خشيتُ أن يشفى زوجي

جهزَت أخيرًا نتائج فحوصات زياد زوجي الطبيّة، وتأكَّدَ لنا ما كنّا نخشاه: إصابته بداء السرطان. بكيتُ بصمت بينما هو حضَنَني مواسيًا وكأنّني كنتُ المريضة، فخجِلتُ مِن نفسي أمام قوّته. هكذا كان زوجي، إنسانًا قويًّا لا يخاف مِن شيء حتّى مِن الموت ربّما بسبب عمَله السابق، فهو كان رجُل أمن شجاع. للحقيقة، مهنته هي التي جذَبتني إليه في أوّل الأمر وخاصّة بذّته الجميلة، فوقعتُ في حبّه بسرعة. وبالرغم مِن طبيعة عمَله وغياباته العديدة عنّي وأولادنا لتأدية واجباته، لَم يتأثّر حبّنا على الاطلاق بل العكس.

كبرنا وكذلك أولادنا الذين تزوّجوا الواحد تلوَ الآخَر، فبقيتُ وزياد لوحدنا في بيت شهِدَ الحبّ والفرَح الدائمَين. ثمّ بدأ زوجي الحبيب يشعرُ بأوجاع حيّرَت طبيبنا العائليّ، لِذا وجّهَنا إلى أخصّائيّين تقاذفونا في ما بينهم إلى حين قالَ لنا أحَدهم إنّه يخشى أن يكون مرَض زياد خبيثًا، وأعطانا فحوصات دقيقة لإجرائها، وها نحن نواجه حقيقة مُرّة للغاية.

بدأ زياد علاجه الصعب، وأنا سانَدته كأيّ زوجة مُحِبّة ولَم يتركنا الأولاد وعائلاتهم. كنّا مُتماسكين جميعًا مِن أجل زياد، الأب والزوج المثاليّ.

لكنّ الناس المثاليّون ليسوا موجودين في الحقيقة، بل فقط في الأفلام والقصص، وإلا فما الفائدة مِن حملِنا على الحلم بهكذا صنف مِن البشر؟ وزياد لَم يكن للأسف الرجُل الذي اعتقدتُه، بل العكس. ومعرفتي بالأمر جاءَت في الوقت غير المُناسب، أيّ حين كنتُ مُستعدّة للموت بدلاً منه.

فقد اشتدّ المرض على زوجي، وقوّة العلاج منعَته مِن القيام بأبسط الأمور، فصِرتُ مسؤولة عن كلّ شيء في البيت، بما فيه دفع الفواتير والتعامل مع المصرف، بعد أن أعطاني زياد وكالة تمنحُني الحقّ بالتصرّف بحسابه المصرفيّ وأمواله، بعد نفاد ما كان موجودًا بحسابنا المُشترك بسبب مرضه. وهكذا إكتشفتُ أنّ هناك مصاريف غريبة عبر بطاقة الائتمان كان يدفعُها زياد بانتظام. للحقيقة لَم أكن أعلَم الكثير عن تبادل المال والخدمات بهذه الطريقة، بل كنتُ أحبّ التعامل دائمًا بالسيولة، ناهيكَ عن جهلي التام بالتقنيات الحديثة أكانت مُتعلّقة بالحاسوب أو الانترنِت. فهاتفي كان مُخصّصًا فقط للمُكالمات الهاتفيّة ومؤخّرًا الوتساب، لكن عدا ذلك كنتُ بالفعل وكأنّني في عصر آخَر... على خلاف زياد.

فما اكتشفتُه مِن حساب زياد بمُساعدة صديقة لي كان واضحًا للغاية: كان لزوجي عشيقة ويبعثُ لها المال بصورة دائمة! لكن تلك العشيقة لَم تكن تعيش بالقرب منّا بل في بلَد آخَر. لغز صمّمتُ على حلّه ليرتاحَ بالي الذي بدأ يعمَل ليلاً نهارًا. لماذا يا زياد؟!؟

لَم أسأل زوجي عن الموضوع، أوّلاً لأنّه كان ضعيفًا للغاية ولَم أشأ إزعاله وهو في هذه الحالة، وثانيًا لأنّني كنتُ بحاجة إلى معلومات إضافيّة لَم أكن أملكها. لكن كان لَديّ اسم ومكان سكَن تلك المرأة، فبدأتُ بالبحث عنها على مواقع التواصل الاجتماعيّ وعبر الانترنت... ووجدتُها! فكان اسمها مُميّزًا وكذلك البلَد التي هي فيه، وفوجئتُ بشكلها كثيرًا! فهي كانت فائقة الجمال وبالكاد يبلغُ سنّها العشرين عامًا. فالواقع أنّ زوجي لَم يكن وسيمًا، بل كان رجُلاً عاديّ الملامح والقوام، وهو كان في العقد السادس مِن عمره. فكيف لهذه المخلوقة الرائعة أن تُغرَم به؟ حاولتُ معرفة المزيد عنها، فجلتُ على حساباتها على مواقع التواصل، ووجدتُها في صوَر أصفُها بغير الأخلاقيّة على الاطلاق! فهي كانت شبه عارية وبأوضاع يقشعِرّ لها البدَن! فهِمتُ طبعًا سبب تعلّق زوجي بها، فلَم ألبس له أمورًا كهذه أو آخُذ أوضاعًا مُشابهة. هل كان يمرّ زياد بمرحلة مُنتصف العمر عند الرجال وأضاعَ عقله فجأة؟!؟ ثمّ خطَرَ ببالي أمر بديهيّ، وهو أن أتفحّص هاتفه الذي كان دائمًا بجانبه. لِذا، طلبتُ استعمال جوّاله بحجّة أنّ هاتفي توقّف عن العمَل. عندها هو وضَعَ بصمته على شاشته، ومدّ يدَه لي لآخذ الهاتف منه، إلا أنّني لاحظتُ تردّدًا مِن قِبله. خرجتُ مِن الغرفة بينما كان زوجي يُراقبُني، وأقفلتُ الباب ورائي. لَم يكن لدَيّ الكثير مِن الوقت، لكن كان يكفيني أن أفتح تطبيق الوتساب الخاصّ به، وأجِد محادثاته مع تلك الصبيّة الخياليّة الجمال. وجدتُ بالفعل ما كنتُ أبحث عنه... وأكثر! فزوجي كان على تواصل في ما مضى مع أكثر مِن امرأة، كلّهن مِن فئة وصنف الأولى. ما الذي يجري وراء ظهري؟!؟ لكنّني اكتفَيتُ بفتح المُحادثة التي قصدتُ إيجادها، وبدأتُ أقرأ ما أسمّيه حديثًا إباحيّا ممزوجًا بكلمات رومانسيّة ووعود كثيرة بحبّ أبديّ. كنتُ أرتجف بقوّة، وكادَ الهاتف أن يقَع مِن يدَيّ حين قرأتُ ما لَم يجب قراءته: آخِر جملة في الحديث التي أرسلَها زياد لها قَبل ساعات قليلة: "حالما تتحسّن حالتي سأترك زوجتي وأطيرُ لكِ لأتزوّجكِ". جلستُ على كرسيّ بالقرب منّي كَي لا أقَع مِن جرّاء الصدمة، وبدأتُ أبكي كالطفلة، فكان مِن الواضح أنّ زياد لَم يعُد يريدُني على الاطلاق، بل يستعملني كمُمرّضة وخادمة وتسلية، إلى حين يشفى. أردتُ تحطيم هاتفه وكأنّني أحطّم رأسه، لكنّني هدّأتُ نفسي وقرّرتُ مُتابعة سير تلك العلاقة مِن دون أن أفضَحَ نواياي، فكان عليّ أن أُتحضّر على العَيش مِن دون زوج. أعدتُ له هاتفه مُبتسمة له، وهو ردّ لي الابتسامة! أعطَيتُه أقراصه وقبّلتُه على جبهته، بينما كان بودّي صفعه بقوّة والصراخ عليه بأعلى صوتي. وبعد الخروج مِن غرفته، أسرعتُ بإخبار صديقتي عن الأمر طالبةً منها البحث لي عن مُحامٍ. وهي نصحَتني أن أفرِغ حساب زوجي المصرفيّ بسرعة، كَي تنقطِع الإمدادات عن تلك الفاسقة ويبطأ مشروع لقائهما وزواجهما. فكان مِن الواضح أنّ العشيقة تُريدُ ماله أكثر مِن أيّ شيء. إضافة إلى ذلك، مرَض زياد كان مُكلّفًا للغاية، فالتأمين الصحّيّ كان يُغطّي مُعظمه، لكن ليس كلّ شيء إذ اضطرّرنا لطلَب بعض المال مِن أولادنا. وها هو زوجي يُبدّد ماله على تلك ... ويُخطّط لتركي بعد أن يستنزف كلّ وقتي واهتمامي وخوفي عليه إلى حين يتحسّن! يا إلهي... كيف لرجُل مُحِبّ أن ينقلِبَ هكذا؟ أم أنّه كان كذلك منذ البدء؟ سحبتُ المال الموجود في حسابه مِن دون أُطلِعه على الأمر، وبقيتُ آخذُ هاتفه تحت الحجّة نفسها، لكنّه بدأ يحذِف مُحادثاته فور تبادلها. لَم يكن يهمّني الأمر كثيرًا، إلا أنّني كنتُ أريدُ أن أخلقَ في قلبه خوفًا مِن أن تُكشَف مشاريعه قبل أن يتعافى، فمَن سيهتمّ به لو أنّني فضحتُ أمره؟

في تلك الأثناء، قامَت صديقتي بالتحرّيّات التي أوكلتُها بها، فكان مِن الغريب جدًّا أن تتعلّق فتاة فائقة الجمال والشباب بزوجي، حتّى لو كان يبعثُ لها المال بين الحين والآخَر. فألف رجُل أكثر شبابًا وجمالاً ومالاً منه كانوا ليتمنّون الحصول عليها. بحثَت صديقتي جيّدًا على الانترنِت، وانتهى بها المطاف على موقع يعرض خدمات ذات منفعة لنا، وهي فحص الصوَر وإيجاد أصحابها وكلّ المعلومات الأخرى الضروريّة، وذلك مُقابل مبلغ ليس كبيرًا. إستعملَت بطاقة زياد المصرفيّة لذلك، وابتسَمتُ وهي تُدخِل الأرقام والرمز السرّيّ لأنّ هلاكه آتِ مِن ماله! هاهاها!

ما اكتشفناه هو أنّ تلك الصبيّة ذات القوام الخلاب هي بالفعل مُمثِّلة أفلام إباحيّة ولدَيها مجموعة مُعجبين بالملايين، وكلّهم رجال طبعًا. لكنّ اسمها وكلّ ما يتعلّق بها لَم يكن له أيّ علاقة بالتي تُكلِّم زوجي. وكان مِن الواضِح أنّ أحدًا سرَقَ صوَرها ويستعملها لصَيد أمثال زياد والاستفادة منهم. بعد ذلك، عرَضنا على الموقع نفسه معلومات عن عشيقة زوجي، وتبيّنَ أنّها بالفعل مُزوّرة فعلاً، خاصّة أنّ الموقِع حذَّرَ المُستخدمين منها بالكتابة بالأحمَر جنب اسمها وصورتها: "إحتيال مؤكّد". وما هو أهمّ، أنّهم رجّحوا أنّ مَن وراء ذلك الاحتيال شبّان ورجال مِن بلد معروف بتلك المُمارسات. حفظتُ ذلك التقرير على هاتفي لأستعمله لاحقًّا.

بقيَ عليّ بعد ذلك أن آخذ قرارًا بشأن زوجي الذي صرتُ أكرهه، فكيف أحِبّ مَن يخونني، حتّى عن بُعد، ويُريد تطليقي فور تعافيه؟ هل سيُطاوعني ضميري على تركه وهو يُصارع المرَض؟ لَم أكن أعلَم بعَد.

بعد فترة، رحتُ وزياد إلى المشفى ليأخذوا منه عيّنات لفحصها ومعرفة إن كان يتجاوَب مع العلاج، وتبّينَ أنّ حالته تتحسّن شيئًا فشيئًا. رأيتُ الفرحة على وجهه لكنّني علِمتُ سببها، الأمر الذي أحزنَني كثيرًا. لكنّني مثّلتُ دور الزوجة السعيدة، فعانقتُه مُطوّلاً بينما هو بكى بصمت. في الليلة نفسها، أخبرَني زياد أنّه ينوي السفَر بعد تعافيه. وحين سألتُه متى نحن مُسافران، قال لي:

 

ـ أريدُ الذهاب لوحدي... أنا بحاجة إلى استرداد نفسي بعد كلّ ذلك... أرجو أن تفهميني.

 

ـ أفهمُكَ جيّدًا يا زوجي العزيز! إسمَع، لا داعٍ للتمثيل، أنا على عِلم بعلاقتكَ بتلك الصبيّة وبما تنوي فعله بزواجنا. لا تنكر! لستُ آسِفة عليكَ أيّها النَذل الحقير، بل على حبّي لكَ. لا أدري منذ متى تخونني، وأرجو أنّ تلك المسألة بدأت منذ فترة قصيرة، فقط كَي لا أشعُر أنّني وهبتُ حياتي لكَ سدىً. إعلَم يا عزيزي أنّ حبيبتكَ ليست مَن تتصوّرها على الاطلاق، بل هي على الأرجح رجُل يستفيد مِن غبائكَ ونزواتكَ القذِرة بإرسال صور خلاعيّة لكَ والتكلّم معكَ عن أمور حميمة لا أجرؤ على تصوّرها. فتلك الصبيّة بالصوَر لن تنتظُر إليكَ نظرة واحدة لو كانت حقيقيّة... مَن تظنّ نفسكَ؟ شاب وسيم وثريّ؟ إلقِ نظرة لنفسكَ في المرآة، أرجوكَ!

 

ـ إنّها حقيقيّة وتُحبّني كثيرًا! أنظري أنتِ إلى نفسكِ في المرآة! ما هذا القوام؟!؟

 

ـ هذا القوام، يا عزيزي، هو نتيجة إنشائي لعائلتي الجميلة... فهذا البطن والصدر المُترهّلان حمَلا وكبّرا أولادنا الرائعين! لستُ أخجَل مِن قوامي، بل أنا فخورة به، يا ناكِر الجميل! سؤال... هل تحدّثتَ عبر الفيديو مع التي ستتركني مِن أجلها؟

 

ـ لا... بل هي أرسلَت لي فيديو مُسجّلاً فقط... إنّها خجولة أمام الكاميرا.

 

ـ خجولة؟ في كلّ صوَرها هي شبه عارية! كَمّ أنّكَ غبيّ! فشهوتكَ تغلّبَت على ذكائكَ. إتّصِل بها واطلب منها مُكالمة عبر الفيديو. هي لن تقبل أبدًا لأنها ليست مَن تدّعي. وأعِدكَ بأنّني سأرحَل مِن البيت على الفور لو هي قبِلَت. لكن لو هي رفضَت، فأنتَ الراحل! سأعطيكَ أسبوعًا بكامله لتُحاول إقناعها، هل هذا كافٍ؟

 

ـ بالطبع! إبدئي بحزم أمتعتكِ.

 

ـ يا لك من حقير!

 

مضى ليس فقط أسبوع بل اثنان... إلى حين قال لي زياد بصوت ناعِم:

- أنتِ تعلمين كَم أحبُّكِ، أليس كذلك؟ سامحيني، فلَم أكن أدري ما أفعله. هل صدّقتِ حقًّا أنّني سأترككِ؟ أنتِ حبيبتي وزوجتي وأمّ أولادي... أنتِ أجمل امرأة على وجه الأرض! إضافة إلى ذلك، أنا مريض ولا يُمكنكِ طردي وأنا بهذه الحالة!

 

نظرتُ إليه باحتقار شديد، فكان مِن الواضح أنّه أدركَ أنّ حبيبته هي حتمًا رجُل نصَبَ عليه. لِذا قلتُ له:

- كلامكَ هذا لن ينفعكَ، صدّقني. لقد كلّمتُ أخاكَ وقلتُ له إنّني أعاني مِن الارهاق كما وصَفَ لي الطبيب الراحة التامّة، وإنّ عليه أن يهتمّ بكَ بدلاً منّي. لا تنسَ أن تأخذ ما ستحتاج إليه خارج هذا المنزل، فلا أُريدُكَ أن تعود. مِن الظاهر أنّكَ على طريق الشفاء، وهذا يعني أن ضميري مُرتاح مِن هذه الناحية. سأجدُ طريقة مُناسبة لشرح غيابكَ لأولادنا، لكن لا تتوقّع أبدًا أن أجعَل منكَ بطلاً، فأنتَ حقير لا أكثر أو أقلّ. نصيحة لك قبل رحيلكَ: "إعرَف كم تُساوي حقًّا، ولا تتصوّر أنّكَ شاب وسيم ولا تركض وراء الصبايا. أنتَ مُهمّ بالنسبة لمَن يُحبّونكَ فعلاً، وجميل في أعيُنهم فقط. وداعًا."

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button