حياة ابنتنا مقابل حريّة زوجتي

لم يكن لزوجتي دارين سوى وسيلة ضغط واحدة عليّ: أبنتنا سهام، لأنّها كانت تعلم مدى تعلّقي بها بعدما أسميتُها سهام تيمّناً بِأختي المتوفّاة والتي فقدَت الحياة بعدما سقطَت في مهوار عندما كنّا صغار. وبقيَ موتها يؤلمني طوال حياتي، خاصة أنّني شعرتُ بالذنب لِعدم تمكّني مِن انقاذها. فمنذ ما أخبَرَتني زوجتي أنّها حامل، بدأتُ أصليّ أن يكون الجنين بنتاً لأعطي أختي فرصة جديدة بالحياة. وفرحَتي عندما جاءَت سهام إلى الدنيا كانت كبيرة لِدرجة أنّها أزعجَت دارين التي قالت لي:

 

ـ لا تنسى أنّني التي جئتُ بها لكَ... لا تنسى ذلك أبداً.

 

ولم أفهم أنّها قصَدَت وبِكل بساطة أنّها أيضاً قادرة على أخذها منّي.

وكَبَرت ابنتي أمام عينَيّ وافتخرتُ أنّها كانت فتاة هادئة وذكيّة ومحبّة تماماً كعمّتها. وبالرغم أنّني لم أكن أريد ضمناً أن نأتي لها بِأخوة أو أخوات، لم ننجب سواها وذلك لأنّ دارين كانت قد قرّرَت أنّ تجد رجلاً غيري.

كنتُ أعلم أن زوجتي لم تكن تحبّني وأنّ أهلها هم الذين اختاروا عنها شريك حياتها، ولكنّني أمِلتُ أن تجد بِمعاملتي الحسنة لها ومحبّتي الصادقة حافزاً لِتبادلني شعوري. ولكنّها لم ترَ فيَّ الا رجلاً أُلصقَ بها، وحين فقدَت هي الأخرى الأمل بدأتُ بالبحث عن حبيب.

وبِسبب انشغالي الدائم بِسهام لم ألاحظ شيئاً، بل كنتُ سعيداً أن تترك ابنتنا معي حين تخرج مع صديقاتها. ولكن ما مِن شيء يبقى مخفيّاً مطوّلاً، وبدأَت تصل الأخبار إليّ وبالطبع لم أصدّق أيّ منها. فما مِن رجل يمكنه تصوّر زوجته مع رجل آخر، وفسّرتُ هذه الإشاعات بأنّها صدَف وليس أكثر. مِن ناحيتها حاولَت دارين إخفاء الكره الذي بدأت تكنّه لي بعد أن اعتبرَت أنّني أقف بينها وبين سعادتها مع عشيقها وأصبحَت تصرخ وتجادل لأيّ سبب، وأرجَعتُ الأمر إلى الهرمونات النسائيّة التي تتحرّك شهريّاً.

ولكن في أحد الأيّام عندما عدتُ مِن العمل لم أجد زوجتي بل فقط سهام نائمة في سريرها الصغير. استغربتُ للأمر كثيراً، فكيف لها أن تترك طفلة في السنة الثانية مِن عمرها لوحدها هكذا، وخفتُ أن يكون قد حصل لها مكروهاً. وأسرعتُ بِطلبها على جوّالها وحين أجابَت سألتُها أين هي فقالت:

 


ـ تركتُ المنزل

 

ـ أعلم ذلك... أتصل بكِ مِن البيت... تركتِ سهام لوحدها! لماذا؟

 

ـ تركتُ المنزل... لن أعود... لم أعد أريدك.

 

ـ ماذا؟ هل فقدتِ صوابكِ؟ هيّا عودي! عودي وسنتكلّم بالموضوع.

 

ـ لا أريد العودة... لم أعد أحبّكَ.

 

ـ تعالي... أعدكِ أن أترككِ ترحلين إن لم نصل إلى تفاهم.

 

وعادَت دارين بعد حوالي الساعتَين. جلستُ أنتظرُها بِفارغ الصبر لأرى ما دفعها إلى هذا القرار. لم أفكّر ولو للحظة أنّها على علاقة مع أحد بل اعتقدتُ أنّها تمرّ بِفترة عصيبة. وعندما دخَلَت المنزل ركضتُ أعانقها ولكنّها أزاحَتني وجلَسَت على الأريكة:

 

ـ ها قد عدتُ... ما الذي تريد قوله لي؟

 

ـ أحبّكِ يا دارين... وكثيراً... وإن كنتُ قد أسأتُ إليكِ بِطريقة ما فأنا أعتذر لكِ مِن كل قلبي.

 

ـ لا... لم تفعل لي شيئاً... أريد فقط أن أعيش أحاسيس قويّة... حياتي معكَ مملّة.

 

ـ ولكنّني أفعل ما بوسعي لإسعادكِ!

 

ـ هذا ليس كافٍ.

 

ـ لديكِ سهام.

 

ـ سهام لكَ وليست لي... كل ما تفعله أو تقوله له علاقة بهذه... بهذه الطفلة.

 

ـ أعدكِ بأن أخفّف مِن إهتمامي بها... ولكنّها إبنتي.

 

ـ أجل... ابنتكَ وليست أختكَ!

 

ـ أنا آسف... ولكن ما حصل لها لا يفارق بالي... كانت لا تزال في الثامنة مِن عمرها وأنا في الثانية عشر... كنتُ أكبر منها وكان عليّ أن أحميها... ذهبنا سويّاً لِنلعب ونتسلّق الصخور وتسابقنا ِلنرى مَن يصل إلى القمّة قبل الآخر و... وسقطَت... ماتَت يا دارينَ!

 

ـ أعلم ذلك... لقد أخبَرتَني هذه القصّة مئة مرّة!

 

ـ لا أستطيع مسامحة نفسي... كانت أختي الوحيدة ومِن بعدها تغيّرَت حياتي كلهّا.

 

ـ أجل... أعرف ذلك... ولكن هذا ليس الأهم... أسمع... سيأتي يوم وأترككَ مجدّداً... دعني أرحل الآن.

 

ـ أبداً... سأبذل جهدي لِتحبّيني.

 

ـ الحب لا يأتي هكذا بل مِن تلقاء نفسه... لم أحبّكَ ولا أحبّكَ ولن أحبّكَ.

 


وبدل أن أتأثّر في جملتها الأخيرة وأستوعب أنّ زوجتي لا تريدني حسبتُ أنّ اهتماماً زائد بها سيوفي بالغرض، فجئتُ لها بالزهور والهدايا وبدأتُ أخرج مبكّراً مِن العمل لأمضي أطول مدّة معها، ووصلَ بي الأمر إلى التخفيف مِن اهتمامي بِسهام.

ولكنّ كل ذلك لم يكن مجدٍ وبقِيَت زوجتي تعاشر عشيقها حتى أن تأكّدتُ بأعيني أنّها تخونني. حصلَ ذلك عندما كنتُ عائداً مِن العمل باكراً لآخذ عائلتي في نزهة. وعندما دخلتُ الشارع رأيتُ دارين تنزل مِن سيّارة وتقبّل السائق على فمه. أكملتُ طريقي محاولاً كبت غضبي واستنكاري ووصلتُ المنزل وانتظرتُها. دخَلَت زوجتي بعد دقائق وحين رأتني علِمَت أنّني جدّ مستاء. لم أنتظر حتى تسألني عن السبب وقلتُ لها:

 

ـ رأيتُكِ تقبّلين ذلك الرجل... أهو عشيقكِ؟

 

ـ أجل... قلتُ لكَ أنّني أريد الرحيل.

 

ـ لم أتصوّر أنّ هناكَ رجلاً في حياتكِ.

 

ـ لا أحبّكَ! متى ستفهم ذلك؟ أريد أن أعيش! وبعيداً عنكَ!

 

ـ هل أنتِ تعيسة إلى هذه الدرجة معي؟

 

ـ أجل... أكره كل شيء فيك... شكلكَ... صوتكَ... ضحكتكَ... رائحتكَ... نفَسكَ عندما تمارس الجنس معي! أريد الطلاق!

 

ـ لن أعطيكِ الطلاق... ستغيّرين رأيكِ... أنتِ في مرحلة صعبة وستتحسّنين قريباً.

 

ـ ما بكَ لا تفهم؟ طلّقني!

 

ـ أبداً.

 

ولم أكن مستعداً لإطلاق سراحها ليس مِن باب الانتقام، بل لأنّني كنتُ مستعدّاً لِمسامحتها لأنّني كنتُ أحبّها ولأنّني لم أكن أريد أن تكبر ابنتي مِن دون أم.

وعند الصباح حين استفقتُ مِن النوم رأيتُ السرير جنبي فارغاً. ركضتُ إلى غرفة سهام ولم أجدها هي الأخرى. عندها أدركتُ أنّ زوجتي أخَذَت ابنتنا ورحَلَت في الليل. أسرعتُ بالاتصال بها وتوسّلتُ إليها أن تعود أو على الأقل أن ترجِع لي سهام فأجابَت:

 

ـ أنا في الجبل.

 

ـ أيّ جبل؟

 

ـ تعلم تماماً أين... حيث كنتَ تلعب مع أختكَ... هل نسيتَ؟

 

ـ وكيف لي أن أنسى... لماذا ذهبتِ مع سهام إلى هناك؟

 

ـ ستعلم عندما توافينا.

 

وأخذتُ سيّارتي وقِدتُ كالمجنون إلى المكان المذكور. وفي طريقي عادَت إليّ الذكريات الأليمة وبدأتُ بالبكاء على أختي وعلى حياتي التي أخذَت مساراً مأساويّاً. فلم أتخيّل ولو للحظة أنّ زوجتي ستخونني وأنّني مستعدّ لِمسامحتها في حين كنتُ أسخر مِن الرجال الذين يغفرون لزوجاتهم. وحين وصلتُ المكان المذكور رأيتُ سيّارة دارين مركونة وفارغة. وعلِمتُ أنّ زوجتي وابنتي في النقطة نفسها حيث وقعَت أختي وانتابَني خوف عميق. ركضتُ بِسرعة فائقة لأجد دارين واقفة فوق المهوار وعلى ذراعها سهام. وقالت لي:

 

ـ ستطلّقني أم أرمي البِنت؟

 

ـ البِنت؟ أهذا كل ما تعني لكِ؟

 

ـ هي بِنت رجل لا أحبَّه... طلّقني وإلاّ...

 

ـ حسناً... على كل حال لم أعد أريدكِ... تبخّرَ حبّي لكِ بِمجرّد رؤية هذا المشهد... أي أمّ تفعل ذلك بابنتها... ومِن أجل رجل؟

 

ـ بل مِن أجل حياتي!

 

ـ الأم الحقيقيّة تفدي أولادها بِحياتها وليس العكس... سأطلقّكِ ولا أريد رؤيتكِ مجدّداً... هاتِ سهام!

 

وأخذتُ حبيبة قلبي منها وأسرعتُ بالعودة إلى سيّارتي. وطلّقتُ دارين بعدما جعلتُها تتنازل عن جميع حقوقها فيما يخص ابنتها. حاولَت العودة إلينا بعد بضعة سنوات ولكنّني لم أقبل بها ومِن ثمّ اختفَت كليّاً.

اليوم أعيش مع ومِن أجل سهام. كادَت ابنتي أن تؤخذ منّي كما حصل مع اختي ولكنّني لن أرضى أن يمسّها أي مكروه حتى لو تطلّب ذلك التضحية بِحياتي.

 

حاورته بولا جهشان

المزيد
back to top button