حذار من إنتقام عشيقة

أوقعَنا ماهر زوجي بمشاكل كنّا بالغنى عنها، وذلك بسبب قلّة وفائه لِقدسيّة الزواج. لَم أعرِف طبعًا بأمر خيانته لي إلا بعدما تفاقمَت الأمور إلى حدّ لا يُحتمَل.

فلقد اختار ماهر جارتنا لِخيانتي معها لأنّها كانت امرأة سهلة وأيضًا لأنّ الوصول إليها سهل. فلَم يكن عليه سوى النزول طابق واحد ليراها بعدما يذهب زوجها إلى عمله. لَم أُلاحِظ شيئًا طبعًا، فكيف لي أن أتخيّل أنّ الرجل الذي كنتُ أقبلّه عند الباب صباحًا كان يُوافي عشيقته بعد دقائق قصيرة.

بقيَ ماهر على علاقة مع هنادي جارتنا طوال سنتَين. لماذا قرَّرَ الكفّ عن رؤيتها؟ لستُ أدري لكنّني مُتأكّدة مِن أنّ السبب ليس وجَع ضميره وإحساسه بالذنب. أرجّحُ بأنّه ملَّ منها أو لَم يعُد يحتمّل طبعها، فهنادي إمرأة قويّة الشخصيّة وحادّة الطباع، على عكسي.

لكنّ تلك الجارة لَم تتقبّل أمر تَرك ماهر لها، لأنّها شعَرَت بأنّه رماها كبضاعة مُستعمَلة، فقرّرتُ أن تُلقّنَه درسًا لن ينساه. طبعًا لَم أكن أُدركُ ما يُحاك لابني سمير البالغ مِن العمر ستّ عشرة سنة.

علاقتي بِهنادي كانت عاديّة للغاية، أيّ أنّنا كنّا نتبادل التحيّة حين نلتقي في المصعد أو عند مدخل المبنى. لَم نزُر بعضنا يومًا، وبالكاد أعرفُ زوجها الذي هو غائب طوال الوقت بسبب عمله وسفره المُستمرّ. لِذا تفاجأتُ بها وهي تقرعُ بابي ذات صباح. ظننتُ أنّ مكروهًا حصل فأسرعتُ بفتح الباب، إلا أنّها كانت قد جاءَت لِشرب القهوة معي. إستقبلتُها بحماس، فكنتُ أملُّ كثيرًا في فترة الصباح بعدما يذهبُ زوجي إلى عمله وإبني إلى مدرسته خاصّة أنّني كنتُ قد تركتُ عمَلي قبل سنوات قليلة بسبب خلافات داخل الشركة.

إستمتعتُ بالجلوس مع جارتي التي، إلى جانب كونها سيّدة جميلة وأنيقة، تعرفُ كيف تُبقي مُستمعيها معلّقين بِحديثها. وعدتُها بأن أزورَها بِدوري في القريب العاجل. وعندما أخبرتُ ماهر في المساء عن زائرتي، عمِلَ جهده كي لا أُلاحظ إستياءه الشديد. إكتفى بسؤالي عمّا تحدّثنا.

بعد أيّام قليلة، قصدتُ جارتي وقضيتُ عندها ساعتَين كاملَتَين نتحدّث بأمور عديدة. لَم يكن زوجي مسرورًا بذلك، لكنّه سألَني فقط إن كنتُ أكيدة مِن أنّ تلك المرأة هي رفيقة مُناسبة لي. أجبتُه بأنّني أُجيدُ التمييز بين الناس، وأنّني لا أسأله هكذا سؤالاً عندما يلتقي بأناس جدد ويُصادقُهم. سكَتَ ماهر... على مضض.

 


مرَّت الأيّام والأسابيع وصرتُ وهنادي صديقتَين مُقرّبتين، خاصّة بعدما أخبرَتني عن وحدتها بزواج لَم يكن ناجحًا. فزوجها رجل بارد يُبقي مشاعره، إن وُجِدَت، لِنفسه، ويولي أهميّة مُبالغة لِعمله. وجدتُ أنّ لدَينا قواسم مُشتركة في هذا الموضوع، فماهر هو الآخر بارد معي ويغيب باستمرار. لَم أكن أدري حينها أنّه يُعطي حنانه ووقته لِغيري مِن النساء، وأنّه لا يرى فيّ سوى أمّ إبنه والتي تهتمّ بتأمين بيت نظيف وأكل لذيذ له.

في تلك الأثناء، كان زوجي خائفًا مِن أن أعرف مِن هنادي عن قصد أو مِن غير قصد، ما كان يدورُ بينهما، فباتَ ينزعج مِن أخباري عنها ليُفهمني بطريقة سلِسة أنّه ليس موافقًا على تلك الصداقة. كنتُ لأكفّ عن رؤيتها، فقد كنتُ زوجة مُطيعة، لولا إحساسي العميق بالملَل واستلطافي لِجارتي الذي ازدادَ يومًا بعد يوم.

لكنّ هنادي لَم تكن طبعًا إمرأة يجب عليّ مُصادقتها لأنّها كانت عشيقة زوجي السابقة، وتبحث عن وسيلة للإنتقام منه، حتى لو كان ذلك على حساب عائلته التي لا ذنب لها.

كيف كانت هنادي تنوي الإنتقام مِن ماهر؟ ليس مِن خلالي كما قد يظنّ البعض، بل مِن خلال إبننا سمير، وهو مُراهق يكتشفُ لتوّه الحياة ومُعرّض للوقوع في شباك نساء كهنادي.

فالذي كنتُ أجهلُه، هو أنّ جارتي كانت تنتظرُ كلّ يوم عودة سمير مِن مدرسته، وتفتحُ بابها لحظة يمرّ قرب شقّتها، فهو كان يُفضّل صعود السلالم على ركوب المصعد. عندها، كانت تُلقي التحيّة عليه وهي ترتدي ملابس شفّافة ومُغرية. وكان المسكين يشعرُ بمزيج مِن الخجل والرغبة، ويُحاول محو تلك المشاهد مِن رأسه إلا أنّه لَم يفلَح بذلك. فما مِن أخطر مِن إمرأة جميلة وجذّابة تودّ الإنتقام.

لاحظتُ بعض التغيّرات لدى سمير، إلا أنّني رددتُها لِسنّه أو لِمشاكل عرضيّة في المدرسة أو مع رفاقه.

عندما أُفكّرُ اليوم بما جرى، أسألُ نفسي ما كان ليحصل لإبني ولنا جميعًا لو بقيتُ أجهل ما يدورُ، وأُفكّر بكلّ العائلات التي لا تستمرّ سوى بالكذب والغشّ إلى حين يُفضَح المستور.

خطأ هنادي الجسيم كان أنّها خالَت نفسها لا تُقهَر وأذكى وأمهَر مِن غيرها. هي لَم تحسب حساب تربيتي الحسنة لإبني الذي عوّدتُه منذ صغره على التمييز بين الصحّ والخطأ.

فبعد أشهر طويلة على بداية تنفيذ خطّتها، قرَّرَت جارتي الشرّيرة ضرب ضربتها القاضية بِحمل سمير على ارتكاب الممنوع معها. كانت قد شعَرَت أنّه أصبَحَ جاهزًا لذلك، فقصَدَتني ذات مساء باكيةً، دموع التماسيح طبعًا، ومُعربةً عن قلقها العميق وخوفها الشديد بعدما ادّعَت أنّها سمِعَت أصواتًا مُريبة في شقّتها. كان زوجها مُسافرًا كعادته، وكان زوجي قد ذهَبَ لِقضاء عطلة نهاية الأسبوع عند أبيه المريض. فهو كان ولدًا وحيدًا وكان العجوز في حالة يُرثى لها. عرضتُ عليه مُرافقته، إلا أنّه رفَضَ ذلك ليُجنّبي وسمير حضور موت أبيه الذي كان مُحتملاً في أيّة لحظة. أيّ أنّ هنادي اختارَت التوقيت المُناسب جدًّا. فهي طلبَت منّي وهي ترتعِش مِن الرعب إن كنتُ أسمَح لِسمير بأن ينام في شقّتها لليلة واحدة حتى تشعر بالأمان. لَم أرَ مانعًا في ذلك وسألتُ إبني إن كان موافقًا. هو تردَّدَ، حتمًا لأنّه شعَرَ بأنّ نومه عند هنادي سيكون له تداعيات خطيرة، إلا أنّه خجِلَ مِن أن يقولَ لا خاصّة أنّني شجّعتُه على القبول. خطَرَ ببالي أن أعرض على جارتي أن تنام عندنا، إلا أنّني قلتُ في نفسي إنّها سترتاح أكثر في سريرها.

أخَذَ سمير ثياب نومه ونظَرَ إليّ نظرة لَم أستطِع تفسيرها جيّدًا ورحَلَ مع جارتنا. للحقيقة، إفتخَرتُ بإبني لأنّه بدا لي وكأنّه صارَ رجلاً يحمي النساء في وقت الحاجة وخلدتُ إلى النوم والبسمة على وجهي.

لكن وسط الليل، أطلقتُ صرخة حين شعرتُ بأحد يقفُ قرب سريري. بعد الوهلة الأولى، أدركتُ أنّه سمير فخطَرَ ببالي أنّ مكروهًا حصل لِهنادي. هل كان هناك فعلاً أحد في شقّتها؟ سارق ربمّا؟ أشعلتُ ضوء غرفتي وإذ بي أرى إبني يبكي كالطفل. عانقتُه وهدّأتُه وحثّيتُه على إخباري بما حملَه لِترك شقّة هنادي وسط الليل والبكاء هكذا.

 


عندها أخبرَني سمير بأنّ جارتي حاولَت إغراءه بعدما كان قد صارَ في السرير. فقد دخلَت عليه عاريةً تمامًا وألقَت بنفسها عليه. قاومَها إبني بالرغم مِن الإغواء الشديد الذي كانت تُمارسه عليه، فأزاحَها عنه بقوّة وركَضَ إليّ. إستأتُ كثيرًا لكن ليس بقدر ما علِمتُه بعد ثوانٍ. فقد أضافَ سمير: "صرَخَت بي جارتنا وأنا راحل بأنّني لن أفلِتَ منها تمامًا كما حصَلَ مع أبي، وأنّها ستبقى تُطاردني حتى تنتقم منه."

طلبتُ من سمير أن يأخذ حمّامًا ساخنًا ويدخل فراشه، ووعدتُه بأن نتكلّم بالموضوع في الصباح.

لَم أنَم بتاتًا في تلك الليلة وبقيتُ صاحيةً حتى بزوغ الفجر. توجّهتُ إلى المطبخ وحضّرت لإبني إفطارًا شهيًّا وانتظرتُ أن يستفيق. جلَسنا سويًّا وأفرَغَ لي سمير كلّ ما كان يُخبّئه في قلبه. علِمتُ أنّ هنادي كانت تنتظره كلّ يوم أمام بابها لإغرائه، وكيف بقيَ يُقاومها بكلّ قواه. طمأنتُه بأنّه لَم يقترِف أيّ خطأ بل هنّأتُه على قوّة إرادته طالبةً منه أن يُحاول نسيان ما حصَلَ، مؤكّدةً له أنّ النساء لسنَ كلّهنّ مثل هنادي. فلَم أُرِده أن يُكوِّنَ صورة خاطئة عن بنات جنسنا. بقيَ لي أن أتصرّف مع هنادي ومع ماهر، فلَن أسمحَ لأحد بأن يتلاعب بِعواطفي وكرامتي وعائلتي مِن دون مُحاسبة. لَم أقل شيئًا لِجارتي، فكان على زوجي أن يُنظّف ورائه بنفسه.

عادَ ماهر مِن عند أبيه وطمأنَني على صحّته. وهو لاحَظَ جفائي معه وتهرّب سمير مِن التواجد معه في الغرفة نفسها، فعلِمَ أنّ شيئًا ما حصل.

إضطررِتُ للإنتظار حتى يذهب سمير إلى مدرسته لأُجري مع زوجي حديثًا جدّيًّا، بعد أن طلبتُ منه عدَم الذهاب إلى عمله باكرًا. لَم يسألني ماهر عن السبب بل وافقَ بِصمت. لن أنسى كيف بدا وجهه وأنا أُطلعُه على الذي حصَلَ مع إبنه، فصارَ شاحبًا وبدأَت شفّته العليا بالرجفان وبلعَ ريقه مرّات عديدة، قبل أن يعترفَ لي بأنّه أقامَ علاقة مع جارتنا وأنّه كان يدّقُ بابها غالبًا في الصباح وهو ذاهب إلى عمله. لَم يجِد زوجي مُبرّرًا لِما فعلَه ولَم يكذِب عليّ عندما أقَرَّ بأنّ تركه لهنادي كان بداعي الملَلَ وليس لأنّ ضميره كان قد صحا. هل اعترافاته هذه سبَبها تعبه مِن الكذب بِصورة مُستمرّة، أم لأنّ عشيقته السابقة ألقَت بشباكها على إبنه؟ لستُ أدري لكنّني قلتُ له:

 

ـ أحتقرُكَ لأقصى درجة لأنّكَ خنتَني وكذبتَ عليّ وأوهمتَني بأنّكَ أفضل رجل على الإطلاق. وقاحتكَ وصلَت إلى حدّ أن تختار عشيقتكَ بين سكّان المبنى، ربمّا لأنّكَ وجدتَ الأمر أسهَل أو لأنّكَ ظننتَ نفسكَ ذكيًّا وقويًا للغاية. لكنّ السحر إنقلَبَ على الساحر، كما يحصل لكلّ مَن يستخفّ بِعقل غيره.

 

ـ ماذا تريدين أن أفعل؟ أنا جاهز.

 

ـ أريدُ تلك الفاسقة خارج المبنى وبِسرعة!

 

ـ لكن كيف...

 

ـ هذا شأنكَ! إسمَع... واسمَع جيّدًا، إن لَم ترحَل هنادي مِن هنا فسأُخبر زوجها بِعلاقتكما، وسيعلَم الجميع بما فعلَت بدءًا مِن عائلتكَ وصولاً إلى زملائكَ وأصدقائكَ وجميع سكّان المبنى. إضافةً إلى ذلك، سأُقيمُ دعوى عليكَ هي حتمًا رابحة، فأوّل شاهد على خيانتكَ سيكون إبنكَ، ومَن يدري؟ قد تقبل هنادي بِمساعدتي للإنتقام منكَ.

 

ـ وإن نجحتُ بالتخلّص مِن هنادي؟

 

ـ سنرى في الوقت المُناسب.

 

لا أدري ما الذي قالَه أو فعلَه ماهر لِهنادي، لكنّها أخذَت أمتعتها واختفَت وزوجها مِن المبنى ومِن حياتنا. في تلك الأثناء صارَ زوجي ينامُ في غرفة الضيوف، فكيف لي أن أُبقيه بِجانبي بعد الذي فعلَه؟

إضطرِرتُ لِمُسامحة ماهر صُوَريًّا، وذلك مِن أجل إبننا، فما مرَّ به ولَدي كان أكثر مِن أن يتحمّله شاب بسنّه. لكنّ حبّي لِزوجي وثقتي به تبخّرا إلى الأبد.

حياتنا صارَت اليوم بمثابة تمثيليّة نقومُ بها على مدار الساعة، وأنتظرُ بِفارغ الصبر أن يكبُر سمير كي أترك أباه، فحياتي أثمَن مِن أن أُضيعها على إنسان أهانَني وذلَّني لِسنوات مِن دون وخزة ضمير.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button