حوّلت نفسي إلى مسخ من أجله

كلّما أمرُّ مِن أمام المرآة أحجبُ نظري عن الصورة التي تنعكِس أمامي. أجل، أشمئزُّ مِن شكلي. وأنا لستُ معوّقة جسديًّا أو مُشوّهة بسبب حادث مؤسف، بل أنا إنسانة غيّرَت شكلها مِن أجل رجُل... وكانت النتيجة كارثيّة على جميع الأصعدة. وحين أرى كيف ينظرُ الناس إليّ، أشعرُ بأسفهم أو بالبسمة الساخرة التي تعتلي وجههم.

كنتُ صبيّة جميلة ذات ملامح ناعمة ومُتناسقة وقوام مُتّزِن، وأُعجِبَ بي العديد مِن الشبّان. لكنّني اخترتُ، وللأسف، جواد مِن بينهم. وبعد بضع جُمَل مليئة بالعواطف والغزل، إستحوَذَ ذلك الشاب على قلبي ووقعتُ في حبّه. في البدء لَم يكن بنيّته الزواج بل التسلي معي، إلا أنّني رفضتُ تسليم نفسي له بسبب تربيتي الصالحة، فطلَبَ يدي مِن أهلي وهم وافقوا بعد أن رأوا كَم أنّني مُتعلّقة به. غرَضُ جواد الأوحَد كان الحصول عليّ جسديًّا ومِن ثمّ تأسيس عائلة، كي يبعدَ عن نفسه صورة العازب غير المُستقرّ. لكنّه لَم ينوِ أبدًا ترك حياته السابقة والإستقرار معي. لَم أكن أعلَم ذلك طبعًا، وخلتُ، كالعديد مِن الصبايا والنساء، أنّ رجُلي سيتغيّر مِن أجلي.

تزوّجنا وكنتُ سعيدة، إلى حين صرتُ أنتظرُ عودة جواد ليلاً مِن سهراته. وكأيّ عروس جديدة، لَم أقُل شيئًا وحفظتُ في قلبي القلَق والإستنكار. الشيء الوحيد الذي كان يُعزّيني هو أنّ زوجي رجُل ناجح ويجني المال الوفير، فصبَبتُ إهتمامي على ديكور البيت وشراء كلّ ما تطلبُه نفسي، إلى حين أدركتُ أنّ ذلك لَم يجعل منّي إنسانة سعيدة.

شعرتُ بالفرَح حين علِمتُ أنّني حامل، ليس فقط لأنّني أردتُ أن أصبَحَ أمًّا، بل لأنّني اعتقدتُ أنّ بمجيء ذلك الطفل سيلتزم جواد البيت ولو قليلاً. ولكن كنتُ مُخطئة.

أقمتُ لإبننا حفلاً بمناسبة عيده الأوّل ودعونا الأصدقاء والأهل. ومِن بين المدعوّين، لاحظتُ إمرأة شقراء جميلة للغاية تُلازمُ جواد في كلّ لحظة وحركة، وعلِمتُ على الفور أنّها على علاقة حميمة معه، فهكذا أمور تكون عادة بوضوح الشمس. شعرتُ بحزن عميق، مع أنّني كنتُ أعلَم ضمنًا أنّ لزوجي عشيقة أو عشيقات، لكن أن أرى إحداهنّ في منزلي جعَلَ مِن الأمر حقيقة لن أعود قادرة على نفيها.

 


في الليلة نفسها واجهتُ جواد بالأمر، وهو أجابَني بكلّ وقاحة:

 

ـ ألَم ترَي جمالها؟!؟ ما مِن رجُل بإستطاعته مُقاومتها. لو كنتِ تشبهينها ولو قليلاً لَما اضطرِرتُ لمُعاشرتها.

 

بكيتُ كلّ دموعي وبدلاً مِن أن أغضَب مِن وقاحة زوجي، أحسستُ بالذنب لأنّني لستُ جميلة بالقدر الكافي لإبقاء زوجي لي. وأوّل شيء فعلتُه في الصباح كان أن قصدتُ مُصفّف الشعر لِصَبغ شعري باللون الأشقر... لأشبه تلك الفاسقة! كانت النتيجة مُرضية، على الأقل لي ولكلّ مِن رآني، ما عدا جواد الذي سخِرَ منّي هازًّا برأسه ومُشيحًا بنظره عنّي. فهمتُ أنّ تغيير لون شعري لن يكون كافيًا لإسترجاعه. لَم أكن أعلَم حينها أنّ ما مِن شيء أفعلُه سيُرضي زوجي، فهو لَم يكن يُحبّني أو حتى يحترمُني.

أنجبتُ إبني الثاني واكتسبتُ وزنًا زائدًا كما يحصلُ غالبًا بالأمّهات، فنِلتُ قسطي مِن الإنتقادات مِن جانب زوجي الذي عمِلَ جهده لتحطيم معنويّاتي، لِدرجة أنّني لِمتُ صغيري على بدانتي. أجل، إعتبرتُ طفلي سبب تعاستي، فكرهتُه وتمنَّيتُ لو لَم يولَد. أُطمئنُكم في الحال بأنّ عاطفتي تغلّبَت على تلك النقمة ونسيتُ زعَلي منه. إلا أنّني لَم أنسَ شكلي الذي باتَ بمثابة هاجس سكَن فكري ليلاً نهارًا، فامتنعتُ عن الخروج كي لا يرى أحد "الحوت" كما أسماني جواد. وبعد أقلّ مِن سنة، رحتُ لطبيب تجميل لإزالة الدهون مِن جسمي فأجرى لي عمليّة شفط قاسية. النتيجة كانت مُرضية، مع أنّني قضَيتُ وقتًا طويلاً أتألَم وألبس مشدًّا وأترقّبُ زوال الكدمات. هل كان الثمَن باهظًا؟ ليس بقدر امتناني مِن رؤية جسمي "الجديد".

سُرَّ جواد برجوع رشاقتي، لكن لوقت قصير فقط. لكنّ ذلك كان كافيًا لإعطائي الأمل باسترجاع حبّه لي ورغبته بي. فالحقيقة أنّه لَم يعُد يلمسُني قط، فما حاجته لذلك بوجود عشيقاته؟ وبعد أن أسَّسَ عائلة لنفسه ووصَلَ لمُبتغاه، لَم يعُد زوجي يحسبُ لي حسابًا على الإطلاق، فقد صرتُ غير مرئيّة بالنسبة له. علاقته مع ولدَيه كانت جيّدة ولكن معدومة مِن الحنان والحبّ. فزوجي كان إنسانًا لا يعرفُ أن يحبّ... سوى نفسه.

بقيتُ أعتقدُ أنّ السبب هو أنا، وأنّ بمقدوري تصحيح كلّ شيء بيني وبين زوجي، فرحتُ لطبيب التجميل بِغرَض تكبير شفتيّ لتصبحا بكبر شفاه عشيقة زوجي. أحببتُ النتيجة كثيرًا وهنّأني الكلّ، ماعدا جواد الذي لَم يُلاحظ شيئًا. فهمتُ مِن ذلك أنّ كميّة المادّة المحقونة في شفاهي ليست كافية، فعدتُ وكبّرتُهما بشكل ملحوظ. عندها، ظهَرَ فرق كبير بين فمي وأنفي، وقال لي الطبيب إنّ عليّ إجراء تعديل لأنفي، هذا لو بقيتُ أحقنُ شفتيّ بشكل مُتواصل. إنتظرتُ حتى تتحلَّل المادة الموجودة في شفاهي، فقد أعدِلُ عن تعديل أنفي، إلا أنّني وجدتُ فمي قبيحًا للغاية مع أنّه عادَ إلى حجمه الأساسيّ الذي لَم يُشكّل لي أيّ إزعاج سابقًا. كرهتُ نفسي فأخذتُ موعدًا بسرعة لحقن شفتيّ وتغيير أنفي.

بعد زوال الورَم مِن أنفي، كان شكلي قد تغيّر بقدر ملحوظ فهناكَ مِن كادَ ألا يتعرّف إليّ.

 


بعد سنة، رأيتُ على الإنترنت كيف أنّ بعض الأطبّاء يقومون بعمليّة شد العَين لتصبح كعَين الهرّة، الأمر الذي أعجَبَني، فأخذتُ موعدًا ونمتُ مُجدّدًا على طاولة الجراحة لأستفيقَ إنسانة أخرى خاصّة مع عدساتي اللاصقة الملوّنة. توّجتُ تحوّلاتي بعمليّة تكبير للصدر وكنتُ فخورة بالنتيجة!

جواد، مِن جانبه، لَم يتأثّر أبدًا بتحوّلاتي وتابَعَ تجاهله لي. ماذا كان يُريدُ أكثر مِن ذلك؟!؟ غيّرتُ مِن أجله لون شعري، لون عَينيَّ وشكلَيهما، جسدي، وشفتيّ وأنفي وصدري! وكَم كانت خيبتي كبيرة عندما قال لي ذات يوم:

 

ـ أنا راحل. سأتركُ لكِ البيت والولدَين طبعًا فلقد وجدتُ حبّ حياتي.

 

ـ ماذا؟!؟ وماذا بشأني؟ لقد فعلتُ المُستحيل مِن أجلكَ! أنظر إليّ!

 

ـ عمّا تتكلّمين؟ عن المهزلة التي أصبحتِ عليها؟ اليس لدَيكِ مرآة؟ صرتِ شبيهة بالعرائس البلاستيكيّة! أُريدُ إمرأة طبيعيّة وليس مِسخًا!

 

بكيتُ على جواد وخاصّة على كلّ الذي مرَرتُ به لِحَمله على حبّي. فلقد تألّمتُ كثيرًا بعد كلّ تلك العمليّات وصبرتُ وتأمّلتُ. صحيح أنّه لَم يطلب منّي فعل أيّ مِن ذلك، إلا أنّني أردتُ إرضاءه وإبعاده عن باقي النساء.

مهلاً... ماذا قال عن المرآة؟ وقفتُ حينها أمام مرآتي الكبيرة ونظرتُ إلى نفسي. ولأوّل مرّة، رأيتُ بوضوح ما فعلتُه بنفسي، فلَم أعرف تلك الواقفة أمامي لبُعدها كلّ البُعد عنّي ولِشكل المسخ الذي أصبحتُ عليه. أين هي تلك الصبيّة السعيدة والجميلة ذات الملامح الناعمة والطبيعيّة؟ وجدتُ صعوبة قصوى بتذكّر حالتي قبل التحوّل، فركضتُ أفتّشُ عن صوَري القديمة الموضوعة في علبة في أعلى الخزانة. كنتُ قد أخفَيتُها لكثرة كرهي لشكلي، وها أنا أتوقُ لإستعادة تلك الذكرى التي مثّلَت فجأة بالنسبة لي زمَنًا جميلاً. بكيتُ وأنا أتصفّح الصوَر، مدركة تمام الإدراك أنّني لَن أعودَ يومًا إلى الوراء. ثمّ فهمتُ الفظاعة التي اقترفتُها بنفسي مِن أجل رجُل. فلا يستحقُ أحدٌ أن نتغيّر هكذا مِن أجله، فها هو جواد الآن مع أخرى بالرغم مِن كلّ شيء. ستقولون لي إنّ زوجي هو إنسان ماكر وغشّاش وكلّ الرجال ليسوا مثله، لكن الذي يُحبّ فعلاً لا يبحثُ عن أخرى مهما كانت جميلة أو ينظرُ حتى إليها برغبة. كَم من إمرأة قامَت بتغيير شكلها لتُعجِبَ رجُلها؟ فلماذا الرّجل لا يفعلُ الشيء نفسه مِن أجل إمرأته؟

ليس هناك مِن إمرأة قبيحة، صدّقوني، فكلّ منّا لدَيها جاذبيّتها الخاصّة، وليس هناك مِن شيء أجمَل مِن الشخصيّة الفريدة والشكل الفريد. ما النفع مِن أن نُشبه بعضنا؟ فحين أنظرُ مِن حولي، أرى بوضوح كلّ اللواتي وقعنَ في الفخ مثلي وأرى التشابه الجسديّ بيننا، إلى حدٍّ يخالنا الناس أخوات أو قريبات!

ثقنَ بي، أنتنّ جميلات مِن دون جراحة أو حقن، فأنتنّ تُحفة الله الذي صنعَكم على صورته. وهل هناك أجمَل مِن الله؟

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button