خانَني زوجي وأنا مريضة

لم أعُد أؤمِن بالحب منذ ما خابَ أملي بالذي أعطَيتُه كل عاطفتي وإخلاصي. وبسرد قصّتي أحاول مشاركة الناس آلامي النفسيّة والجسديّة التي لا تزال ترافقني حتى اليوم.

أحببتُ مروان مِن أوّل نظرة وشعرتُ فوراً أنّ شيئاً جميل سيولَد بيننا، فعندما قال لصديقتي أنّه يودّ رؤيتي مجدّداً طِرتُ مِن الفرح. وسرعان ما إكتشفتُ أنّه مغرَم بي فتسارعَت دقّات قلبي عند كل لقاء وقبلة. تواعدنا أشهر كثيرة قبل أن يسألني إن كنتُ أقبلَ به زوجاً لي وبالطبع أسرعتُ بالموافقة. وجَرَت الأمور كما يجب لِدرجة أنّني رأيتُ في ذلك تدخّل إلهي لأنّني لطالما كنتُ إنسانة طيبّة أساعد كل مَن إحتاج لذلك. وتزوّجنا وسكنّا شقّة جميلة وهيّأتُ نفسي لتأسيس عائلة تكون على صورتي وصورة مروان.

ولكنّني وجدتُ صعوبة بالحمل وقصدتُ طبعاً طبيباً نسائيّاً، طلبَ لي مجموعة فحوصات مخباريّة وصوَر أشعّة للتأكّد مِن سلامة جسدي. ولكن حين جهزَت النتائج طلبَ منّي أن أزوره بأسرع وقت في عيادته ومِن نبرة صوته علِمتُ أنّ شيئاً ما لم يكن على ما يرام. وهناكَ علِمتُ بأنّني قد أكون مصابة بمرض خبيث في الدم أي ما يسمّى باللوكيميا. ولم أصدّق أذنيّي فكيف ذلك وأنا لا أزال في ربيع عمري؟ وسألَني الطبيب إن كنتُ قد شعرتُ بتعب عميق أو بإرتفاع حرارتي فأجبتُه أنّني إختبرتُ ذلك مؤخرّاً وحسبتُ الأمر بأنّه زكام.

وبعد التفكير وجدتُ أنّني مررتُ بهكذا حالة أكثر مِن مرّة خلال السنتَين التي سبقَت. وطلبَ منّي الأخصّائي أن أجري فحوصات إضافيّة وألاّ أشغل بالي كثيراً قبل صدور النتيجة. وكيف لي ألاّ أفعل؟ ولكنّني عزمتُ ألاّ أخبر مروان بالأمر كي لا أقلقه وأنتظر ما سيحصل لي.

وبعد أيّام وقعَت الكارثة عندما علِمتُ أنّني فعلاً مصابة بسرطان الدم وأن الأمر على الأرجح جيني أي وراثي. عندها سألتُ الطبيب عن طرق المعالجة لدائي فأخبرَني أنّ الحلّ يكون غالباً العلاج الكيميائيّ أو زرع نخاع العظم. وكانت فكرة فقدان شعري وأنا لا أزال عروساً غير مقبولاً لديّ فطلبتُ منه أن نركّز على الحلّ الثاني. ولكنّ إيجاد مانحاً مطابق لنخاع عظميّ أمر صعب ويتطلّب بحثاً طويلاً فأعطاني دواءً ريثما نقع على مَن يقبل أن يعطيني فرصة جديدة للعيش.

وأخبرتُ زوجي بما يحصل لي وأصيبَ المسكين بالإحباط وبدأ يبكي. ولكنّني أكّدتُ له أنّني سأتعافى قريباً وكل ما أطلبه منه هو أن يساعدني في محنتي. وبعد حوالي الشهر على الخبر جاء مروان في أحد الأيّام وقال لي أنّه أرسلَ ملفّي لخاله الطبيب في ألمانيا وأنّ هذا الأخير سيدرس حالتي عن كثب ويعطينا رأيه لأنّ الطبّ في أوربا متطوّر أكثر ولديهم علاجات مختلفة. شكرتُ زوجي على اهتمامه بي وطلبتُ مِن الله أن أشفى بسرعة لكي يتمتّع حبيبي بعيشة طبيعيّة معي.

وبعد مرور الشهر على بعثه للملّف تلقّى مروان دعوة مِن خاله إلى ألمانيا كي يشرح له استنتاجاته وإقتراحاته بالنسبة لمرضي. وهكذا سافرَ زوجي متأمّلاً بأن يعود مع الحلول المرجوّة. وفي غيابه تابعتُ تناول الدواء وبقيتُ على لائحة الإنتظار لِلزرع. وأحمد ربّي أنّني لم أتّكل فقط على زوجي لأنّني كنتُ خسرتُ صحّتي بالكامل لأنّه وفور وصوله إلمانيا تغيّرَ كليّاً. في البدء لم ألاحظ شيئاً إلاّ بعض التأخير في مكالماته لي ولكنّني قلتُ لنفسي أنّه مشتاق لخاله وأنّهما يسترجعان سويّاً ذكريات قديمة.

والحقيقة أن مروان لم يرَ خاله إلاّ بعد عدّة أيّام ريثما تركّز في الفندق وتعرّفَ على العاصمة. وأثناء سياحته الغير ضروريّة في هكذا ظرف تعرّف مروان على صاحبة مقهى تعوّدَ أن يقصده مرّتَين في النهار ومرّة في الليل. وكان زوجي كالطفل الذي يكتشف مدينة ملاهي جديدة فكانت تلك أوّل سفرة له بعد أن قضى حياته كلها ضمن حدود بلادنا. وهناك رأى ما لم يرَه هنا وعاشرَ ولو قليلاً أناساً مختلفين وخاصة تلك المرأة الألمانيّة التي جذَبته لِدرجة أنّه نسيَ هدف ذهابه.

 


وعندما تذكّرَ أخيراً أن يرى خاله قال له هذا الأخير أن لا مفرّ مِن العلاج وزرع نخاع العظم. وشكَرَه مروان وعادَ إلى صديقته الجديدة التي عرفَت كيف تنسيه زوجته. وبدأتُ أشعر ببعد زوجي عنّي فكلّما أخابره كان الهاتف يدقّ مطوّلاً قبل أن يجاوب ويتكلّم معي بسرعة. وكلّما أسأله عن موعد عودته كان يتحجّج بخاله وبأنّهما بإنتظار تقارير أطبّاء آخرين. وبالطبع صدّقته فكيف لي أن أشكّ بأنّ حبيبي وزوجي غرقَ مِن أوّل يوم بِغرام إنسانة غريبة عنه وفي بلد أيضاً غريب؟ كيف لي أن أتخيلّ أنّه يخونني وأنا مريضة وبينما حياتي بِخطر؟ طلبتُ منه أن يساندَني وإذ به ينساني بذراع أخرى. وبعد ثلاثة أسابيع طلبتُ مِن مروان أن يعود حتى لو لم تنتهي التقارير لأنّني كنتُ بحاجة ماسّة لوجوده بقربي وأنّ امّي لم تعد قادرة على ترك منزلها أكثر مِن ذلك. وعندما سمِعَ ذلك أجابَني:

 

ـ أنا آسف... ولكنّني لا أستطيع العودة.

 

ـ ماذا؟ هل حصَلَ مكروه لخالكَ؟

 

ـ لا... إسمعي... لا أدري كيف أقول لكِ ذلك ولكن...

 

ـ قل!

 

ـ أعلم أنّ وضعكِ دقيق... وأعلم أنّ ما سأقوله فظيع وغير مقبول ولكن... سأبقى هنا... لقد إلتقَيتُ بإمرأة...

 

ـ ماذا؟؟؟ أنتَ حتماً تمازحني!

 

ـ أبداً... لقد وقعتُ في حبّها... سأبقىَ معها هنا.... وسنتزوّج قريباً.

 

ـ ولكنّني مريضة! أنا مصابة بالسرطان قد أموت قريباً! ما الذي تقوله؟

 

ـ أنا آسف ولكنّني لا أستطيع مواصلة حياتي معكِ... لا دخلَ لمرضكِ في الأمر... هنا تعرّفتُ على حياة أخرى... طريقة عيش مختلفة... كل شيء أبسَط وأوضَح...

 

ـ وعملكَ هنا؟ ستتركه أيضاً؟؟؟

 

ـ أجل... صديقتي تملك مقهى وتريدني أن أديره معها... ستعطيني الجنسيّة وسأصبح مواطناً ألمانيّاً... خلال مكوثي القصير هنا أدركتُ أنّ حياتي كلّها كانت تحضيراً لهذه اللحظة... لن أعود إلى البلَد... سامحيني.

 

وأقفَلَ الخط وشعرتُ بالغرفة تدور مِن حولي وفقدتُ الوعي. إستفقتُ على سرير مستشفى محاطة بالأهل والأطبّاء. وحين أستعدتُ وعيي بالكامل أخبرتُ ذوييّ عن الحديث الذي دارَ بيني وبين مروان. أُصيبَ الجميع بالذهول فلم يتصوّر أحد أن يحصل ذلك لأنّه منافٍ لكل القوانين الإنسانيّة والأخلاقيّة. ومِن ثمّ بدأتُ العلاج الكيميائيّ الذي كنتُ قد رفضتُه سابقاً كي لا يراني زوجي مِن دون شعر وبحالة مزرية. وتعذّبتُ كثيراً فإلى جانب عوارض العلاج كان هناك حزني على فقدان حبيبي وزوجي وتخليّه عنّي بتلك السرعة والسهولة. ولكنّ ذلك الحزن أعطاني العزم على متابعة شفائي كي أثبت لنفسي أنّني لا أزال أستحقّ الحياة. ولم أقبل أن أستسلم بسبب إنسان معدوم الأخلاق والشقفة. وسرعان ما وجدوا لي واهب يتلائم دمه مع دمي وخضَعتُ إلى عمليّة الزرع. ولكن مرحلة ما بعد الزرع كانت أيضاً صعبة لوجوب بقائي في مكان مُعقّم مِن دون أن أتحرّك لمدّة 8 أسابيع. وفي تلك المرحلة أيضاً استدميتُ قوّتي مِن استنكاري لخيانة زوجي البشعة. وأدركتُ حينها أنّ المآسي إمّا أن تكسرنا وأمّا أن تقوّينا وعلينا نحن إختيار أيّ طريق سنسلك. وإخترتُ المقاومة على الأقل لأشفي كرامتي قبل جسدي.

وبالرغم أنّني لم أكن أريد أن أعلم شيئاً عن مروان وصَلَتني أخبار بأنّه تزوّجَ وأنّه يدير مقهىً في العاصمة الألمانيّة. وبالرغم مِن الذي فعلّه بي تمنّيتُ له ضمنياً بالتوفيق لأنّني لا أعرف معنى الكره أو البغض. وبعد صراع طويل مع المرض والعلاج أستطيع اليوم أن أقول أنّني تعافيتُ. صحيح أنّ عليَ تناول دواءً طوال حياتي ولكنّني استعدتُ حياتي السابقة خاصة بعدما بعثتُ لمروان عبر محام بطلب الطلاق لأتمكّن مِن طوي صفحة الماضي نهائيّاً.

أمّا بالنسبة للحبّ فذلك أمر غير وارد في الوقت الحاضر لأنّني لستُ جاهزة بعد للوثوق برجل بعدما حصل لي. هل يأتي يوم وأشعر بالحاجة إلى رفقة أحد؟ لا أدري ولكنّني متأكّدة أنّني لن أحبّ كالسابق وأنّني سأحتفظ بمشاعري خوفاً مِن أن أُخذَل مجدّداَ.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button