن قبل، ربما لأنّها كانت لا تزال شابة. وعلِمتُ بالأمر مِن أحد أصدقائي الذي كان يعرف زوجها السابق جيّداً بعدما قضوا سنين سويّاً في نفس البلدة ومِن ثمّ أصبحا شركاء في مؤسّسة ضخمة. وبما أنّ علاقتي بسعاد كانت رسميّة أخبرتُ الجميع مَن هي فتاة حياتي. عندها صرَخَ صديقي قائلاً:

 

ـ لقد وجدتَ العروس المثاليّة... جميلة وثريّة!

 

ـ ثريّة؟ لابّد أنّكَ مخطئ... هم أناس عاديّين... ولم أرَ أي عيب في أن أتزوّج منها رغم أحوالي الجيّدة فإرجوكَ ألاَّ تتهكّم.

 

ـ أنا جاديّ... لقد ورَثَت ثروة زوجها كلّها... وحسابها في المصرف قد يوازي حسابكَ.

 

وأطلعَني على ما كان يعرفه عنها وذهبتُ فوراً إلى سعاد لأسألها إن كان ذلك الكلام صحيحاً. فإجابَتني:

 

ـ أجل أنا أرملة وصحيح أنّ لدَيّ بعض المال... لم أخبركَ بالأمر لسبَبَين: الأوّل هو أن بعض الرجال يخافون مِن الأرامل لأنّهم يعتقدون أنّهنَّ فأل بشع عليهم والثاني لأنّني كنتُ قد قرّرتُ فور موت زوجي ألاّ يعرف أحد بشأن المال لأبعد عنّي الطامعين. في كل الأحوال ليس لدَيّ أموال نقديّة فلقد إستثمرتُ كل ما أملك بعقارات عديدة بفضل أخي الذي هو خبير بهذا الشأن ووجدتُ أنّ الحجر والأرض هي أفضل طريقة للإستثمار خاصة أنّني ربّما لن أحظَ بفرصة أخرى لأملكَ شيئاً آخراً.

 

ـ لستُ سخيفاً لأعتقد أنّني سأموت إن تزوّجتكِ ولستُ طامعاً بأموالكِ فلدَيّ ما يكفي وأكثر... تعلمين كم أنّ تجارتي ناجحة... لقد خابَ أملي بكِ.

 

ـ لا تقل ذلك! لستَ إمرأة لِتعلم كم أنّ وضعنا دقيق في هذا المجتمع الذكوريّ... سامحني... أعدُكَ بألاّ أخفي شيئاً عنّكَ بعد الآن.

 

وبالطبع سامحتُها لأنّني فهمتُ ظروفها وكنتُ أحبّها كثيراً. ولأنّني أرَدتُ مدارة شعورها وطَي هذه الصفحة نهائيّاً لم أسألها عن ظروف موت زوجها. وتزوّجنا وبدأت الأيّام والأشهر تتتالى دون أن يحدث شيء يُلحظ سوى أنّني كنتُ سعيداً مع سعاد لأنّها فعَلَت كل ما بوسعها لإسعادي وشكرتُ ربيّ أنّني حظيتُ بإنسانة مثلها. والخلاف الوحيد الذي واجهناه هو مسألة الإنجاب لأنّها كانت جدّ متردّدة ومتخوّفة مِن الأمر:

 

ـ أرجوكَ أن تفهمني حبيبي... عندما ماتَ زوجي الأوّل حمدتُ الله أنّنا لم ننجب وإلاّ وجَدَ ولَدي نفسه يتيم الأب وأنا أرملة مع طفل أعتني به لوحدي.

 

ـ وما دخل ذلك بنا؟

 

ـ أخشى أن... أعني...

 

ـ أن أموت؟

 


ـ لقد مرَرتُ بأوقات صعبة وأصبحَت لدَيّ مخاوف كثيرة... ربمّا مع الوقت سأنسى كل ذلك... كل ما أطلبُه منكَ هو أن تصبر حتى أصبح قادرة على تخطّي الموضوع.

 

ولِحسن حظّي كنتُ منهمكاً بأعمالي فلم أتأثّر جدّاً بالموضوع لأنّني كنتُ أعود في المساء تعباً بالكاد أستطيع محادثة زوجتي والقيام بواجباتي الزوجيّة. وسعاد مِن جانبها كانت تهتمّ بالمنزل بطريقة ممتازة وتزور أهلها خلال النهار أو توافي إحدى صديقاتها لشرب القهوة. وكنتُ سأتابع حياتي بشكل طبيعيّ لولا ذلك الفيلم الأميركيّ الذي شاهدتُه في ذاك مساء أثناء فرصتي الأسبوعيّة. وكان موضوعه عن إمرأة تقتل ازواجها لِترثهم وبالرغم أنّني لم أتأثّر فوراً بالأمر حلِمتُ في نفس الليلة أنّ سعاد تحاول خنقي بالوسادة أثناء نومي. إستفقتُ مذعوراً ونظرتُ إلى زوجتي النائمة بقربي وإرتحتُ كثيراً عندما أدركتُ أنّه كان مجرّد حلماً مزعجاً. ولكن كانت تلك الفكرة قد ترسّخَت في ذهني وبدأتُ فعلاً بالشكّ بِسعاد. وبعد بضعة أيّام قرّرتُ أن أسألها بأيّة طريقة ماتَ زوجها الأوّل فأجابَت:

 

ـ لقد ماتَ... ماذا تريدني أن أقول؟

 

ـ أعلم أنّه توفّى... ولكن كيف؟

 

ـ أثناء قيادته السيّارة...

 

ـ تقصدين أنّه ماتَ هكذا وهو يقود؟

 

ـ لا... أعني أنّه فقد السيطرة على المركبة وإصطدمَ بحافة الطريق ووقَعَ في مهوار عميق... لِما كل هذه الأسئلة؟ ولِما الآن؟

 

ـ ليس هناك مِن سبب لذلك... أرَدتُ فقط أن أعلم... أنتِ دائمة الغموض بهذا الشأن...

 

ـ لستُ غامضة ولكنّ الموضوع يُحزنني... ولكن الآن أنا معكَ ولقد نسيتُ حزني بِفضلكَ.

 

وعانَقَتني زوجتي بِحنان ولكنّني لم أكن مرتاحاً. والأمر الآخر الذي كان يثير قلَقي كان وجود أخاها ماهر. كان هو نفسه الذي يعمل في مجال العقارات والذي إستثمَرَ ميراث أخته ويسهر على مصالحها. ولكنّه كان دائماً عندنا خاصة عندما أكون في عملي وكان يذهب فور وصولي أو قبلي بقليل. وكانت نظراته لي غريبة وكأنّها مليئة بالغضب مع أنّني لطالما إستقبلتُه جيّداً وتحدّثتُ معه بأمور عديدة. المرّة الوحيدة التي تباعَدَت وجهات نظرنا كانت عندما ناقشنا موضوع العقارات وقلتُ له أنّني أفضّل إبقاء مالي في المصرف كي أستطيع التصرّف به حين أشاء خاصة أنّني تاجر وقد أحتاج أحياناً إلى السيولة لشراء أصناف جديدة. عندها حاوَلَ إقناعي بشراء قطعة أرض أو شقّة ورفضتُ ذلك. ولكن الأمر إنتهى عند ذلك وبقينا على صلة جيّدة. فلماذا كل هذا الجفاء؟ وخطَرَ على بالي أنّه يحضّر لي شيئاً خاصة بعدما أدركَ أنّه لن يستفيد منّي مباشرة.

هل كانت سعاد أيضاً متوّرطة بالأمر أم أنّه كان سيتصرّف لوحده؟ وبدأتُ أشعر بالخوف مِن هؤلاء الناس الملفوفين بالغموض والذين لا يفكّرون إلاّ بالمال. وبات مِن الصعب عليّ أن أنام جيّداً فكلّما كنتُ أغمض عينيّ كنتُ أتصوّر أنّ سعاد ستخنقني بالوسادة كما ترأى لي في الحلم. وأصبح مزاجي عكراً للغاية أصرخ على الجميع في العمل وفي البيت وأغضب مِن أيّ شيء.

 


ولكي أهرب مِن المصير الذي حدَّدَته لي زوجتي هي وأخيها قرّرتُ فرض الإنجاب عليها لكَي تجد نفسها مجبرة على التراجع عن مخطّطها البشع. فكنتُ أعلم أنّها ترفض فكرة الأولاد خوفاً مِن أن تربيّهم لوحدها لِذا قلتُ لها أنّني لن أنتظر بعد ذلك وأنّني أريد طفلاً وفوراً. ونظَرَت إليّ زوجتي بدهشة لأنّها لم تفهم سبب عدائيّتي وإنهالَت الدموع على خدَّيها وذهبَت إلى الغرفة بِصمت. وكنتُ ممنوناً مِن نفسي لأنّني أوقَعتُها بفخّي وتجّنبتُ فخّها هي وأخيها وإنتظرتُ بفارغ الصبر أن تخبرني وبسرعة أنّها حامل لأتنفّس الصعداء قليلاً.

وما أرَدتُه حصل، فبعد شهرَين على تهديدي لها علِمتُ منها أنّها تنتظر مولوداً. عندها إرتاح بالي وأصبحَ مزاجي أفضل ولكثرة حماسي صرختُ لها:

 

ـ الآن أطمأنّ قلبي على مصيري... هاهاها!

 

ـ لم أفهم قصدكَ...

 

ـ أعني أنّ ما في بالكِ بما يخصّني قد تبخّرَ... قولي لأخيكِ أن يجد ضحيّة أخرى.

 

سكَتت زوجتي مطوّلاً ثم قالت:

 

ـ عار عليكَ أن تفكرّ هكذا... لم أخطئ يوماً بِحقّكَ... أحببتُكَ وتأمّلتُ أن أعيش بِهناء معكَ... وها أنتَ تتهمّني بأمور فظيعة... وأخي أيضاً؟ لا بدّ أنّكَ مريض وأنصحكَ برؤية طبيب نفسيّ... سأعود إلى أهلي... لا أريد رؤيتكَ بعد الآن.

 

ورحَلَت سعاد وتركَتني أسأل نفسي إن كنتُ قد بالغتُ بِشكّي بها. ولكنّ الأمور كانت ستتوضّح لي بعد ذلك بقليل عندما صادفتُ صديقي مجدّداً وفتحنا موضوع زواجي وأخبَرته أنّني سأصبح أبّاً مُخفياً عنه طبعاً أمر رحيل سعاد. عندها قال لي:

 

ـ هذا خبر جيّد... خاصة بعد كل ما مرّت به المسكينة سعاد.

 

ـ ماذا تقصد؟

 

ـ أعني ما فعَلَه بها زوجها... صحيح أنّه كان صديقي وشريكي ولكنّني لم أكن أبداً موافقاً على الذي كان يقوم به... ذلك الرجل لم يكن لدَيه ذرّة أخلاق على الأقل مع زوجته... كان يخونها كلّما سنحَت له الفرصة ويهينها عندما كانت تعاتبه... هو بنفسه أخبَرني ذلك وبفخر... وعندما مات كان في طريقه إلى عشيقته ووجدوا بحوذته بطاقتَي سفَر إلى أوروبا... كان ينوي الهرب بعيداً ولكن الله عاقبَه لأنّ سعاد إنسانة طيبّة ووفيّة.

 

وفهمتُ الحقيقة وهرعتُ إلى منزل أهل زوجتي أطلب السماح. وعندما قابلتُ سعاد سألتُها لماذا أخفَت عنّي القصّة الحقيقّية فقالت:

 

ـ بسبب شعوري بالعار... ما مِن إمرأة تحبّ أن تذيع أنّ زوجها كان يفضّل كل النساء الأخروات عليها... وبسبب خوفي أن تستخفّ بي وتفعل مثله... لستُ إنسانة ضعيفة ولكنّني أؤمِن بالغفران والتسامح.

 

ـ لِذا عليكِ مسامحتي... أنا الضعيف لأنّني تأثّرتُ بفيلم سينمائيّ وخربتُ حياتنا... ليتكِ لم تخفِ عنّي كل تلك الأمور فالغموض يولّد الشكّ... هل ستعودين إليّ؟

 

ـ ربما... أنا بحاجة إلى بعض الوقت فالأحداث في حياتي تسارعَت بطريقة مزعجة وأريد ترتيبها لإستيعابها.

 

وإنتظرتُ عودة زوجتي بفارغ الصبر خاصة أنّ حمَلها أوشكَ على النهاية وخشيتُ أن يولدَ إبني دون أن أراه. ولكن سعاد قَبِلَت أخيراً أن تعود بعد أن وعدَتُها بأن أثقّ بها وأن أقاسمها مخاوفي.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button