كم مِن المهمّ أن يحافظ الإنسان على سمعته لأنّها شرط أساسيّ لِقبول المجتمع أو رفضه لنا والعواقب تكون وخيمة إن لم نلتزم بأسسها. ولطالما عمِلتُ جهدي لأكون مصدر فخر وإعتزاز لأهلي ومحيطي وحافظتُ على إسم العائلة وحملته عالياً. ولكن رغم كل هذا الحرص تسببتُ بجلبِ العار لكل مَن عرفَني وبالأذى لزواج خلتُه سيصمد مهما كانت الظروف.
ما حصَلَ لي وقَعَ بعد زواجي مِن وسام الذي أحببتُه كثيراً وعملتُ جهدي لأسعدُه بشتّى الطرق المتاحة لي. وهو أيضاً أحبَّني مِن كل قلبه وحين أخَبَرني أنّ علينا العيش في بلد آخر بسبب نقله إلى فرع جديد لتأسيسه لم أمانع رغم تعلّقي ببلدي وذوييّ. فكل ما كان يهمّني آنذاك كان أن أكون مع رجل حياتي لأنّني لا أستطيع العيش بعيدة عنه. وهكذا ودّعتُ أهلي وأصدقائي وأخذتُ معي كل ما سأحتاج له وسافرتُ مع زوجي إلى الولايات المتحدّة وبِقلبي أحلاماً وآمالاً كثيرة. وإستقرَّينا في منطقة مأهولة بأبناء بلدنا وكان وسام قد إختار هذا المكان بالذات لكي لا أشعر بالغربة خاصة في الأواني الأولى. وكان قد فَعَل خيراً لأنّ الجميع رحّبَ بنا وتصادَقنا مع العديد مِن سكّان الحَي. وباتَ بإستطاعة وسام أن يتركَني في البيت للذهاب إلى عمله دون أن يقلق عليّ خاصة بعد أن تقرّبتُ مِن جيراني وصِرتُ أتبادل الزيارات مع اللواتي لا تعملنَ مثلي.
ولأنّنا كنا قد أرجأنا موضوع الإنجاب إلى حين يتوضّح لنا مستقبلنا كان لدَينا المتّسعَ مِن الوقت للخروج والإستمتاع بالمدينة الجميلة التي أصبحَت مسكننا. ولِفعل ذلك كنّا نصتحِب معنا أصدقاءنا الجدد وبصورة خاصة وليد ونسرين ثنائيّ مرح وقريب منّا على عدّة أصعدة. ولكنّ الناس تخفي عن بعضها أموراً كثيرة خاصة إن كانت مشينة ولم نشكّ أبداً أنّ لِوليد ماضٍ حافل بشرب الكحول وتعاطي الممنوعات لأنّ لاشيء في مظهره أو تصرّفاته كان يدّل على ذلك على الأقل عندما كنّا نجتمع به وبزوجته. ولو علِمنا بذلك لما كنّا إخترناهما لمرافقتنا كما فعلنا. صحيح أنّ الرجل كان يحتسي عدّة كؤوس مِن الكحول أثناء سهراتنا ولكنّه بقيَ يحافظ على رصانته ويقود سيّارته بشكل طبيعيّ عندما يحين وقت العودة. وبالرغم أنّني كنتُ أكره المشروب وكذلك زوجي لم نمانع أن يفعل وليد ما يريده طالما لا يؤثّر ذلك على علاقتنا به. وأظنّ أنّنا لو كنّا أكبر سنّاً وأكثر خبرة بالناس والحياة كنّا قد رأينا المؤشّرات التي تدلّ على إدمان عميق قد يؤدّي إلى حدوث أموراً لا نريدها في حياتنا.
وفي أحد الأيّام رأيتُ نسرين وعلى عيونها نظّارات شمسيّة بالرغم مِن الطقس الماطر وحين سألتُها مازحة عن السبب حاولَت تجنّب الحديث. ولكنّني مسكتُها بذراعها وأجبرتُها على البقاء فقالت لي:
ـ لقد... وقعتُ... و...
وخَلَعت نظّارتها ورأيتُ كدمة كبيرة حول عينها وصرختُ لِشدة بشاعة وفظاعة المشهد. ولأنّني لم أصدّق روايتها قلتُ لها:
ـ لا أظنّ أنّ السقوط يترك هكذا آثار... مَن ضربكِ؟ أهو وليد؟
ـ أجل...
ـ يا إلهي! ولماذا يفعل ذلك؟
ـ في بعض الأحيان يفقد أعصابه... إنّه يحبّني كثيراً ولكنّه حاد الطباع... خاصة عندما يريد شيئاً ولا يحصل عليه.
ـ هذا تصرّف غير مقبول! وما كان يريده؟
ـ كان... كان يريد أن نمارس الجنس ولكنّني رفضتُ بسبب وضعي...
ـ أيّ وضع؟
ـ أنا في وسط دورَتي الشهريّة.
ـ وأرادَ أن يمارس الجنس معكِ؟ ألا يستطيع الإنتظار حتى ترتاحين قليلاً؟ ألا يعلم أنّكِ في هذه الفترة تكونين تعبة ومتشنّجة ناهيكِ عن الألم والمَغص؟ وحتى لو لم تكوني في هذه الحالة كيف يقبل على نفسه أن يجبركِ على الجنس؟ هذا تصرّف حيوانيّ! الجنس بين شخصيَن هو تعبير عن حب وعاطفة ويكون متبادلاً... لا أحسدكِ على زوجكِ يا نسرين...
وفي المساء أخبرتُ زوجي عن المسكينة نسرين وغَضِبَ مِن قلّة أخلاق وليد وقال لي أنّه مِن الأفضل لو قلّلنا مِن لقاءاتنا معهما. ووافقته الرأي ولكنّني أصرَّيتُ على البقاء على صداقتي مع نسرين لأنّني كنتُ أعلم أنّها بحاجة إلى مَن يواسيها ويقف معها. ومع مرور الأيّام زادَ شعور وليد بالإنعزال بسبب عدم إختلاطنا به ما ولّدَ لديه نقمة كبيرة تجاهنا وكانت كالعادة نسرين هي محطّ غضبه. وطبعاً نصحتُها بأن تضَع له حدّاً وإلاّ سيأتي يوم وتموت فيه ولكنّها كانت تخاف جداً منه وفضّلَت كالكثير مِن النساء أن تتحمّل تلك الإعتداءات بِصمت.
ولكن ذلك الرجل لم يكن ينوي الإكتفاء بزوجته ورأى بي ضحيّة أخرى فقط لأنّني إمرأة ولأنّ برأيه كل النساء مباحة له ولم يأخذ بعين الإعتبار أنّني لم أوحي يوماً له أنّني أريده أو أنّني لم أكن سعيدة مع زوجي. ولو لم يكن يتعاطى شتّى أنواع الممنوعات لما فكرّ بهذه الطريقة ولا فعَلَ ما فعَلَه لاحقاً لأنّ ما مِن إنسان عاقل يقدم على ذلك.
ففي ذاك يوم تلقّينا دعوة إلى سهرة كبيرة يقيمها جيراننا في الطابق الأخير بمناسبة عيد زواجهما العشرين. ولأنّهما أناس طيبّين ومحبّين لبَّينا بسرور هذه الدعوة ولبستُ فستاناً جميلاً وزوجي بذّة أنيقة. وفوجئنا بوجود وليد ونسرين لأنّنا لم نكن نعلم أنّهما قريبَين مِن جيراننا ولأنّ صديقتي لم تقل لي أنّها ستكون هناك بالرغم أنّني أخبرتُها عن الدعوة. وبالطبع عملنا جهدنا لكي نتفادى ذلك الرجل الغليظ ولكنّه بقيَ يلاحقنا مِن زاوية إلى أخرى هو وزوجته حتى أن طفَحَ كيلي وقرّرتُ الإبتعاد قليلاً فخرجتُ إلى الشرفة التي تؤدّي إلى سطح المبنى وذلك لأتنشّق الهواء الطلق. ولكنّ السافل كان قد لحِقَ بي بِقصد الإعتداء عليّ. ولأنّه قَدِمَ مِن ورائي فلم أنتبه له ولم أستطع الصراخ بسبب يده التي كان قد وضعها بإحكام على فمي. وعَرفتُه مِن رائحته النتنة التي كان يفوح منها المشروب وحاولتُ دون فائدة أن أتخلّص مِن قبضته. وبدأ يرفع فستاني إلى الأعلى وخلتُ حقاً أنّني لن أفلِتَ منه لولا قدوم أحد الضيوف إلى السطح. في الأوّل ظنّ الرجل أنّني موافقة على ما يجري وكان يستعدّ للعودة إلى السهرة حين إستطعتُ قضم أحد أصابع وليد والصراخ عالياً.
عندها ركضَ الضيف وحاولَ إبعاده عنّي ولكنّه لم يستطع فأسرعَ ليأتي بمَن يساعده. وأتى وسام وبعض الرجال وهم أيضاً عملوا جهدهم لينتزعوه عنّي ولكنّه كان أقوى منهم بِسبب المخدّرات. ولم يبقَ سوى حلاً واحداً وهو إيذاءه. وهذا ما فعله زوجي عندما جاءَ بقنيّنة مشروب وكسرَها على رأسه. عندها فقط فُكَّ أسري وركضتُ أحتمي بأحضان وسام وأبكي بِحرارة. ولكنّ وليد لم يستعيد وعيَه فَنُقِلَ إلى المستشفى وجاءَت الشرطة للتحقيق. وأخذوا زوجي ورموه في السجن إلى حين يُعرَف مصير وليد الذي غاصَ في غيبوبة لِفترة شهريَن. وعندما إستفاقَ كان بخير. حينها أُقيمَت محكمة وتتالوا الشهود وخرجَ زوجي بريئاً وسُجِنَ وليد بدلاً عنه.
ولكنّ تلك المصائب لم تكن كافية بل أُضيفَت إليها شائعات تقول أنّني كنتُ إمّا عشيقة وليد وإدَعيتُ أنّه يغتصبني عندما رآني الضيف أو إمّا أغريتُه وحملتُه على الإعتقاد أنّني أريده. وتفاجأتُ كثيراً عندما إكتشَفتُ أنّ مَن يذيع تلك الإشاعات كانت نسرين ذاتها التي حاولتُ مواساتها ومساعدتها حين كان الوحش يضربها ولم أفهم لِما تختلق الأكاذيب عنّي.
وأمام هذا الجوّ المتشنّج لم يبقَ أمامنا سوى أن نترك الولايات المتحدّة ونعود إلى بلدنا بالرغم أنّ ذلك كان سيكلّف وسام منصبه. ولكنّ كل شيء كان أفضل مِن العيش وسط مَن يريد إغراقنا. وعُدنا مكسورَين الخاطر ولم نسطتع منذ ذلك الحين محو ما حصل.
صحيح أنّ زوجي كان يصدّق روايَتي لأنّه يعلم أيّ رجل هو وليد ولكنّه لم يستطع نسيان أنّه دخَلَ السجن وتحمَّل نظرات الناس وهمساتهم ولم يستوعب أنّه إضطرّ إلى ترك عمله بِسبب ما حصل. وبعد ذلك دامَ زواجنا سنة واحدة فقط وإتفقنا أنّه مِن الأفضل أن نفترق وأن يذهب كلّ منّا في طريقه لأنّ العيش سويّاً أصبح مستحيلاً.
وفي النهاية كنتُ أنا الضحيّة الأكبر ولم يكترث أحد لذلك. لقد مضَت على تلك الحادثة عدّة سنوات ولا أزال أحبّ زوجي وأنتظر أن يعود لي أو أن أجد مَن ينسيني أيّاه.
حاورتها بولا جهشان