حاولَت حماتي التخلّص مِن جنيني

تعاني معظم النساء مِن علاقتها مع أهل زوجها خاصة مع أمّه ولكنّها عادة أمور عابرة وسرعان ما تجد لها حلولاً. ولكن في حالتي، وصَلَت حالة التوتّر إلى درجة خطرة جدّاً. لم أقترف أخطاء أو على الأقل لاشيء يستحقّ الغضب والإنتقام، فلطالما كنتُ إمرأة هادئة تَرضى بما يعطيها ايّاه الله وكأنّه أكثر مّما تستحقّ. ولسوء حظّي أو إختياري، كان مُنير زوجي يطيع أمّه إلى حدّ مبالَغ به وكأنّه بقيَ كل حياته الطفل الصغير الذي أنجَبَته تلك المرأة. ولكنّني لم أرَ خطورة هذا الأمر بل إعتبرتُه إحتراماً وحناناً وأمِلتُ أن يعاملَني هكذا أيضاً. ولكنّ ذلك لم يكن تهذيباً بل رضوخاً بعد سنين مِن الترويض المُتقَن. وعندما عرّفَني خطيبي على جينا أمّه، أعجَبَتني شخصيّتها وظننتُ أنّ ذلك الإعجاب كان متبادلاً. ولكنّها كما علمتُ لاحقاً، كرهَتني منذ اللحظة الأولى وحاولَت إقناع إبنها بعدم الزواج منّي. وكادَ هذا الأخير أن يفسخ علاقتنا لو لم يتدخّل أخوه الأصغر الذي لم يكن تحت تأثير والدته بالكامل. وهكذا أصبحتُ جزءً مِن عائلة غريبة الأطوار أكتشفُ كلّ يوم جانباً لم أشكّ أبداً أنّه قد يوجد عند أحد. الأمثلة كثيرة وقد أحتاج إلى صفحات عديدة لسردها ولكنّني سأكتفي بإكمال قصّتي حسب التطوّرات الزمانيّة.

فبعد الزفاف، لم نذهب إلى أي مكان لقضاء شهر العسل كما وعدَني مُنير بل رجعنا فوراً إلى المنزل الكبير. أسميتُ المكان هكذا لا بسبب حجمه بل لأنّه كان مقرّ السيّدة الكبيرة أي جينا وولدَيها مُنير ويوسف الذي لم يكن قد تزوّجَ بعد. وقد إختيرَت لنا غرفة ملاصقة لغرفة جينا ما أزعجني كثيراً لأنّه كانت توجد غرفة أخرى أبعد مِن ذلك. ولكنّ زوجي أدارَ كعادته أذنه الصمّاء ولم يلبِّ أحد طلبي بل جوبهتُ بتجاهل مرير. وهكذا أخذوا منّي حقّي بحياة شخصيّة، فلم أعد قادرة على التكلّم مع زوجي إلاّ بصوت خافت أو حتى ممارسة الجنس معه سوى بصمت تام حتى لا تسمعنا حماتي.

 


وبما أنّه لم يكن أحد منزعجاً مِن الوضع، قررتُ السكوت. والأصعب كان قضاء النهار مع جينا بعدما يذهب مُنير وأخوه إلى عملهما. فكان مِن المفروض عليّ النهوض باكراً والبدء في العمل في المطبخ على إعداد الغداء ومِن ثمّ تنظيف المنزل بينما كانت جينا تقضي وقتها تحتسي القهوى مع صديقاتها على الشرفة أو في الأسواق تشتري لنفسها الفساتين. ولم تكن حياتي قد بلغَت ذروتها في العذاب حتى أن تزوّجَ يوسف وجاء بزوجته إلى البيت الكبير لتعيش معنا. وفرِحتُ كثيراً أنّ أحداً سيأتي ويتقاسمني وحدتي ويكون شاهداً على حياتي مع أم زوجي. ولكن سهام لم تكن مستعدّة لأن تكون ضحيّة أحد وقَدِمَت إلينا وبِنيّتها أن تُثبتَ وجودها. وشعَرت جينا بأنّ كنّتها الجديدة لن تكون فريسة سهلة، لذا فضّلَت أن تستميلها لتعملان سويّاً على هلاكي. وهكذا بدأَت سهام بالتظاهر على أنّها في صفّي لتأخذ كل أسراري وأنا كالساذجة إعتبرتُها خشبة خلاصي. ولم أنتبه أنّ صديقتي الجديدة لم تكن تقوم بأي شيء في المنزل وتتركني أطهو وأنظّف لوحدي بينما كانت هي تغيب طوال النهار لتكون مع حماتها وتسرد لها كل ما كنتُ أقوله لها عنها وتخطّطنَ سويّاً لإبعادي نهائيّاً عن البيت.

ولكن كان عليهن التحرّك بسرعة قبل أن آتي لِمنير بولد ويصبح مِن الصعب التخلّص منّي. وبدأَت حماتي بالدخول إلى غرفة نومنا فجأة وساعة ما يحلو لها لِمنع إبنها مِن معاشرتي. وبعد أن إقتحَمت غرفة نومنا عدّة مرّات ليلاً تحت ذرائع مختلفة ودون أن تدّق حتى على الباب، قرّرتُ أن أضعَ قفلاً يمنع دخول أيّ كان لأنّني كنتُ أعلم أنّ لدى جينا نسخة مِن كل مفاتيح البيت. فذهبتُ إلى محل خرداوات وإبتعتُ ما يلزمني ووضعتُ بنفسي القفل. وفي الليلة نفسها حاولَت حماتي فتح الباب علينا ولكنّها لم تستطع ما أدخلَها بحالة غضب قسوة لِدرجة أنّها بدأت تركل الباب محاولة كسره. عندها أدرك مُنير أنّ للباب قفلاً جديداً فسألَني مِن أين أتى فأجبتُه أنّه يحقّ لي أن أنام في فراشي ومع زوجي مِن دون أن يقاطعنا أحد. ومع أنّه كان مِن رأيي لم يقبل أن تُمنع أمّه هكذا مِن الدخول، فطلبَ منّي أن أزيل القفل واعداً أنّه سيتكلّم مع حماتي ويطلب منها الكفّ عن الذي تفعله.

 


وقبِلتُ معه ظانة أنّ جينا فهِمَت الدرس ولكن ما حصل زادَ مِن كرهها لي ومِن إصرارها على طردي بطريقة ما. ولكنّني حمِلتُ مِن زوجي وكان الخبر

 

بالنسبة لِجينا وسهام بمثابة ضربة كبيرة لأنّ ذلك كان يعني أنّني باقية، الأمر الذي لم يكن وارداً بالنسبة لهنّ. لِذا أصبحَ مِن الضروري التصرّف بسرعة. وفي تلك الفترة وردَ على بالهنّ التآمر على إسقاط جنيني. والطريقة الأسهل كانت دفعي عن السلالم. وأعترفُ أنّه لم يخطر على بالي أبداً أن يفكرّ أحد بهكذا أمور وكنتُ أعتقد انّها لا تحصل إلاّ بالأفلام والروايات.

ولكنّ الحقيقة دائماً صعبة التصديق وبالرغم أنّني لم أفعل شيئاً لأستحقّ هذه الأفكار الإجراميّة كان هناك مَن أراد قتل جنيني بأية طريقة حتى لو سبّب ذلك الموت لي أيضاً. وفي ذاك نهار وأنا ذاهبة مع جينا وسهام إلى الطبيب النسائي لإجراء فحوصات روتينّية، شعرتُ وكأنّ أحداً يدفشني مِن الوراء. ورأيتُ نفسي أقع وأتدحرج نزولاً حتى آخر السلالم ومِن بعدها أُغميَ عليّ. وإستفقتُ في سرير مستشفى وأوّل ما قلتُه عندما فتحتُ عينيّ كان:"طفلي! طفلي!" ولكنّ الممرّضة طمأنَتني قائلة: "لا تخافي سيّدتي... الجنين بخير... رجلكِ مكسورة فقط". وتنفّستُ الصعداء وعدتُ إلى النوم. وعندما جاءَ مُنير ليراني بعدما عَلِمَ بالذي حصلَ، قلتُ له:

 

ـ إسمعني... وإسمعني جيّداً... أمّكَ وزوجة أخيكَ أو الإثنتَين هنّ سبب وجودي هنا... وأنا متأكدّة مِن الذي أقوله ... ولو كان لديّ أدنى إثبات على ذلك كنتُ الآن قد طلبتُ الشرطة لهنّ. إعلم أنّني لن أعود إلى ذلك المنزل أبداً حتى لو قرَّرتَ تطليقي إن لم أفعل... أحببتُكَ فيما مضى ولكنّني لم أذق طعم السعادة منذ ما تزوّجنا ولو لِيوم واحد... سكتُّ لأنّني إمرأة مُحترمة ومهذّبة ولكن أن يمسَّ أحد بحياة جنيني فلا! لن أسمح لأحد بعد الآن أن يتدخّل بي أو بخصوصيّاتي... إن كنتَ تريد متابعة حياتكَ معي فعليكَ إيجاد شقّة لنا أو عليكَ نسياني ونسيان ولدكَ... والآن أتركني أريد أن أنام.

 

لم يقل شيئاً بل نظرَ إليّ بتعجّب لأنّها كانت المرّة الأولى التي يراني فيها هكذا، فكان معتاد عليّ أن أطيع الجميع وأن أسكتَ عن كل شيء. ثمّ قام عن الكرسي بصمت وخرج مِن الغرفة. طلبتُ الممرّضة وقلتُ لها أنّني لا أريد رؤية حماتي أو سهام مهما كان السبب وأخبرتُها أنّني أشكّ أنّ إحداهنّ دفشَتني لأقع وأجهض. أقسمَت لي أنّها لن تدعهنّ يدخلنَ المكان أبداً. وبعد أن تعافَيتُ، ذهبتُ إلى منزل أهلي وقرّرتُ العيش هناك إلى حين أجد عملاً.

وبعد أقل مِن أسبوع جاء مُنير ليأخذَني إلى منزلنا الجديد. كان قد واجهَ أمّه التي إعترفَت له دون أي خجل أنّها فعلاً حاولَت إجهاضي وطلبَت منه أن يتركَني. عندها أدركَ زوجي أنّها بالفعل إمرأة شرّيرة وليست الأم المحبّة والحنونة التي وثَقَ بها. ومنذ ذلك الحين قطعَ مُنير كل إتّصال معها خوفاً مِن أن تحاول مجدّداً تخريب زواجنا.

 

حاورتها بولا جهشان

المزيد
back to top button