حبيبي ليس زوجي!

مرّت الساعات ولم يعد فؤاد. قبل رحيله قال لي: "أنا ذاهب لأطلّقها، فأنتِ من أحب، أنتِ حياتي." غفوت على الكنبة واستفقت عند الصباح الباكر. لم أجده بقربي كما وعدني. وجدت نفسي وحيدة في غرفة فندق حائرة بأمري. كنت قد كذبت على أهلي وقلت لهم أنني سأقضي الليلة عند صديقة لي. يا ليت يرجع فؤاد! حاولت الاتصال به لكن جواله كان مطفأً. هل حصل له أيّ مكروه؟ هل غيّر رأيه عندما ذهب إليها؟ جلست أتذكر لقاءنا الأول...

ذاك اليوم كنت ذاهبة للتسوّق، انقطع شريط حذائي فجأة وكدت أقع، وإذا بي أشعر أن أحداً يمسكني بقوّة. استدرت لأرى من الذي أنقذني، فوجدت شاباً وسيماً وأنيقاً يبتسم لي. فقلت له وقد احمرّت وجنتي:

- "شكراً..."
- "لا، أنا أشكرك، نهاري بات عظيماً الآن."

ضحكنا سوياً وعرض عليّ أن يبقى معي ريثما أجد سيارة أجرة، فقبلت. في هذه الأثناء، عرّفني على نفسه وأنا أيضاً عرفته على نفسي. ثم أوقف لي سيارة أجرة وقبل أن أصعد في المركبة أعطاني بطاقته قائلاً:

- "أتمنّى أن أراك مجدداً."

ابتسمت له وأخذت البطاقة. في تلك الليلة لم يغمض لي جفن. صورة وجهه كانت تملأ أفكاري. أظنّ أنني أحببته منذ اللحظة الأولى.
اتصلت به في اليوم التالي، ففرح كثيراً. وتواعدنا مرة تلو الأخرى، لكنه لم يقل لي أن رجل متزوج وإلا لما كنت أحببته. بعد فترة طويلة اعترف لي قائلاً:

- "لا أحبّها، لم أحبّها يوماً وكنت أنتظر أن أُغرم بأحد لكي أجد القوة لتركها. أرجوك ناديا لا تعاقبينني على هذه الكذبة، كنت خائفاً أن أخسرك. جلّ ما أطلبه منك هو أن تصبري معي."

طبعاً وافقت لأنني كنت أحبّه ولم أر ضرراً في ذلك. بعد فترة، جاء فؤاد وبسمة عريضة تعتلي وجهه: تحدث إلى محامٍ وسيبدأ معاملات الطلاق قريباً جداً. بقي له أن يواجه زوجته. فطلب مني أن نقضي الليل سوياً، واعداً أنه لا يريد شيئاً سوى أن نمكث مع بعضنا البعض لتكون له الجرأة لمواجهتها في اليوم التالي ويفصح لها عن كل شيء. أحسست أنه بحاجة إليّ فاتفقت مع صديقة لي وقلت لذويّ أنني ذاهبة لأنام عندها.

أخذني فؤاد إلى فندق في مكان منعزل. كنت خائفة وشعرت بالخجل لأني لم أعتد الذهاب إلى أماكن مماثلة. وكانت فكرة أن أنام بقربه كافية لإعطائي الشجاعة. عند وصولنا، استلقى فؤاد على السرير وطلب مني أنا أنام بجانبه. وقد انتابني في تلك اللحظة شعور غريب. نظرت حولي ونظرت إليه، المشهد بدا لي مصطنعاً. فقلت له:

- "أفضّل أن أن أبقى مكاني."
- "كيف وأنا بحاجة لحنانك كي أواجه زوجتي؟ هذا كان انتفاقنا، أليس كذلك؟"
- "أظن أن حبك لي كافياً كي تقوم بما عليك فعله. تذكّر أنك كنت تريد تركها قبل أن تلتقي بي."
- "تعالي، لا تتصرّفي كالأطفال."
- "أنت لا تحبّني."
- "بلى، وسأثبت لك ذلك بالذهاب إليها. انتظري، لن يطول غيابي."

ولم يرجع أبداً. تركت الفندق ودموعي تنهال على خدودي، لم يتصل فؤاد بعد ذلك وبقي خطّه مقفلاً.
مرّت الأيام والأسابيع والأشهر، وذات مساء، اصطحبتني أختي إلى عرس صديق لها. رأت كم أنا حزينة وشاءت أن تفرحني قليلاً. قبِلت بعد أن أصرّت على ذهابي. ولكن عندما دخلت غرفة حفل الزواج، كاد أن يٌغمى عليّ. فؤاد كان واقفاً مع العروس يقبّلها وينظر إليها بحبٍ وحنان. هل ترك زوجته وتزوّج بأخرى بهذه السرعة؟ ولِمَ لم يزوّج بي أنا؟ سألت أختي:

- "من هذا الرجل؟"
- "إنه العريس... كم يحبّها! إنهما مخطوبان منذ أكثر من سنة. انتظر أن يكمل بناء الفيلا كي يتزوّج بها. أحسست أن الأرض تتحرك تحت قدميّ."

أكملت أسئلتي:
- "ألم يكن متزوّجاً من قبل؟"
- "لا، لم تقولين ذلك؟"
- "هنيئاً لهما..."

وفي هذه اللحظة رآني. ظننت أنه سيخاف أن أفضح أمره. على العكس بدا وكأنه يبتسم باستهزاء. اغرورقت عيناي بالدموع، هذا الوحش حاول استغلالي ليمرح قبل زواجه وكاد أن ينجح. كم من ضحيّة له من قبلي؟ ومن بعدي؟ اتجهت نحو الباب باكيةً فاصطدمت بقوة بشاب كان واقفاً ورائي. نظر إليّ قائلاً:

- "مهما كان السبب، فهذه العيون لا يجب أن تبكي. نحن هنا لنفرح وعليك أن تبتسمي!"

وقبل أن يتسنّى لي أن أجيب، أمسك بيدي وجرّني إلى حلبة الرقص مكملاً حديثه:

- "إذا كان من أبكاك هنا، فاثبتي له أنك أقوى منه! هيا، ابتسمي وارقصي! إسمي عادل ولن أتركك أبداً...!"

وهذا ما فعلت، وبعد بضع دقائق وجدت نفسي أستمتع بالرقص برفقة هذا الشاب.
بقي عادل على وعده ولم يتركني. لطفه واهتمامه بي كانا كافيان أن أقبل رؤيته مجدداً. أحببته، وعندما طلب يدي قلت "نعم". لقد نسيت فؤاد ومكره، نسيت الكذب والاحتيال. عادل جعلني أنسى كل هذا.

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button